fbpx

هل يتحكم تركي آل شيخ بفناني مصر بالريموت كنترول؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدا موسم الرياض وكأنه محاولة للتشويش بصوت الأفراح العالية على المقتلة في غزّة، وعلى أصوات الموتى، ليأتي فيديو محمد سلام، وكأنه خاطبنا جمعياً بعفوية، نحن العاجزون أمام حكوماتنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 2009، أنتج “مركز الإبداع” في القاهرة مسرحية “قهوة سادة”، وشهدت حينها إقبالا شعبياً واسعاً، وصار أبطالها نجوماً الآن منهم  الممثلين المعروفين محمد سلام وبيومي فؤاد. على رغم أن مسرحية “قهوة سادة” إنتاج تابع لوزارة الثقافة، وتعرض عملياً على مسرح تابع للدولة، إلا أنها تميزت بصوتها الواضح في انتقاد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بقوة، من خلال اسكتشات لا يزيد الواحد منها عن 10 دقائق، من بينها إسكتش بعنوان ” الخلجنة”.

نشاهد في الاسكتش رجل أعمال خليجي يشاهد مسلسل رأفت الهجان، لكن لا تعجبه اللهجة المصرية، فيغير لهجة المسلسل إلى الخليجية عن طريق الريموت كنترول. 

نشاهد أيضاً في نفس المسرحية مُنِتجاً خليجياً يوزع سيناريو فيلم عن أحداث ثورة يوليو 1952، وأثناء قراءة الممثلين للسيناريو في البروفة، يفاجئوا بوجود شخصية خليجية في السيناريو تدعى “نواف الغامدي” لعبت دورا في كل أحداث الثورة بدءا من التحضير لها وحتى تأميم قناة السويس، ليعترض الممثلون على الشخصية، حتى يصل الأمر إلى لعب ” نواف” دورا في حرب أكتوبر، ليهتف الممثلون في ثورة ” مافيش نواف”.

 المفارقة بحسب ما رصدته الصحفية نسمة تليمة، هو أن أحد الممثلين الذين اعترضوا في المشهد على “خلجنة” الفن والتاريخ، كان الممثل المصري غير المعروف وقتها محمد سلام، أما المفارقة الأخرى أن ذلك المشهد صار واقعا يعاني منه الفن المصري حاليا إثر تعاقدات ضخمة تستدعي الريبة مع الفنانين المصريين وهدايا بمئات الآلاف من الدولارات لإحياء العروض الفنية في موسم الرياض بقيادة  تركي آل شيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية.

المغامرة بـ”أكل العيش”

بعد عقد ونصف من إسكتش “الخلجنة” فاجئنا الممثل المصري الكوميدي بيومي فؤاد بوقوفه في نهاية مسرحيّة “زواج اصطناعي” التي عرضت في موسم الرياض الحالي منفعلاً ومتهما زميله الممثل محمد سلام بالمزايدة على الفن وعلى زملائه، في إسكتش مسرحي ركيك، بدا فيه بيومي متذللا لآلة المال السعودي، ما أشعر قطاعات واسعة من المصريين الذين شاهدوا كلمة بيومي فؤاد، بالخجل من أسلوبه، مما أطلق حملة انتقادات كبيرة، طالبت بمقاطعة بيومي فؤاد.

كان من المفترض أن يشارك محمد سلام في بطولة المسرحية، إلا أنه قبل عدة أيام من انطلاق فعاليات موسم الرياض، نشر فيديو اعتذر فيه عن السفر والمشاركة في المسرحية الكوميدية، بسبب الظروف التي يمر بها قطاع غزة، وقال “لا أتخيل تقديم مسرحية ونغني ونرقص، وإخوتنا يُقتلون ويُذبحون، أشعر إذا فعلت ذلك.. فكأني خذلتهم ويكفي ما نحن فيه من سكوت”، أما عن سبب صمته قبل موعد العرض بأيام قليلة، هو تصوره بإمكانية إلغاء موسم الرياض مع تصاعد أحداث الحرب في غزة، أو تمنياته بهدوء الوضع”

