fbpx

الكبتاغون في ألمانيا… شبهات تحوم حول نظام الأسد والسوق ما زال خليجياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

كل الدلائل تحمل بصمات النظام السوري، سواء في السوق المستهدف، أو أسلوب التخزين،  لكن يبقى سؤال، هل انتقل التصنيع إلى أوروبا للتصدير إلى الخليج؟ ماذا عن التكلفة واستيراد المواد؟. ما نعرفه من تصريح السلطات الألمانيّة، أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين حبة كبتاغون في “ألمانيا”، قيمتها  نحو 60 مليون يورو، لكن من يستخدمها؟.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شغلت الحرب الإسرائيليّة على غزّة العالم عن الكثير من قضايا المنطقة، أبرزها أزمة “كارتيل الأسد للكبتاغون”، أو ما يُعرف أيضاً باسم “النظام السوريّ”. فالتجارة التي تقدّر قيمتها بـ57 مليار دولار، وتدفع بملايين الحبوب نحو الخليج عبر الأردن، وجدت نفسها في مأزق، بعد فشل استراتيجيّة “خطوة بخطوة”، التي اشترطت عودة نظام الأسد إلى الحضن العربي مقابل الحدّ من تجارة الكبتاغون.

المأزق ببساطة يتمثل بشن الأردن ضربات جويّة جنوب سوريا، تستهدف تجار المخدرات ومخازنها، نجم عن إحداها مقتل مرعي الرمثان، أحد أشهر تجار ومهربي المخدرات في سوريا والمطلوب في الأردن،  في حين أن النظام السوري يكتفي بمصادرة حبوب (لا تمثل سوى أعشار الإنتاج) وندوات عن خطر المخدرات على الشباب!.

على الطرف المقابل، وفي القارة العجوز، كشفت تحقيقات صحافيّة في ألمانيا عن ضبط مصنع لحبوب الكبتاغون، ومصادرة كميات كبيرة منها كانت متّجهة نحو الخليج العربي (السعوديّة والبحرين)، السوق الأول لهذه “الصناعة” التي يقدّر حجمها في ألمانيا (بناء على ما تمت مصادرته حتى الآن) بـ60 مليون يورو، ناهيك بامتداد شبكة التهريب إلى بلجيكا و هولندا.

“الحرب” التي يشنّها الأردن على المخدرات السوريّة هي محاولة للوقوف بوجه التدفق الذي يصل إلى العراق والسعوديّة والإمارات، والأخيرة تصادر ملايين الحبوب الواصلة إليها مع إنكار مصدرها أو تجاهله، خصوصاً أن التحقيقات الصحافيّة تكشف تورّطاً مباشراً لأفراد من عائلة الأسد، وإقرار الولايات المتحدة قانوناً يدين تجارة الكبتاغون  بوصفها”خطراً عابراً للحدود”، ويتهم نظام الأسد مباشرة بها، إلى جانب فرض عقوبات على شخصيات سورية متّهمة بالمشاركة في هذه التجارة.

أثر أزمة الكبتاغون السوري (تصنيع، تهريب، استهلاك) لا يقتصر على المنطقة العربية، إذ أدانت النمسا أحد مواطنيها من أصل لبناني وشركاءه (أحدهم سوريّ) بالسجن للتورط في “تهريب كميات كبيرة من الكبتاغون”، ناهيك بأن السوريين الذين يتوجهون إلى أوروبا حالياً طلباً للجوء، لم يعد السبب الرئيسي لفرارهم هو نظام الأسد أو تهديد حريتهم فقط، بل “الهرب من تجارة الكبتاغون وتفادي العمل بها”.

يضاف إلى ذلك إيقاف أطنان من الحبوب في الموانئ الأوروبيّة، إذ  ضبطت الجمارك الإيطاليّة مثلاً 14 طناً على شكل 84 مليون حبة كبتاغون، في مرفأ ساليرنو في جنوب نابولي عام 2020، بقيمة مليار يورو، لتكون حسب بيان الشرطة الإيطاليّة:”أكبر عملية مصادرة أمفيتامين على المستوى العالمي”.

تشير تحقيقات صحافية وأخبار رسميّة كثيرة إلى رحلة الكبتاغون السوري وطرق التهريب، والمشترك دوماً أن المستهلك الأول أو “السوق” هو دول الخليج، كالإمارات التي ضبطت 13 طناً من الحبوب في إحدى العمليات عام 2023، والسعوديّة التي ضبطت 15 مليون حبة  في إحدى العمليات عام 2022. 

تحوّلت أساليب إخفاء الحبوب التي يتبعها النظام السوريّ إلى مادة للتندّر والفكاهة، فتارة توضع في الفواكه، وطوراً في علب المتة، وفي أحيان أخرى داخل علب اللبن، لتتحول إلى علامة مسجّلة باسم النظام السوري وأساليب عمله، التي كشفت تحقيقات صحافية ألمانيّة عن تكرار هذه “البصمة”، ما يوحي بتغيرات في خطّ الإنتاج والتهريب.

ألمانيا ومتاهة الكبتاغون

عام 2021، مرّ خبر في الصحافة الألمانيّة عن اعتقال رجل سوري (لاجئ من حلب)  في برلين، يحمل حقيبة تحوي 60 كيلوغراماً من حبوب الكبتاغون. 

