fbpx

مشروع قانون الإعلام الجديد: القضاء على ما تبقى من حريات في لبنان 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“مقصلة لآخر ما تبقى من حريات في لبنان”، هو أقل ما يمكن قوله عن مشروع قانون الإعلام الجديد الذي تُناقشه لجنة الإدارة والعدل حالياً في مجلس النواب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تأتي مناقشة مشروع قانون الإعلام الجديد في لجان البرلمان اللبناني في سياق استكمال السلطة اللبنانية نهج التضييق على الحريات، فيما يُقتل صحافيون على يد إسرائيل في جنوب لبنان من دون أي مساءلة أو حماية، وبعدما شهد لبنان في الأشهر الماضية هجمة غير مسبوقة على الحريات الشخصية وحريات الصحافة والتعبير.

المشروع الذي قُدِّم عام 2010، تقترب لجنة الإدارة والعدل من إقراره وراء الأبواب المغلقة، والتي كانت أقرّت في آخر جلساتها أكثر من 30 مادة منه بنسخته القديمة، ومن دون أي نقاش أو الأخذ بالاعتبار التعديلات المقترحة من اليونسكو، خصوصاً تلك المتعلقة بإلغاء عقوبات السجن للصحافيين/ات، ومن دون حضور أي من المنظمات الحقوقية المعنية.

هذا المشروع هو “مقصلة لآخر ما تبقى من حريات في لبنان” بحسب تعبير حقوقيين يتابعون مجريات النقاشات داخل اللجان.

النائب فراس حمدان

تجاهل تام للتعديلات وتمسُّك بسرية المناقشات 

من الطبيعي أن تنزعج المنظومة السياسية من الأصوات الحرة وتعمل على محاربتها”، يقول عضو لجنة الإدارة والعدل النائب فراس حمدان. ويضيف، “الدينامية التي يمكن ملاحظتها داخل اللجان النيابية تشير إلى أن لا رغبة أو إرادة حقيقية لإصلاح قانون الإعلام القديم ووضع قانون تقدمي حديث متطور يراعي كل التطورات في مجال الإعلام وحرية الصحافة والتعبير”.

السرية التامة التي تناقش بها اللجنة مشروع القانون تُترجم عدم الرغبة تلك، وهو ما اعترضت عليه هيئات حقوقية وإعلامية، منها “تجمع نقابة الصحافة البديلة” التي طالبت بجعل الجلسات علنيةً. 

لجنة الإدارة والعدل سارعت الى الرد متمسكةً بسرية الجلسات ومعللةً ذلك بالمادة 34 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وأكدت في بيان أنها “تتشارك في دراسة قانون الإعلام مع لجنة الإعلام والاتصالات النيابية ووزارة الإعلام، وأنها تتجه الى إلغاء المحاكم الاستثنائية في قضايا الصحافة والإعلام للإفساح في المجال أمام أعلى قدر من حرية التعبير عن الرأي، تحت رقابة هيئة ناظمة عصرية ومستقلة”.

إلسي مفرج

منسقة  “تجمع نقابة الصحافة البديلة” إلسي مفرج، قالت في حديث لـ”درج”: “صحيح أن النظام الداخلي لمجلس النواب يعطي للجان إمكان أن تكون الجلسات سرية، ولكنه أيضاً يعطيها الحق بأن تكون جلساتها معلنة وتقوم بالفعل لجان نيابية أخرى بدعوة صحافيين وحقوقيين إلى جلساتها، وذلك يضفي شفافية على عمل اللجان ويسهل وصولنا إلى المعلومات”. وتسأل مفرج: “لماذا يُناقَش قانون الإعلام بسرية تامة حتى من دون حضور وزير الإعلام؟ وكيف تأخذ اللجنة بالاعتبار تعديلات اليونسكو من دون حضور ممثليها؟”.

