fbpx

“بعد ماكو جندر ولا جندرة”: حرب الدولة-الميليشيا على “الجندر” في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما زال خبر إقرار عقوبة الإعدام في العراق بحق المثليين غير مؤكد، وقرار كهذا يأتي بعد حملة شديدة ضد مجتمع الميم عين في العراق، بل ومنع كلمة جندر نفسها من التداول، في تقييد للحريات الأكاديميّة، وتأكيد الرعب الذي يسببه هذا المفهوم وقدرته على تفكيك بنية الدولة والمجتمع الذكورية، ناهيك بأن “الحرب” ضده وصلت حد الانتهاك الصريح والواضح لحقوق الإنسان في العراق المحكوم بالفساد والمحسوبيات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن لدي الوقت الكافي للتفكير بمقدمة ملحمية وشاعريّة مليئة بضرورة “الحب، المقاومة، الصمود”، والتي ستبدو صحيحة فقط لأنها تحمل هذه المعاني ولأنها تبرر بطريقة ساذجة تجاهل ما يحدث للنساء العابرات في العراق بين الأوساط الكويرية في المنطقة العربية والإقليمية.

يمتدّ التجاهل إلى المؤسسات النسوية التي تدّعي أنها ترفض وتقاوم التمييز على أساس الجنس والجندر والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتي نعتمد عليها لأننا لا نملك أياً منها في العراق. 

ولأن جنسانيتنا أصبحت تتطلب “التجسيد”، وضرورة جعلنا مرئيات بين هذه الأوساط لا بد لها من رشات من الشغف وحب الذات، نشهد أن أي سلوك جندري يكشف عن هويتنا غير المعيارية كنساء عابرات للجندر، هو سبب كافٍ لقتلنا في الشوارع، كما حدث مع الراحلات نور بي أم و سمسم و دوسكى ئازاد، اللائي قُتلن بسبب هويتهن. 

تتخذ انتهاكات حقوق الإنسان المعترف بها أشكالاً مرتبطة بـالجنوسة/الجندر، أما الأشكال غير المعترف بها ثقافياً على أنها نموذج لانتهاكات حقوق الإنسان في العادة، فيرتكبها أفراد أقوى في الأسرة، كما حدث مع العابرة جندرياً دوسكى ئازاد التي عاد شقيقها من ألمانيا لقتلها عام 2022، ولاحقاً وُجدت جثّتها في طريق نائية في محافظة دهوك في إقليم كردستان. في الواقع، هذه الجريمة تعد “مقبولة” داخل حدود السلوك العادي للآباء/الأخوة/الأبناء، والملائم ثقافياً، والذي يحافظ على قيمة الأسرة الأبوية وشرفها.

“غير ملائمات ثقافياً”

خلال ثلاث سنوات، قُتلت ثلاث نساء عابرات بشكل علني، وجدت جثة دوسكى في إقليم كردستان عام 2022 ولحقتها نور العام الماضي، والتي قُتلت قرب شقتها في شارع حيوي داخل حي المنصور في العاصمة بغداد، ثم سمسم التي قُتلت طعناً بعد عودتها من تركيا مكان إقامتها لزيارة أسرتها في 2024.  

برّر المجتمع قتلهن جميعاً بحجة كونهن غير ملائمات ثقافياً،  ردود أفعال مثل هذه على مقتل نساء عابرات تلقي شيئاً من الضوء على الأهمية الكبيرة لمناضلتنا من أجل حقوق النساء العابرات مثلما نناضل في حرب من أجل حقوق المرأة/الإنسان. 

ومع تنامي استبدادية الأصولية الدينية وجهازها البيروقراطي، من الصعب مشاهدة ردود أفعال مشابهة تجاه النساء غير المعياريات أو “مغايرات الملابس/ Cross-dressers”، التي لا تعتبرها الدولة إيحاء، لكون النساء المرتديات ملابس مغايرة جندرياً رجالاً عابرين جندرياً، لكنها حتماً تعبر عن النساء العابرات بهويتهن المتعلقة بأجسادهن، والتي لا يستطعن الحصول عليها، أي العلاج الهرموني.

يفسر ما سبق أن ليس لدى المجتمع والدولة مشكلة في تنشئة اجتماعية لهوية رجولية، على رغم عدم الاعتراف بها، ويمكن من خلال الأعراف الاجتماعية المؤسسة للجوانب الاجتماعية للملابس التحديد من خلالها الممارسات الاجتماعية بما فيها الممارسات الجنسية.

