fbpx

جفاف وألغام وحرمان النساء من الحقوق… الأمل بعدالة مناخيّة شرق سوريا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على الرغم من كل التحديات والخسائر التي تواجهها النساء الريفيات في شمال شرقي سوريا، وعلى الرغم من حرمان غالبيتهن من حق الحصول إلى الموارد وملكية الأرض، تبقى المُزارعات في الصفوف الأمامية للتصدي لتحديات التغيرات المناخية والاجتماعية والسياسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُعدّ التقرير بالتعاون مع نوى ميديا 

تبذل انتصار هلال (41 عاماً) جهداً مضاعفاً لإكمال أعمالها الزراعية  ثم أعباء منزلها غرب دير الزور في سوريا. ونتيجة للجهد الزائد، أُصيبت بتمزق في الأربطة الأمامية بقدمها، وظهرت على وجهها تصبغات ناتجة lن العمل المتواصل تحت أشعة الشمس الحارة، وانخفاض ضغط الدم. 

تتسارع وتيرة الزيادة في مؤشرات درجات الحرارة في المنطقة العربية بمعدل مرتين عن باقي أنحاء العالم، وشهدت سوريا خصوصاً ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة في جميع المحافظات، إذ ارتفعت فوق معدلاتها بنحو 2-4 درجات مئوية حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، وفقاً للمديرية العامة للأرصاد الجوية السورية؛ ما يشكل تحدياً كبيراً لسكان الأرياف في شمال شرقي سوريا، بخاصة النساء الريفيات اللواتي يعانين من تأثيرات التغير المناخي وصعوبة التكيف والوصول إلى الموارد.

لنعود إلى قصة انتصار، ونتناول التحديات التي تواجهها هي وأخريات في مواجهة تأثيرات التغير المناخي على حياتهن وسبل عيشهن. تعيش انتصار في قرية “العلي” غرب دير الزور، حيث تعمل في الأرض التي استأجرتها هي وزوجها، بعد نزوحهما من قرية “حطلة” شرق دير الزور، بسبب سيطرة النظام السوري والميليشيات الإيرانية عليها.

في مواسم حصاد القمح والقطن، تُضطر للعمل بجد كفلاحة ساعات طويلة وبجهد مضاعف. تصف وضعها هذا العام قائلة: “أشعر بالإرهاق بسبب العمل في الأرض والمنزل، كما أن الحر لا يُطاق، بخاصة هذا العام”.

في قرية سفيرة بريف دير الزور، تعيش فضة العبيد (39 عاماً). في صيف هذا العام، أُصيبت بحمى الشمس وحساسية ناتجة من قطاف القطن. على الرغم من توصيات الطبيب بالراحة وحماية نفسها، إلا أنها تجد نفسها مضطرة للاستمرار في العمل لتأمين لقمة العيش، تقول: “إن العمل في الزراعة أصبح سيئاً والمياه أصبحت قليلة، ولكنني مجبرة على العمل”. 

يؤدي التغيّر المناخي بما في ذلك الجفاف والفيضانات إلى تدمير المحاصيل، بينما يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، والآفات الزراعية، والظواهر الجوية المتطرفة المتكررة، إلى تقويض سبل العيش للمعتمدين على الزراعة.

وفي دير الزور شرق سوريا، يتأثر نهر الفرات الذي يعتمد عليه المزارعون في سقاية أراضيهم بالتلوث، نتيجة لعمليات تهريب براميل النفط الخام بين مهربين في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وسيطرة النظام السوري. عندما لا تستطيع قوات سوريا الديمقراطية إيقاف المهربين، تلجأ إلى استخدام الأعيرة النارية لضرب البراميل، ما يؤدي إلى انفجارها وتسرّب النفط في النهر. 

وفي سياق ذاته، فإن نهر البليخ الواقع في محافظة الرقة بدأ يشهد آثار تفريغ مواد كيماوية من مصانع إنتاج مواد التنظيف ومخلفات إنتاج الألبان والجبن في نهر الفرات، ما يؤثر بشكل كبير على جودة مياه النهر. يقول المهندس الزراعي حسن الأحمد، مدير البرامج في منظمة ماري للتنمية العاملة في شمال شرقي سوريا: “لقد وصلت الأمور إلى مرحلة تُعتبر فيها مياه نهر الفرات في دير الزور غير صالحة تماماً للزراعة”. 

