fbpx

هل يشارك سمك القرش في سوريا الصياد في رزقه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا ينكر كوبش أن ظهور القرش في المنطقة ليس بالأمر الغريب عليهم، فهو مستوطن في هذه البيئة، ولطالما كان موجوداً، ولطالما روى أجدادهم قصصاً عنه وعن أعداده الكبيرة. لم يهاجم القرش أياً من البشر طيلة هذه السنوات، وإنما الشباك، إذ يقطعها ويشارك الصياد في رزقه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سمكة ضخمة يقف أمامها أحد الصيادين في جبلة، والسعادة تبدو واضحة على وجهه بهذا الصيد الثمين الذي يزن عشرات الكيلو غرامات، وكتب على الصورة  “سمكة قرش ضخمة”.

انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي في سوريا، وبخاصة تلك المتعلقة بالصيادين أو المرتبطة بالمناطق الساحلية، صور ومنشورات تتحدث عن أسماك القرش ووقوعها في شباك الصيادين السوريين. كما دخل هذا الصنف إلى معروضات باعة السمك وتحوّل الى نوع بات يزداد الطلب عليه بسبب رخص سعره نسبياً وجودة لحمه.

وهنا كان السؤال: هل تزداد أعداد القرش في سوريا بالفعل؟ وهل يمكن هذه الأسماك المشهورة بخطورتها أن تهدد حياة البشر وتقترب من الشواطئ؟

حملنا أسئلتنا بداية لصيادي جبلة، وهم الأنشط على صفحات التواصل الاجتماعي في مجال الصيد. سميح كوبش، رئيس جمعية الصيادين هناك، لفت الى أن أعداد القرش بدأت تزداد بالفعل عما كانت عليه سابقاً، وقال: “لاحظنا هذه الزيادة من سبع سنوات، وبخاصة في جبلة”، حيث يعمل الصياد المتمرس.

مستوطن قديم على الشواطئ السوريّة

لا ينكر كوبش أن ظهور القرش في المنطقة ليس بالأمر الغريب عليهم، فهو مستوطن في هذه البيئة، ولطالما كان موجوداً، ولطالما روى أجدادهم قصصاً عنه وعن أعداده الكبيرة. لم يهاجم القرش أياً من البشر طيلة هذه السنوات، وإنما الشباك، إذ يقطعها ويشارك الصياد في رزقه.

تابع كوبش: “عاشت القروش لفترة طويلة في منطقة جون جبلة، مستفيدة من الخير الكبير في أعداد السمك، ثم تراجعت أعداده مع تراجع أعداد السمك، ولكنه عاد أخيراً الى الظهور”. ويعتقد كوبش أن سبب الزيادة في أعداد القروش يرجع الى زيادة حرارة المياه نتيجة التغيير المناخي، والى عدم وجود مفترس له، فضلاً عن تأثير وسائل الصيد الجائر، باعتبار أن القرش لا يصطاد بل ينتظر فريسته، فهو يتبع ما يخلّفه الديناميت من ضحايا بين الأسماك ويلتقط فريسته.

وأكد الصياد والناشط في جبلة حسن قناديل، أن أسماك القرش موجودة منذ زمن بعيد، فهي أسماك مستوطنة وتتكاثر في الشواطئ السورية، شارحاً أن أسماك القرش بطيئة جداً، لهذا لا يراها الصيادون بكل يومي، ولافتاً الى أن أعدادها في الماضي كانت أكبر، لكن الفرق  اليوم هو وسائل التواصل التي تسهل انتشار الأخبار بسرعة أكبر.

ينقل قناديل عن قصص جدّه، بأن القروش كانت تنتشر حول الصيادين ليلاً بالمئات، فيما اليوم ليس لها وقت معين للظهور. ويرفض وصف القرش بالخطر، قائلاً إن الأنواع الموجودة في ساحلنا غالبيتها من النوع المسالم تجاه البشر، وموضحاً أن الصيادين يسبحون بينها: “لسعات بعض أنواع الأسماك الشوكية السامة  أخطر بمئات المرات من أسماك القرش، والدليل على ذلك اصطياد القرش بوسائل بدائية من دون تعرّض للأذى”.

قناديل أشار الى الديناميت الذي يعتبره عدو الصياد الأول، فالجلبة التي يحدثها من ضوضاء وتعكير للقاع نتيجة الحراثة والأسماك التي تخرج ميتة من الشباك، كلها أمور تجذب أسماك القرش وتوفر لها وجبة غذاء جاهزة وسهلة.

رئيس جمعية الصيادين في اللاذقية، نبيل الفحام، اعتبر أن السبب الرئيسي لظهور هذه الأسماك هو صيد “الشنشلة” الذي يعتمد على الإنارة القوية والشبكة الكبيرة، وهذه الشبكة تحمل معها الكثير من الأسماك، فخلال رفعها تتساقط منها أسماك عدة، وبخاصة البلميدة التي تموت بمجرد لمس الشبكة، ولهذه السمكة رائحة مميزة تجذب القرش بشكل فوري.

لا ينكر الفحام الدور الكبير الذي يلعبه الصيد بالديناميت، لكنه يركز أكثر على “الشنشلة”، لأن أصحابها يعملون حتى في فترة المنع، أي خلال موسم تكاثر الأسماك، والتي تمتد لشهر ونصف الشهر في أول السنة، وشهر ونصف الشهر في نيسان/ إبريل، والمدة ذاتها في تموز/ يوليو.