قوبل الفيديو بحفاوة واسعة من مصريين كثر، وانتقادات كبيرة من حسابات تابعة لتركي آل شيخ على مواقع التواصل الاجتماعي، رأت فيما فعله سلام “مزايدة على الدور السعودي” ثم تحولت من الهجوم إليه على سبه، فضلا عن هجوم عمرو أديب في برنامجه الحكاية، والذي يبث من قناة MBC السعودية، وهو البرنامج نفسه الذي شن هجوما عكسيا على اللاعب محمد صلاح، للضغط عليه من أجل أن يعلن موقفا مساندا للفلسطينيين في غزة، ثم عاد وكرس برنامجه للدفاع عن بيومي فؤاد ضد الحملة الشعبية التي شنت ضده ملخصا الحكاية في “أكل العيش”، لكن في الحقيقة من غامر بـ” أكل عيشه” كان محمد سلام.

رد محمد سلام مبلغ 80 ألف دولار هو أجره في المسرحية التي اعتذر عنها، ما يعني إغلاق فرصه المقبلة في المشاركة في موسم الرياض الذي يتهافت عليه كبار النجوم في مصر، نظرا لضخامة الأجور المعروضة للفنانين، كما أن الأفلام التي تنتج في الفترة الأخيرة، ومهما بلغ ضعف إيراداتها في مصر، فهي تحقق أرقاماً ضخمة في دور السينما بالسعودية، مما يعني أن لها الأولوية في ذائقة الاختيار الفني واختيار النجوم.

الرقابة المزاجيّة والأوامر السياديّة

تركي آل شيخ له سابقة في إقصاء الفنانين، حين حذف دعاية مسلسل “القاهرة منورة بأهلها” لباسم سمرة الذي غرد دفاعا عن الفنان محمد صبحي بعد تطاول تركي آل شيخ على صبحي، الذي أعلن رفضه عرض مسرحية “خيبتنا” ضمن عروض هيئة الترفية العام الماضي.

جاء الحذف على رغم أن مسلسل باسم سمرة كان من إنتاج منصة شاهد، ولم يعرض المسلسل إلا بعد اعتذار باسم سمرة. والآن خصصت قناة  إم بي سي فاصلا إعلانياً لتكريم بيومي فؤاد  يعرض بين البرامج.

موقفان على طرفي نقيض، ليس من السهولة، إذا ما هدأ الغضب فهم أيهما كان الأصوب.

كان لمحمد سلام وبيومي فؤاد أن يمرا بهدوء، لولا أنهما يقعان عند ذروة حدث مأساوي كحرب الإبادة على غزة مع شعور قطاع واسع من المصريين بالعجز الكامل خاصة مع التخاذل العربي والموقف الهادئ من حكومتهم، كما أثار موقف بيومي وسلام إلى السطح قضيتين عالقتين، بحسب الناقد المصري محمود عبد الشكور، الأولى هي قضية مؤسسة الترفيه السعودية والارتياب المشروع، خصوصا فيما يتعلق بتعاقداتها الضخمة مع الفنانين المصريين بالذات، أما الثالث فهو موقف الفنانين بشكل عام من تقاطعات الفن والسياسة والمال.

كنا كمصريين في حاجة إلى الموقف الواضح الذي أعلنه محمد سلام، في ظل صمت مخزي من الجميع، فالفنانون المصريون باستثناء سلام، ومن قبله الفنان أحمد فهمي، لم يعلنوا رأيهم فيما يحدث في غزة إلا بالأمر المباشر من الجهات السيادية، بعد إشارة من الرئيس المصري في إحدى خطبه، عن ضرورة أن يصل صوت الشعب وموقفه من القضية الفلسطينية، وهي دعوة إلى التظاهر أجهضت بعد اليوم الأول، لتخطيها الحد المرسوم وإنذارها بهتافات غير موجهة، ضد سياسات النظام المصري.

