fbpx

الحشاشون في رواية إسماعيليي إيران (4): النزاريون في إيران والعالم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أثار مسلسل “الحشاشين”، إخراج بيتر ميمي، جدلاً واسعاً أثناء عرضه في شهر رمضان 2024، سواء حول الأحداث التي اقتبسها “من وحي التاريخ، أو اتهامه بـ” بث رسائل الدولة”، وتوظيفه الحكاية التاريخيّة للتنكيل بأعداء الدولة. في سلسلة المقالات هذه، تناقش بادية فحص تاريخ جماعة الحشاشين ومنشأها من وجهة نظر إسماعيلي إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعتقد الإسماعيليون أن أئمتهم يتحدّرون من سلالة الإمام علي بن أبي طالب وزوجته السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول، وانتقلت الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل، واستمرت في ذريته، ورست في زمننا هذا، عند الإمام التاسع والأربعين الشاه كريم الحسيني ابن الشاه علي خان والشاهبانو تاج الدولة، وهو من أصول باكستانية، ويحمل الجنسية البريطانية وعدة جنسيات فخرية، ويُعرف بلقب آغا خان الرابع، وهو اللقب الذي منحه فتحعلي شاه قاجار سليل الأسرة القاجارية التي حكمت إيران قبل البهلوية، لجده الإمام حسن علي شاه، الإمام السادس والأربعين للسلالة، وهو الشاه الوحيد في العالم الذي يحكم شعباً من طائفة واحدة وأعراق وهويات متنوعة، من دون منطقة جغرافية محددة.

يبلغ عدد الشيعة الإسماعيليين في العالم 15 مليوناً، ويشكلون حوالي 10% من الشيعة، وينقسمون إلى فرقتين: المستعلية والنزارية، ويعيش معظمهم في إيران والهند وباكستان وأفغانستان وطاجيكستان وسوريا ومصر ودول أوروبية، وينتشر النزاريون منهم في أكثر من 25 دولة، ويُطلق عليهم اسم الباطنيين، لأنهم يفسرون القرآن والنصوص الإسلامية الأخرى داخليا، ويولون اهتماما أقل بالظاهر.

وأطلق المسلمون على النزاريين لقب الملاحدة أيضا، بسبب ادعائهم، تاريخيا، بأنهم دخلوا يوم القيامة، مما أفضى بهم إلى التوقف عن إقامة الشعائر وممارسة الطقوس الدينية، وبحسب المصادر الإيرانية، أن الإمام النزاري الحسن (الثاني) بن محمد بن بزرك اميد، كان عالما متبحرا وخطيبا ذا جاذبية سحرية وقدرة عجيبة على الإقناع، وفي أحد أيام شهر رمضان، جمع في آلموت حكام القلاع والمؤمنين، وأقام حفلا قرأ فيه رسالة قال إنه تلقاها من الإمام الغائب، وقد أمره فيها بإبلاغ المؤمنين، برفع الشريعة عن أكتافهم؛ لأنهم دخلوا في يوم القيامة، ثم وضعوا المائدة وأفطروا واحتفلوا.

وتذكر المصادر الإيرانية أن معنى القيامة في التعاليم التي طرحها الحسن الثاني، هو ظهور مرحلة جديدة من الحياة الروحية للجماعة الإسماعيلية، وصلوا خلالها إلى باطن الوصايا، فانفصلوا عن العالم المادي، وأنكروا بالتالي كل ما جاء في الشريعة من طقوس وشعائر وممارسات، باعتبار أنهم بلغوا الجنة، فنبذهم المجتمع الإسلامي وسماهم الملاحدة.

بعد ذلك، شهدت النزارية تغييرا جوهريا آخر مع اعتلاء الحسن الثالث المعروف بجلال الدين الحسن الملقب بالمسلم الجديد، هذه المرة تخلى زعيم آلموت عن معتقدات والده وجده ولعنهما جهرا، واعتنق المذهب السني، ودعا أتباعه للعودة إلى الشريعة، وكتب رسائل إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله يعلمه بذلك، كما أرسل والدته إلى الحج مع بعض المؤمنين من أهل آلموت، وأمر بإعادة بناء المساجد، وأحرق كل الكتب الإلحادية في مكتبة آلموت، لكن النزاريين عادوا بعد انتهاء هذه الحقبة إلى التشيع.

