fbpx

لبنان: العقبة المسيحيّة أمام الفيدرالية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 طلب الفيدرالية، أو الانفصال، في زمن السلم، ولو الهش،  هو إذاً استعصاء بحد ذاته، وحين  لا تتوافر له الآليات التوافقية ذاتياً ووطنياً، يصير والحال استحضار نماذج عن شروط مآلاتها ضرورياً، والحرب والسلاح أبرز أدواتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الانفصال حل معتدل”. الكلام ساقه أخيراً النائب عن حزب “القوات اللبنانية” جورج عقيص. بعده بأيام،كان النائب الكتائبي الياس حنكش يتقاطع معه بأن “الفيدرالية مش عيب”. 

 كلام النائبين المسيحيين يندرج في سياق استعصاءات كثيرة كموضوعي الحرب والسلم ورئاسة الجمهورية، وهو رد فعل موجه إلى “حزب الله” كمعني أول بهذه الاستعصاءات. لكن الكلام عن الفيدرالية، أو الانفصال، شيء، وصيرورتها شيء آخر، يعرف النائبان أن آلياتها تفضي إلى  استعصاء جديد. والأخير مرتبط بأمرين أساسيين، طائفي ووطني.

  راهناً، تصطدم طروحات الفيدرالية بامتناعين. الأول داخل البيئة المسيحية نفسها، والآخر تتكفل به باقي المكونات الطائفية.

 وبافتراض جدية الطرح الفيدرالي كحل للمعضلات اللبنانية، لكن أمره الراهن لا يحظى أقله بموافقة البطريرك الماروني بشارة الراعي، وهذا ليس بتفصيل، ولا يحظى أيضاً بموافقة “التيار الوطني الحر”. وتقاطع الأخيرين في الرفض لا يفترض بالضرورة التقاطع في الكثير من أسبابه وإن اقتربت شكلاً.

 لأسباب طائفية على الأرجح، تحاذر البطريركية المارونية الاقتراب من الفيدرالية. ويقدح ذاكرتها ماضٍ ليس ببعيد عن الصراع المسيحي في زمن الكانتونات المذهبية التي نشأت خلال الحروب الأهلية، وبكلفة بشرية مسيحية هائلة توزعت بين القتل والهجرة.

“الانفصال حل معتدل”. الكلام ساقه أخيراً النائب عن حزب “القوات اللبنانية” جورج عقيص. بعده بأيام،كان النائب الكتائبي الياس حنكش يتقاطع معه بأن “الفيدرالية مش عيب”. 

صراعات الماضي

 الواقع المسيحي الراهن يشي بكل وقائع الماضي وصراعاته، بالأحزاب وبالأشخاص. ويفترض البطريرك بالضرورة أن النظام الحالي باعتلالاته الكثيرة، يجنّب المسيحيين تفشّي صراعهم إلى ما هو أبعد من راهن سياسي يتيح لهم فيه الصراع مع الآخرين التخفف منه. 

  “لبنان أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يقسم”. هذا شعار رفعه العونيون أواخر ثمانينات القرن الماضي. وبعيداً من “البلع”، كان الشطر التقسيمي من الشعار موجهاً ضد خصم الماضي والحاضر سمير جعجع، والذي تقاسم حينها مع نبيه بري ووليد جنبلاط “فيدراليات” طائفية بفعل الحرب. المفارقة أن ميشال عون لم يلبث أن تقاسم “الفيدرالية المسيحية” مع جعجع.

راهناً، ينطلق التيار الوطني الحر في رفض الفيدرالية من مسلمّة أساسية. فمنذ تفاهم “مار مخايل”، صار  حضوره السياسي مرتبطاً بقوة المكون الشيعي أكثر من موقعه هو في الوجدان المسيحي. والفيدرالية بهذا المعنى ستفضي على الأرجح إلى تجريده من أهم أسباب مناعته السياسية.

العازل المسيحي الذاتي أمام الفيدرالية، يكثفه عازل آخر في أن أمرها ليس مجرد رغبة تمتلك قابلية الصيرورة بمعزل عن توافقها مع المكونات المذهبية الأخرى، وأيضاً بمعزل عن مناخ دولي كان سائداً في كل الاتفاقات التي حكمت لبنان منذ استقلاله. 

جغرافيّة جاذبة للفيدراليّة

كانت جغرافية لبنان المذهبية، ولا تزال، جاذبة لطروحات الفدرلة. لكن تقصي فعلها على البيئات الطائفية يشي بأن المسيحيين كانوا الأكثر خضوعاً لهذا الفعل، وهو معيار يستند على الأرجح إلى أن لبنان بحد ذاته هو فكرة مسيحية  يلامس جوهرها حضورهم وثقافتهم وسياستهم، وأن اعتلالها يتبدى غالباً محفزاً لانعزالهم عن الآخرين الذين لم يقصروا غالباً ، وفي مراحل كثيرة كالراهن، في تغذية فكرة الانعزال.

مع الجغرافيا ، لم تتبدَّ الفيدرالية كهوىً شيعي مثلاً مع استئثار ثنائية مسيحية-سنية بالسلطة بعد “الميثاق الوطني” الذي أسس لنظام الحكم في لبنان بعد الاستقلال، ولم تراود لاحقاً موسى الصدر بصفته الشخصية الشيعية التي انبثقت من غبنهم.

وهي أيضاً لم تجد سبيلاً لها في  الغبن السني الذي تلا اغتيال رفيق الحريري، وأسس للثنائية الشيعية – المسيحية التي حكمت لبنان، إلى أن  تبدّى  الأخير في راهنه خاضعاً لأحادية شيعية أفضت إلى ما تفوّه به النائبان عقيص وحنكش.

 طلب الفيدرالية، أو الانفصال، في زمن السلم، ولو الهش،  هو إذاً استعصاء بحد ذاته، وحين  لا تتوافر له الآليات التوافقية ذاتياً ووطنياً، يصير والحال استحضار نماذج عن شروط مآلاتها ضرورياً، والحرب والسلاح أبرز أدواتها.

والحرب والسلاح كمعطى لبناني، لا يملك والحال مسيحيو الفدرلة شروطهما التي تكثف استعصاء الأخيرة. من يملكهما ويملك قرارهما، وهنا المفارقة، هو من ترفع الفيدرالية في وجهه.