ضريبة العفويّة

احتضن رأي عام مصري فيديو سلام، لأنه بدا عفوياً، صادق النبرة، وفي جوهره، لم يكن مزايدة على أحد، بل بدا واضحا أنه قرار فردي لا يدين زملاءه ولا حتى أموال موسم الرياض ولا الفن، بل فقط يعبر عن أن حالته النفسية سيئة، ولا تسمح له بالمشاركة في عمل كوميدي، بينما “الإبادة تجري لأهل غزة”

لم يكن هناك مقاومة من جانبه أو محاولة تصدي لآلة الإنتاج السعودية، التي تكاد تهيمن على الفن المصري، ولم يكن يهتف كما هتف في عرض 

“قهوة سادة”: مافيش نواف. هو فقط وببساطة لم يعبأ حين خيّر بين ضميره وعجزه مثل ملايين مثلنا في مصر عن فعل شيء واحد ذي جدوى، فلم يجد سوى أن يوقف التفكير في المكافآت المجزية التي يكفلها موسم الرياض. شرف الموقف هو وسام محمد سلام الوحيد.

الخصومة مع تركي آل الشيخ

أما كل ما أُسبغ على الموقف من جدل، سببه أنه مسّ عصباً حساساً فينا، فإلى جانب شعورنا بالعجز كشعب، وموقف الحكومة غير القادرة على اتخاذ إجراءات واضحة تناسب حجم دولة كمصر، يخرج عليها تركي آل شيخ، الذي لا يراه مصريون ممثلاً للشعب السعودي، بل خصماً متطفلاً، بما يمثله من سطوة رأس المال، المرتبطة بالعنجهية وانعدام اللياقة وشراء ما أراد شراءه دون اعتبارات أخرى.

 كانت أول خصومة مباشرة معه نتيجة محاولته “سعودة” الرياضة المصرية عن طريق نادي الأهلي، ومن بعدها نادي الزمالك، وكان من المهين أن يرى مشجعي ناديين عريقين رئيسيهما يتذللان لتركي آل شيخ، فاتفقت هتافاتهما في المدرجات على رفضه، مما اضطر رئيس نادي الأهلي على سحب رئاسة النادي الشرفية التي أعطاها له، كي ينجو من غضب الجماهير، وهو ما رد عليه بتأسيس نادي بيراميدز للانتقام من الأهلي.

أما ما أثير من رد فعل سلبي تبناه مثقفون محسوبون على تيار “التنوير” المناهض للقوى الدينية، كإبراهيم عيسى، الذي لم ير في موقف سلام إلا نبرة دينية، تحتقر الفن وهو حق أريد به باطل، إذ لم يبد أن سلام يعني إلا نفسه، ولم يبد أنه من الفنانين الذين يؤمنون بحرمانية الفن، ما رآه حراما حتى ولو بخلفية تجمع بين الديني والإنساني هو فكرة الصمت على الإبادة في غزة، وهو ما أيدته البهرجة الزائدة عن الحد التي واكبت افتتاح فعاليات موسم الرياض، والتي أقيمت ببذخ واحتفالية ومرح كأن لا ضحايا مذابح يومية في الجوار.

التشويش على المقتلة بصوت عال

وفي حين رفض مثقفون وفنانون إلغاء فعاليات كمهرجان الجونة السينمائي وغيرها من الفعاليات الثقافية؛ بسبب الحرب على غزة، لأنها تؤدي رسالة عكسية،  بحجة أن الفن هامشي ولا لزوم له،وكان من الممكن  استغلال تلك الفعاليات لتكون نافذة لدعم القضية الفلسطينية، فموسم الرياض بدا كأنه موجود بالضبط للتشويش بصوت الأفراح العالية على تلك القضية، وعلى أصوات الموتى، كما يرى الباحث عبده فايد: حين قال “الإصرار على بدء موسم الرياض بشكل احتفالي باذخ، في وقت الإبادة الجماعية في غزة، ليس مجرد ( قلة ذوق) بل موقف سياسي واضح في رأي البعض يعكس الموقف السعودي تجاه ما يحدث، وهي الدولة التي قاربت على التطبيع على نحو رسمي مع إسرائيل”.

