fbpx

وثّقوا الموت في بلدهم والآن يصوّرون الحراك الفرنسي: حكاية أربعة مصوّرين سوريّين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أحب الصورة التي أخذتها من امرأة شرطية. رأتني وابتسمت عندما كنت ألتقط الصورة، استنتجت ذلك من نظرة عينيها. بالنسبة إلي، كانت واحدة من الأمور التي لخصت هذه الاحتجاجات، وسمحت لي بأن أغتنم هذه الصورة. شيء مثل هذا لا يمكن تصوره في سوريا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عشرات أو ربما مئات المصورين والمصورات قاموا بتغطية تظاهرات «السترات الصفر» في الأسابيع الثلاثة الماضية في باريس، ولكن سنعرض هنا حكايات أربعة مصورين كانت علاقتهم بالحدث الفرنسي مختلفة بعض الشيء.

إنهم مصورون سوريون، زكريا عبد الكافي وأمير الحلبي من حلب وسمير الدومي من دوما وعبد المنعم عيسى من الغوطة بالقرب من العاصمة دمشق.

المصورون الأربعة، حملوا كاميراتهم ونزلوا إلى الساحات الفرنسية التي شهدت تظاهرات، لتغطية الحدث وما تخللته من مناوشات بين المتظاهرين ورجال الأمن. الصور التي التقطتها عدساتهم، وزعتها وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) بعد أن رأت في تجربتهم، وفي صورهم وجهة نظر جديدة ومختلفة، فهؤلاء شاركوا في تغطية الحراك الثوري السوري، ووثقوا بصورهم مقتل أصدقائهم وأحبائهم، ورأوا مدنهم تتحول أنقاضاً.

تركوا هذه المدن وتركوا سوريا، أما التصوير فأمسى مهنتهم وحياتهم ولم يكن ممكناً ألا يغطوا حدثاً مثل تظاهرات باريس. وهذه التظاهرات التي انطلقت كل يوم سبت، منذ 24 تشرين الثاني/ نوفمبر ومن ثم في الأول والثامن من كانون الأول/ ديسمبر، شكلت بالنسبة إلى كل واحد منهم محطة أساسية مهمة ستضاف إلى سجلهم المهني والشخصي، وإذ اطلع “درج” على الصور التي التقطوها، كان له حوار معهم من أرض الحدث الفرنسي.

عبد المنعم عيسى الذي وصل الى فرنسا منذ شهرين فقط، عمل في السنوات الثلاث الأخيرة مصوراً مع وكالة الصحافة الفرنسية في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق.

يقول عبدالمنعم لـ”درج”: “عندما فكرت في حياتي الجديدة في فرنسا، كنت أفكر بحياة هادئة، فبدأت أعيد بناء حياتي، وتعلمت لغة جديدة، وتعرفت إلى أصدقاء جدد، واستمتعت بالعيش في بلد يعيش في سلام”.

يستكمل عبدالمنعم عمله الصحافي خارج سوريا منذ بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أي خلال تغطية احتجاجات «السترات الصفر» في باريس. وبالنسبة إليه كان الحدث مدهشاً ومختلفاً جداً في الوقت نفسه. فالمدهش في التظاهرات الفرنسية كما يقول عبدالمنعم أن “الصور فيها الكثير من العنف لا سيما أنها أخذت في بلد متحضر كفرنسا، ولكن المختلف، هو سهولة الحركة الكبيرة بالنسبة إلى معظم الصحافيين خلال تغطية التظاهرات، فهذا اختلاف جذري عن سوريا. ولكن بالنسبة إلي كنت حذراً جداً، وكنت في معظم الأوقات أبتسم بعد انفجار قنبلة صوتية لأنها شيء أقل من عادي مقارنة بما شهدته في سوريا، وأستمر في التقاط الصور، لأنني مصور، وهذا ما أحب القيام به”.

أما المصور سمير الدومي الذي وصل إلى فرنسا منذ نحو 5 أشهر ونصف، فخرج من سوريا من قرابة سنة ونصف ضمن عملية التهجير التي حصلت في حي القابون بالقرب من العاصمة دمشق.

 

“أحب الصورة التي أخذتها من امرأة شرطية. رأتني وابتسمت عندما كنت ألتقط الصورة، استنتجت ذلك من نظرة عينيها. بالنسبة إلي، كانت واحدة من الأمور التي لخصت هذه الاحتجاجات، وسمحت لي بأن أغتنم هذه الصورة. شيء مثل هذا لا يمكن تصوره في سوريا”.

 

منذ نهاية عام 2014، بدأ سمير عمله مع وكالة الصحافة الفرنسية، وفاز بإحدى أهم الجوائز العالمية للتصوير «وورلد بريس فوتو» في فئة «سبوت نيوز ستوريز» عام 2016.

يقول سمير لـ”درج” “منذ وصولي إلى فرنسا لم أتخيل لحظة واحدة أن أعيش في فرنسا واقعاً يشبه ما عشته في سوريا. ففي الواحد من كانون الأول تغيّر مفهومي تماماً، أي حين قمت للمرة الأولى بتغطية احتجاجات «السترات الصفر» مع أصدقائي عبد المنعم وزكريا.

