fbpx

   الموت أمامنا… فلماذا لم نعد نراه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم شبح الموت الذي بات يُرى يومياً، إلَّا أن فلسفة الموت ذاتها، كحقيقة لا يُمكن الفرار منها، ابتعدت من أذهان الكثير، أو حتى استُبعدت، بهدف إنكارها، وبات الموت حدثاً ليس مكروهاً لدى النفوس فحسب، بل حدثاً تم تهميشه وتغييبه. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أخبار الموت التي كان يشهدها المرء على مستوى ضيق، من العائلة والأصدقاء والزملاء، أصبحت الآن في هذا العصر، عصر الرقمنة، الاستهلاك، الفردانية والإنجاز، هي أكثر الأخبار التي تُرى وتتداول. إذ أدت الرقمنة، المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مشاهدة أخبار موت العشرات وحتى المئات يوميًا، في سياقات ودوافع مُختلفة. 

وعلى رغم شبح الموت الذي بات يُرى يومياً، إلَّا أن فلسفة الموت ذاتها، كحقيقة لا يُمكن الفرار منها، ابتعدت من أذهان الكثير، أو حتى استُبعدت، بهدف إنكارها، وبات الموت حدثاً ليس مكروهاً لدى النفوس فحسب، بل حدثاً تم تهميشه وتغييبه. 

فهل أصبح الموت هو عدو الإنسان الحداثي؟

وكيف يعاد تشكيل فلسفة الموت في أذهان الناس، في ظل الواقع الحالي؟

قبل انتشار الرقمنة، المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، كانت أخبار الموت التي تصل إلى الناس متعلقة بالمعرفة فحسب، الأقارب والجيران، وزملاء الدراسة والعمل. وعلى إثر ذلك، كانت التعزيات محصورة في زيارات البيوت ومكالمات هاتفية. وكانت أخبار الموت في غير ذلك، تتعلق بالشخصيات العامة، في مجالات الفن والرياضة والسياسة وغيرها. 

لكن في عصر الرقمنة، تغيّر كل شيء، أصبحت أخبار الموت تُقرأ يوميا، ومراراً، بسبب كتابة الكثيرين أخبار الوفاة التي تخصّهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فنجد خبر وفاة قريب أو زميل، لصديق لدينا على مواقع التواصل الاجتماعي، ربما لا نعرفه هو من الأساس. أيضاً ساعد في ذلك وجود الكاميرا التي تصور كل حالات وأشكال الموت، مثل تصوير المنتحرين أنفسهم، أثناء عملية الانتحار، ليصبح مشهد الانتحار كأي مشهد سينمائي نُشاهده، كما رؤية ضحايا الزلازل والصراعات والحروب، كما في الحرب على غزة، فنرى القصف، القتل، الدماء والأشلاء مباشرةً، من خلال تطور الرقمنة. وهذا ما جعل الموت خبراً لا يتوقف، فلسفة حقيقية لا مفر منها، تحلق كأشباح في اليوميات الحياتية.

وعلى الرغم من تحليق أشباح الموت دائماً، وبشكل واضح، تجد الموت ذاته، أصبح حقيقة يُنكرها البعض، وهذا بسبب شكل الحياة الحالية، التي تُدار بواسطة الرأسمالية، وذراعها الاقتصادي/ الاجتماعي، ما يعرف بالنيوليبرالية، والتي أنتجت مفاهيم مثل الفردانية، الاستهلاك، والإنجاز. هذه المفاهيم لم تأخذ مساحة مُحددة في الممارسات اليومية الإنسانية لدى البعض فحسب، بل أصبحت طقوس تَعبّد في أنماط الحياة لدى الكثير من الناس. 

يعد الاستهلاك، كمفهوم وممارسة، متناقضاً تماماً مع الموت، أو حتى كل ممارسة يُمكنها أن تؤدي إلى الموت، إذ يعتمد الأول على ترف الحياة، الاهتمام، كما متابعة ومواكبة كل ما تُنتجه الأسواق والشركات من سلع مختلفة. لذلك، تجد الإنسان الاستهلاكي يُقدس الحياة، ولا يتمنى أي زوال لها، لأن زوالها بالنسبة إليه هو خسارة اللذة الاستهلاكية التي ينعم بها. ومن هنا، تجد الاستهلاك، كممارسة، استوطن مكان ممارسات أُخرى، تخص العمل الجماعي، في السياسة والإصلاح والتغيير. يتجلَّى هذا في الأنظمة القمعية، لأن ممارسة السياسة هنا، تؤدي إلى انتهاء الاستهلاك، بانتهاء الحياة ذاتها، سواء عبر القتل أو حتى السجن. وهنا، تخاف الذات المُستهلكة على جسدها من كل ما يؤذيه، إذ يتمظهر هذا الجسد في الاستهلاك عليه، وهنا يعدّ سجنه أو قتله انتهاءا للممارسة الاستهلاكية. 

