fbpx

إلى أي حدّ يمكن لناشط مدني أن يقترب من السلطة؟  ملالا تجيب..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كنت أعتقد أنني لو أصبحت رئيسة وزراء، فسأتمكن من إصلاح كل شيءٍ في يومٍ واحد، وسيكون كل شيء على ما يرام، لكن مع الوقت أدركت أن الأمر أكثر صعوبة”..تظل ملالا يوسفزي من الشخصيات المثيرة للجدل في العالم، وهنا لقاء معها..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كتب جورج أورويل عن غاندي “ينبغي الحكم دائماً على القديسين بالإدانة حتى تثبت براءتهم”.

أصبحت ملالا يوسفزي، أصغر مَنْ فاز بجائزة نوبل للسلام، قديسة علمانية نظراً لصدور حكم بإدانتها. فعام 2012، أُصيبت ملالا يوسفزي، التي كانت حينها في الخامسة عشرة من عمرها، وابنة أحد الناشطين في مجال التعليم، والمدافعة الجريئة إلى حد كبير عن تعليم الفتيات، برصاصة في رأسها، على يد “طالبان”، وهي تستقل حافلة مدرسية في وادي سوات في باكستان. وقبل أن تتعافى من إصاباتها، أصبحت أيقونة ورمزاً عالمياً للخسائر الإنسانية الناجمة عن التطرف الإسلامي، إِذْ التقت رؤساء الوزراء ورؤساء الدول.

والآن تعتبر كراهية المرأة السافرة جزءاً من الأيديولوجية الحاكمة والتي تخطت حدود باكستان، كما يتجاهل رؤساء الدول علانية مفهوم حقوق الإنسان، وتبدو صورة ملالا يوسفزي النقية وثباتها المذهل وكأنهما ارتداد لعصر سابق.

بعد حادث إطلاق النار، انتقلت عائلة ملالا يوسفزي للعيش في المملكة المتحدة. والآن، هي في الحادية والعشرين من عمرها، وتدرس بجامعة أوكسفورد. في العام الماضي، عادت، ولأول مرة، إلى باكستان، تصحبها حراسة أمنية مشددة، فضلاً عن المشاعر التي بدت عليها. أشارت إلى وصولها إلى إسلام آباد قائلة إنه “أسعد يوم في حياتي”. ومع ذلك، كانت رحلتها قصيرة. فعلى رغم تراجع العُنْفٍ في باكستان عن ما كانت عليه الحال في بداية العِقْدٍ – قرر الجيش، الذي يسيطر فعلياً على البلاد، أن يشن حملة شبه جادة ضد الجماعات المسلحة التي ظل يرعاها لفترة طويلة.  

تظل ملالا يوسفزي من الشخصيات المثيرة للجدل في محل ميلادها. توجد نظريات مؤامرة وحشية تتعلق بكونها عميلة لاستخبارات أجنبية. كما يوجد إحساس مفعم بكراهية النساء، بأنها إذا كانت أقل جرأة، فلربما لم تكن لتتعرض لإطلاق النار – وهو الحدث الذي لطّخ صورة باكستان العالمية.

سافرت ملالا يوسفزي إلى نيويورك، من أجل الترويج لكتاب جديد بعنوان، “نحن نازحون: رحلتي وقصص فتيات لاجئات حول العالم We Are Displaced: My Journey and Stories from Refugee Girls Around the World”. التقينا على سطح أحد فنادق مانهاتن، حيث رافقها ممثل من مؤسستها غير الربحية المعروفة باسم “صندوق ملالا الخيري” أو Malala Fund.

تبدو ملالا متحفظة ومؤدبة؛ بدأت حديثها بهدوء بالغ لدرجة أنني كنت على يقين من أن المسجل الصوتي لن يتمكن من التقاط ما تقوله. تميل ردودها وإجاباتها إلى العودة إلى قضية تعليم الفتيات، بغض النظر عن السؤال المطروح. لم ألتقِ من قبل شخصاً يركز على رسالة بهذا الانضباط، فضلاً عن كونه صادقاً في الوقت ذاته. يمكن أن تمثل هذه  مكسباً سياسياً، لكن أوضحت ملالا أنه على رغم أنها تحدثت ذات مرة بأسلوب مثير عن دخول المجال السياسي، فقد تغيرت مشاعرها. نستعرض في ما يلي نسخة منقحة ومختصرة من المحادثة.

