fbpx

منحني خرف والدتي هدية لم أكن أتوقعها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جميعنا نحيا ونموت. هذه هي الحقيقة التي لا ريب فيها. لكن الشيء غير المؤكد هو حريتنا في اتخاذ القرارات المتعلقة بجودة حياتنا حتى نهاية المطاف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

توفيت والدتي في أوائل العام الماضي، بعد معاناة مع الخرف دامت أكثر من عقدٍ. تعاملتْ معه ببراعة مثلما فعلت في معظم المواقف التي مرت بها في حياتها. بيد أن الهدية التي منحتني إياها خلال هذه الرحلة التي خضناها معاً، وتحديداً في نهايتها، هي ما تجعلني فخورة جداً لأنني ابنتها، كما تركتني من دون أي شعور بالندم، بل ما أشعر به حقاً هو التقدير العميق لها فقط.

جميعنا نحيا ونموت. هذه هي الحقيقة التي لا ريب فيها. لكن الشيء غير المؤكد هو حريتنا في اتخاذ القرارات المتعلقة بجودة حياتنا حتى نهاية المطاف.

توليت مسؤولية الرعاية البدنية الخاصة بوالديّ لأول مرة قبل 8 سنوات، عندما دخل والدي المستشفى لمدة 10 أسابيع، إِذْ كان دوره في غاية الأهمية حينذاك لأنه من كان يتكفل بالرعاية الاساسية لوالدتي أثناء مرضها.

كان والدي مريضاً جداً، وأخبرنا الفريق الصحي في المستشفى أنه لن يكون بإمكانه العودة إلى المنزل. لذا كنا بحاجة إلى البحث عن أماكن شاغرة في دار مسنين لكل من والدينا. وعلى الفور، بدأت أنا وأشقائي بالتفكير في تجهيز منزل طفولتنا للبيع المحتوم وإجراء الترتيبات لنقل والديّ من منزلهما في بيرلينجتون، أونتاريو، إلى دار للمسنين تقع على بعد ساعتين ونصف الساعة في بلدة أوين ساوند، أونتاريو التي أقطن فيها، حتى أستطيع متابعتهما. ولكن قبل أن نتمكن من فعل أي شيء وبدون سابق إنذار، خرج والدي من المستشفى، وهو ضعيف جداً وواهن جسدياً، ولكنه كان حازماً ومصمماً في قراره بالبقاء في منزله. لقد كان قراره حاسماً جداً، فعلى رغم أنه أحب أطفاله حباً جماً، إلا أنه هدد بالاتصال بمحاميه لإعاقة محاولاتنا لإخراجه هو ووالدتنا من منزلهما. كنا في تلك اللحظة بمثابة أعدائه. لذا فعلنا الشيء الوحيد الذي ظننا أننا يمكننا فعله: انسحبنا وتركناهما وحدهما.

ومن أغرب المصادفات التي حدثت في هذا التوقيت، حينما تحدث أحد أخصائيي أخلاقيات الطب الحيوي في مكان عملي عن دور السلطة التفويضية خلال هذه الفترة الزمنية ذاتها. وأوضح أن الدور لا يتمثل في فعل ما تشعر بأنه جيد لهذا الشخص، بل أن تفعل ما كان هؤلاء الأشخاص سيفعلونه لو كانوا قادرين على اتخاذ تلك القرارات بأنفسهم، وهو فارقٌ دقيقٌ ومهم. ساعدني ذلك الفَهم على الشعور بتحسن لعدم إجبار والدي على القيام بما أردت، وسمح لي برؤيته بمزيد من التفهم والاحترام في نهاية المطاف.

وفجأة وعلى غير المتوقع، بعد بضعة أيام فقط في المنزل، رأى والدي حكمة الانتقال والإقامة في دار مسنين في نهاية المطاف. كنت آمل بأن يقرر هو ووالدتي البقاء هناك، ولكن بعد فترة تعافي دامت مدة ستة أسابيع، عادا إلى منزلهما. ولدهشتنا، مكثا هناك مدة عامين آخرين.