أدت الرقمنة، المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مشاهدة أخبار موت العشرات وحتى المئات يوميًا، في سياقات ودوافع مُختلفة. 

مفاهيم أُخرى مثل الفردانية والأنجزة، تتداخل وتتباين أيضاً مع ممارسات ما يخصّ الاستهلاك، إذ تتأسس الفردانية على ممارسات، تقدس مصلحة الفرد لا الجماعة. ومن هنا، يختفي المُجتمع من ذهن الإنسان الفرداني، ولا يفكر في أي فلسفة ولا يمارس أي فعل لا يتعدى حدود فردانيّته. تدريجياً، تستبدل “الروابط الإنسانية في عالم الميوعة”، كما يسمّيها أستاذ الاجتماع البولندي زيجمونت باومان، سواء كانت روابط أسرية أو اجتماعية أو سياسية، متمثلة في الزيارات والتعزيّات وحضور المناسبات إلى آخره، من ممارسات تربط الفرد بالجماعة من حوله، إلى روابط استهلاكية عائدة على الفرد وحده. ليصبح الفرد كما يتمنَّى، هو “الأسطورة”، “البطل المتفرّد” في المُجتمع، ويهمش أي دور يكون هو فيه فرداً عادياً، ليس بطلاً، وسط الجماعة. 

هذه المفاهيم التي تمثلت في ممارسات قدَّست الذات، الفرد، والحفاظ على ما يمثله، أو يتمظهر عبره، وهو الجسد، والتي سعت بكل السبل الاستهلاكية، عبر التسلّع الدائم، الى تأمينه وإخراجه في الصورة التي تُشبع الذات، من خلال هوس الآخرين بها. ولهذا، اضطر الفرد، الساعي إلى البطولة المتفردة، إلى تهميش ما يذكّره بفناء مصدر هذه البطولة، أي الجسد، بموته الذي لا مفرَّ منه، ومن هنا تأتي فلسفة تغييب الموت، كأنه شيء لن يحضر أبداً. 

لكن مفاهيم التهميش والإنكار والتغييب، ما هي إلَّا أضحوكات مُتخيَّلة، للسيطرة على فلسفة الخوف من هذا القدر الحقيقي، الذي يسمى الموت. بل على العكس، يجادل زيجمونت باومان في حواره مع ليونيداس دونسكيس في كتابهما “العمى الأخلاقي، فقدان الحساسية في الحداثة السائلة”، أن الاستسلام، أي العيش مع الوعي بالفناء الإنساني، هو تعاطي واقعي مع فلسفة الموت التي ستأتي يوماً ما، وهذا ما يجعل الإنسان، على العكس، يفكر في فسلفة وجوده، الوجود الذي سيفنى، لكنه وجود مهم، يجب العمل من أجله، كل إنسان حسب فلسفته وفكره ووظيفته في الحياة، كما اعتقاده عما بعد الحياة، كيف سيكون شكلها، وهل يجب عمل وظائف بعينها في الوجود، تُوصيها تعليمات لاهوتية، من أجل الوجود بشكل أكثر راحةً ونعيماً، في حياة ما بعد الحياة. 

ممارسات كثيرة تتصارع، تتنافس، لهيمنة مفاهيم عدة متناقضة حول وجود الموت. تهميش وإنكار وتغييب، تمركز واعتراف وحضور، هذا كله يلتفّ حول الموت، تحاول مفاهيم النيوليبرالية، من استهلاك، فردانية وأنجزَة، محو فلسفة الموت من الحياة، لمصالحها في الربح اللانهائي. لكن من وقت الى آخر، يحدث وعي جماعاتي، يوقظ تفكير الناس حول الموت، يُذكرهم بحقيقته، قدومه، وألا مفر منه. هذا الوعي الجماعاتي، يأتي من خلال، رؤية الموت ذاته، لا سيما الموت، الناتج من صراعات تدور حول أفكار السياسة، التحرر، الثورة، والمقاومة. 

ما يحدث في غزة من حرب وحشية بسلاح جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة مستبسلة من أهلها، وما رأينا من آلاف الأرواح التي ماتت، مقاومةً، لتحرَّر أرضها، مستغنيةً عن ممارسات الاستهلاك والفردانية، وما انبثق منهما. هذا ما يُشكَّل مرة أُخرى أنماط التفكير حول الوجود الإنساني في الحياة، ويُعيد التأمل في الإجابة عن سؤال، ما قيمة هذا الوجود؟ وقيمة ما بعد الوجود؟ وما هي الممارسات اليومية، التي تمارس بفعل تشكيل هوية ثقافية حقيقية، كوّنها الإنسان بانتماء فعلي إليها، من دون ضغط أجنَّداتي (تمويلي) أو إملاءات منظومات اقتصادية واجتماعية وسياسية كُبرى، تجعل منه يستغني عن انتماءات ثقافية وهُوياتية أصيلة من أجل مصلحتها. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.