كيف يسير يومك العادي حالياً؟

أنا طالبة الآن في جامعة أوكسفورد. أنا في السنة الثانية، أدرس الفلسفة والسياسة والاقتصاد P.P.E. عندما أكون في الجامعة، أركز على دراستي، وأذهب إلى محاضراتي وأكتب مقالاتي وأُمضي الوقت مع الأصدقاء. وعندما أحظى ببعض الوقت، أقوم بحملات. إِذْ أذهب إلى بلدان مختلفة، من البرازيل إلى العراق، وألتقي فتيات يقاتلن للحصول على حقهن في التعليم.

إلى أي مدى تمكنت من خوض تجربة جامعية عادية؟ هل عانيتِ في رحلتك الجامعية، أو شعرت بالإحباط؟

في البداية، كنت متوترة للغاية في ما يتعلق بكيفية التكيف مع هذه البيئة الجديدة، لكن الآن رحّب الجميع بي كطالبة، وتعرفت إلى أصدقاء رائعين وجيدين. عندما أذهب إلى الجامعة، أشعر بأنني طالبة وحسب. أعتقد أن ذلك يذكر المرء بأنه لا يزال في العشرين أو الحادية والعشرين من عمره، وأنه لا يزال طالباً. إنه وقت جيد.

هل تشعرين بأن الناس يعاملونك مثل أي شخص عادي؟

أعتقد انني أصبحت الآن صديقة لهم. لذا فأنا أشعر بذلك، أجل. لكن في كثير من الأحيان، إذا كنت في المطار أو مكان ما في السوق، يستوقفني الناس أحياناً ويطلبون مني التقاط صورة أو التوقيع على شيء ما.

هل سبق أن تفاعلت مع تعليقات سلبية على “تويتر” أو أي منصة أخرى؟

لا، أنا لا أتفقد التعليقات. في الوقت الحاضر، أعرف أن الأسلوب الذي تعمل من خلاله وسائل التواصل الاجتماعي يتمثل في أنه بغض النظر عن هويتك، فإنك ستتعرض لتعليقٍ أو تعليقين سلبيين. أعتقد أنه يتوجب عليك أن تستعد ذهنياً لهذا وحسب، لكن عليك أيضاً أن تعرف أنّ هناك الكثير من الأشياء الإيجابية التي تسمعها والكثير جداً من الأشخاص الذين يدعمونك. ركِّز على الأشياء الإيجابية.

 

عندما تكون في الحادية عشرة فقط من العمر، تعتقد أن رئيس الوزراء والرؤساء يمكنهم تغيير كل شيءٍ في يومٍ واحدٍ. ثم تدرك مدى صعوبة الأمر

 

ولكن كيف تتفهمين مستوى السلبية؟

أعتقد أنه من الصعب فهم ذلك. كما أعتقد أنه أحياناً يُساء فهم ذلك. ففي بعض الأحيان، يتعلق الأمر بالافتقار إلى الاندماج بين المجتمعات المختلفة والجماعات الإثنية أو العرقية المختلفة. وفي كثير من الأحيان، إذا كنت مسلماً أو تنتمي إلى أقلية عرقية، فستكون لدى الناس صور نمطية. وسيتتبع الناس الأخبار المزيفة. أعتقد أن الوقت قد حان ليقوم الناس بتطوير أنفسهم وتعليمها وتثقيفها.

أعتقد أيضاً أنه إذا لم يكن شخص ما قد التقى شخصاً مسلماً طوال حياته، أو لم يتحدث شخص ما إلى شخص أسمر البشرة من قبل، أو أن تجربته محدودة وحسب، فمن السهل بالنسبة إليه أن يتبع ما يشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي أو على التلفزيون. أعتقد أنه عندما تتعايش مع الناس، عندما تندمج بالفعل معهم وتتحدث إليهم، فإنك تدرك أنهم بشر، مثلك تماماً. ولديهم عائلة أيضاً، كما أن لديهم وظائفهم أيضاً. أعتقد أن هذا يسمح للمرء أن يتعلم من التجربة الشخصية التي خاضها فيُسمح له بتكوين هذا الفهم.