وبرغم ذلك، لم تنتفِ صفة الباطنية ولا الإلحاد عنهم، حتى يومنا هذا، علما أنهم يؤكدون بأنهم مسلمون شيعة، وأنه لا توجد اختلافات جوهرية بين مذهبهم والاثني عشرية في الأصول، إنما هناك مروحة واسعة من الاختلافات في الفروع، والفروع عندهم مرنة وقابلة للتعديل بحسب موجبات العصر ومقتضياته، وعادة ما يعدلها إمام العصر أي الآغا خان، على سبيل المثال، يؤدي النزاريون فريضتي الصلاة والصيام، لكن بطريقة مختلفة عن الاثني عشرية، مسألة الحجاب تعتبر من المسائل التي تخضع لمقتضيات العصر، لذلك لا تعتبر فريضة في هذا الوقت، ويتبعها شرب الخمر أيضاً.

النزارية في إيران

اليوم، بقي من نزارييي إيران ما يقارب الثلاثين ألفا أو أكثر بقليل، ويعيشون في مدن كبرى مثل كرمان وأصفهان وشيراز، وفي بلدات صغيرة في المحافظات الوسطى، وتسمح لهم السلطات بالبقاء على عقيدتهم، وأداء واجباتهم الدينية، طالما أنهم يؤدونها في صمت تام، وبعيدا عن المظاهر العلنية والتبشير، وهم بالمقابل، يمارسون تعاليم المذهب بهدوء وحذر، حفاظا على العقيدة وحرصا على المؤمنين.

 يطلق النزاريون على مكان العبادة لديهم بيت الجماعة، وليس المسجد، كما باقي المسلمين، ولا يحوي المكان قبة أو مئذنة أو أي علامة تشير إلى المذهب، ولا يرتفع منه أذان أو تلاوة أو صلاة أو دعاء، ولا يسمح لغير النزاريين بدخوله، ولا يلزمون النساء بالحجاب، إلا أنهن يراعينه التزاما بقانون الحجاب الإجباري في إيران. 

تعد قرية ديزباد القريبة من نيشابور، في محافظة خراسان الرضوية، مثالا حيا على الحياة الروحية العميقة التي وصلت إليها الجماعة النزارية في إيران، ويقضي سكانها معظم أوقاتهم في الحدائق والبساتين، ولا يظهرون استعدادا لمناقشة دينهم مع الغرباء، لئلا يفقدوا السلام النسبي الذي حصلوا عليه من الحكومة، كمكافأة لهم لعدم إظهار عقيدتهم.

وتنتشر القرية بشكل متدرج على السفوح الجنوبية لسلسلة جبال بينالود، وتعتبر نموذجا في البناء العمراني والبيئي والاجتماعي، وهي قرية نظيفة جداً وصديقة للبيئة، الصيد فيها محرم دينيا ويهتم سكانها بالثروات الطبيعية، لأن هذه السلوكيات تعتبر مقدسة لدى النزارية، ويحافظون على الغابات والأنهار والبيئة والنظافة، ويحرمون قتل الحيوانات والحشرات والزواحف وقطع الأشجار، ويحبون الموسيقى والرقص، ويرتدون الملابس ذات الألوان الفاتحة؛ لأنها انعكاس لفرح الطبيعة والكون والحياة. 

يرى نزاريو إيران أن الحسن الصباح حاول إحياء عقيدة مزدك الإصلاحية التي نشأت في العصر الساساني، والتي كانت تنادي بإلغاء التمييز الطبقي الاجتماعي وإصلاح نظام الملكية الزراعية ومنح الكادحين نوعا من العدالة الاجتماعية، تحت راية الزردشتية، حين ثار بوجه سياسة الإقطاع السلجوقية، التي منحت العسكر الحق باستئجار أراضي الفلاحين بمبالغ زهيدة، وبيع ما تنتجه بمبالغ خيالية، لتعويض العجز في ميزانية الدولة، وهو من أوائل الوطنيين الإيرانيين، الذين أسسوا فكرة مقاومة المحتل الأجنبي والحفاظ على هوية البلاد، وقد حرص لتحقيق ذلك على مبدأين، الأول: إحياء الروح القومية الإيرانية، لأجل ذلك كتب جميع أعماله باللغة الفارسية، وأعلن أن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية والمقدسة لدينه بدلاً من اللغة العربية. 

الثاني: إنقاذ إيران من هيمنة العرب العباسيين واحتلال السلاجقة الأتراك، لأجل ذلك، سلك في طريق الكفاح المسلح مبكرا، ولأنه لا يكن يملك سوى حلمه وبعض الرجال المؤمنين به، مقابل دولة تملك جيوشا جرارة، اعتمد الحرب السرية، وإنشاء شبكة منظمة ومعقدة من الأتباع المخلصين، الذين شكلوا كابوسا حقيقيا لأعدائهم على مدى عقود.