 لا تخفي كثيرات من النساء جنسانيتهن غير المعيارية، إلا أنه ليس من الصعب عليهن التعايش مع مغايرة الملابس التي يمكن شرحها بكونها حيادية داخل المجتمع، ويمكن تطبيقها و تعزيزها بصفتها أحد أشكال الجنوسة المفضلة.

تلك الجنوسة التي اعتاد الرجل على رؤيتها وتشجيع وجودها داخل بنية المجتمع، لأنها لا تؤثر على النوع الجماعاتي للمنظومة، ويمكن إبقاؤها في الدور الاجتماعي المحدد لها بناءً على جنسها البيولوجي  في هرمية الجنسانية العربية، التي تؤسس لنوعين جنسانييّن فقط تم بناؤهما فوق المعطيات البيولوجية.

أي أن دورها الجنسي، أي عبرة الملابس، لا يتم تغييره وفقاً لمعطيات هذا النوع من البناء الاجتماعي للجسد بتغيير الملابس، على العكس من النساء العابرات اللاتي يتم تمييزهنّ بشكل مباشر كونهن غير مطابقات للتصورات المفترضة عن ماهية/شكل المرأة. 

“بعد ماكو جندر ولا جندرة “

في 15 آب/أغسطس 2023، مرّ مجلس النواب العراقي بقراءة أولية لمشروع قانون مكافحة البغاء الذي يستهدف به أفراد مجتمع الميم عين + وملاحقاً النساء العابرات والرجال غير المعياريين بشكل أكبر، مُجرماً ما أسماه التشبّه بالجنس الآخر، عن طريق الملابس أو وضع مستحضرات التجميل أو استعمال الهرمونات لتغيير معالم الجسد.

انعكس القرار بملاحقة الناشطين والناشطات وكل من “يروج للمثلية الجنسية” وصولاً إلى حديث عن قرار قانون إعدام المثليين. بالتزامن مع قرارات عدة أصدرتها الدولة على مؤسساتها الإعلامية بعدم استخدام مصطلح الجندر أو النوع الاجتماعي واستبدال المثلية الجنسية بالشذوذ الجنسي. 

 وفي 1 شباط/ فبراير 2024، مر مجلس النواب العراقي بقراءة ثانية لمشروع القانون، والذي أدرجت له إضافات أكثر قمعاً لأفراد مجتمع الميم عين + شملت السيطرة على السوشال ميديا وأعمال منظمات المجتمع المدني التي تروج للمثلية الجنسية ومعاقبة كل من يدعم أو يساند أو يروج لها، والاعتماد على الرأي الفقهي في تحديد نوع العقاب، والتي لم تُذكر في القراءة الأولى لمشروع القانون التي سُحبت من رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي.  

جاءت القراءة الثانية بعد دعوة قضائية للنائب رائد المالكي، أحد أبرز الوجوه التي دافعت عن مشروع القانون وطالبت به لتقر المحكمة الاتحادية العليا بعدم أهلية الحلبوسي في سحب القانون وبضرورة تشريع القانون.

 أكّد عدد من النواب المساندين للقانون، أن العراق لن يرضخ للضغوط الأجنبية، والتي أشاروا بها الى الأمم المتحدة وحضور ممثلين لها في جلسات البرلمان، بعد موجات عدة من التحريض على العنف و القتل على مواقع التواصل الاجتماعي.

بدأت الحملات منذ كأس العالم في قطر 2022، وانتهت مع حملات شيطنة للمفهوم وكتب رسمية أُصدرت بمنع الندوات التي تحمل مفهوم الجندر، إلى أن أقرت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية المواد التي تحتوي على جندر أو نوع اجتماعي، وهو ما دفع النائب “المدني” باسم خشان الى التعليق فرحاً : “بعد ماكو جندر ولا جندرة”.

ممارسات غير مرئيّة

ما يجدر بنا ذكره الآن هو الشكل الأعمق للتحيز الجنساني والمركزية الذكورية-القضيبة، وهي الأشكال التي يصعب تعريفها لكونها جزءاً من الممارسات غير المرئية، والتي لا تظهر على شكل أفعال قصدية للأفراد أو الجماعات، بالتزامن مع صعود الأصولية الدينية وسيطرتها على صناعة القرارات السياسية، والتحيزات الفكرية النابعة من التحيز الجنساني أو المركزية الذكورية، وهي المسبب الأكبر لمتاعب النساء والنساء العابرات بخاصة، مروراً بالأشكال المؤسساتية و المجتمعية والحضارية للتحيّز الجنساني.

