fbpx

الفلسطيني… الجسد المستباح الجسد المقاوم 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خلال الأشهر المقبلة، وحتى إن نجح الجيش الإسرائيلي في عملياته البرية والتي تهدف بالأساس الى القضاء على حركة “حماس” وذراعها العسكرية، لن يتوقف العنف، أو المقاومة، فَالضفة الغربية التي لا توجد داخلها “حماس”، أو أي تنظيم مسلح كبير، مثل كتائب القسام، لا يتوقف العنف فيها، القتل والسجن والعنف والمقاومة، هي مفاهيم الحياة الأساسية هُناك. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ نحو ثمانين عاماً، يعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال، وهذا الاحتلال الذي رسَّخ لمعيشتهم، أي يومياتهم العادية، حالة استثناء، بمعنى تعطيل القانون من صاحب السيادة نفسه، وصاحب السيادة هنا، هو الجيش الإسرائيلي الذي استباح الفلسطينيين كأجساد وذوات تحيا على أرض مسلوبة منهم. 

أبرز تمظهرات هذا الاستثناء على الجسد  الفلسطيني، أنه جعله، بإرادته، كما رغماً عنه، جسداً مستباحاً، وكانت لهذه الاستباحة، من دون أي مفر، أن تجعل الجسد مقاوماً أيضاً. فما هي تمثلات الاستباحة والمقاومة لهذا الجسد؟. 

منذ عشرينات القرن الماضي، وجد الفلسطيني نفسه تحت سلطة الاحتلال البريطاني (الانتداب)، التي مارست عليه شتى أنواع القمع، من قتل وسجن، كما مارست عليه التهجير من خلال الاستيلاء على الأراضي من دون أي وجه حق، ومساعدة العصابات الصهيونية في قتل الفلسطينيين وتهجيرهم من قراهم ومدنهم وبيوتهم. 

استمرّ هذا التنكيل حتى قامت دولة إسرائيل عام 1948، وفي ما بعد ثبتت أركان دولتها من مؤسسات حكم أمنية على الأراضي الفلسطينية، لتُعطي نموذجاً عالمياً لما يُسمى دولة الاحتلال والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني على أراضيه الفلسطينية، غاضّة النظر عن كل الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تُجرم ما تفعله سلطات الاحتلال. 

طيلة هذه العقود، وجد الفلسطيني نفسه مستباحاً عارياً، أو “حراماً”، كما يصفه المفكر الإيطالي جورجيو أغامبين، بلا أي حقوق. تُسلَب أرضه وممتلكاته، يُهجّر إلى بلاد مجاورة، وينزح إلى مدن أُخرى، يُقتل ويُعرّى في الشوارع، يعامل كأنه لا إنساني آدمي، فهو ليس مثل “المواطن الإسرائيلي”، بل يعامل “كالآخر”، صاحب الجسد العاري، والوجه الآخر، حد وصف الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناس، وجه من دون ملامح، أو بملامح غير إنسانية، أقل منها في كل شيء، وهذا ما يُمهد للاستِباحة.

تجلّت هذه الآخرية العارية في ممارسات مثل القتل بشكل مباشر، من خلال الاحتجاج في الشوارع، أو حتى الاشتباه. فالأمن الإسرائيلي يقتل من يشتبه به، لمجرد الاشتباه، ليس الأمن فقط، بل حتى المستوطنين الإسرائيليين المُسلحين الموجودين، تحديداً في الضفة الغربية، والذين يطلقون النار على الفلسطينيين، لمجرد أنهم فلسطينيون، إذ ليس لقتلهم أي ثمن أو محاسبة. فضلاً عن عمليات سلب الفلسطيني وتهجيره من أرضه وبيته، في عملية إحلالية تُشرعنها دولة إسرائيل لمُستوطنيها. 

تجد أيضاً استباحة هذا الجسد في عمليات التفتيش في الفضاءات العامة، إذ تمارس القوات الإسرائيلية على الجسد الفلسطيني عمليات تفتيش مهينة، إذ يُؤمر الفلسطيني بالجلوس على ركبتيه ورفع يده الى أعلى، وأحياناً قبل هذا، يُطلب منه التعري بشكل كامل من ملابسه، حتى يظهر الجسد لهم، كأنه عار، طيّع، مجرّد، لا يمتلك أي شيء. وهذا تجلّى سينمائياً، في فيلم “ملح هذا البحر” 2008، عندما مرَّ أحد الشباب الفلسطينيين على حاجز للقوات الإسرائيلية، فخلع كامل ملابسه أمامهم، ورفع يده الى أعلى، في دلالة على أنه لا يملك أي شيء سوى جسده العاري أمامهم. 

أيضاً، تجلت الآخرية في السجن الدائم للجسد الفلسطيني سواء عبر جدران إسمنتية عازلة أو عبر حواجز عسكرية، إذ ترى دولة إسرائيل المواطنين الفلسطينيين كأنهم سلة من المتوحشين، المنبوذين من قانونها العنصري، والذين يجب عزلهم عن الحياة كُليةً، حتى من دون أي تهم واضحة. 