بالمثل، ربما لم يكن يحمل موقف بيومي فؤاد أكثر مما يحتمل، لولا أداؤه السيء وشعورنا أنه يحاول إرضاء “الكفيل” السعودي، بأكثر مما هو مهتم بجمهوره المصري ومشاعره المتعاطفة مع غزة وموقف واحد منهم وهو محمد سلام، وهو الجمهور الذي رفع بيومي كما رفع سلام إلى مصاف النجوم، لكن ثمة إحساساً جمعياً بأن بيومي خذل ذلك الجمهور قبل أن يخذل نفسه.

قبل ذلك الخطاب الرديء من بيومي فؤاد ، لم يدع أحد لفرض موقف سلام على باقي المشاركين في العرض المسرحي “زواج اصطناعي، إذ فهمنا بوضوح أنه موقف فردي، وأن إقامة الفعاليات الفنية بشكل عام لا يتعارض مع الأحداث المؤسفة، لم يتذكر أحد أن المشاركة مخزية إلا بعد أن هاجم سلام ومتزلفا باسم أن ” الفن رسالة” إلى تركي آل شيخ الذي لم يترك شيئا للانتقاص من موقف سلام إلا وفعله.

كل هذا يذكرنا بمعنى الفن، فنحن منذ أكثر من 10 سنوات (وهي سنوات صعود بيومي بل وسلام نفسه) لا نشاهد فنا، بل مجرد هراءات بلا موضوع، بعد أن سيطرت الجهات السيادية على إنتاج الفن، ثم ها هو يخضع الآن لسلطة رأس المال في هيئة الترفيه، وبسبب الإيرادات العالية في قاعات السينما السعودية، لأفلام لم تحقق إيرادات حقيقية في مصر، وغالبا ما تكون الأفلام الأقل في المستوى، والتي تعتمد أكثر وأكثر على تهريج اللاموضوع، أو الإيفيهات الجنسية المبتذلة، فهذا يعني أن يندفع الإنتاج الفني في مصر إلى مزيد من تلك الأفلام.

بحسب الناقد الفني آدم مكيوي، كان الفن التجاري المصري الركيك في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي سواء سينما أو مسرح، يملك القدرة وسط دخان التهريج أن يملكا صوتا منتقدا سواء تجاه السياسات الداخلية أو حتى في تكوين موقف رافض تجاه التطبيع.

وطأة الاستبداد

لكن بشكل عام، أرى أن الغضب العارم تجاه بيومي فؤاد مرده في الأساس السبب نفسه الذي جعل المصريين يحتفون بمحمد سلام، هو الشعور بالعجز، والفرصة لإيجاد موقف يبرأ عنا ذنب هذا العجز، يشعرنا أننا نفعل شيئا، نستجدي الكرامة، إذ مس ما فعله الشعب الفلسطيني بحسب الباحث محمد نعيم في حواره مع بلال فضل، شيئا في الوعي المصري، الذي يشعر بوطأة الاستبداد، ورغم ذلك وجد شعبا محتلا يعيش في ظروف أسوأ منه، جرؤ على رفع قيد النير، رغم علمه بالتضحيات الباهظة في الأرواح وسياسة الردع الغاشمة التي تتبعها دولة الاحتلال، والتي لن تتورع عن ارتكاب إبادة وجرائم حرب.

ومن الطبيعي بشكل عام، أن يقدم الفنان فنه في أي دولة مقابل أجر، مثله مثل الطبيب والمهندس وباقي المهن، وإن كان المال الآن في الرياض لا القاهرة، فليكن، بعد نكسة 67 وحتى السنوات الأولى في السبعينات، توقف الإنتاج المصري السينمائي، مما اضطر عدد كبير من النجوم إلى الهجرة إلى دول مثل لبنان وتركيا وتقديم أعمال متواضعة المستوى، وكانت المسلسلات والمسرحيات في ثمانينات القرن الماضي تصور في إستوديوهات ومسارح خليجية، لكن لم يحدث من قبل- بحسب تعبير الناقدة يارا شاهين- أن رأينا هذا المستوى من الانبطاح من قبل الفنانين المصريين أمام رأس مال خارجي.