fbpx

مُختصر “الفحولة” في السينما المصريّة…المخرج المحظوظ والرجل مفتول العضلات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتصدر أفيش الفيلم الممثل أحمد العوضي، بجسد مفتول العضلات ووجه متحفز مكتظ بالتستوستيرون، وهي ظاهرة تحولت إلى موضة بين الممثلين في الألفية الثانية، كمحمد رمضان وأمير كرارة ومصطفى شعبان وياسر جلال وغيرهم، كأن فن التمثيل لا يبدأ عندهم من معهد أو ورشة ممثل، بل من الجيم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أجلس بعيدا عن شاشة التلفزيون في ممر جانبي في أحد المقاهي، على رغم عدم مواجهتي للشاشة، وسماعي فقط لما يصدر من صوت، استطعت تمييز الإعلان الترويجي على الشاشة. 

هو  فيلم للمخرج خالد يوسف، فعلامته السينمائية المميزة، لا يمكن أن يخطئ بها أحد، شريط صوت كلكمات متتالية في الأذن، عويل وصراخ متصل لا يتوقف، مبالغات ميلودرامية، محاولات انتحار، وآهات جنسية، موسيقى تصويرية زاعقة لتجبِرك على تجرع العواطف قسرا، حال تعكس ربما عدم ثقته بمُشاهده، أو تحكمه في أداء ممثليه.

يتخلل الإعلان التشويقي لفيلم خالد يوسف الجديد “الاسكندراني” عبارات مفتعلة مثل “شرف لأي ست تشم عرق راجلها الشقيان” وأحياناً غير مفهومة مثل ” مافيش شعر ست اتفرد على ضهره في الحرام”.

 العبارات التي صاحبتها موجة من التعليقات الساخرة والمستاءة، التي ترى فيها تمجيدا لنموذج رجعي من الذكورية، من مخرج تنكشف رجعيته المغلفة بشعارات تنويرية براقة يوماً بعد يوم.

الفيلم عن سيناريو للكاتب الراحل “أسامة أنور عكاشة”، الذي لا يبدو أن كاتباً بموهبته قد خط مثل تلك الجمل، يتصدر أفيش الفيلم الممثل أحمد العوضي، بجسد مفتول العضلات ووجه متحفز مكتظ بالتستوستيرون، وهي ظاهرة تحولت إلى موضة بين الممثلين في الألفية الثانية، كمحمد رمضان وأمير كرارة ومصطفى شعبان وياسر جلال وغيرهم، كأن فن التمثيل لا يبدأ عندهم من معهد أو ورشة ممثل، بل من الجيم.

ظاهرة راح ضحيتها من قبل الممثل هيثم أحمد زكي، نجل الفنان الراحل أحمد زكي، والمعذب بمسيرة أبيه وموهبته وجماهيريته العريضة، إذ أدرك أن السبيل الوحيد ليصبح نجماً هو أن يبدأ الطريق من الجيم، فتوفي شابا إثر هبوط حاد بضغط الدم؛ بسبب تناول جرعة زائدة من المكملات الغذائية.

عين خالد يوسف الشهوانيّة

يستخدم الناقد أمير العمري وصف “مراهقة سينمائية”  للإشارة إلى غالبيّة أفلام خالد يوسف، إذ اختار الأخير موقع الناشط السياسي والداعية لقضايا التحرر، على حساب المخرج ذو الرؤية الفنية، موظفاً إحالات سينمائية ساذجة، كالربط بين مشهد اغتصاب في فيلم “حين ميسرة”، وبين الاعتداء على بغداد.

أما في فيلم “هي فوضى” الذي شارك إخراجه مع يوسف شاهين، فقد كان مسؤولا عن كل ما هو فج ومفكك في الفيلم، وقد برز ميله إلى الاستعراض، والمبالغات الدرامية، والإلحاح على تصوير الأجساد العارية للنساء دون سياق درامي مقنع، والاعتراض هنا ليس من مبدأ أخلاقي، بل لأن ما يصل المشاهد (أو على الأقل أنا)، على عكس كل ادعاءات خالد يوسف، لا علاقة له بالفن، وكأن كل ما يحركه باتجاه هذا الإلحاح هو فانتازم تدور داخل مخيلته.