يتجلى ذلك أيضاً في ما يعرف بـ”الاعتقال الإداري”، إذ يوجد 1264 معتقلاً إدارياً في سجون الاحتلال الإسرائيلي. ولهذا، وعبر السياق التاريخي، تجد عشرات الآلاف من الفلسطينيين السجناء منذ قيام دولة إسرائيل، منهم الآلاف الذين سُجنوا لعشرات السنوات الذين غُيّبوا عقوداً كاملة عن الحياة. وكأنهم في موت آخر، فالسجن هو موت إكلينيكي، بشكل آخر.

زادت على هذه الاستباحة كلها، المأساة الغزاوية، إذ منذ ما يقرب من عقدين تحوّل قطاع غزة، كما هو معروف، إلى “أكبر سجن في العالم”، حيث يعيش أكثر من مليونيّ إنسان داخل قطاع غزة في حصار شبه كامل. يعيش القطاع على الأموال والموارد المعيشية التي يسمح الاحتلال الإسرائيلي لها بالدخول. من هنا، عاش الجسد الغزاوي في استباحة، كانت أشد إيلاماً من الفلسطيني الآخر الذي يعيش في مناطق أخرى. إذ إن الجسد الغزاوي شبه ممنوع من الحياة كلها، يجد استحالة في الخروج من القطاع، والانتقال إلى الضفة الغربية أو داخل أراضي 48 أو إلى أي بلد آخر. فلا فرص للعمل أو للتعليم أو الانتقال لأي سبب آخر، ولا مقومات حياتية في مدينة محاصرة، فهذه هي أشد حالات الجسد استباحة. 

هذه الاستباحة كلها، التي صنعها العقل الاحتلالي  الإسرائيلي، كأنها سياسات حيوية (biopolitics)، بوصف الفرنسي ميشيل فوكو، لخلق جسد مستباح عارٍ، مجرّد من قيمة وجوده، كانت لا بد أيضاً من أن تصنع وتنتج، وتعيد إنتاج جسد مقاوم لها، يزيل هذا العُري كُلّه. 

مقاومة بالأشكال كافة التي يُمكن توافرها. فتجد مناطق فلسطينية، الأجساد هناك، تقاوم بما أتيح لها. 

هذا السياق التاريخي والفلسفي في العلاقة بين الاحتلال والفلسطينيين، أنتج مشهداً مليئاً بالعنف والدمار والدماء، مشهد لا يقف عند عمليتي طوفان الأقصى أو السيوف الحديدية فقط، لكنه مستمر ومُمتد إلى كل مناطق فلسطين، وليست غزة وحدها. لكن دائماً في غزة، تكون تكلفة الحرب وقوتها أعلى بما أنها مكان أكثر استباحة لإسرائيل من جهة، ومن جهة أُخرى، هناك حركة مقاومة مسلّحة تمتلك قدرات عسكرية أعلى من مناطق أخرى.

مشهد سيستمر حتى بعد انتهاء الحرب الحالية، أياً كانت مآلات النهاية. ستستمر الاستباحة الإسرائيلية للجسد الفلسطيني، ومقابل هذا، ستستمر صناعة وإعادة إنتاج الجسد الفلسطيني المقاوم لهذه الاستباحة. 

الاستباحة تصنع مقاومة، بما أن هذه الاستباحة تؤدي نهايةً إلى الموت، العيش في العُري، وهو ما يعني، أن منح الحياة هو سُلطة يتحكم فيها المُحتل، يهبُها ويمنعها متى شاء. فكانت المقاومة صناعة إحلالية للاستِباحة، حتى لو كانت نهايتها الموت أيضاً. وهنا، ثمة فرق بين موت وموت. هذه معادلة لا مفر منها، سوى عن طريق تحرير الأراضي الفلسطينية، وحل شامل وعادل للشعب الفلسطيني، سواء في الداخل الفلسطيني، أو في الخارج حيال اللاجئين في حقهم بالعودة إلى بلادهم وديارهم. 

خلال الأشهر المقبلة، وحتى إن نجح الجيش الإسرائيلي في عملياته البرية والتي تهدف بالأساس الى القضاء على حركة “حماس” وذراعها العسكرية، لن يتوقف العنف، أو المقاومة، فَالضفة الغربية التي لا توجد داخلها “حماس”، أو أي تنظيم مسلح كبير، مثل كتائب القسام، لا يتوقف العنف فيها، القتل والسجن والعنف والمقاومة، هي مفاهيم الحياة الأساسية هُناك. 

ومن هنا، لم ولن يتوقف العنف في غزة، حتى مع افتراض تبخّر “حماس” منها. وقتها، سيتحول شعب غزة إلى مقاومين فرادى، “ذئاب منفردة” كما هو متعارف عليه بالمفهوم العسكري.

مشهد مستمر، لأن الاحتلال الإسرائيلي، وبكل وضوح، يمتلك نهجاً غير ملتزم بأي اتفاقيات أو قوانين دولية أو عربية أو إنسانية. هي قوانين على الورق فقط، واتفاقيات كأنها مشهد سينمائي تُمثَّل. سلام ما بعده سلام أبداً، بعده عنف واستباحة، يزيد الاحتلال من استيطانه، عبر الطرد والتهجير، مزيد من القتل والسجن والطرد والتهجير. مزيد من استباحة الجسد، مزيد من صناعة الجسد المقاوم. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.