fbpx

مياه ملوثة تروي عطش الغزيين بعد نصف عام من الموت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اضطر الغزيون خلال الحرب إلى شرب المياه الملوثة والمالحة لعدم توفر المياه الحلوة والنظيفة، فـ 97% من مياه قطاع غزة غير صالحة للاستهلاك الآدمي. ويبلغ معدل استهلاك الفرد 22.4 لتراً/فرد يومياً، وهو تقريباً 20% من المعدل الموصى به من جانب منظمة الصحة العالمية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتوالى الأحداث، وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم في قطاع غزة مع استمرار الحرب التي دخلت شهرها السادس، ليصبح حال الفلسطينيين في القطاع يرثى له منتظرين مساعدات موقوفة على حاجز المعبر من جهة، وإنزالات جوية قليلة تخترق حاجز الغلاف المليء بالصواريخ المترامية هنا وهناك.

وفي زحمة كل هذا لا يغفل أحد عن الجفاف الشديد الذي يعيشه الغزيون، إذ عمدت إسرائيل منذ ثاني أيام الحرب، على قطع المياه الواصلة للقطاع كإجراء عقابي، ومع اشتداد وطأة الحرب والقصف، دُمرت البنى التحتية، ووصل الدمار إلى الآبار الجوفية التي تشكل المصدر الرئيسي للمياه في القطاع.

نوعية المياه في الآبار الجوفية لا ترتقي إلى معايير الجودة العالمية للمياه، ولكنها أفضل ما يمكن توفيره، والآن وبعد كمية المتفجرات التي دخلت وتغلغلت في التربة وغلاف غزة، أصبحت البيئة ككل ملوثة ببقايا القنابل والفسفور.

“نشرب مياه مالحة”

يقول عبد الله الخطيب من دير البلح لـ”درج”: “نضطر إلى توفير المياه من مناطق بعيدة وخطره، وعادة ما تكون المياه عكرة”، يضيف عبد الله أنه حالياً يحصل على 45 لتراً من الماء من البائعين الموجودين على العربات.

 قبل الحرب كانت المياه ذات الجودة المتوسطة متوفرة بشكل متقطّع، بسبب قطع الكهرباء المتكرر، ما كان يعطل القدرة على سحب المياه من الآبار.

ويشتكي الخطيب من أنهم لجؤوا إلى استخدام مياه البحر المالحة في غسيل الملابس والأواني وأحيانا يضطرون للطبخ فيها، وذلك لعدم توفر المياه المحلاة والنظيفة يومياً، وبسبب القصف الذي دمر المنازل وما بداخلها من معدات وأدوات كهربائية والنزوح والعيش في الخيام.

يضيف الخطيب أن استخدام الطرق البدائية في الخيام يستهلك الماء بشكل أكبر، فيستخدمون للغسيل والتنظيف ما يقارب الـ 80 ليتر تقريبا من الماء، لافتا إلى إصابتهم بأمراض ونزلات معوية والتهابات شديدة وإسهال بسبب المياه الملوثة.

تقول فاطمة زعرب من سكان رفح لـ”درج”: “نحصل على المياه النظيفة كل أسبوعين أو أكثر من البلدية، وتُضَخّ بحدود 3 إلى 4 ساعات وهي فترة غير كافية لتعبئة كمية وفيرة من المياه، ليُسْتَعَان بمصادر مياه أخرى تكون بالتهابات مالحة. وذلك لقضاء حوائجنا من تنظيف وغسيل لاحتياجنا لكميات كبيرة من المياه، إذ يتم تدوير عملية استخدام المياه”.

تشتكي فاطمة من إصابتها وأسرتها بالتهابات شديدة وآلام حادة في الكلى نتيجة ترسب الأملاح؛ بسبب قلة شرب المياه النظيفة، ولم يحصلوا على العلاج لأن معظم الأدوية غير متوافرة.

المياه الجوفية هي الأساس

منذر الشبلاق المدير العام لمصلحة بلديات الساحل في قطاع غزة يوضح لـ”درج”، أن القطاع يعتمد بشكل أساسي على مياه الآبار الجوفية التي تشكل 70% من مصادر المياه في غزة، وتعد في غالبها غير صالحة للاستخدام المنزلي نتيجة ملوحتها؛ مما دفع إلى انتشار محطات التحلية في كافة المحافظات، ووصل عددهم قرابة خمسين محطة صغيرة تم إنشاؤها على الآبار، بالإضافة إلى ثلاث محطات تعمل في القطاع موزعة لتحلية مياه البحر وبسعة إنتاجية عالية، بينما يعد المصدر الثاني للمياه في غزة عن طريق”الشركة الإسرائيلية ميكروت” والتي يتم طبعا شراء المياه منها.

يشير شبلاق إلى أن معظم الآبار الجوفية في القطاع تعاني من ارتفاع نسبة الكلوريد والنترات، وتفوق المعدلات الدولية بثلاثة أضعاف، وذلك نتيجة زحف مياه البحر للخزان الجوفي، كونها لا تطابق المواصفات والمقاييس الدولية المقرة من منظمة الصحة العالمية، وربما يعد ذلك من أهم أسباب انتشار الأمراض بين أوساط المواطنين مثل الأمراض السرطانية بأشكالها المختلفة والفشل الكلوي.

