fbpx

في إمكانية العودة إلى العنف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كل هذه الدماء، لاسيما ما يحدث في فلسطين، من اصطفاف رسمي أمريكي/أوروبي بجانب إسرائيلي في حربها الشرسة، جعل كثيرين يتسائلون عن إمكانية تصاعد العنف، وصعود جماعات راديكالية متطرفة، تحمل شعار الانتقام لكل هذه الدماء والأرواح. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المشهد دام من حولنا. 

حرب إسرائيلية دموية يعيشها فلسطينيو غزة. في سوريا جدد النظام السوري، بمساعدة إيرانية روسية، قصفه لمدينة إدلب. في السودان قُتل، ويقتل منذ 8 أشهر حتى وقتنا الحالي الآلاف، إثر الحرب المشتعلة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، بقيادة المُتخاصمين حميدتي وعبد الفتاح البرهان على التوالي. 

كل هذه الدماء، لاسيما ما يحدث في فلسطين، من اصطفاف رسمي أمريكي/أوروبي بجانب إسرائيلي في حربها الشرسة، جعل كثيرين يتسائلون عن إمكانية تصاعد العنف، وصعود جماعات راديكالية متطرفة، تحمل شعار الانتقام لكل هذه الدماء والأرواح. 

وهنا يبرز السؤال: هل هناك إمكانية لعودة العنف الراديكالي، في ظل السياق، الأيديولوجي والسياسي، الراهن؟

 وما هي دوافع  وأشكال عودته من عدمها؟

الثورات العربي… نقطة البداية

شهدت سنوات ما بعد انتفاضات وثورات الربيع العربي عام 2011، صعودا لجماعات العنف الفكري والسياسي، لا سيما في سوريا واليمن وليبيا ومصر، وعلى إثر عنف هذه الجماعات مع بعضها ومع الأنظمة، قُتل وأُخفيَ وجُرح مئات الآلاف، فضلا عن ملايين النازحين واللاجئين في كل مكان داخل وخارج البلاد. تأسس هذا العنف، على أسباب عدة تداخلت فيما بينها، فهناك جذور سياسية ثقافية اجتماعية تكثفت بفعل عنف النظام السياسي ذاته، كما حدث في ليبيا حتى إسقاط معمر القذافي، واستمر إلى ما بعد ذلك. في سوريا، حيث كثرت جرائم نظام الأسد في حق المنتفضين، واستعانته بقوى خارجية متمثلة في ميليشيات تابعة لإيران، مثل حزب الله في لبنان وميليشيات اُخرى قادمة من العراق ودول اُخرى، ومن هنا جاء العنف بدايةً، كرد فعل على العنف. 

لكن أيضا أُسست ممارسات عنفيّة، مبنيٌّة على الأيديولوجيا، وسوريا كانت مثالا بارزا على ذلك، إذ نشأت وهاجرت وكبرت وتمددت تنظيمات إسلامية راديكالية على أساس عقائدي، واضح ومُتعدد، يعود في مرجعيته الأساسية إلى السلفية الجهادية، مثل جبهة النصرة ذراع القاعدة في سوريا، قبل الانشقاقات وتغيير الأسماء، وتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، قبل أن ينتهي كقاعدة وتنظيم كبير، ويتبقى منه، ذئاب منفردة، كل يعمل على حدة. 

كان سياق سنوات ما بعد 2011، أكثر قابلية لتكوين جماعات العنف السياسي والفكري، مهدت له الأنظمة السياسية عبر افراطها في استخدام العنف. ثبت النظام السوري استراتيجية قتل المحتجين منذ عام ٢٠١١، وفي مصر قتل النظام المحتجين في مجزرة رابعة. 

كانت هناك بالتأكيد طموحات ايديولوجية تهدف لإقامة حكم إسلامي عالمي، وهذا كان هدفا مطروحا في السياق حينها، إذ صعد الإخوان المسلمون إلى حكم مصر (2011 -2013، وحركة النهضة الإسلامية في تونس، باتت الأقوى سياسيا وتشريعيا، قبل أن يقمعها نظام قيس سعيد. 

في غزة تستخدم حركة حماس خطاباً دينياً في أدبياتها، ولعل السياقات التي أصابت إسلاميي مصر وتونس وسوريا جعل الحركة في غزة أكثر نشاطاً رغم سنوات الحصار والتضييق الاسرائيلي.. 

اعتقد كثيرون أن شعار الحكم الإسلامي حلم قابل للتحقيق في سوريا وليبيا ودول أخرى، والعنف هو طريق أساسي للوصول إلى هذا الحلم.

هذه الأيديولوجيات والممارسات العنيفة الصاعدة، والتي تمكنت بداية، من الوصول إلى بعض أهدافها من الحكم والتمدد والسيطرة، جعلت كثيرين يؤمنون بها، ويُهاجرون إليها، فانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق آلاف من المُهاجرين المقاتلين، لاسيما من دول أوروبية. 

تعددت دوافع هؤلاء القادمين النفسية والفكرية حيال هذه الهجرة، لكن كانت من ضمن دوافعهم الأساسية، هي عودة الأيديولوجية “الإسلامية العنيفة” بقوة، ونموها، كما الاغتراب الثقافي والشعوري الذي انتاب الكثيرين، في ظل ضعف سياسات الاندماج وصعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول من أوروبا، ما دفعهم لتجربة العيش والدفاع والقتال في مجتمعات، ربما، حسب ظنهم، تكون أقرب انتماء لهم. 