هل جعلتك أي تجربة من تجارب السفر حول العالم أكثر تشاؤماً، وليس أقل تشاؤماً؟ أو جعلتك تعتقدين أن الأوضاع أكثر صعوبة مما ظننت؟ بالنظر حولنا في شتى أرجاء العالم الآن، إلى الذين انتخبوا، وما يحدث حولنا، فمن الصعب ألا نشعر بالتشاؤم تجاه الكثير من الأمور.

عندما كنت في الحادية عشرة من عمري، مُنِعْنا من دخول المدرسة. ففي وادينا الصغير، لم يكن يُسمح لنا بالذهاب إلى المدرسة. وبالنسبة إلي، كان هذا هو عالمي. الآن بإمكاني مقابلة فتيات من جميع أنحاء العالم، من البرازيل إلى العراق ثم نيجيريا. لدي الفرصة كي أتحدث إلى كل هؤلاء الفتيات – تقيم بعضهن في مخيمات اللاجئين؛ فيما تقيم أخريات في مستوطنات غير رسمية أو في مجتمعات لا تتوافر فيها فرص جيدة – كما سمح لي ذلك بأن أرى التحديات، ذات الطابع العالمي، التي تواجهها كل من النساء والفتيات، بخاصة عندما عرفت بشأن قضايا اللاجئين. كما تعرضنا لنزوح الداخلي، في سوات، لثلاثة أشهر، لكنني لم أكن أعرف أن النزوح قضية عالمية. كان الرقم هو الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية. في الوقت الحالي، يصل عدد النازحين إلى 68.5 مليون شخص. ومعظمهم من النازحين الداخليين. ومنهم حوالى 20 مليون لاجئ، انتقلوا من دولة إلى أخرى.

إن أكثر الأفراد معاناة في مثل هذه الأزمات هم النساء والفتيات. كان هذا صادماً لي. تذهب إلى كل مخيمات اللاجئين هذه، وترى مدى الخطر الذي تتعرض له النساء والفتيات هناك. تصبح النساء والفتيات ضحايا للعنف الجنسي وزواج الأطفال. فعلى سبيل المثال، في لبنان، تتزوج أكثر من 41 في المئة من الفتيات اللاجئات قبل سن الـ18. تلك هي التحديات الكبيرة التي تواجهها النساء والفتيات اللاجئات. أما الأمر الأكثر أهمية فيتمثل في التعليم. رأيت أن أولئك الفتيات يعطون الأولوية للتعليم. فهم يقاتلون من أجله. يعلمون أنه مهم بالنسبة إليهم. يبذلون كل ما بوسعهم للدراسة والتعلم.

سمعتك تتحدثين عن أشخاص تعتبرينهم أبطالاً مثل مهاتما غاندي، ونيلسون مانديلا، ومارتن لوثر كينغ، وبينظير بوتو. هل نسيت أن أذكر أحداً؟

لدينا غاندي البشتون أيضاً. واسمه باشا خان. لعب أيضاً دوراً في الكفاح من أجل استقلال الهند في ذلك الوقت. أعتقد أنني أتعلم من الجميع. أتعلم من كل شخص التقيته في معسكر اللاجئين، وفي المدرسة.

مررتِ بتجربة لا نتمنى أن يمر بها أي إنسان، لكن اليوم، بإمكانك مقابلة الرؤساء ورؤساء الوزراء، وعقد لقاءاتٍ مع تيم كوك وبيل غيتس. الآن وقد بلغتِ هذا المستوى من الشهرة العالمية، وأصبح بوسعك أيضاً التفاعل مع الأشخاص في أعلى مناصب الحكم، كيف يؤثر ذلك في وضعك كناشطًة؟ هل تعتقدين أن الاقتراب الكبير من دواليب السلطة أمرٌ ينبغي أن يثير قلق الناشطين مثلك؟

أنا ممتنةٌ للفرص التي أتيحت لي، لم أرغب يوماً في لقاء رئيس وزراء لبلد ما أو شخصية عالمية لمجرد اللقاء أو التقاط صورة “سلفي” معه.

