fbpx

“القمع الإلكتروني” في سوريا…استراتيجية خنق أصوات المحتجين في السويداء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما فعلته سياسات “العالم” وشركات ميتا من حظر لأي حسابات تناصر قضية فلسطين للتكتم على سيل الدم في غزة، يفعله الأسد اليوم بطريقة أو بأخرى، لكن الفرق الوحيد في قضيتنا أننا نواجه عدوّاً من بيتنا، عدوّاً يقطع صوتنا واتصالنا وأرضنا. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بينما كنت أحادث صديقي المغترب منذ أيام سألني “كيف حالك؟ شو في أخبار جديدة عندكن؟”. هذه الأسئلة على بساطتها لازلت تصل الخارج بالداخل السوري المغيب. كتبت رسالة سريعة عني وعن آخر الأخبار في البلد، أرفقتها ببعض الروابط ونقرت فوق زر إرسال، وبعد محاولات عدّة لم تخرج الرسالة من هاتفي.

 هذه المرة لم تكن المشكلة بخدمة الإنترنت البطيئة في منطقتنا، إذ  استيقظنا على خبر حظر العديد من المواقع الإخبارية من قبل النظام، ما جعل الوصول لها ومشاركتها أمراً غير متاح تماماً، وبذلك بقيت الرسالة عالقة بيننا، في فضائنا الإلكتروني الخاص، أحدهم ينتظر خبراً من الخارج، وبدوري أكرر النقر فوق عبارة: “فشل الإرسال، حاول مرة أخرى…” 

النظام السوري إذ يُقصي معارضيه بعيداً

بعد محاولات لإرسال ما كتبته، بدأت أبحث عن أي طريقة بديلة، كاستخدام تطبيقات المراسلة المشفرة، وشبكات الاتصال الافتراضية كبرنامج كاسر بروكسي (VPN)، الذي يمنح الوصول إلى المواقع المحجوبة داخل سوريا، وفور تفعليه، تم ارسال الرسالة.

دفعني هذا الأمر للتوجه نحو مقسم الخدمة في المنطقة، حيث أفادوني أن زيادة سرعة الإنترنت إلى 2 غيغابايت بدلاً من 1 غيغابايت ستحل المشكلة. وبالمقابل ستزداد الرسوم المالية التي يتم دفعها شهرياً. وهذا ما حدث العام الماضي، إذ تم ارغام جميع المستخدمين على زيادة سرعة الإنترنت إلى 1 غيغابايت أو الاستغناء عن الخدمة تماماً. وبعد شهر تقريباً، ارتفعت الأسعار بشكل مضاعف وبقيت السرعة ذاتها وأصبح الانترنت يخضع لتقنين يومي (قطع ساعتين كل أربع ساعات اتصال)، ويبدو أن هذه الحادثة ستتكرر مرة أخرى هذا العام.

 لم أقم بزيادة سرعة الانترنت لأنها ستكلفني نقوداً أكثر فقط. اعتدت في سوريا كما الجميع على المعاناة والحرمان اليومي. الأمر لم يعد مستهجناً، فقد اعتدناه وادرجناه تحت صنف المعاناة والحرمان من أبسط الحقوق. لكن ماذا يعني اليوم هذا المطلب الصغير في سوريا المدمرة حيث جميع خطوط الاتصال والشبكة البيانية فيها أصبحت شبه مشلولة؟.

 بقيت الرسالة عالقة بيننا، في فضائنا الإلكتروني الخاص، أحدهم ينتظر خبراً من الخارج، وبدوري أكرر النقر فوق عبارة: “فشل الإرسال، حاول مرة أخرى…”

“توجيهات وقرارات أمنيّة”

يقول محمد (اسم مستعار) أحد الموظفين في مقسم الاتصال: “الأمر مجرد توجيهات وقرارات أمنية تتعلق بما يحدث في المنطقة، كمحاولة لتقليص حصص الانترنت للأفراد وجعل معظم المواقع محظورة بغية قفل دائرة التواصل بين الناس، وضبط انتشار أحداث الجنوب واقصائها عن باقي المناطق، وذلك عبر اختصار الحزم التي توزّع على المناطق داخل المحافظات شهرياً”

يضيف واصفاً الاستراتيجيّة المتبعة: مثلاً، بدلاً من توزيع 1000 حزمة على كل منطقة اقتصرت على 200 للاستهلاك الجمعي. 

هذا الرقم ليس إلا مثالاً عن الفرق الواضح والكبير في حجم الحصص الموزعة، إذ تعتبر الحكومة السوريّة الإنترنت تهديداً لأمنها واستقرارها وفرضها لقيود الوصول إلى المحتوى ومراقبة النشاط عبر الإنترنت يبرر خوفها مما يحدث في البلاد، خاصة محافظة السويداء التي يعلو فيها صوت المظاهرات وتغيب عنها قبضة الأمن”. 

