fbpx

هكذا وصلنا من “كل السلطة للمقاومة” إلى “طوفان الأقصى”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما فاقم طغيان العسكرة، على حساب السياسة والحراكات الشعبية، هو إضفاء نوع من القداسة على الخيارات العسكرية، وتحريم النقاش في شأنها، وضمن ذلك المراجعة والنقد والمساءلة، الأمر الذي جعل الفلسطينيين يدفعون ثمناً باهظاً مقابل تلك الخيارات من دون حصد أي نتائج.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احتلّت فكرة الكفاح المسلّح وعي الفلسطينيين السياسي، منذ انطلاقة حركتهم الوطنية المعاصرة قبل ستة عقود، بل إنها طبّعت كياناتهم بطابعها، بحيث غلب عليها طابع التشكيلات المسلّحة، على حساب البعدين السياسي والتنظيمي.

ما سبق أثّر بدوره على نمط علاقاتها الداخلية البينية وعلاقاتها بالشعب الفلسطيني، وباتت ترتكز على عوامل القوة والهيمنة، كما أثر ذلك على طبيعة علاقاتها الخارجية، بحيث ارتهنت للدعم الخارجي، التسليحي والمالي والسياسي؛ وهذا يشمل وجودها وتجربتها في الخارج (في الأردن ولبنان)، ثم في الداخل. 

وعلى الأرجح، اعتُبر توسّل “فتح” الكفاح المسلح، في حينه، العامل الوحيد الذي يمكّنها من فرض ذاتها، في الساحة السياسية، الفلسطينية والعربية، التي كانت تعج ّبالقوى القومية واليسارية، وأيضاً استقطاب الفلسطينيين، وانتشالهم من صدمة النكبة.

توسّل الكفاح المسلّح كان برغماتياً، بدليل أن “فتح” في أدبياتها الأولى كانت تتحدث عن “التوريط الواعي” للأنظمة في معركة التحرير، وعن اعتبار البعد الفلسطيني كطليعة للجيوش العربية في تلك المعركة.

المشكلة، أن ذلك كله حصل على رغم ضعف إمكانات الفلسطينيين، وخضوعهم لسلطات متعددة، وارتهانهم للدعم الخارجي، الأمر الذي لم يكن خافياً على القيادات الفلسطينية، لا سيما قيادة “فتح”، التي هندست الحركة الوطنية الفلسطينية، ورسمت خياراتها، وقادت مسيرتها، وفقاً لمقولات “شعب الجبارين”، و”يا جبل ما يهزّك ريح” والقضية المركزية، و”التحرير طريق الوحدة”.

حركة فتح ذاتها نقلت لاحقاً الفلسطينيين من الكفاح المسلح إلى المفاوضة السياسية، وقادت تحوّل مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية من كونها حركة تحرر وطني إلى سلطة على الشعب الفلسطيني، تحت سلطة إسرائيل في الأراضي المحتلة (1967)، أي في جزء من فلسطين التاريخية. 

صعود حماس

تحولات “فتح” السابقة، معطوفة على تقادم الحركة الوطنية الفلسطينية واستهلاكها، في برامجها السياسية وخياراتها الكفاحية، وتالياً تهميش منظمة التحرير، كانت هي العامل الأساس وراء صعود حركة “حماس”، التي بدأت بالكفاح المسلح على طريقتها ووفقاً لمصطلحاتها، من حيث كانت انتهت منه “فتح”.

بدت حماس في الشارع الفلسطيني كمنافس ومنازع لـ”فتح” على السلطة والمكانة والقيادة؛ لا سيما بعد عقد اتفاق أوسلو (1993)، والذي تكرس بعد الانتخابات التشريعية الثانية (2006)، وانقسام كيان السلطة إلى سلطتين، واحد لـ”فتح” في الضفة، والثاني لـ “حماس” في غزة. 

واصلت  فتح خط المفاوضات، باستثناء فترة الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2004)، قبل رحيل زعيمها ياسر عرفات، في حين واصلت “حماس” فكرة الكفاح المسلح، لكن بشكل مختلف منذ هيمنتها كسلطة على القطاع. إذ تصرفت كأن غزة منطقة محررة، وبالإمكان تحويلها إلى قاعدة للتحرير، أو خوض حرب كجيش ضد جيش، مع قصف بالصواريخ، وطائرات مسيرة، وهو ما توّج في هجمة 7 تشرين الأول/ أكتوبر، باقتحام المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للحدود مع غزة، وأسر عشرات الإسرائيليين، عسكريين ومدنيين، في غضون ساعات.

اعتُبر هجوم 7 أكتوبر ضربة سياسية ومعنوية وعسكرية لإسرائيل، ضربة غير مسبوقة، الأمر الذي وجدت فيه إسرائيل فرصة سانحة لها لشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين، ما زالت مستمرة منذ 160 يومياً.