يُتهم خالد يوسف بصورة متكررة، بتسليع جسد المرأة، واختزالها في الجنس، عبر زوايا تصوير متعمدة  تبدو أقرب إلى التلصص منها إلى الإخراج، وهذا ما حدث مع رانيا التومي في مسلسل “سره الباتع”، لكن يرد خالد على هذه الاتهامات بصورة يمكن وصفها بالطفولية، فمن يتهمه بالتسليع هو من لا يرى المرأة إلا كسلعة!.

الرد السابق  كاف ليعكس تناقضاً، فهو يرد على كل اتهام فني بإجابة خارجة من حناجر النضال، على  رغم أن خالد يوسف لا يحسب مناضلا، فمنذ 2014، صار عضوا أساسيا في كتيبة النظام الحالي، وفضيحة استغلاله الجنسي للممثلات لم تغادر المخيلة بعد انتشار شهادات نساء عنه.

دارت معظم أفلام خالد يوسف حول الفقر، وهي موضوعة ميزت أفلام مخرجين كبار كعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد وصلاح أبو سيف، إلا أن المختلف أن هؤلاء أحبوا الفقراء حقا، وأشعرونا بقسوة الفقر باستخدام الفن، ودون ألاعيب الاستعراض والابتزاز العاطفي.

 أظن أن خالد يوسف يرى الفقر كالجنس، مجرد فانتازيا في مخيلته، ومحض إثارة وألاعيب، فرصة لتقديم نفسه كصاحب قضية كبرى، وسيلة “سكسي”، لإعلان شيء مهم، شيء ضخم، لكن عن نفسه.

 سبق خالد يوسف الممثلين الذين تعلموا تسليع الفقر لمضاعفة نجوميتهم.

التضخيم هو سمة كل أعمال خالد يوسف، وهو أكبر محظوظ عرفته السينما المصرية، الذي دخلها عبر عمله كمساعد مخرج لأحد أهم مخرجي السينما المصرية يوسف شاهين، وقد شوشت رؤى خالد يوسف المتوسطة على أفلام شاهين الأخيرة، وخاصة فيلم “هي فوضى” إذ أفسد يوسف فيلماً عظيما عبر المبالغة والفجاجة.

من وسائل التضخيم أيضا أن يختار قصة ليوسف إدريس، واحد من أهم كتّاب القصة القصيرة، وأن يكون التتر بصوت محمد منير، وبكلمات شاعر موهوب هو مصطفى إبراهيم، ثم وأن يحشد النجوم كلهم في عمله، ومن بعدها سيناريو فيلم لواحد من أنجح الكتاب في مسيرة الدراما، كي يشوشنا عن إدراك فكرة واحدة، أن “سره ليس باتعا”.

الذكر مفتول العضلات..الضابط الجدع وابن البلد الجدع

صورة الذكر مفتول العضلات  ظهرت بوضوح عام 2011 ، لكن لم تكتف بكونها ظاهرة سينمائيّة، بل اختلطت بعد ذلك مع خطاب خارج الشاشة يتماهى مع تلك الصورة، يضاف إليها أداء البلطجي أو الفقير ابن البلد حسب تخيلهم، لكن أكثر أصحاب العضلات تطرفا هو محمد رمضان وأحمد العوضي.

 تخفي الأفلام والمسلسلات التي تظهر فيها العضلات مشكلات الفقر الحقيقية عن عمد، يعاد تشكيل صورتهم عبر تماهي الفنانين مع صورة الفقراء “أولاد البلد” بطريقة تزين الفقر بربطه الدائم بالجدعنة والشهامة، أو لعل صورة “الشقيان” تعجبهم بوصفهم نجوماً، إذ تسمح لهم، إلى جانب “العضلات”، بتمثيل النبل، ليس وفق مفهوم الفقير، بل بحبسه في قفص تصورات الطبقات الوسطى والسيادية والناجية.

