fbpx

أزمة قصب السكر في مصر… هل الاستيراد هو الحلّ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعاني زراعة قصب السكر في مصر من تحديات كبيرة، إذ يواجه جابر، كمزارع، صعوبات عدة خلال عملية الإنتاج على مدار العام. ارتفاع أسعار الأسمدة ومشاكل الري المتزايدة يجعلان الوضع أكثر تعقيداً، بينما تُضيف مهمة عمال تنظيف القصب من الأوراق الجافة وحرق الحقول للتخلص من الحشائش والثعابين ومصاريف الإيجار والعمال، عبئاً إضافياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تُطل شمس شتوية على حقول قصب السكر في مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا، بينما يحدق رضا حليم، أحد كبار مزارعي القصب، في محصوله بِنظراتٍ يملؤها الاستياء وفقدان الأمل. 24 عاماً أمضاها رضا في زراعة هذا المحصول، ليُقرر أخيراً أن هذه هي السنة الأخيرة التي يزرع فيها قصب السكر، لينضم إلى الكثيرين من مزارعي قصب السكر الذين يُعانون من صعوباتٍ جمةٍ تُهدّد مستقبل هذه الزراعة العريقة.

يقول رضا، “بدأت زراعة قصب السكر منذ 24 عاماً، وكان هذا المحصول يُدرّ عليّ أرباحاً جيدة تُساعدني على إعالة أسرتي وتحسين مستوى معيشتي. في السنوات الأخيرة، أصبحنا نواجه صعوباتٍ جمةٍ، لم ترتفع أسعار القصب بالشكل الذي يُواكب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما أدّى إلى تراجع أرباح المزارعين وخوفهم من المجازفة في زراعته لعام آخر. 

يوم 13 شباط/ فبراير، عقدت وزارة التموين اجتماعاً طارئاً مع مسؤولي وزارة الزراعة ومسؤولي مصنع سكر أبو قرقاص وكبار المزارعين، تحت عنوان “النهوض بزراعة قصب السكر”. حضر الاجتماع عضواً من وزارة الزراعة “رفض ذكر اسمه” لكنه أشار إلى أن النقاشات في الاجتماع لم تتعدًّ سوى بضع توصيات، مع توزيع علبة حلويات على الحاضرين بدلاً من التركيز الجاد على تحديات القطاع الزراعي وأسباب توقف مصنع أبو قرقاص بعد 155 عاماً عن إنتاج السكر من محصول القصب، وأسباب تأخيرهم في تحديد سعر الطن حتى شهر شباط، ما دفع الفلاح الى بيع محصوله للتجار، وهذا ما لم تتم مناقشته بشكل ملموس، بل لم يتطرق إليه الاجتماع من الأساس، ما يثير مخاوف كثيرة من استمرارية الوضع الحالي لصناعة السكر وزراعة القصب. 

تأخّر تسعير قصب السكر

يشير عصام بديوي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة السكر والصناعات التكاملية المصرية، الى أن توريد القصب للمصنع تقلّص من 750 ألف طن في العام 2020 الى 90 ألف طن في العام 2023، الى أن وصل الى 10 آلاف طن في موسم 2024 حتى توّقف المصنع.

يوضح “مصدر وزارة الزراعة” أن مشكلة هذا الموسم التي تسببت في غلق المصنع تكمن في تأخير قرار إعطاء التسعيرة لطن قصب السكر للمزارع ومعالجة الأزمة التي نتجت منه. فقد صدر قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم (22) لسنة 2024 بشأن توريد قصب السكر لموسم عصير 2024 والصادر بتاريخ 3/2/2024 وتحديد سعر الطن إلى 1500، وبذلك يكون قد تأخر أكثر من شهر ونصف الشهر على قلع المحصول من الأرض وتوريده للمشتري. 

يرى المزارع رضا حليم أنه وغيره من المزارعين ليسوا مسؤولين عن الأزمة التي تواجه زراعة قصب السكر، مشيراً إلى أن الحكومة قد توجهت بالاتهامات إلى المزارعين برفضهم توريد المحصول للمصانع، في حين أن الواقع عكس ذلك. فعادةً ما تُحدد الحكومة أسعار القصب للفلاحين عن طريق المصانع في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ولكن في هذا الموسم لم تصدر المصانع أي بيانات بشأن أسعار القصب للفلاحين. ونتيجة لذلك، اضطر المزارعون إلى بيع محصولهم للتجار والعصارات بمجرد حصاده، نظراً الى أنه يفسد بعد خلعه من الأرض.