تنامي الحركات السياسية للأصولية الدينية منحت هذا التحيز الاهتمام واستجابت لأجندات تحسم نجاحها السياسي والاجتماعي، من خلال البدء بوضع تشريعات ومصلحة ممارسة وتأييد أبشع أشكال هذا التحيز والعنف القائم على النوع الإجتماعي، وهي ليست مجرد وسيلة للتغطية على فشل سياسي أو عمليات/صفقات فساد .

 ومن المهم في هذا السياق، ملاحظة نشأة ونماء قوى الأصولية الدينية ورفض فرض “الثقافة الغربية” التي تعتبرها هذه القوى انحلالاً أخلاقياً يهدد شكل الأسرة/المجتمع الأبوي الذي يثبت الفرضيات الأخلاقية. تلك الفرضيات التي تشكل عقائد قطعية للتأويل السائد للقيم التي يجتمعون عليها.  

الميليشيا ضد الثقافة الغربيّة

تشرع السلطة في الحفاظ على النسق الجنساني من خلال عنفها المسلح/القمعي الذي بدأت به الميليشيات منذ 2003 وصولاً إلى 1 شباط 2024، ومحاولة شرعنة العنف القائم على رفض هوية الأفراد التي لا تتماهى مع تصورات المجتمع المحلي للنسق الجنساني، والتي لا تخدم النوع الجماعاتي للمنظومة الذكورية.

 تتفاقم انتهاكات الحقوق الخاصة والعامة بفعل أمر واقع يحدث؛ ألا وهو إنكار حقوق الإنسان بتعبير “احترام الاختلاف الثقافي”، وكثيراً ما يتم تفسير حقوق المرأة ومجتمع الميم عين + والسلوك الجندري/الجنساني غير المعياري، على أنها رموز صريحة للثقافة الغربية. وفي هذا السياق، تشرع قوى السلطة في تعزيز إنكار الحقوق الفردية و الإنسانية. 

داخل ممارسة السلطة خطاب “تأطير” في شكل العلاقات والهوية ضمن جندر محدد سلفاً داخل منظومة تتلقى وتبني شكلاً واحداً للجسد والجندر. ولا ترى في التنوع الجنساني سوى “شذوذ” ومرض نفسي لا بد من علاجه. وهنا تكمن ثنائية للجندر يصعب تذويبها أو النظر في إزالة فوارق التراتب الهرمي وإعادة تشكيل رؤية جديدة لماهية المرأة/الرجل التي تتخذ مواضع مختلفة وتتجسد بأشكال شتى.  

بالعودة إلى 2006، كان الجميع في خطر، وهو ما أرى أن سببه كان الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي الأول علي السيستاني، التي أقر بها بضرورة قتل المثليين خصوصاً “الفاعلين” بأبشع الطرق، وهو ما وثقته “هيومن رايتس ووتش” في نوع الاغتيالات التي رصدتها، والتي كانت متعلّقة باقتلاع العضو الذكري للضحايا حتى العام 2009.

أصبح مجتمع الميم عين + وأفراد غير معياريين يقعون ضحايا للشك، فحتى تلوين الشعر أو وضع مرطب شفاه والعناية بالبشرة، إلى الاعتناء بالنظافة الشخصية، كانت توقع الأفراد في شك بهويتهم الجنسية، وتحوّل الاعتداء من اقتلاع العضو الذكري إلى قتل الضحايا بإعطائهم أدوية مسهّلة بعد إغلاق فتحة الشرج. 

فانتازم الخوف من الجندر

أصبحت الملاحقة متمحورة حول الدور المتخيل في العلاقة الجنسية التي يتصورها المعتدي من السلوك الجنساني للأفراد أو اعتنائهم بأجسادهم، وهو ما يجعل هؤلاء الأفراد عرضة للشك في ميولهم الجنسية لتبيّنهم سلوكيات حددها النوع البيولوجي داخل الجنسانية العربية على أنها مؤنثة، وقد استمرت هذه التصورات الى وقتنا الحالي معرضةً الأفراد ،حتى لو كانوا لا ينتمون الى مجتمع الميم عين، للخطر . 

وما نراه الآن هو استثئار شخصي بالسلطة، الذي يتمثل في أداة السلطة القمعية والقسرية،  ولا يستمد شرعيته من مصدر “قانوني أو/و دستوري” بل من واقع القوة والتفرد بها. ويجرد المواطن من حقوقة الإنسانية و المدنية.  