صورة الذكوري القوي مفتول العضلات، حامي النساء اللواتي يدرن في فلكه، امتدت لتصبح هي الصورة الوحيدة لرجل الشرطة في الأفلام والمسلسلات، لكن هذه المرة يدور المجتمع في فلك حمايته ليصبح رجل الشرطة هو أيضا “ابن البلد الجديد” الشهم الشجاع، الذي يحبه الجميع، ولا يقترف خطأ واحداً على الشاشة.

 ظاهرة  الشرطي الجدع، بدأت مع مسلسل “كلبش” عام 2017 بطولة أمير كرارة وإخراج بيتر ميمي، صورة لم يخرج عنها ممثلو الألفية الثانية الذين تبنوا أيضاً صورة ابن البلد الجدع. لكن تلك الصورة امتدت أيضا لتشمل رأس النظام نفسه.

السيسي “قلب الأسد”

بعد ثورة يناير بعام قدّم الفنان محمد رمضان أولى بطولاته السينمائية، فيلم “عبده موتة”، تلاه فيلمين آخرين: “الألماني” 2012، و” قلب الأسد، “2013”، وهذه الأفلام أقرب لثلاثية.

تتناول الأفلام عنف الطبقات الشعبية، الذي يُنحي جانبا أخلاقيات الطبقة الوسطى وأحكامها التي تسيّدت السينما المصرية، منذ توجو مزراحي إلى شريف عرفة، وبجرعات عنف غير معتادة على السينما المصرية، التي طالما صورة الطبقة الشعبية رمزا للجدعنة والتضحية والصبر.

صعد نجم رمضان، ليتربع على عرش الإيرادات، لفترة لم تدم طويلا، فنجاح رمضان مُدان الآن بسبب سلوكه المتباهي بثروته الفاحشة، وتصنّعه دور البلطجي، هذا النجاح ارتبط أيضاً بثورة يناير، التي قلبت انضمام الطبقات الشعبية موازين القوة؛ ويعكس أيضاً حالة التساهل الرقابي التي أعقبت الثورة.

“موته” و” الألماني”، الشخصيتان اللتان سلطتا الضوء على مستغلي أزمة الفراغ الأمني بعد الثورة، والكلام للناقد محمد عبد الرحيم، هما الخاسران الوحيدان، الأول يُعدم، والثاني يعاني نوعا من العقاب النفسي.

لا يسير فيلم “قلب الأسد” على منهاج الفيلمين السابقين، بل يناقضهما، إذ يُعلي من شأن قيم الطبقة الوسطى، فينتهي الفيلم نهاية سعيدة: يحصل بطله فارس، رغم مشاركته في بيع المخدرات، على مكافأة كبيرة، بعد مساعدته للشرطة على الإمساك بعصابتين لبيع الأسلحة وضابط فاسد. 

قلب الأسد هو أقرب لمصالحة مع الطبقة التي عاداها رمضان، بعد أن صار نجما يتهيّأ للانضمام إلى الطبقة العليا، التي تحتقر الجميع، ويمارس سلوكيات تؤجج الحقد تجاهه، عبر التباهي بثروته الفاحشة، وهو أمر مناسب جدا للصورة التي يريد رمضان صياغتها عن نفسه، حتى لو كانت لا تعجبنا، فهو يفهم جيدا نفسية معجبيه من الطبقات الشعبية، الذين نزلوا لمشاهدة أفلامه الأولى. ألم يكن الثراء هو الوعد الكامن في أفلامه؟ 

اللافت أنه عقب الثلاثين من يونيو 2013، وجد الخيال الشعبي في بوستر فيلم “قلب الأسد” تعبيرا عما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي، فاستبدلوا صورة رمضان في البوستر بصورة السيسي، لتكون هي الصورة الأكثر مبيعا في ذلك الوقت.

لم يعد محمد رمضان نجم شباك التذاكر، لكنه صار يمثل في أفلام ومسلسلات من إنتاج جهات سيادية، ولم تعد صورته بوصفه فقيرا مكافحا أو غنيا متباهيا تملك أرضية صلبة للنجاح، كما لم تعد الطبقات الفقيرة والمتوسطة ترى الرئيس كـ” قلب الأسد”، بعد تردي الحالة الاقتصادية، خلافا لكل وعوده بأننا سنصبح “نمبر وان” لأن “ثقة في الله نجاح”، لكن تحطمت أساطير الجميع، ولم ينجح أحد.