“إن العمل في الزراعة أصبح سيئاً والمياه أصبحت قليلة، ولكنني مجبرة على العمل”. 

آثار التغيّر المناخي

أثرت موجات الجفاف الذي شهده شمال شرقي سوريا في السنوات الأخيرة بشكل كبير على الزراعة المحلية وثروة الحيوانات، ما زاد من الفقر وتفاقم عدم المساواة. وكان للنساء الريفيات نصيب أكبر من التحديات، إذ تأثرت قدرتهن على توفير لقمة العيش لأسرهن.

في تشرين الأول/ أكتوبر2021، أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)  تقريراً قال فيه: “أثر انخفاض مستويات المياه في نهر الفرات وظروف الجفاف على الأمن الغذائي للأسر التي تعتمد على الزراعة في الرقة ودير الزور. وأدت قلة الموارد وارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية، بما في ذلك الوقود الديزل، إلى الحد من المساحة المزروعة والقدرة على توفير الري التكميلي للمحاصيل المزروعة”. 

سبق أن تعرضت المُزارعة فتحية (30 عاماً)، المقيمة في قرية الصعوة غرب دير الزور، لخسائر في المواسم الزراعية، وعلى رغم جهودها المستمرة في العناية بأرضها، إلا أن تأثيرات تغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة والأمطار الغزيرة، تسببت بأضرار للمحاصيل. تقول فتحية: “في العام الماضي، كان موسم القمح جيداً نظراً الى انخفاض درجات الحرارة قليلاً وزيادة الأمطار. أما في عام 2021، فلم نتمكن حتى من حصاد 30 في المئة من الموسم”. 

تزرع فتحية الأرض البالغة مساحتها ثمانية هكتارات، والتي حصلت عليها من عائلة زوجها لمساعدتها في الحياة المعيشية لها ولأطفالها الأربعة، لكن الآثار المناخية والاقتصادية أثرت على الإنتاج الزراعي.  توضح فتحية: “لقد تراجعت المواسم، بخاصة هذا العام، إذ انخفض محصول القطن بشكل كبير، حتى أنني لم أستطع تسديد تكاليف الزراعة من أسمدة وأدوية ومبيدات”. 

وفي 14 آذار/ مارس 2023، حذرت المديرية العامة للأرصاد الجوية السورية “من أمطار غزيرة جداً مصحوبة بالعواصف الرعدية العنيفة وتساقط لحبات البرد وتشكل السيول في الأماكن المنخفضة في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة والبادية”. 

 تسببت الأمطار بفيضانات أثرت سلباً على غالبية الخضروات الصيفية التي زرعتها هناء الحمادي (43 عاماً)، في أرضها.”لقد أعدت زرع أرضي من جديد، ولكن الوقت تأخر قليلاً، لأن زراعة الخضروات تحتاج إلى طقس بارد قليلاً، والطقس الحار كان قد بدأ”.  

تعيش هناء مع أطفالها الستة في قرية محيميدة غرب دير الزور، وتعمل في الزراعة منذ صغرها مع والديها، وبعد زواجها وسفر زوجها أصبحت هي المُعيلة لعائلتها. تقول: “على رغم الخسارة التي تسببت بها الأمطار الغزيرة هذا العام، إلا أن هناك بعض الخضروات التي نجت”. 

رئيس قسم الجمعيات في لجنة الزراعة والرقابة في الإدارة الذاتية، رضوان الحسين، أكد في تصريح سابق، “أن نسبة الأضرار الناجمة عن الفيضانات بلغت نحو 75 في المئة في الريف الغربي بدير الزور”.

تزداد المسؤوليات على النساء الريفيات خلال فترات الجفاف، إذ يؤثر هذا التحدي بشكل سلبي على إمدادات العلف للثروة الحيوانية. فيجب عليهن أن يتحملن مسؤوليات رعاية الأبقار وتأمين العلف الباهظ التكلفة، بالإضافة إلى أعبائهن في العمل الزراعي ورعاية أطفالهن. 