 حسب الناطق باسم المدعي العام في برلين، “وصلت هذه الكميات من لبنان، وكانت في طريقها نحو بلجيكا”، هذه الفرضيّة مصدرها هاتف المشتبه به، الذي كان على تواصل مع قريب له في بلجيكا قال له إن الحقيبة تحتوي على “أسمدة زراعيّة”.

لاحقاً وفي شهر تمّوز/ يوليو، تمكنت السلطات الألمانية من ضبط ورشة لإنتاج الكبتاغون في Regensburg ، وجدت الشرطة  في ورشة السيارات، التي تحولت إلى مصنع، مكبساً للحبوب، وما يقارب 300 كيلوغرام من الحبوب، ومواد خاماً تكفي لإنتاج ثلاثة أطنان من الحبوب شهرياً، وهنا أيضاً ألقي القبض على سوريين اثنين هما القائمان على الورشة.

لم تشر تحقيقات الشرطة إلى الهدف من الورشة، فهل هو توزيع المخدر المشهور في ألمانيا التي تعاني أزمة مخدرات (حوالى 1800 شخص ماتوا بسبب المخدرات عام 2021)؟، أم التصدير إلى “الخارج”؟. ما نعرفه أن الشرطة وصفت ما اكتشفته بـ”أكبر مصنع للكبتاغون في ألمانيا”.

لاحقاً، وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، صادرت شرطة الجمارك في آخن 300 كيلوغرام من الكبتاغون كانت مخزّنة في وحدة تخزين، وما أثار دهشة الشرطة حينها أمران، الأول ” كمية المخدرات الموجودة” والثاني “الاحتراف في تخزينها وإخفائها”.

 أخفى المشتبه بهم الأربعة السوريون الحبوب ضمن 16 طناً من التراب، مرتبة ومصنفة بإتقان. يقول أحد المحققين، ” كانت أكياس رمل عاديّة، يمكن شراؤها من أي محل”. وأضاف: “النظر إلى هذه الأكياس من الخارج لا يكشف الحبوب”، إذ غطى المشتبه بهم الحبوب بطبقة من الرمال تحتها أكياس الكبتاغون”. ثلاثة من المتهمين أدينوا ضمن تحقيق في شبكة تجارة مخدرات دولية.

بقي “سوق” هذه الحبوب غامضاً، إلى حين قامت الشرطة بعمليتي ضبط كبيرتين في مطاري  Cologne/Bonn وLeipzig/Halle. في مطار كولون،  كانت الحبوب داخل قطع مكابح سيارات، سبعة صناديق بدقة تحوي “60 ألف حبة”، في شحنة كانت متجهة نحو السعوديّة. أما في مطار لايبزغ، فكانت الحبوب داخل شموع معطرة  وفرن بيتزا ضمن شحنة كانت تتّجه نحو البحرين.

كل الدلائل تحمل بصمات النظام السوري، سواء في السوق المستهدف، أو أسلوب التخزين،  لكن يبقى سؤال، هل انتقل التصنيع إلى أوروبا للتصدير إلى الخليج؟ ماذا عن التكلفة واستيراد المواد؟. ما نعرفه من تصريح السلطات الألمانيّة، أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين حبة كبتاغون في “ألمانيا”، قيمتها  نحو 60 مليون يورو، لكن من يستخدمها؟.

 وفق تصريح الناطق باسم المدعي العام في آخن، “يلعب الكبتاغون دوراً صغيراً في جرائم المخدرات في الجمهورية الفيدراليّة”، ما يعني أن هذه الكميات ربما، ليست للاستهلاك المحليّ. لكن “نظراً الى قيمة الحبوب المصادرة وحجمها، يظن أننا أمام جماعة منظمة فعالة عبر الحدود”، في حين أن الناطق باسم المدعي العام في برلين، يقدر أن 10 بالمئة فقط صودرت من الحبوب.

هل هي “حبوب الجهاديين”؟

اللافت في التحقيقات ليست الكمية، ولا خط التهريب من سوريا ولبنان، بل اكتشاف مصنع للكبتاغون في ألمانيا، ما يعني نقل عمليات الإنتاج خارج مساحات سيادة النظام السوري و”حزب الله” في سوريا ولبنان، لكن المفارقة في الأخبار التي تتناول الموضوع هي التركيز على مفهوم “حبوب الجهاديين”، الاسم الذي يُطلق على حبوب الكبتاغون في ألمانيا مثلاً، في دلالة على أنها ترتبط بالجهاديين الإسلاميين الذين يتعاطونها ثم يقومون بعمليات إرهابية وانتحارية.

هذه البلاغة تحمل نوعاً من تفادي المشكلة الرئيسيّة، المتمثلة بالنظام السوريّ المُدان بوصفه المسؤول عن هذه التجارة، فربط الحبوب بالجهاديين فقط سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا يزيح المواجهة من الوقوف بوجه النظام السوريّ نحو مكافحة الإرهاب، ليبقى السؤال أمام السلطات الألمانيّة، هل “الحرب على الكبتاغون” تعني استهداف الجهاديين أم المُصنّع والمصدر الرئيسي المُتمثّل بالنظام السوري؟.

أعد هذا المقال بناء على تحقيق ألماني نشر في .tagesschau أنجزه Arne Meyer-Fünffinger, BR, Margherita Bettoni, Ludwig Kendzia, Nadja Malak, MDR, Olaf Sundermeyer, RBB and Ahmet Senyurt, SWR

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.