fbpx

الذهب مقابل خيمة في رفح… نساء يبعن مجوهراتهنّ لسدّ الرمق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعاني النازحون في رفح جنوب قطاع غزة من نقص حاد في الغذاء ومقومات الحياة ناهيك بارتفاع أسعار السلع المتوافرة، ما دفع غزيات إلى بيع مجوهراتهن من أجل شراء خيمة أو غطاء أو قليل من الطعام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يخطر على بال السيدة الأربعينية، خضرة جمعة، أنها ستضطر إلى بيع العقد الذهبي الذي ورثته عن والدتها بعد وفاتها، وهو أغلى ذكرى لها، للحصول على بعض المال لتوفير الطعام والمأوى لعائلتها.

 قررت جمعة بيع العقد الذهبي حين نزحت نحو مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بعد نفاد كل ما تملكه من مال بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني في الأسواق، واحتكار التجار الكثير من البضائع.

وفي محلّ للمجوهرات وسط مدينة رفح، التي نزح إليها أكثر من مليون وثلاثمائة ألف شخص من مناطق مختلفة في قطاع غزة، انتظرت جمعة أمام طابور نساء يرغبن في بيع مجوهراتهن الذهبية، لأكثر من 30 دقيقة، حتى نجحت في بيع ذكرى والدتها.

تقول جمعة المثقلة بأحزان النزوح وفقدان أبناء أختها نتيجة قصف إسرائيلي لمنزلهم في مدينة غزة: “نزحنا إلى مدينة رفح حين طلب منا الجيش الإسرائيلي ذلك عبر منشورات ألقاها من الجو، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات المحلّية التي اخترقتها”.

وصلت جمعة، وهي ربة منزل، إلى مدينة رفح، ونصب لها زوجها خيمة من النايلون والخشب في منطقة المواصي، وهي مدينة قرب البحر، وبلغت تكلفة مكانهما الجديد 1800 شيكل (500 دولار).

انقلبت حياة العائلة داخل خيمة النزوح الباردة رأساً على عقب، فمثلاً لا تتوافر أغطية كونها باهظة الثمن في مدينة رفح، ووصلت أسعارها إلى 300 شيكل (83 دولاراً) في حين كان ثمنها قبل الحرب 70 شيكلاً (20 دولاراً).

لم تستطع عائلة جمعة تحمُّل النفقات المرتفعة لحياة النزوح، في ظل غياب أي دخل لهم خلال الحرب، فبدأوا بالبحث عن مقتنيات ثمينة جلبوها معهم من مدينة غزة خلال الخروج منها.

دخلت جمعة في نقاش مع زوجها حول الأشياء الثمينة التي يمتلكونها والتي يمكن بيعها لإعانتهم على إكمال حياتهم في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ قرابة 6 أشهر، فقررا في النهاية بيع العقد الذهبي الذي ورثته عن والدتها.

ذهبت جمعة إلى السوق وسط مدينة رفح، واتّجهت نحو محلات الذهب فاصطدمت بتراجع كبير في الأسعار، إذ عرض عليها الصاغة شراء الغرام الواحد بـ 37 ديناراً أردنياً، وهي عملة الشراء والبيع الرسمية في غزة.

تقول جمعة: “الاستغلال وغياب أي دور رقابي جعلا التجار والبائعين يتفوقون على الناس هنا في رفح، حيث الرقابة غائبة كلياً عن الأسواق، ما ترك المجال مفتوحاً لتجار الحروب لاستغلال المواطنين”.

جدير ذكره، أن سعر شراء الذهب قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وصل إلى 40 ديناراً أردنياً للغرام الواحد، ولكن اضطرت جمعة إلى البيع بالسعر الجديد بسبب حاجتها الماسّة الى المال لشراء خيمة جديدة وتأمين احتياجاتهم من الطعام والشراب.

داخل محل آخر لبيع الذهب وسط مدينة رفح، تقف النازحة بثينة أبو الخير(45 عاماً) إلى جانب مجموعة من النساء، غالبيتهن نازحات، لبيع مصاغهنّ لتوفير بعض المال.

اضطرت بثينة إلى بيع خاتمها الذهبي بعد نفاد أموالها كافة في خيمة نزوحها غرب رفح، وفي ظل مساعدات شحيحة تصلها من الجهات الإغاثية المختلفة.

اشتكت بثينة من الارتفاع المستمر في الأسعار، بخاصة أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل السكر، الذي وصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى 80 شيكلاً (22 دولاراً)، في حين كان قبل الحرب 3.5 شيكل (دولار واحد)، والدقيق الذي وصل في سعره في بعض الأيام إلى 350 شيكلاً (100 دولار). 

باعت أبو الخير خاتمها من دون ترددد واشترت بعدها الدقيق والزيت والمياه، وعادت الى خيمة النزوح غرب مدينة رفح حيث عائلتها.

توضح أبو الخير أن المبلغ الذي باعت به خاتمها يكفي لشراء حاجيات أربعة أيام فقط، بسبب الارتفاع الكبير للأسعار في أسواق رفح.

ازدهار سوق الذهب

يؤكد معتصم علا الدين، أحد أصحاب محلات المجوهرات في مدينة رفح، أن سوق الذهب ازدهر بشكل ملحوظ مع وصول آلاف النازحين إلى المدينة هرباً من جحيم الحرب في شمال قطاع غزة ومدينة خان يونس. 

يقول علا الدين: “نستقبل يومياً المئات من النساء، غالبيتهن من النازحات الراغبات في بيع مصاغهنّ لتوفير المال لشراء الطعام والشراب وإكمال حياتهن”، موضحاً أن هناك منهن من يبعن كميات يصل بعضها إلى الكيلوغرام، وذلك من دون أي تردد، بسبب الحاجة الماسة الى المال في ظل حياة النزوح واستمرار الحرب.

يُرجع علا الدين تراجع سعر شراء الذهب في سوق مدينة رفح إلى ارتفاع العرض، نافياً أن يكون هناك أي استغلال للنازحات في المدينة.

أما عبد الله عودة، أحد المسؤولين في نقابة الصاغة وتجار المعادن الثمينة، فيؤكد أن رفح تشهد انتعاشاً كبيراً في شراء الذهب بسبب حاجة الناس الى المال لتغطية احتياجاتهم. ويضيف: “تكتظ محلات بيع الذهب بعشرات النساء الراغبات في بيع ما يمتلكن من مصاغ، وهي حركة لم يشهدها السوق منذ سنوات”.

يرى عودة أن هناك أزمة سيولة في قطاع غزة، حيث يعاني تجار الذهب أيضاً من عدم قدرتهم على تصريف ما يقومون بشرائه من الناس. ويلفت الى أنه على رغم ذلك، يشترون الذهب ويوفرون الأموال، من أجل استمرارية عملهم وضمان لقمة عيشهم، مشيراً إلى أن أسواق الذهب تشهد حركة بيع كبيرة من الناس وليس شراءً، وذلك في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها.

منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تشنّ إسرائيل حرباً مدمّرة على قطاع غزة، خلّفت عشرات آلاف الضحايا، معظمهم أطفال ونساء، وألحقت دماراً هائلاً في البنية التحتية وأدت الى كارثة إنسانية، الأمر الذي جعل إسرائيل تمثل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب “إبادة جماعية”.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية، حذّرت الأمم المتحدة من تدهور الوضع الإنساني في جنوب غزة، بسبب عدم كفاية الإمدادات الغذائية وسوء المرافق الصحية أو عدم وجودها، والاكتظاظ وانتشار الأمراض المعدية، مؤكدةً أن حجم المساعدات التي تدخل إلى القطاع غير كافٍ.