“تحالف حرية الرأي والتعبير في لبنان” قال في بيان له، إن “المسوّدة الأخيرة لاقتراح القانون تتضمن الكثير من الأحكام المثيرة للقلق التي من شأنها خنق حريتَيْ التعبير والصحافة”، ومنها توسيع نطاق الحصانات الإعلامية للشخصيات العامة، ومنع النشر والحد من الحريات النقابية وإمكان إنشاء وسائل إعلامية مستقلة، والأخطر هو استعادة عقوبة الحبس للصحافيين، إذ إن المشروع “يؤيّد العقوبات الجزائية، ويزيد من عقوبات السجن والغرامات على القدح والذم”. علماً أنه في السنوات الأخيرة، استخدمت السلطات اللبنانية قوانين القدح والذم بشكل متزايد لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وغيرهم من المنتقدين السلميين، كما ويُبقي مشروع القانون على عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات بتهمة تحقير الأديان.

ويحافظ القانون المقترح على تجريم القدح والذم والتحقير بحق رؤساء الدول، ويفرض عقوبات جديدة على التشهير ضدّ السفراء والبعثات الدبلوماسية في لبنان، وقد يؤدي القدح والذم والتحقير بحق الرئيس اللبناني أو رئيس أجنبي إلى السجن بين ستة أشهر وسنتين و/أو دفع غرامات كبيرة.

 في تموز/ يوليو الماضي، حكمت محكمة بالفعل على الصحافية ديما صادق بالسجن لمدة عام وتغريمها 110 ملايين ليرة لبنانية بتهم إثارة النعرات الطائفية والقدح والذم، بعدما انتقدت أعضاء حزب سياسي على موقع “إكس” (تويتر سابقاً).

المحامي فاروق المغربي

“مشروع القانون بشكله الحالي هو عبارة عن مقصلة للحريات” يقول المحامي فاروق المغربي، “فهو يمنح السلطة قوّتين. الأولى هي العقوبات السجنية عن طريق محكمة المطبوعات التي لا تزال قائمة بموجب مشروع القانون، وهي محكمة استثنائية مخالفة للقواعد الدولية”. يشرح المغربي، “المحكمة جزائية وعلى رغم أنها لا تصدر أحكاماً سجنية، إلا أن أي حكم يصدر عنها يُسجل في سجل الصحافيين العدلي. عدد كبير من الصحافيين العاملين في لبنان لديهم في سجلاتهم أحكام وكأنهم مجرمون”.

أما القوة الثانية والأهم، فتتمثل بإنشاء الهيئة الناظمة للإعلام، التي ستكون محسوبة على الكتل السياسية، وستكون قادرة على ضبط العمل الإعلامي وتطويعه. وبحسب المعلومات، فإن “الهيئة تتألف من 10 أعضاء، 5 منها يعيّنهم البرلمان، والـ5 الباقون تعيّنهم الحكومة، وتتم فيها مراعاة التوازن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين. وفي حال إقرار هذا العدد، فستكون سابقة، إذ لم يتم تعيين أي هيئة ناظمة لقطاعات أخرى حتى الآن بعشرة أعضاء، ومن المتوقع أن تكون الهيئة بديلاً عن المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع”.

في بيان له، اعتبر تجمع “النقابة البديلة” أن “الهيئة الناظمة ستكون جهة رقابية، وتثبت مبدأ المحاصصة الطائفية بدلاً من اعتماد مبدأ الكفاءة كمعيار لاختيار الأعضاء”.

“طريقة تشكيل الهيئة تؤكد أنها لن تكون هيئة مستقلة”، تقول مفرج. وتضيف، “نطمح إلى استبدال ذلك بتنظيم ذاتي لوسائل الإعلام لتكون هناك بالدرجة الأولى محاسبة داخل تلك المؤسسات، ومحاسبة للصحافيين عن طريق الرأي العام وليس عن طريق المحاكم والأجهزة الأمنية”.