تضطر بعض النساء للذهاب إلى المناطق البعيدة المعروفة بـ “البرية” لتأمين العلف اليومي للأبقار والمواشي، ما يعرضهن لخطر الألغام التي زرعتها جميع أطراف النزاع في سوريا، ويتحمل النظام السوري المسؤولية الأكبر نظراً الى تجهيزاته العسكرية والتسليح المتنوع الذي يمتلكه، وذلك وفقاً لتقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان. 

ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تم توثيق مقتل 238 شخصاً، من بينهم 20 امرأة و73 طفلاً، نتيجة انفجار ألغام ومخلفات الحرب في سوريا منذ بداية العام 2023.

وبسبب غياب الأمان في مناطق شمال شرقي سوريا، يواجه الكثير من المزارعين والمزارعات تحديات في الوصول إلى المراعي البعيدة. هذا الوضع يؤثر سلباً على القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، إذ يصعب على المزارعين والمُزارعات رعاية مواشيهم. 

هدى الخالدي، الناشطة النسوية ومنسقة المشاريع، تلقي الضوء على التحديات التي تواجه المُزارعات خلال فترات الجفاف. تقول: “النساء الريفيات، في غالبيتهن، يسعين بجد الى تأمين مصدر دخل من خلال امتلاك بقرة في منازلهن، ما يمكنهن من تلبية احتياجات أسرهن من الحليب وبيع الفائض من منتجات الألبان”.

وتضيف الخالدي: “بعضهن يجمعن الخبز اليابس من بيوت الأهالي لتلبية احتياجاتهن من الأعلاف، ولكن بسبب الجفاف، بدأن ببيع أبقارهن بسبب تكلفة العلف الباهظة”. 

النساء هن القوى العاملة

في قرية العلي غرب دير الزور، تعمل انتصار هلال مع ما يقارب الـ 15 إلى 20 امرأة، إذ تمثل النساء 95 في المئة من العمال في الموسم الزراعي. تقول انتصار: “تعمل النساء بقطف القطن لمدة يومين أو ثلاثة بأجور زهيدة لا تتجاوز 8000 ليرة سورية يومياً (نحو نصف دولار أميركي)، في حين يحصل الرجال على أجور أعلى  وبعمل أقل جهد ووقت”.

تتشارك فضة وكثيرات من المزارعات الصعوبات التي تواجهنها أثناء العمل، على الرغم من امتلاكها قطعة أرض زراعية تبلغ مساحتها هكتارين. تجد نفسها مضطرة للعمل كفلاحة في مواسم الحصاد وزراعة الخضروات لتأمين لقمة عيش أسرتها.  تقول: “أعمل ساعات طويلة، فأنا مسؤولة عن ابنتي بعد وفاة زوجي”.

بالنسبة الى فتحية وكثيرات من المُزارعات، لا تنتهي جهودهن عند انتهاء العمل في الأراضي الزراعية. تقول فتحية: “كنساء، لدينا عمل مضاعف، عندما نعود إلى البيت يجب أن نقوم بالطهي والاعتناء بالأطفال، بمعنى آخر، من العمل إلى العمل، لا توجد راحة سواء في البيت أو الأرض”.

حنان زها الدين، وهي محامية وحقوقية سورية، تلقي الضوء على الوضع القانوني الصعب الذي يواجه النساء العاملات في الزراعة، قائلة: “القانون التجاري السوري ينظم العلاقات الزراعية بين الأفراد، ولكنه يحرم المرأة من أي حقوق أو أجور عند العمل في منشأة زراعية تابعة لذكور أقاربها. وهذا العمل يُعتبر غير تجاري، ولا يوجد عقد يربط المرأة برب العمل، ما يعني ضياع عمرها وجهدها من دون مقابل”.

وفي سياق مفهوم العمل النسوي غير المأجور، الذي يُعرف بالعمل الذي ينتج سلعاً أو خدمات من دون مقابل، ويشمل العمل المنزلي والإنتاج المعيشي، والإنتاج غير المأجور لمواد السوق، ويشمل العمل في الزراعة من دون أجر، تجد النساء في الأرياف أنفسهن يقمن بجهود كبيرة لدعم عائلاتهن. 