لا يوجد خيار سياسي أو كفاحي مقدس، أو خارج النقد والمساءلة، لا سيما في قضية معقدة ومتداخلة وصعبة كقضية الصراع ضد إسرائيل.

تراجع البعد الشعبي الفلسطينيّ

 المبالغة في الكفاح المسلح، والقدرات الفلسطينية، وعسكرة الحالة الفلسطينية في الخطابات والبنى وأشكال العمل، لم يكونا في محلهما، بل أديا إلى إضعاف البنية السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية، وتهميش مكانة البعد الشعبي في النضال ضد إسرائيل، بما في ذلك الهبات والانتفاضات الشعبية، لا سيما الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1993)، في الضفة وغزة، وأشكال الكفاح السياسي لفلسطينيي 48، الذين كان لهم دور كبير إبان الهبة الشعبية للدفاع عن حي الشيخ جراح في القدس (2021)، وإحباط محاولات الإسرائيليين السيطرة عليه، في حين أضرّ تدخل الصواريخ من غزة (آنذاك) بتلك الهبة، إذ أدى إلى أفولها، فيما كانت تفتح على إمكانية انتفاضة شعبية ثالثة.

ما فاقم طغيان العسكرة، على حساب السياسة والحراكات الشعبية، هو إضفاء نوع من القداسة على الخيارات العسكرية، وتحريم النقاش في شأنها، وضمن ذلك المراجعة والنقد والمساءلة، الأمر الذي جعل الفلسطينيين يدفعون ثمناً باهظاً مقابل تلك الخيارات من دون حصد أي نتائج، أو من دون تحقيق إنجازات سياسية مقابل التضحيات والبطولات، ولو بشكل نسبي. 

التحول إلى “سلطة”

يبدو من الطبيعي، بحكم تلك المحددات كلها، تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة في أماكن وجودها كافة، وكنظام مثله مثل الأنظمة القائمة، ما يفسّر أن تركة تلك الحركة في مخيمات فلسطينيي لبنان اقتصرت على ميليشيات تخضع لتجاذبات وتوظيفات متباينة، مع عدم وجود أية مؤسسات ثقافية أو تربوية أو مدنية بعد إخراجها من لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي (1982). 

وفي الضفة وغزة، شهدنا تحولها إلى أجهزة أمنية هدفها حماية السلطة القائمة والتحكم بالمجتمع، على حساب بناء المجتمع والتنمية المجتمعية والاقتصادية، علماً أن ذلك يحصل فيما لا تزال خطابات الفصائل تتغنى بالكفاح المسلح، ولا يزال هذا الشكل يحتل وعي الفلسطينيين السياسي.

 يشمل ما سبق أيضاً، تجربة “حزب الله” في لبنان الذي احتكر “المقاومة”، واختزل مجالها الوطني وعسكر طائفته، واحتكر قرار الحرب والسلم إزاء إسرائيل على رغم أن تبعات ذلك وتداعياته تمسّ كل اللبنانيين. 

وفي المحصلة، سخّر هذا الحزب المقاومة لأغراض سلطوية وطائفية في لبنان، ولخدمة سياسة إيران الإقليمية، مع تصريف فائض قوته في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد، وكله بدعوى “المقاومة”؛ وذلك ينطبق على تجارب الكفاح المسلح في الجزائر وزمبابوي وأريتريا أيضاً، فكلها تجارب عسكرت المجتمع، وهيمنت عليه، باسم المقاومة والكفاح المسلح. 

إعادة النظر في شكل الكفاح

من المهم هنا، ملاحظة أن تجربة الكفاح المسلح الفلسطيني المعاصرة أدت الغرض منها إلى حدود العام 1974، أي منذ خمسين عاماً، إذ استنهضت شعب فلسطين، وفرضت الاعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير، وبشعب فلسطين وحقوقه. أما بعد ذلك، فإن الكفاح المسلح فقد وظيفته في ظل الظروف والمعطيات الحالية، بدليل أنه لم يُضَف أي إنجاز جديد في ما بعد؛ إلى حين اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987.

 بيد أن ذلك لا ينزع الشرعية عن الكفاح المسلح الفلسطيني، بقدر ما يفيد بملاحظة الشكل الكفاحي الأنسب في كل ظرف، وفقاً للمعطيات العربية والدولية، ووفقاً لقدرة الشعب الفلسطيني على التحمل، وبما يمكنه من استثمار هذا الشكل الكفاحي أو ذاك. 

الفكرة، أنه لا يوجد خيار سياسي أو كفاحي مقدس، أو خارج النقد والمساءلة، لا سيما في قضية معقدة ومتداخلة وصعبة كقضية الصراع ضد إسرائيل، منذ رفع شعار “كل السلطة للمقاومة في الأردن” (1970)، إلى “طوفان الأقصى” في غزة (2023)، مروراً باتفاق أوسلو (1993).

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.