الدكتور مالك فارس علي، من كلية الزراعة في جامعة تشرين، أوضح أن أسماك القرش موجودة في المياه السورية منذ القدم، وأول تسجيل علمي لوجودها في المياه السورية كان منذ نحو مائة سنة، عندما ذكرها الباحث الفرنسي غروفيل (1931) في دراسة عن الأسماك الاقتصادية في المياه السورية (سورية الحالية، لبنان، فلسطين).

تابع علي، “أعداد أسماك القرش في المياه السورية ليست كبيرة جداً، وهي تتعرض للصيد الجائر كباقي الأنواع السمكية”.

أما بالنسبة الى أنواعها، فشرح علي أنه يوجد محلياً 23 نوعاً يتبع لأسماك القرشيات، ونحو 22 نوعاً يتبع لمجموعة تسمى القوابع والشفانين (تابعة للأسماك الغضروفية)، وبحسب تسميات منظمة الفاو، تُطلق عليها أيضاً تسمية أسماك القرش (أي تلحق بأسماك القرشيات).

بخصوص تصريحات الصيادين، أكد علي أن أسماك القرش تتعرض كغيرها من أنواع السمك للصيد الجائر، وهي تتأذى من الديناميت، وحقيقة أنها تأتي لتتغذى على مخلفات الصيد فهذا أمر طبيعي وقديم وليس بجديد.

“عاشت القروش لفترة طويلة في منطقة جون جبلة، مستفيدة من الخير الكبير في أعداد السمك، ثم تراجعت أعداده مع تراجع أعداد السمك، ولكنه عاد أخيراً الى الظهور”.

لحم رخيص ذو سمعة سيئة

يقوم الصيادون منذ زمن، بصيد هذه السمكة الضخمة وعرضها للبيع مستغلين وزنها الكبير، فيما تواجه أسماك القرش تهديدات خطيرة في كل أنحاء العالم بسبب الصيد المتعمد أو غير المقصود على حد سواء. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو)، فقد تم صيد نحو 900 ألف طن من أسماك القرش في العام الواحد على مدى العقدين الماضيين. 

وأوضح كوبش أن هناك أشخاصاً مهتمون بهذا النوع من الصيد، ويستخدمون له أسلاكاً خاصة لتتحمل وزنه، وتمنع القروش من قطعه نظراً الى قوة أسنانها.

ورغم وجود القرش في المتاجر، لكن حتى الآن لا يزال سعره محدوداً، بحسب كوبش، وهو يباع “شيلة واحدة” من دون حساب الوزن، ويبلغ سعره ما بين 200-250 ألف ليرة سورية.

من جانبه، أوضح  قناديل أن لحم القرش يصنّف جيداً من الناحية الغذائية، لكن لا يميل جميع الصيادين الى صيده، لسببين: الأول والرئيسي، خوف الصياد على شركات الصيد من مراكب الجرف التي تدخل ليلاً إلى المياه الضحلة، وبالتالي تدمر شراك الصيد، والسبب الثاني، السمعة السيئة لهذه السمكة  والتي استمدتها من اسمها، وهو “كلب البحر”، ما يجعل سعر لحمها متدنياً رغم جودته. 

الفحام وصف طريق صيد القرش بالصعبة، لأن السمكة كبيرة ووزنها يتراوح بين 200-300 كيلوغرام، وبالتالي تحتاج الى شد وجهد، لهذا تتطلب أن يكون على المركب حوالى ثلاثة بحارة، وقد يستغرق صيدها ساعتين.

أما عن سبب ظهورها في المصيد بكميات ملحوظة، فالسبب في رأي علي، يعود الى تحوّل الصيادين إلى صيدها بدل الأسماك العظمية الكبيرة، خصوصاً بعدما أصبحت مخازين الأسماك العظمية قليلة في مياهنا ومياه بعض الدول المجاورة نتيجة الصيد الجائر.

مخاطر صيد القرش

يُعتبر صيد القرش مشكلة كبيرة، لأن هذه الأسماك تتكاثر ببطء ولديها خصوبة منخفضة، ما يعني أنها تضع عدداً قليلاً جداً من المواليد مقارنة بأسماك أخرى، ولهذا تعد أسماك القرش من أكثر الحيوانات البحرية المهددة بالانقراض على هذا الكوكب، إذ إن 37 في المئة من أنواع أسماك القرش في العالم مهددة بالانقراض، ويرجع ذلك أساساً إلى الصيد الجائر، إلى جانب أزمة المناخ، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة. 

في عام 2014، تم، للمرة الأولى، تناول موضوع سمك القرش في مؤتمر عقدته الأمم المتحدة في دبي تحت عنوان “الحفاظ على أسماك القرش المهاجرة والمهددة في المنطقة العربية”. وبحسب التقرير الذي عُرض في المؤتمر، تعد سواحل بلدان عدة في المنطقة موطناً لأنواع عدة من أسماك القرش، من أبرزها دولة الإمارات العربية المتحدة، جزر القمر، مصر، الأردن، ليبيا، موريتانيا، السودان، سوريا واليمن.