تعتبر كثيرات من النساء عدم امتلاكهن الأراضي الزراعية وعدم تقاضيهن الأجور أمراً طبيعياً، إذ يعتقدن أنهن يقمن بهذا العمل بصفته جزءاً من واجبهن “الطبيعي”، وذلك بسبب ضعف وعي المرأة الريفية لحقوقها في ظل قانون لا يحميها ولا ينصفها، حسب تقدير زها الدين.

وتضيف زها الدين: “تُحرم المرأة أو الفتاة من حقوقها التعليمية بسبب عملها في الأراضي الزراعية، إذ يُفضل الأهل أو الزوج أو الأب أن تعمل من دون أجر أو بأجر قليل، ويستفيدون من جهودها من دون الاهتمام بتعليمها أو تكاليفه. والعمل لا يحرمها فقط من حقوقها المالية، بل أيضاً من حقها في التعليم الذي يُمكنها من التطوير وتحقيق الاستقلال والتحرر الاقتصادي”.

كما تؤكد هدى الخالدي دور النساء في العمل الزراعي من خلال المشاهدات على الأرض، تقول: ” هنا، في ريف دير الزور الغربي، عندما تنظرين إلى الأراضي الزراعية منذ الساعة السادسة صباحاً، ستجدين أنّ جميع الأشخاص الذين يعملون على هذه الأراضي، نساء”. 

ويقول المهندس الزراعي حسن الأحمد، مدير البرامج في منظمة ماري للتنمية العاملة في شمال شرقي سوريا: “عمليات الزراعة والحصاد من البداية إلى النهاية تنفذها النساء في معظم المناطق الريفية، لكن في الواقع لا يملكن الأرض”. 

 نحو حقوق ملكيّة أكثر عدالة 

تمثل النساء في شمال شرقي سوريا، الغالبية العظمى من العمالة الزراعية حسب الإحصاءات الرسميّة التي تعود إلى مطلع الألفية الثالثة، على رغم الدور المهم والحيوي الذي تلعبه النساء في المجتمع الزراعي في هذه المنطقة، لكن لا يزال هناك تحدٍّ كبير في ما يتعلق بضمان امتلاك النساء الأراضي الزراعية. 

وتشرح المحامية والحقوقية السورية حنان زها الدين، التحدي الذي تواجهه النساء، بخاصة في شمال شرقي سوريا، حيث يُشكِّلْنَ ثلاثة أرباعَ العاملين في القطاع الزراعي، “أنّ النساء يمتلكنَ أقلَ نسبةٍ من الأراضي، ونادراً ما يتمكّنَ من ميراثِ الأراضي أو امتلاكِها. هذا يعود إلى قوانينٍ غير عادلة، والعرف في المناطق الريفية أقوى من القانون”. 

تُميز الأعراف المحلية في ما يتعلق بالملكية بين النساء والرجال، بهدف منع خروج ملكية الأراضي إلى أشخاص من خارج العائلة، ويلعب العرف المحلي دوراً أساسياً في حياة أبناء دير الزور، سواء في الريف أو المدينة. ويعد العرف أيضاً محدداً أساسياً لهوية الناس. وعدم توريث الأرض للنساء، ليس قانونياً ولا شرعياً، وفق الحقوقي جلال الحمد. 

يُوضح الحمد: “هناك خوف من خروج ملكية الأراضي من نطاق العائلة، لأن الأرض تُعتبر إحدى دعائم القوة والعوامل الأساسية أمام الآخرين، وهنا يقصد العوائل الأخرى أو أفخاذ العشائر الأخرى. وعلى رغم أن النساء هن الأيدي العاملة الأساسية في الزراعة في أرياف دير الزور، لكنهن لا يملكن الأراضي لهذا السبب الذي يدخل في حسابات القوة والضعف ما بين العشائر في دير الزور”. 

يضيف: “العرف مستقر في دير الزور منذ سنوات طويلة، لذلك فإن المرأة لن تملك الآن، ولا أعتقد أنها ستملك، سواء في المدى المنظور أو حتى المتوسط”. 