 يؤكد شبلاق أن الواقع المائي خلال الحرب بات أكثر قلقاً وتعقيداً نتيجة تلوث الخزان الجوفي بمخلفات المواد المتفجرة والصواريخ التي تم استخدامها بشكل كبير جدا وتدمير معظم الآبار الجوفية، مشيراً إلى أن اختلاط مياه الخزان الجوفي بمياه الصرف الصحي يزيد الأمور تعقيداً، مؤكدا أن الخزان الجوفي دُمر وبات أكثر تلوثاً مما كان عليه سابقاً، ما يزيد من القلق من زيادة المواد النووية والمسرطنة المستخدمة من قبل إسرائيل.

يرى شبلاق بصيصاً من الأمل بعد كل الدمار، يقول : “إن تجربتنا في التعامل مع ما بعد الحرب، تدفعنا إلى التعامل وإحداث معالجة طارئة، على الرغم من اختلاف مجريات الحرب الجارية، إذ تم الاعتماد خلال على صهاريج المياه المتنقلة والطرق غير تقليدية للمياه لعدم توفر التيار الكهربائي، وعدم القدرة على معالجة المياه، وهذا كله زاد من معدلات الأمراض بين الغزيين”.

ختم شبلاق حديثه قائلاً إن الاعتماد حالياً مقتصر على تشغيل الآبار ومحطتي تحلية مياه البحر الوسطى والجنوبية والتي يتم تشغيلها فقط على المولدات ولمدة ثماني ساعات، في حين تم تدمير محطة التحلية الثالثة المتواجدة شمال مدينة غزة.

من جهته يرى الباحث في مجال هندسة المياه الدكتور عبد الرحمن التميمي، والذي يشغل منصب مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين في ملخص دراسة الدكتوراه المعدة بعد 7 أكتوبر، أنه لا يوجد حل لأزمة المياه في قطاع غزة في ظل الأوضاع السياسية القائمة، وإن استيراد المياه من إسرائيل، أو من خارج القطاع مكلف، ولا يستطيع المواطن الفلسطيني تحمُّله، كما لا ينسجم خيار تحلية مياه البحر مع الأوضاع الاقتصادية والمؤسساتية، إذ إن نسب الفقر مرتفعة جداً، والإطار المؤسساتي مهترئ إلى حد كبير، والحل هو ربط القطاع بشبكة مياه من جنوب الضفة الغربية بعد حفر آبار جوفية في الحوض الغربي، وهذا سيكون حلاً وطنياً ومجدياً اقتصادياً، ويحل جزءاً من المشكلة المائية في القطاع.

المياه حق ملوث!

وصلت حصة الفرد من المياه بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى 26.8 لتر يوميا لعام 2022، وهذا رقم ضئيل مقارنة بما أقرته الأمم المتحدة من حق كل فرد الحصول على 100 من 50 إلى لتر يومي، بما يشمل الاستخدام الشخصي والمنزلي، على أن تكون تلك المياه مأمونة وبأثمان معقولة (لا ينبغي أن تزيد كلفة المياه عن 3% من مجمل الدخل الأسري)، وأن تكون متاحة  (ألا تبعد أكثر من 1000 متر من المنزل) وزمانا (ألا يستغرق الحصول عليها أكثر من 30 دقيقة).

وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن قطاع غزة يعاني من أزمة حادة في الحصول على المياه، حيث إنه وفي ظل الظروف الطبيعية في فترة ما قبل عدوان أكتوبر 2023، كان معدل استهلاك الفرد من المياه في القطاع يقدر بحوالي 84.6 لتر/فرد/يوم خلال العام 2022، ومع اندلاع الحرب أشارت التقديرات إلى أن سكان قطاع غزة يكاد يستطيعون الوصول إلى ما بين 3-15 لتراً/فرد/يوم فقط ، وذلك حسب تقديرات سلطة المياه الفلسطينية، كما أن كميات المياه التي تصل المواطن تتباين بشكل كبير حسب الموقع الجغرافي والمياه المزودة والدمار الحاصل في البنية التحتية وعمليات النزوح المستمرة.

وبناء على تقارير دولية، وسلطة المياه الفلسطينية، فإن 97% من مياه قطاع غزة غير صالحة للاستهلاك الآدمي. ويبلغ معدل استهلاك الفرد 22.4 لتراً/فرد يومياً، وهو تقريباً 20% من المعدل الموصى به من جانب منظمة الصحة العالمية لاستهلاك آدمي آمن بحسب سلطة المياه الفلسطينية.

من جانبها قالت سلطة جودة البيئة في بيان في بداية العام الحالي، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا تشكل كارثة إنسانية فحسب، بل دمرت جميع مكونات التنوع البيولوجي (الحيوي) من نبات وكائنات حية دقيقة، ما أدى إلى تلويث الماء والهواء والتربة، وحرق الأرض بكل تضاريسها، ما حول المكان إلى جبال تتكون من ملايين الأطنان من النفايات الإنشائية المختلطة بالنفايات الطبية والمنزلية ومياه الصرف الصحي ومياه الأمطار، ليصل جزء كبير منها إلى البحر، مروراً بمحمية وادي غزة.

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.