مصادر “الأعداء”!

حتى يومنا هذا، ما يزال تاريخ النزارية والإسماعيلية عموما، يُستقى من مصادر غير إسماعيلية، كتبها أعداؤهم بمعظمها، وبرأي أحفادهم الإيرانيين أن النزارية عبارة عن طائفة شيعية ثورية ذات أهداف دينية وسياسية، سعت إلى إسقاط الخلافة العباسية وإقامة خلافتها الخاصة، لذلك أثاروا عداوة أهل السنة والخلافة العباسية، فنشروا عنهم الخرافات والأكاذيب والاتهامات الباطلة، واتهموهم بالإلحاد والخروج عن طريق الدين القويم.

والأوروبيون أيضا، الذين وصلوا إلى الشرق في وقت الحملات الصليبية، كان لهم دور كبير في تشويه سمعتهم، وقد استمدوا معلوماتهم عنهم من المصادر التاريخية التي دونها كتبة السلطة، ومن الروايات الشفهية الشعبية والخرافات والشائعات التي انتشرت حولهم، وعليه فإن الكثير من الكتابات والأبحاث التي تناولت تاريخهم، لم تنقله بطريقة حيادية ولا عقلانية. 

في مرحلة متقدمة، أحدثت جهود المستشرق الروسي الرائد في تجميع تاريخ النزارية فلاديمير إيفانوف وتصوبيه، إضافة إلى كتابات عدد من المؤرخين الإسماعيليين، تغييراً كبيراً في فهم التاريخ الإسماعيلي وتنقيته من الشوائب والتحريفات، ومن خلال الوصول إلى المخطوطات الإسماعيلية في المكتبات القديمة في اليمن وسوريا وباكستان والهند، تمكنوا من نشر قائمة تضم 700 عنوان، وفرت الخلفية اللازمة للفهم الصحيح لتاريخ الإسماعيلية من مصادره الأصلية. 

وفي ما يتعلق بالحشاشين، يؤكد نزاريو إيران أنهم كانوا فرقة فدائية على مستوى عالٍ من التدريب واللياقة البدنية والإيمان والعلم والمعرفة، وكانوا يتحدثون اللغات الأجنبية، ويجاهدون في سبيل الله ويحاربون الظلم، ونجحوا في تحقيق عملياتهم العسكرية بأقل أضرار ممكنة، فبدلاً من قتل آلاف الجنود من الطرفين في الغزوات والمعارك، كان الصباح يرسل شخصا واحدا لقتل شخص واحد، يكون هو المسؤول عن كل الفظائع والمظالم والفساد.

كما أن أسطورة استخدام المواد المخدرة لإجبار المقاتلين على أداء المهام الموكلة إليهم، هي من الأكاذيب والافتراءات التي لا يمكن لعاقل تصديقها، فكيف يمكن لشخص مدمن على المخدرات وغير جاهز بدنيا ولا ذهنيا، القيام بمهمات دقيقة وحساسة تتطلب الشجاعة والوعي الكامل والقدرة الجسدية المتفوقة، وهي من اختراع ماركو بولو، ولا تعد مصدرا تاريخيا موثوقا.

وعليه، فإن هالة الغموض التي تحيط بالحشاشين كمجموعة مخيفة، تنفذ الاغتيالات السياسية، وتزرع الرعب في قلوب الناس، بعد أن يُجَنَّدُون عن طريق الخداع والمخدرات، ليست سوى فانتازيا تاريخية اخترعها الرحالة والمستشرقون الأوائل، الذين وقعوا أسرى لسحر الشرق، فدونوا عن سير أهله غرائب وعجائب، وحرفوا تاريخهم وتراثهم الإنساني، ومن يتبناها فقد وقع هو بدوره في سحر الاستشراق.

وبطبيعة الحال، لم يُثْبَت استخدام هذه المجموعة للمخدرات، كما أن أسطورة إنشاء جنة في آلموت، التي لم يذكرها إلا الكتاب الغربيون، هي إهانة للعقل، فكيف يمكن إنشاء مثل هذه الحديقة، قبل مئات السنين، في ظروف بدائية جدا على صعيد التكنولوجيا، وهي فكرة صعب تنفيذها حتى مع التكنولوجيا المتقدمة المتاحة للبشرية اليوم.

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.