في هذه الأثناء، بدأ والدي يعاني من السكتات الدماغية المُصغرة. ولكن هذه المرة، أدركنا أننا بحاجة لمعرفة ما يريد منا فعله بالضبط بشأن حالته الصحية المتدهورة. كانت رغباته واضحة ومحددة، قال إنه لا يريد الذهاب إلى المستشفى مهما كانت التكلفة، ولكننا تمكنّا من الحصول على مزيد من الوضوح بشأن هذه النقطة بعد مزيدٍ من الاستجواب. على سبيل المثال، حين يصاب بإحدى السكتات الدماغية التي يعاني منها، أراد منا أن نتركه مستلقياً على الأريكة ونعطيه ملعقةً صغيرةً من العسل. بالطبع هذا ليس ما أريد القيام به في هذا الوضع، لكنه كان اختياره. من ناحية أخرى، إذا سقط على الأرض وكُسِرَت إحدى عظامه، فسيذهب إلى المستشفى عن طيب خاطر. مع توجيه واضح، تمكنّا من تحقيق رغباته، وأعربنا عن احترامنا له عن طريق الحب والتقدير والإنصات له. ورحل بعد ثلاثة أسابيع.

بعد وفاة والدي، وقعت مسؤولية القرارات المتعلقة برعاية أمي في الأساس على كاهلي. ففي نهاية الأمر، يصبح الأشخاص المصابون بالخرف غير قادرين على رعاية أنفسهم بطرائق آمنة وصحية. لذا أردت أن أتأكد من أن والدتي تتمتع بكلا الأمرين، الأمان والصحة، ولكنني بحثت كذلك عن علامات تشير إلى أنها ما زالت تستمتع بنفسها. لم يكن هدفي أن أضعها داخل فقاعة هوائية، أو أن أبقيها حية إنما بعيدة كل البعد من متع الحياة. لم تستطع التعبير عن رغباتها مثلما فعل والدي، ولكن إذا شاهدتها واستمعت إليها برحابةٍ وتقبل، لوجدتها عالية الصوت وواضحة. عندما انتقلت إلى دار رعاية جديد طويل الأمد، انتبهت لها. فأدركت أنها لم تستقر في الدار فقط، ولكنها تنعم بالسعادة أيضاً. فلقد أظهرت لي أنها كانت سعيدة.

في السنة الأخيرة من حياتها، تباطأت حركتها وهدأت. ففي البداية، كنت ألعب معها الألعاب اللوحية (الطاولة)، في محاولة مني لأُثير داخلها متعة الحياة التي رأيتها بها من قبل. كانت تداعبني لبعض الوقت، وبعد ذلك لا تكترث لي. لكنني فهمت أن والدتي كانت تشعر بالراحة، وهو ما أصبح محور اهتمامي الرئيسي. لقد قاومت الدافع لإغرائها أو فرض مزيد من التدخل لجذب انتباهها. أدركت أنها كانت تنسحب انسحاباً طبيعياً من الحياة. أذكر مرات وأنا جالسة معها، نراقب السيارات المارة بجانبنا، حينما تستدير ناحيتي وتهز كتفيها، كما لو أنها تقول، “هل هذا كل ما هنالك؟ ماذا الآن؟”.

أصبح شعور “ماذا الآن” أكثر وضوحاً عن ذي قبل. لم تبدُ مكتئبة أو قلقة، لكنها بدت مصممة. في النهاية، لم تأكل أو تشرب الكثير. قاومتُ الرغبة في إرسالها إلى المستشفى لتحصل على مُعوّض للسوائل، وهو الخيار الذي اقترحه عليّ أحدهم. لم أحاول إجبارها على تناول الطعام أيضاً. لقد أثبتت لي أن جهودي ستكون بلا جدوى في أي حال عندما رفضت تناول المثلجات، وهي كانت تلتهمها في السابق بكميات كبيرة. فبدلاً من ذلك اكتفت بقول، تناوليها أنتِ.

كانت هذه هديتها التي أهدتني إياها، ليست المثلجات، ولكن وضوح قرارها، حتى مع إصابتها بالخرف، كانت على استعداد للذهاب. عرفت أنها تحبني، وأنا أحببتها بما يكفي لأصغي إليها حقاً. لقد غادرت بسلام في موعدها الخاص، بطريقتها الخاصة. وودعتها.

 

هذا الموضوع مترجم عن موقع theglobeandmail.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.