المبتغى الوحيد الذي أسعى إليه دائماً للاجتماع مع هؤلاء المسؤولين، هو أنني سأتحدث معهم عن كيفية معاملتهم الناس في بلدانهم أو عن سبب عدم استثمارهم في مجال تعليم الفتيات أو كيف يعاملون اللاجئين.

عندما التقيت رئيس الوزراء والرئيس في نيجيريا، أو عند الاجتماع مع رؤساء الوزراء والرؤساء في الدول الأوروبية أو في أي مكان آخر، كان هدفي دائماً قول الحقيقة. أعتبرُ نفسي دائماً ممثلة عن الفتيات اللواتي لا تصل أصواتهن إلى العالم، ولا تتاح أمامهن الفرصة لاعتلاء المنصات والتحدث عن أنفسهن ومعاناتهن.

عندما كنت في نيجيريا، تحدثتُ عن الفتيات اللواتي اختطفهن تنظيم بوكو حرام، وقلت حينذاك بصراحة شديدة أنه ينبغي على سلطات البلاد القيام بشيءٍ حيال ذلك. وقد وعد الرئيس بأنه سيلتقي ذوي الفتيات اللواتي تعرضن للاختطاف. أعتقد أن كل ما يهمني هو قول الحقيقة واستثمار  هذه الفرصة المتاحة أمامي.

أنا جد ممتنة، لأن الأشخاص الذين نعمل معهم يستثمرون أكثر في مجال تعليم الفتيات ويدعمون مشاريعنا. أعتبرُ هذا أمراً رائعاً، وأرغب في انخراط المزيد من الأشخاص في هذا الأمر وبدء دعم مجال تعليم الفتيات والاستثمار فيه.

هل فاجأك أي اجتماعٍ مع أي زعيم من زعماء العالم؟

أعتقد أن ذلك يتوقف على ما تقصده بقولك، وما الذي تعنيه بالمفاجأة.

أي معنى من المعاني.

أعتقد، في كثيرٍ من الأحيان، عندما يكون المرء صغيراً، عندما تكون في الحادية عشرة فقط من العمر، تعتقد أن رئيس الوزراء والرؤساء يمكنهم تغيير كل شيءٍ في يومٍ واحدٍ. ثم تدرك مدى صعوبة الأمر. عندما أزور هذه البلدان، أحاول إقناع المسؤولين فيها وحثهم على الاستثمار أكثر في التعليم لأن هناك فجوة ضخمة إلى حد مهول، ونحن في حاجة إلى مبلغ يقدر بـ1.8 تريليون لتمويل قطاع التعليم لسد هذه الفجوة. عندما يتعلق الأمر بالبلدان التي تستضيف اللاجئين والبلدان النامية التي تتميز بأعلى عدد من الفتيات خارج المدرسة، تنصب جهودنا لحثهم على التركيز أكثر على التعليم؛ ما نلاحظه هو أن بعض الاقتصادات وبعض الدول تركز ببساطة على الاستثمار في قطاعات أخرى.

كان في قلب غاندي مشاعر معقدة للغاية بشأن الانخراط في السياسة وما يعنيه ذلك، أعلم أنكِ تحدثت عن المشاركة في السياسة. الآن وقد دخلتِ في العشرينات من عمرك، ما رأيك بذلك؟

كنت أرغب في أن أصبح رئيسة وزراء لأنني كنت أعتقد أنني لو أصبحت رئيسة وزراء، فسأتمكن من إصلاح كل شيءٍ في يومٍ واحد، وسيكون كل شيء على ما يرام، لكن مع الوقت أدركت أن الأمر أكثر صعوبة، وأعتقد الآن أن أفضل طريقة لإحداث التغيير يمر عبر العمل مع القادة والمعلمين والناشطين على المستوى المحلي.

هذه هي المهمة التي أخذتُ على عاتقي التكفل بها الآن. نقوم من خلال صندوق مالالا بدعم الناشطين في أكثر من 6 بلدان، ونعمل على توسيع نشاطنا لدعم القادة المحليين في تلك الدول، والذين تمكنوا من إحداث التغيير بالفعل في مجتمعاتهم. بالنسبة إلي، أعتقد الآن أن هذا العمل هو أفضل شيءٍ يمكننا القيام به لإحداث التغيير الذي نبتغيه.