عندما كان سمير يغطي الاشتباكات التي حصلت بين المتظاهرين والشرطة، انفجرت قنابل صوتية بالقرب منه، وهو ما ذكّره بأصوات انفجارات الصواريخ “مع فارق التشبيه”، وأخبر “درج” كيف استنشق دخان القنابل المسيلة للدموع والذي أعطاه شعوراً جميلاً على رغم صعوبة التنفس.

عاد سمير بذاكرته إلى الأيام الأولى عند انطلاق الثورة السورية، متذكراً أيام التظاهرات السلمية، والتي كانت من أجمل الأيام بالنسبة إليه، كما لكثيرين من السوريين، أي عندما كان أصدقاؤهم وأهلهم وأحباؤهم على قيد الحياة، قبل أن تصبح سوريا ركاماً ويجبر عدد كبير من السوريين على مغادرتها.

كان عقل سمير يقوم بأسلوب لا واعٍ بمقارنة كل شي يراه في تظاهرات فرنسا مع ما رآه في سوريا، ويقول “كنت أسترجع الكثير من الذكريات المؤلمة بشكل لا إرادي. وبينما كنت واقفاً وسط جموع المتظاهرين، سمعت أحدهم يقول بالفرنسية C’est la guerre،  أو «إنها الحرب»، تمكنت من فهم ما قاله بفرنسيتي الركيكة، ضحكت بداخلي عندما سمعت ذلك، كنت متأكداً من أنه لن يتمكن من فهم كيف تبدو هذه الكلمة بالنسبة إلي. قلت في داخلي، هذه ليست بحرب يارجل! أدرك أنها أعنف من ما اعتدتم عليه، ولكنها ليست حرب. إنها ليست حتى قريبة من ذلك!”.

بالنسبة إلى المصور الذي غطى عمليات التهجير التي حصلت في دمشق، فإن الفرق في فرنسا، أن الشرطة تسمح للصحافي بالدخول إلى منطقة الاحتجاج شرط أن تكون لديه كاميرا مهنية.  

لقد طلب الشرطي من سمير، أن يظهر هويته أو البطاقة الصحافية الرسمية. لكن المصور لم يكن يمتلك واحدة. لذلك قام بعرض بعض الصور التي التقطتها على هاتفه، وكان وقع الصور التي التقطها صادماً على الشرطي، فأذن له بالدخول إلى ساحة التظاهرات.

عمل سمير في ظروف صعبة جداً في سوريا، فالتصوير هناك كان يعرضه لمخاطر الاعتقال من قبل رجال الأمن، ويقول: “إذا كانت لديك كاميرا، فسوف يتم اختطافك من قبل الأمن، كان دائماً علينا البقاء بعيداً منهم قدر الإمكان”.

ويضيف: “لقد دهشت من سهولة التنقل بين الجانبين، إذ يمكنك التقاط الصور مع المتظاهرين ومن ثم الذهاب إلى جانب الشرطة. بينما في سوريا، لا يمكنك أن تكون قريباً من الشرطة. لا يريدون أن تلتقط صوراً لأي شيء. سيتم اعتقالك، وسوف تختفي. فالجميع يعرف هذا. لذا، من بلتقط الصور يكون من جانب الشرطة في سوريا، ويُفترض أن يكون جاسوساً لها. هنا، تقوم الشرطة بتصوير الناس أيضاً. لكن هنا لم يتهم أحد الصحافيين مثلنا بأنه من جواسيس السلطات”.

وحول الموضوع ذاته يقول المصور زكريا عبد الكافي “في سوريا، لا يمكنك أبداً الحصول على صور للمتظاهرين والشرطة معاً. هنا، لديك الكثير من الصور للمتظاهرين الذين يتحدثون، أو يصرخون في وجه الشرطة. هذا لن يحدث أبداً في سوريا. أنت لا تقترب من الشرطة إذا كنت متظاهراً، هذا غير صحيح”.

حضر زكريا إلى باريس بداية عام 2016 بعد إصابة في حلب فقد فيها عينه وكان يعمل مع وكالة الصحافة الفرنسية في حلب منذ عام 2013. واستأنف العمل في باريس مع الوكالة وكان أنجز صورة نشرت في عدد كبير جداً من المطبوعات حول العالم لشرطي فرنسي تلتهمه النار خلال مظاهرة في أول أيار / مايو 2017.

يؤكد زكريا أن أرشيف صور الثورة السورية كله، لا يحوي صورة واحدة تجمع بين قوات النظام السوري مع المتظاهرين ضدهم، أما في فرنسا فالأمر مختلف كلياً.

ويقول زكريا: “أحب الصورة التي أخذتها من امرأة شرطية. رأتني وابتسمت عندما كنت ألتقط الصورة، استنتجت ذلك من نظرة عينيها. بالنسبة إلي، كانت واحدة من الأمور التي لخصت هذه الاحتجاجات، وسمحت لي بأن أغتنم هذه الصورة. شيء مثل هذا لا يمكن تصوره في سوريا”.

أما المصور أمير الحلبي، فوصل إلى فرنسا في ربيع 2017، وهو أيضاً كان فاز على إحدى أهم الجوائز العالمية للتصوير «وورلد بريس فوتو» في فئة «سبوت نيوز ستوريز» عام 2017، وبعد وصوله إلى باريس بدأ دراسة التصوير في معهد «سبيوس» وهو يدرس الصحافة المصورة، وقدم من أسابيع معرضاً جميلاً في باريس عرض فيه صوراً من حلب وصوراً رومانسية من باريس ومنطقة النورماندي.