لكن هذا العنف الإبادي الذي يحدث الآن، على أكثر من جبهة، فلسطين في قلبها، ربما، لا يكون مُشجعا، أو راهنا حقيقيا، لعودة العنف على المدى القريب، كما يتصوّر البعض. وهذا لبضعة أسباب مُختلفة، تخص السياق السياسي والفكري الراهن. السياسي، بمعنى، أنه من بعد عام 2013 تحديدا في مصر، قضى النظام السياسي المصري على الإسلام السياسي، وظل سنوات عدة، يحارب كل توجهات الإسلامي الحركي، السياسي منها والجهادي، حتى استطاع بالفعل القضاء عليه بالمعنى الأمني، بشكل شبه تام، واستقر الحكم في يده، عبر أدوات القمع والاستبداد. في تونس كذلك، بداية من عام 2022، قوَّض نظام قيس سعيد الإسلام السياسي، بقمعه حركة النهضة التونسية الإسلامية، والانقلاب عليها. 

في سوريا وليبيا واليمن، استقرت الأوضاع، سوريا قُسمت بين قوى مُختلفة، نظامية وكردية وإيرانية وروسية وتركية، وقضيَّ على الحركة المسلحة الأكثر عنفا، وهى تنظيم الدولة. أما جبهة النصرة، فقد غلب السياسي منها على العنفي، ما أدى إلى نزع صيتها من حيث ممارسة العنف، أو كأنها حركة راديكالية عنيفة عالمية، بعدما أخذ قسمتها السياسية في الشمال السوري. كذلك انتصر الجيش الليبي على الجماعات الإسلامية العنيفة هناك. وفي اليمن، وقفت الحرب بفعل التقارب الإيراني السعودي. 

وفيما يخص السياق الفكري، هزمت التنظيمات، وهزمت معها الأفكار الأيديولوجية العنيفة، التي لم تعد مطروحة بشكل كبير، كما كانت من قبل، في فضاءات النقاش والجدل. كذلك السياق الحالي، من حيث الفكر والممارسة والتنظيم، تجاوز فكرة العنف المبني على الأيديولوجية الصلبة، ليست الأيديولوجيات العنيفة فحسب، بل حتى أيديولوجيات اُخرى، غير عنيفة، إسلامية وقومية وليبرالية ويسارية. 

سياق ما بعد الحداثة، هو سياق موت الأفكار الصلبة، كما سمّاها الفيلسوف فرانسوا ليوتار. 

هذا السياق السياسي والفكري، اليائس والعدمي، بفعل سيطرة سُلطوية عربية على الفضاءات، في ظل منظومة أمنية قوية، تستأصل أي جذور لتكوين أي تنظيمات عنيفة، كما فشل وموات الإسلام الحركي، بشقّيه السياسي والمسلح، كما سيولة الأيديولوجيات الصلبة، وصعود بدلا منها مفاهيم الإنجاز والاستهلاك والفردانية. كل هذه السياقات، تُصَّعب من صعود أو تأسيس أي تنظيمات، مثل تنظيمات النصرة والقاعدة وتنظيم الدولة وغيرهم، كي تقاتل مرة اُخرى للوصول إلى أحلام الحكم والأستاذية العالمية. 

لكن هذا العنف الشديد، الذي وصل إلى حد إبادة حيوات عشرات الآلاف من أسماء وأجساد ومناطق ومُدن بأكملها، يجعل أو يؤسس لراديكالية عنيفة فردية، تتخطى بطابعها الفرداني، الذي لا يلتزم، ولا يتأثر كثيرا، كونه فردا، حيال كل السياقات السياسية والفكرية التي ذكرناها.

هذه الراديكالية قد لا تكون أكثر تأثيرا في تكوين الجماعات والتنظيمات، بل تتعداها، وتصبح ممارسات فردية للعنف، في استراتيجية مشابهة تماما، لاستراتيجية الذئاب المنفردة، التي انتهجها أفراد من تنظيم الدولة الإسلامية، بأفعال انتحارية أو تفجيرية في فضاءات عامة داخل مدن عربية، أمريكية وأوروبية. 

المشاعر والأفكار المتُعددة، المتباينة والمتداخلة، بين الاغتراب والظلم والدونية والانتقام والمقاومة والعدائية، التي تخلفت الآن، أو بمعنى آخر، أُعيد إنتاجها مرة أُخرى، بواسطة الإبادة التي يشهدها أهل غزة، ربما، إن لم تجد مساحة سياسية حقيقة للتعبير عنها، وهذا ما لا يتوفر الآن، في ظل أنظمة عربية قمعية مترسخة في الفعل والحكم، كما أنّها لن تجد تنظيم عنيف يحتضنها، فلا تجد سوى، صناعة تنظيمها الفرداني، ومن خلاله، تمارس أعمال عنّفية، كرد فعل، مقاوم، انتقامي، لما حدث من أعمال وحشية إباديّة أمام أعين العالم كُله.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.