لقد اخترتِ قضية يدعي الجميع على الأقل أنهم يهتمون بها. يقولون “نحن نهتم بالتعليم، ويجب الاعتناء بالتعليم”. لكن إذا أصبحتِ شخصية سياسية، فعليك أن توازني بين مسألة Brexit أو الإجهاض، وقضايا أكثر إثارة للجدل. يتعين عليكِ فعل ذلك إذا كنتِ سياسية، وعليك أن تفصحي عن اسم الحزب الذي ستنضمين إليه في باكستان.

أعلم ذلك. في الوقت الحالي، لا أعتبر السياسة من أولوياتي، وأركز فقط على دراستي والعمل الذي أقوم به. لدي القليل من الوقت للتفكير في السياسة.

ما رأيك في حركة البشتون (حركة حقوقية بين ثاني أكبر مجموعة عرقية في باكستان)؟

أعتقد أن ثمة حاجة إلى هذه الحركة. إنها مسالة بالغة الأهمية. في باكستان، عانت منطقة بلوشستان وخيبر بختونخوا على وجه الخصوص من أعمال العنف لفترة طويلة، وشهدت المنطقة أيضاً قضية المفقودين، إلى جانب قضية اغتيال القادة المحليين.

من المهم الاعتراف بهم كمواطنين متساوين في باكستان. علينا الاعتراف بأن هؤلاء الناس لم يتمتعوا حتى بحقوق متساوية مع بقية الباكستانيين. من المهم الاستماع إليهم، والاهتمام بأصواتهم، وهو أمرٌ مهمٌ بالنسبة إلى استقرار باكستان وتقدمها. إن الاحتفاء بالتنوع الذي نزخر به أمر بالغ الأهمية، وتساويه في الأهمية معاملة الجميع على قدم المساواة.

من وجهة نظرك، ما الذي تحتاج إليه باكستان إلى جانب توفير تعليم أفضل للنساء والفتيات؟

بالنسبة إلي، يشكل التعليم قمة الأولويات. أعتقد أنه يتعين على قادتنا الاستثمار في التعليم ومساعدة الناس في البلد، وبخاصة الاستثمار في النساء والفتيات، أما إذا تجاهلنا النساء والفتيات، فلن تستطيع البلاد المضي قُدماً.

فالنساء يشكّلن نصف عدد السكان. ونحن في حاجة أيضاً إلى ديموقراطية قوية ومستقرة. فمن دون ديموقراطية، لن يستطيع هذا البلد المضي قدماً. أعتقد أنه لا يمكن أن يبقى البلد على حاله، ولهذا السبب من المهم أن يعمل سياسيونا على ترسيخ ديموقراطية أقوى. ومن المهم أن يبنوا مؤسسات قوية تسمح لنا بإقامة ديموقراطية مستقرة. ونحن في حاجة إلى نظام قضائي أقوى، وبرلمان أقوى أيضاً.

هل تعتقدين أن باكستان دولة ديموقراطية الآن؟

حسناً، من زاوية رمزية، فنعم (تضحك). لقد أجرينا انتخابات. لدينا حكومة ديموقراطية جديدة، ومن بين نجاحات ذلك المسار أننا نعيش فترة ديموقراطية الآن على مر 3 حكومات متتالية. هذا شيءٌ إيجابي، إذ لم يكن الأمر كذلك في الماضي، ولم نشهد أيضاً من قبل، رئيس وزراء واحداً أكمل سنواته الخمس، أي ولايته بالكامل. إن هذا يمثل تحدياً.

شهدنا في الماضي الصراع بين الديموقراطية والدكتاتورية، وأعتقد أن أمامنا الكثير لنتعلمه من ذلك.