وتشير مفرج إلى أن “خطورة الهيئة الناظمة بشكلها المقترح تكمن في أنه سيعود إليها قرار فرض عقوبات على الصحافيين/ ات، وإعطاء الرخص للوسائل الإعلامية والموافقة عليها، في حين أننا نرفض مبدأ منح التراخيص لإنشاء المؤسسات الإعلامية ونطالب باستبداله بتقديم علم وخبر تجنباً للزبائنية والمحاصصة الطائفية والسياسية والرقابة المسبقة”.

يلحظ المغربي أيضاً، ثغرات عدة في “مشروع القانون الذي ينظم عمل الإعلام والتلفزيونات والصحف والإذاعات والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب فقط، ولم يلحظ المواقع الإلكترونية والإعلام الإلكتروني”، كما لم يقدم أي مواد تراعي الصحافيين المستقلين أو الـ”فريلانسرز” أو العاملين في مؤسسات إلكترونية مستقلة لا تعود ملكيتها إلى أقطاب السلطة. “يحصل ذلك فيما يجب أن تكون في أساس القانون حماية هؤلاء الصحافيين ومصادرهم والعمل على الحد من موانع النشر احتراماً لقانون الحق بالوصول الى المعلومات، وليتمكنوا من ممارسة عملهم بشكل حر”، يؤكد فراس حمدان. 

استكمال الهجمة على الحريات 

التوقيت المشبوه لتمرير القانون لا يمكن فهمه إلا في سياق هجمة غير مسبوقة شهدها لبنان أخيراً على الحريات الشخصية والإعلامية، والتي استهدفت الأصوات الصحافية التي عملت على كشف ملفات فساد وتورط شخصيات سياسية وعامة فيها، وتم استدعاء صحافيين ومحامين وحتى كوميديين انتقدوا السلطة بهدف ترهيبهم. 

“كان لدينا تخوف من أن يُناقَش مشروع القانون في ظل حملة السلطة لخفض سقف الحريات في البلاد أخيراً، وتوقعنا أن يذهب النواب في هذا الاتجاه لدى المناقشة”، تقول مفرج. “شعرنا أيضاً بأن هناك استغلالاً لفترة الحرب في غزة وجنوب لبنان والاستفادة من انشغال الصحافيين/ات والمنظمات الإعلامية والحقوقية والرأي العام بها، ليبدو وكأن تمرير مشروع القانون هو تهريبة جديدة يقوم بها المجلس، وهو ما نحاول التصدي له”.

من جهته، يقول النائب حمدان: “علينا نحن كنواب نؤمن بحرية الرأي والتعبير والعمل الإعلامي كقيم لبنان الأساسية، أن نواجه محاولات تمرير كل المواد التي تهدف الى الحد من حرية الإعلاميين/ات والصحافيين/ات وتقييد عملهم/ن، وسنصارح الشعب اللبناني بالقوى السياسية التي تريد للإعلام أن يكون معلباً ومنحازاً إلى سردية معينة أو إلى أجندة سياسية معينة، لأن حرية الإعلام من حريتنا”. 

وكان “تحالف حرية الرأي والتعبير” قد دعا اللجنة إلى إلغاء جميع المواد التي تُجرّم التحقير، والأحكام التي تفرض عقوبات جزائية على الذم والقدح واستبدالها بأحكام مدنية، وعدم منح الشخصيات العامّة، بمن فيهم رئيس الجمهورية، حماية خاصّة من القدح والذم أو التحقير، بالإضافة إلى تعيين أعضاء الهيئة الناظمة المستقلّة لوسائل الإعلام، التي ستشرف على عمل قطاع الإعلام وتنظّمه، على أساس معايير شفافة بمشاركة المجتمع المدني.

“هو هجوم مضاد تقوم به المنظومة السياسية على كل الناشطين والفاعلين في المجتمع اللبناني لمحاولة إسكات صوتهم وقمعهم”، يؤكد حمدان، “ولن نسمح له أن يمر”.