تظهر الإحصاءات  المنشورة عبر موقع منظمة الأمم المتحدة للمرأة عام 2012، والمستمدة من تقرير “المرأة الريفية والأهداف الإنمائية للألفية”، “أن أقل من 20 في المئة من ملاك الأراضي في العالم هم من النساء. وتمثل النساء أقل من 5 في المئة من جميع ملاك الأراضي الزراعية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، بينما يشكلن في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ما متوسطه 15 في المئة”.

وفي هذا السياق، يُؤكد المهندس الزراعي حسن الأحمد، مدير البرامج في منظمة ماري للتنمية، من خلال عمله في مشاريع عدة في شمال شرقي سوريا: “أن النساء بشكل عام هن اللواتي يعملن في الزراعة، والزوج أو ولي الأمر هو المالك للأرض، والأمر نفسه ينطبق على الثروة الحيوانية”.

الوصول المحدود الى الموارد 

تواجه النساء الريفيات تحديات في الوصول إلى الموارد واتخاذ القرارات، ما يجعلهن أقل قدرة على التكيف مع تغير المناخ. فالحواجز الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تزيد من آثار التغير المناخي على النساء بشكل غير متناسب.

تواجه المُزارعات تحديات كبيرة في الحصول على المياه لري الأراضي الزراعية، بخاصة النساء اللواتي لا يملكن معيلاً. إذ يجدن صعوبة في الانتظار للحصول على دور لري الأراضي، وفي حالة وجود دور ليلاً، يصبح من الصعب عليهن القيام بذلك. أما في ما يتعلق بمسألة ري الأراضي خلال النهار، فيصعب على المزارعات البقاء وانتظار دورهن في الوقت المحدد نظراً الى مسؤولياتهن المنزلية وحاجتهن الى البقاء بالقرب من أطفالهن.

تقول فتحية: “أنا امرأة وحيدة، وزراعة القطن بحاجة إلى الري، وكثيرون من المُزراعين يروون أراضيهم ليلاً، وأنا لا يمكنني الخروج ليلاً، لذلك يجب علي الانتظار حتى الصباح لسقي الأرض”.

يشرح حسن الأحمد، التحديات التي تواجه المُزارعات في حصولهن على المياه: “توجد جمعيات كثيرة، وتضم كل جمعية حوالى 200-300 مزارع يجب عليهم سقي الأراضي يومياً. ولكن عندما يأتي دور السقي، يستغرق وقتاً لنقل عملية الري من أرض إلى الأرض، وهذه الفترة هي التي تنتظر بها النساء”. وفي ما يتعلق بمسألة سقي الأراضي خلال النهار، يقول: “إن ساعات الذروة في فصل الصيف تجعل الأرض ساخنة للغاية، ما يؤدي إلى تلف المحاصيل. لذلك، لا يفضل سقاية الأرض في هذه الأوقات”.

وفي ظل وجود جمعية تدير شؤون الفلاحين وتوزع المياه على الأراضي الزراعية، وعلى رغم قرب الكثير من هذه الأراضي من نهر الفرات الذي بدأت مياهه تنحصر، يبقى المزارعون في حاجة ماسة إلى المحروقات لسحب المياه إلى أراضيهم. تقول هناء الحمادي: “العام الماضي زرعت القطن، ولكن هذا العام لم أستطع بسبب عدم امتلاكي موتور مياه وبعدنا عن مصادر المياه”.

تتزايد التحديات مع ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة ومبيدات الحشرات التي تضعها الإدارة الذاتية، ما يفرض أعباءً إضافية على المزارعين والمزارعات ويعقّد الأمور في ما يتعلق بزراعة الأراضي، وذلك في ظل قلة الدعم. تقول انتصار هلال: “في قريتنا، حصلنا على دعم ضئيل من الأسمدة والوقود، لكنه لا يكفي، وهو شيء لا يُذكر”.

تضيف فتحية: “يوزّع المجلس المحلي في دير الزور الوقود، فلكل دونم أرض ليتر من المازوت شهرياً، وهذا لا يكفي، إذ يحتاج الدونم الواحد إلى 17 ليتراً من المازوت شهرياً لريّه بالمياه”.