يصرّح المهندس حسن كامل، خبير صناعة السكر ورئيس سابق لشركتي السكر والصناعات التكاملية والقابضة الغذائية، بأنه قبل بدء موسم القصب، تقدمنا بمقترح إلى الحكومة كمتخصصين قبل بدء الموسم، نحسّهم فيه على تحديد سعر عادل للمزارع وتجنّب أزمة محتملة، لكن لم تكن هناك أي استجابة. ونتيجة لذلك، فإن هذا العام شهد فجوة عجز بين الإنتاج والاستهلاك تصل إلى مليون طن، ما يعكس حجم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي والصناعي وضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتفادي تدهور الوضع الاقتصادي والزراعي.

من خلال بيانات المركز القومي للتعبئة والإحصاء، فإن الإنتاج الكلي من القصب بلغ 15.91 مليون طن… الحد الأقصى من الإنتاج  17.01 مليون طن عام 2007 والحد الأدنى 15.34 مليون طن عام 2019. وبدراسة تطوّر الاستهلاك، تشير البيانات إلى زيادة معدلات الاستهلاك من 2.5 مليون طن عام 2005 إلى 3.32 مليون طن سكر عام 2023، بزيادة تصل الى مليون طن وتمثل 33.6 في المئة من جملة الاستهلاك الكلي. 

“بدأت زراعة قصب السكر منذ 24 عاماً، وكان هذا المحصول يُدرّ عليّ أرباحاً جيدة تُساعدني على إعالة أسرتي وتحسين مستوى معيشتي. في السنوات الأخيرة، أصبحنا نواجه صعوباتٍ جمةٍ”.

أزمة تتجاوز التسعير الحكوميّ

أثناء جولة ميدانية أجرتها معدّة التحقيق في منطقة زمام أبو قرقاص على مساحة تبلغ 15 ألف فدان، أشار الفلاحون إلى تزايد صعوبة استمرار زراعة محصول القصب في السنوات المقبلة. وأفاد الكثير منهم بأن الكثير من الفلاحين قد تخلوا عن زراعة القصب في هذا العام، إذ قاموا بخلعه من الجذور وزرعوا محاصيل بديلة مثل اليانسون والكمون.

يشير محمد جابر الى أن سعر فدان الكمون وصل في هذا العام إلى 500 ألف جنيه، بينما لا يتجاوز سعر فدان القصب في أفضل الحالات الـ70 ألف جنيه، بالإضافة الى أن القصب يستمر في الأرض لمدة تصل إلى 12 شهراً، ويمكن أن يستمر توليده لمدة تصل إلى 5 سنوات من دون الحاجة إلى إعادة زراعته، ما يجعله مصدراً أحادياً رئيسياً للدخل والمعيشة للفلاح وعائلته على مدار العام.

تعاني زراعة قصب السكر في مصر من تحديات كبيرة، إذ يواجه جابر، كمزارع، صعوبات عدة خلال عملية الإنتاج على مدار العام. ارتفاع أسعار الأسمدة ومشاكل الري المتزايدة يجعلان الوضع أكثر تعقيداً، بينما تُضيف مهمة عمال تنظيف القصب من الأوراق الجافة وحرق الحقول للتخلص من الحشائش والثعابين ومصاريف الإيجار والعمال، عبئاً إضافياً.

وعلى الرغم من مناقشة فكرة تبنّي تقنيات زراعية حديثة مثل الشتلات والري بالتنقيط مع الفلاحين، إلا أن محمد يعتبر ذلك خياراً غير عادل للإنتاج التقليدي، مشيراً إلى نقص الخبرة في هذه الطرق الجديدة، ومحذراً من أن التحول قد يؤدي إلى إيقاف زراعة القصب نهائياً، ما يعني تأثيرات كارثية على الفلاحين والاقتصاد المحلي على حد سواء.

هل تبذّر زراعة قصب السكر المياه؟

يؤكد المهندس حسن كامل، خبير صناعة السكر، أن محصول القصب مظلوم في ما يتعلق بالاتهامات بتبذير المياه، ويشير إلى عدم وجود دراسة جادة تؤكد هذا الاتهام، وأن استمرار زراعة القصب في الأرض لمدة 12 شهراً يعادل نفس احتياج محصولين من حصة المياه.

يوضح كامل بحساب بسيط، أن فدان القمح يحتاج إلى نحو 3 آلاف متر مكعب من المياه، ويستمر في الأرض لمدة 120 يوماً، ويُزرع بعد ذلك محصول آخر مثل الذرة الشامية الذي يتطلب تقريباً كمية المياه نفسها، بينما يحتاج فدان القصب من 6 إلى 8 آلاف متر مكعب من المياه. لذا ينبغي أيضاً حساب التكاليف والعائد المتوقع لكل متر مكعب من المياه المستخدمة في زراعة القصب.

ويشدد على أهمية مراجعة وتقييم دقيق للتكاليف الفعلية للري والعوامل الأخرى المرتبطة بإنتاج القصب، مع مراعاة أن القصب هو أيضاً محصول أمن غذائي مثل الذرة والقمح.