لم يثر الفقراء، لكنهم سيظلون حاضرين في خلفية المشهد مهما استبعدوا، يُعاد تشكيلهم من مجهول إلى مجهول، نجوم وكتاب ومخرجين يزينون لهم ثنائية الفقر والجدعنة.

مولد الفحولة على الشاشة المصريّة

ظاهرة الذكر القوي الذي تدور في فلكه النساء لحمايتهن بكل قيمه الرجعية، ليست جديدة، وإن كانت توقفت في مطلع السنوات العشر الأولى في الألفية الجديدة مع صعود موجة أفلام الكوميديا، والتي تطلب دائما بطلا ضداً.

في دراسة نشرتها دار الساقي ضمن كتاب “الرجولة المتخيلة” فصل للباحث الأمريكي والتر أرمبرست، المهتم بفكرة الثقافة الشعبية في مصر من خلال الموسيقى والأفلام، يشير فيها إلى أول من ابتدع تلك الظاهرة، وهو الممثل فريد شوقي، أشار أيضاً إلى أنه فيما قبل الخمسينيات كانت الشخصيات الرجولية ترتبط عادة بنمط الحياة البرجوازي، على الطريقة الغربية.

كانت الشخصيات المتأنقة هي السائدة، حتى عندما كان مطلوبًا منها في بعض الأحيان أن تبذل مجهودًا عضليًّا، أو حتى تخوض معارك، لكن مع تبلور شخصية فريد شوقي الشعبية على امتداد عقد الخمسينيات “كانت شخصياته خشنة ونشيطة جسديًّا. قام كنجم سينمائي بدور ميكانيكي السيارات والصياد والجندي والعامل اليدوي. وكانت هذه الشخصيات موجهة عمدًا إلى الجمهور “الشعبي” أو جمهور الطبقات الدنيا”.

فريد شوقي اخترع تلك الصورة اختراعا، ليصير “وحش الشاشة” و” ملك الترسو” مستعينا بوسائل الإعلام المتاحة حينها لتكريس تلك الصورة المتوافقة حينها مع صورة ” دكر الأمة” بحسب الكاتب وائل عبد الفتاح.

فريد شوقي فتوة؛ صنعه خيال مرحلة مرتبكة بين النرجسية الباكية على ذهاب زمن جميل، وبين رغبة في تقديم نسخة محلية من الأسرة كما قدمتها حداثة الخمسينيات والستينيات. في الارتباك تخرج الصور عن مجال الأحلام الباطنية، وما تفرضه قلة الحيلة، ليعمل خيال الناس بحرية أكبر من دأب البروباجندا السياسية على تصوير جمال عبد الناصر في صورة الفتوة الذكر/الأب الحامي قاهر الاستعمار.

يوضح أرمبرست أن فريد شوقي لم يصبح نموذج الرجولة بسبب أدوار الفتوة فقط، ولكنه صار كذلك عندما قدمته المجلات الفنية، وخصوصًا “الكواكب”، في صورة الزوج المثالي، في علاقة زواج قائم على المساواة بين الرجل والمرأة؛ وهذا عندما تزوج بهدى سلطان، لكن الأهم هو إصراره على تقديم نفسه أمام الإعلام وأمام شقيقها محمد فوزي بدور الحامي لِشرف شقيقته.

خلطة النجومية نفسها هي ما اتبعها عادل إمام، الذي رغم موهبته العريضة وأثره الفني الذي صمد في مواجهة الزمن، إلا أنه ساهم في الترويج للتحرش كفعل يجمع لصاحبه التفوق والظرف معًا، كفعل تقبله الضحية. 

هذا ثمن نجاحه الذي دفعناه؛ توحده مع صورة البطل الشعبي المتخيلة؛ يبطش بالرجال جميعهم، وتحبه النساء كلهن، وإن استباح أجسادهن كما يشاء.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.