وما أن تطورت هذه الميليشيات ووصلت إلى الدولة، طورت الجهاز البيروقراطي للدولة حتى نصّبت نفسها مكان المجتمع، وبالنسبة إلى المواطنين فهم كيان خارجي مفروض على هويتهم الثقافية، وبدأت في تشريع عنفها وحماية ما تعتبره  اختلافها الثقافي. 

بشكل عام، نجد في كل المحاولات التي سعت بها الميليشيات سابقاً والقوى السياسية الآن الى شرعنة العنف على أفراد مجتمع الميم عين + و النساء العابرات بشكل حصري، إخفاق الأفراد في مطابقة المعايير لماهية الرجل والمرأة، ولاحقاً الذكورة والأنوثة داخل هذه الماهوية  الثقافية. 

لماذا العابرات؟ 

تستمر التبريرات الثقافية والدينية للعنف على النساء العابرات حتى وصلنا إلى محاولة وضع قوانين مطاطة وفق معايير مبهمة وغير واضحة يمكن من خلالها ملاحقة العابرات جندرياً، وهي تلك التي وردت في مشروع قانون مكافحة البغاء يمنع ارتداء ملابس الجنس الآخر، أي جنس هو الآخر، وأي ملابس يمكن تصنيفها على أنها لجنس ما، سوى تلك التي حددها المجتمع على أنها مؤنثة، وهذا أيضاً ينطبق على المستحضرات التجميلية والطبية التي تغير من معالم الجسد، وهو ما تحتاجه النساء العابرات في تحقيق ذواتهن. 

يفشل الكثير ومنهم مؤسسات ومنظمات تعرف عن نفسها على إنها نسوية، في إدراك هذه المشاكل المتعلقة بالتحيّز الجنساني، والتي بدأت منذ إعلان الدولة ملاحقتها مفهوم الجندر وتأطيره أخلاقياً، ساحبةً المفهوم من دوره العلمي/المعرفي إلى الأخلاق، عوضاً عن رؤية هذه المؤسسات. والفرق، أن اضطهاد النساء العابرات وفي بعض الأحيان قتلهن، أمر طبيعي وملائم ثقافياً أيضاً، وهو ما يصدق فرضيات قوى السلطة، إذ تحدث أفظع الانتهاكات الأساسية للإنسان، وهو ما يدفعنا الى التساؤل: أين التقاطعية و الأختية؟

المشكلة تحدث في سياسات الهوية، أي أنها كثيراً ما تتجاهل و/أو تحجب الاختلافات الداخلية للنوع الجماعاتي داخل المجموعة الواحدة . وهذا المحو/التجاهل يحدث إشكالاً في سياقات العنف ضد النساء، وذلك بشكل أساسي. لأن العنف الذي تختبره النسوة تشكلهُ دوماً أبعاد مختلفة لهوياتهن، إذ تتعرض النساء العابرات للخطر بطريقة قسرية، ويساهم هذا الإقصاء في صناعة أطر تعمل السلطة من خلالها على تهميش المختلفات وإنكارهن.

 ما سبق يمكن رؤيته في “مؤسسة مناهل”، وهي منظمة تعرف عن نفسها كمنظمة نسوية مسجلة لدى الدولة، تداولت خبر مقتل العابرة جندرياً سمسم، ووصفت العابرات “بالظواهر السلبية ” التي يجب على الدولة التعامل معها. اعتذرت لاحقاً على سياق تداول الخبر، لكنها أصرت في الوقت نفسه على موقفها من العابرات. 
 في هذا الصدد، نحن نرى المتكلم المهيمن ثقافياً، والذي يفترض بدوره أن للنساء هوية جنوسية واحدة؛ هوية سابقة على الدخول في الممارسات الاجتماعية. وهكذا تمضي ماهوية جنوسية في افتراض وتكوين ثنائيات حادة مبنية فوق “اختلافها الثقافي”، والتي تصبح جزءاً من تكريس ثنائيات الهرمية داخل الجنسانية العربية.

أحمد الفخراني - كاتب وروائي مصري | 30.04.2024

التضحية بعيد القيامة في مصر.. مغازلة رسميّة لتفسيرات المسلمين الرافضة قيامة المسيح

عيد العمال في الأول من أيار/ مايو، ذلك أمر عالمي، حدث نتيجة تضحيات وثورات ودماء. لكن رئيس الوزراء المصري قرر ضمّ تلك التضحيات إلى التضحيات المسيحية، ثم الإعلاء عليها بحس ماركسي، أو لا أدري، إذ قرر أن عيد العمال في الخامس من أيار، عوضاً عن إعلانه شيئاً شديد الإحراج، وهو أنه يصادف عيداً مسيحياً، عيد…