هل الاستيراد هو الحلّ؟

يطرح الصراف محمد توفيق سؤالاً، “هل يتأثر مصنع السكر بخسارة إذا رفع سعر طن السكر للفلاحين إلى 2000 جنيه؟”، يبدو أن الأمر يتعلق بتحقيق التوازن بين الربحية والعدالة الاقتصادية. إذ يُباع طن السكر داخل التموين بسعر 27,000 جنيه مع احتوائه على نسبة سكر تبلغ 16 في المئة. وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار السعر العادل للطن بمقدار 4,500 جنيه.

وفقاً لقاعدة بيانات التجارة العالمية (UN Comtrade Database)، تشير البيانات إلى أن مصر صدّرت مادة المولاس التي تنتج من عصير القصب، بقيمة تبلغ 8,409,348 دولاراً في عام 2020، وصدرت بقيمة 17,958,851 دولاراً في عام 2021، بينما بلغت قيمة الصادرات في عام 2022 نحو 1,367,601 دولار. بينما تشير البيانات الى تصدير أعواد القصب في العام 2022 بقيمة 566,921 دولاراً.

ويقول المصدر نفسه، إنه على الرغم من استفادة المصنع من منتجات علف البنجر والمولاس وغيرها بأرقام مالية كبيرة، إلا أن تدني الأسعار المعروضة للمزارعين قد أجبرهم على بيع الطن بسعر يتراوح بين 2000 و2500 جنيه للعصارات وتجار القصب. وبالتالي، فإن عدم رفع سعر القصب للفلاحين قد يؤثر سلباً على القيمة الإجمالية للصناعة السكرية وزيادة العجز في توفير السكر، ما يدفع الحكومة إلى اعتماد الاستيراد كحل بديل أساسي.

في دراسة أجرتها وزارة الزراعة، تبيّن أن الفجوة الغذائية في إمدادات السكر تتأثر بعوامل عدة، منها إنتاج السكر المحلّي ومعدل استهلاكه. ومن خلال دراسة تطوّر هذه الفجوة في مصر، والتي تمثلت في تحليل بيانات المركز القومي للتعبئة والإحصاء للفترة من عام 2005 إلى 2021، تبين أن هذه الفجوة بلغت 894 ألف طن. وفيما يتعلق بمتوسط نصيب الفرد من السكر، فقد بلغ 33 كيلوغراماً سنوياً في العام الأخير المتاح للتحليل، علماً أن الحد الأدنى كان 31.7 كيلوغرام في العام 2006، بينما بلغ الحد الأقصى 34 كيلوغراماً في العام 2019.

يثير حسن كامل قضية السوق العالمية وإتاحة الشراء عند الطلب، فالسوق العالمية الآن تواجه مشكلة في إنتاج السكر، إذ لا يوجد فائض يمكن أن يلبي الطلب في أي وقت. ويُلاحظ أن 70 في المئة من إنتاج السكر العالمي يأتي من محصول قصب السكر، والذي يتركّز في أربع دول رئيسية. إذ تحتل البرازيل المرتبة الأولى في زراعة السكر بمساحة تبلغ نحو 23.1 مليون فدان، وهذا يمثل نسبة 39 في المئة من إنتاج السكر العالمي. تليها الهند بمساحة نحو 12.1 مليون فدان، ما يمثل نسبة 19 في المئة من الإنتاج العالمي. وتأتي بعدها الصين بمساحة تبلغ نحو 4.3 مليون فدان، ما يمثل 6.7 في المئة من إنتاج العالم. وفي المرتبة الرابعة تايلاند، حيث تصل مساحة زراعة السكر إلى نحو 3.1 مليون فدان، أي بنسبة 5.26 في المئة من إنتاج السكر العالمي. وبشكل عام، تبلغ مساحة زراعة قصب السكر عالمياً نحو 62 مليون فدان، مع إجمالي إنتاج يبلغ حوالي 1832 مليون طن.

على الرغم من استيراد مصر السكر من الهند وتايلاند، إلا أن إنتاج السكر تراجع في هاتين الدولتين وتوقّف تصديره بسبب الظاهرة المناخية المعروفة باسم “النينو”، التي أثرت على قدرتهما على تلبية الطلب المحلي. هذا التحدي أجبر البلاد على الاكتفاء بسد الحاجة المحلية، ما ينجم عنه تأثيرات سلبية. بالإضافة إلى ذلك، تسببت تقلبات العملات والتضخم في مشكلات إضافية، ما يضع الحكومة في موقف صعب يتطلب اتخاذ تدابير فعالة لتفادي الآثار السلبية المحتملة على الاقتصاد المصري عموماً وعلى صناعة السكر وتدهور زراعته بخاصة.

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.