النظام السوري وتقنيات الحكم الاستعماري

لا يختلف ما يقوم به النظام السوريّ عن الممارسات الاستعمارية، التي تتقاطع بالأصل مع أساليب الأنظمة الاستبداديّة، فكما قطعت إسرائيل شبكات الاتصال والإنترنت عن قطاع غزة كاملاً، لقتل الفلسطينيين في الخفاء، بعيداً عن أنظار العالم.  سبق للنظام السوري وأن قطع الانترنت عن المحافظات والمناطق التي كان يستهدفها منذ عام 2011، ذات الأمر مع النظام المصري، لكن الاختلاف، أن النظام السوريّ مثلاً، وبينما القصف على غزّة مستمر، نراه يحضّر مسيرات تدعم فلسطين، ويدسّ صور بشار الأسد بين الأعلام بالخفاء.

بينما يضيق النظام السوري الخناق على السوريين، تتصاعد وتيرة الغضب في الداخل، خاصة في الفترة الأخيرة حيث تعيش سوريا ثلاث مراحل دفعة واحدة، ففي جنوبها تشتعل المظاهرات التي تنادي بإسقاط النظام، وفي الشمال تشتعل سوريا بمعناها الحرفيّ من قصف الأسد على منطقتي ادلب وحلب بمن فيها، بينما الوسط (بين الجنوب والشمال) يفرض الأسد قبضته الأمنية ويجلس في قصره البعيد والمحاط بالأمن على بعد أميال من كل الجهات.

على رغم ذلك نتناقل الأخبار فيما بيننا (من الجنوب للشمال) كمحاولة لفهم ما يحدث في بلدنا التي مزقها النظام، نتشارك المعلومات والأحداث بصوت منخفض خوفاً من الأمن، مثلاً إن كنّا نسير ونتحدث نخفض صوتنا مباشرة ما إن مررنا بجانب أحد أفرع الأمن أو المخابرات، ثم نكمل وكأن شيئاً لم يكن، نتشارك أي تفصيل يتعلّق بالبلد (بغض النظر عن حقيقته) كخبر سفر عائلة الأسد خارج سوريا بفعل ما يحدث في السويداء وفلسطين.

 منحنا التواصل فيما بيننا الحقيقة التي اخفاها النظام السوري لسنوات من خلال فصلنا عن الواقع، وقد لعب الإعلام الرسميّ وتحيز بعض وسائل الإعلام الدوليّة دوراً كبيراً في ذلك، فأصبح المصدر الرئيسيّ لمعرفة الاخبار الحقيقية اليوم هي أحاديث سريّة تتم بيننا إمّا بالهمس أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي أعطتنا فرصة أكبر لنقول ما نريد.

اعتقال المعارضين عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ

استخدم النظام على مر السنوات كل أدوات القمع لإسكات أفواه معارضيه ومنتقديه، حبسهم عذبهم وقتلهم، فالكلمة تخيف النظام وتشكل له قلق كبير، ويظهر هذا من محاولاته المستمرة في إخماد أي صوت يمس به.

يحاول اليوم نظام الأسد اليوم إخماد المظاهرات في السويداء عن طريق عزل المنطقة، وتغليفها من خلال الرقابة الالكترونية عبر شركتي MTN وSyriatel . ولم يتوقف النظام هنا حيث تم تعديل فاتورة أسعار الاتصالات الخلوية والرسائل والميغابايت ورفع أسعارها بشكل مضاعف، وأصبح سعر قيمة باقة انترنت شهرية يعادل راتب موظف في الدولة وربما ضعفين.

 هذه الزيادة شملت الباقات الخاصة بالطلبة الجامعيين والباقات النقابية، وبالطبع مقاسم خدمات الاتصال وخطوط الهاتف الأرضي التي ترتبط بالإنترنت المنزلي (الراوتر)، هذا الترافق بين زيادة الأسعار وحظر غالبية التطبيقات والصفحات الالكترونية يعد محاولة واضحة  لفصل الكلمة عن الشعب، ورد فعل طبيعي لعدم قدرة النظام على إدخال جيشه للمنطقة الجنوبية وقتل السوريين بالبراميل كما يفعل في الشمال، فلجأ لقتل هذه التطبيقات لمنع تداولها مع الخارج، أما في مناطق الساحل يستمر النظام بفرض سيطرته وتغييب أي شخص يثير خوفه.

أتاح البديل الذي كان حاضراً في أيدي السوريين كل هذه السنوات فرص أخرى للنجاة بعد حرمانهم من كل شيء تقريباً، فمنذ بداية الأزمة لليوم يواجه الطلاب السوريون صعوبة في الوصول إلى كل ما يتعلّق بالمواقع التعليمية والمعرفية والترفيهية بعدما فرضت علينا دول الخارج حظر شامل،اليوم يحاصرنا النظام السوري بحظر من الداخل، لنصبح عالقين بين جدارين كبيرين يفصلاننا عن العالم أجمع.

ما فعلته سياسات “العالم” وشركات ميتا من حظر لأي حسابات تناصر قضية فلسطين للتكتم على سيل الدم في غزة، يفعله الأسد اليوم بطريقة أو بأخرى، لكن الفرق الوحيد في قضيتنا أننا نواجه عدوّاً من بيتنا، عدوّاً يقطع صوتنا واتصالنا وأرضنا. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.