وعن التحديات والمشاكل التي تواجهها المُزارعات في مسألة السقاية، يقول المهندس الزراعي حسن الأحمد: “هذا هو دورنا بالتأكيد كمنظمات محلية في دعمهن للحصول على حقهن في الوصول إلى المياه”. ويؤكد إغفال الجمعيات الفلاحين والمنظمات بإعطاء أولوية للنساء في موضوع سقي الأراضي: “نحن لم نتحدث كثيراً عن هذا الموضوع بوضوح في السابق، ولم يعطِ أحد اهتماماً كافياً”.

 مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، تلفت في حلقة نقاش بشأن حقوق المرأة وتغيّر المناخ، الى “أنّ استبعاد نصف المجتمع من المساهمة الفعّالة في صياغة السياسات، بما في ذلك تلك التي تعالج الأضرار المناخيّة، يعني أن هذه السياسات قد تكون أقلّ استجابة للضرر المحدّد الذي يحدث؛ وأقل فعاليّة في حماية المجتمعات؛ ولربما أكثر تعميقاً للضرر الذي يحدث”.

العدالة للفئات الأكثر تضرراً

بسبب العادات والتقاليد وعدم وجود قوانين صارمة، يقتصر دور المرأة الريفية عادةً على العمل بالأراضي الزراعية ومواسم الحصاد. أما المسائل الإدارية المتعلقة بالجمعيات الزراعية وإدارتها وتنسيقها، فلا تتمكن النساء من المشاركة فيها.

ووفقاً لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، “فإنه لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الجنسين في ما يتعلق بوصول المرأة إلى مناصب صنع القرار والقيادة، كما تشكل النساء عدداً أقل من الممثلين المنتخبين في معظم المجالس الريفية”.

تؤكد النساء اللواتي تمت مقابلتهن في هذا التقرير، عدم حصولهن على أي دعم أو مساعدة لتحسين أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية من الجمعيات أو المنظمات العاملة على الأرض. ويشرن إلى أن المشاريع التي نُفذت كانت بسيطة للغاية وغير مستدامة، ولا تلبي احتياجات أكثر من 10 في المئة من النساء في مناطق شمال شرقي سوريا.  كما يوضحن أن هذه المشاريع تقتصر على توزيع مواد، أدوات، أو بذور، ما قد لا يوفر تعويضاً كافياً للأضرار التي تعانيها النساء الريفيات.

تؤكد الناشطة النسوية ومنسقة المشاريع، هدى الخالدي، ما تحدثت عنه المُزارعات في دير الزور، بخصوص قلة الدعم وصعوبة الوصول إلى الموارد. وتقول: “المشاريع غالباً ما تكون خجولة وغير مستدامة. إذ لا تستمر أكثر من ستة أشهر. وعندما تكون هناك مشاريع تمكين، تقتصر على توزيع المواد أو الأدوات أو البذور، وهذا قد لا يوفر تعويضاً كافياً للأضرار التي تعانيها النساء”.

وتؤكد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، “أن النساء، بخاصة أولئك اللواتي يعشن في المناطق الفقيرة ومناطق النزاع، يواجهن مخاطر وأعباءً أكبر نتيجة تغير المناخ”.

يؤثر تغيّر المناخ سلباً على الجميع، لكن يظهر تأثيره بشكل أكبر على النساء في المناطق الفقيرة التي تعاني من أزمات متفاقمة، إذ يصعب عليهن التصدي لآثار الأزمات الناجمة عن النزاعات والأوبئة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، نظراً الى صعوبة الوصول إلى الموارد. لمواجهة هذا، يتطلب الأمر نضالاً جاداً لتحقيق “عدالة مناخية“، وضمان الحماية وتوفير فرص عادلة للنساء في مواجهة تحديات التغيرات المناخية.

وعلى الرغم من كل التحديات والخسائر التي تواجهها النساء الريفيات في شمال شرقي سوريا، وعلى الرغم من حرمان غالبيتهن من حق الحصول إلى الموارد وملكية الأرض، تبقى المُزارعات في الصفوف الأمامية للتصدي لتحديات التغيرات المناخية والاجتماعية والسياسية. فهن اللواتي يزرعن ويحصدن ويطعمن أسرهن. وهذا ما أكدته انتصار هلال بقولها: “لو كان لدينا مشروع بيت بلاستيكي، لكنت سأحرث الأرض بيدي”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.