أينما تحدثت إلى باكستاني من الذين لا يكنون لكِ أي ود، أسمع انتقاداتهم لك مراراً وتكراراً ويعتبرون أنك “تلطخين سمعة باكستان”. ما ردك على هذا الانتقاد، وما ردك على من يعتقد ذلك؟

لا أعتقد أنني ألطخ سمعة باكستان وصورتها. أعتقد أنني شخص يؤمن بأهمية التعليم، يؤمن بالمساواة، ويعتقد أنه بوسع هذا البلد المضي قدماً نحو الازدهار. أنا فخورة حقاً ببلدي وفخورة حقاً بهويتي كباكستانية.

أعتقد أن من يقول ذلك هم فقط الذين لا يستطيعون تحمّل امرأة تتحدث، ولا يمكنهم التسامح مع هذه الرؤية التي تؤمن بضرورة توفير التعليم للجميع، وللفتيات على وجه الخصوص. وأعتقد أن هذه الفئة من الناس لا تشكل سوى عدد قليل جداً، لكن أعتقد أنه من الواجب علينا تسليط الضوء على ما هو خطأ في البلاد من أجل تحسين وضعها. أما إذا واصلنا الادعاء بأن البلد في وضعٍ مثالي، فلن يحل ذلك أي مشكلة، ولذا يتعين علينا التحلي بروح الانفتاح من أجل معالجة الأمور التي تحتاج إلى الإصلاح.

كيف كان تأثير والدك عليك بشأن ما تريدين القيام به في العالم؟

يؤمن والدي، بل وكلا والداي، بضرورة قول الحقيقة. ويؤمنان بالحاجة إلى تسليط الضوء على القضايا التي يجتازها الناس في حياتهم. بالنسبة إلي، هناك الآن تحديداً مسألة تستحق أن نوليها الاهتمام، وهي قضية اللاجئين.

في كثير من الأحيان، عندما نسمع عن اللاجئين ومسألة الهجرة، لا نسمع سوى عن الأرقام، نسمع عن هؤلاء اللاجئين لكننا لا نسمع منهم أبداً.

عندما قمتُ بزيارة ومقابلة فتيات في مخيمات اللاجئين في العراق ولبنان والأردن، فكرت في نفسي وقلت إن العالم يحتاج لسماع أصوات هؤلاء الفتيات. يحتاج الناس لسماع قصص شجاعتهن وصبرهن وبطولتهن، وكيف أن هؤلاء الفتيات لم يستسلمن أبداً. يجبرن على الزواج. ويجبرن على ترك منازلهن والتخلي عن أحلامهن، لكنهن على رغم كل ذلك يواصلن بكل شجاعة في مسارهن سعياً إلى إيجاد حياة أفضل. ويتحملن هذا الخطر الهائل ليعبرن مياه البحار للعثور على مكان يسمح لهن بالحصول على التربية والتعليم، والحلم بالسلام، وبعالم أفضل.

ويأملن أيضاً بالعودة إلى ديارهن، وكذلك العيش في سلام، فقط للعيش، مثلما يفعل كثر منا في سلام. في كثير من الأحيان، تسمع عن اللاجئين كأشخاصٍ ذهبوا إلى هذه البلدان ليستحوذوا على الوظائف.

ولذلك، يتعين علينا أن نذكّر العالم بأنهم كانوا في أوطانهم أطباء، كانوا مهندسين، كانوا مدرسين. أنا كنت طالبة. وكان أبي مدير مدرسة. وعندما تصبح مواطناً نازحاً، تُجبر على مغادرة وطنك، ولم يكن ذلك أبداً خيارك الأول، بل يصبح خيارك الوحيد للسلامة.

كيف تفسرين حقيقة أن صعود نوع معين من التيارات السياسية، تلك المناهضة للاجئين، تبدو نزعة كراهية النساء طاغية عليها؟

أعتقد أنني شعرت بقدرٍ من الصدمة عندما رأيت أن مثل هذه النزعة لا تزال قائمة في الديموقراطيات الغربية، لأنه يفترض أن البلدان النامية هي من تمر بهذه المرحلة، وما زال ذلك يشكل تحدياً، والناس متفائلون بشأنه. أعتقد أن الأمر الإيجابي الذي أشاهده الآن هو ذلك التغيير الذي يحدث.

هناك حراكٌ مستمرٌ، ويزداد انخراط المرأة في هذا النشاط. ويتحرك الرجال أيضاً للانضمام إلى حركة المساواة بين الجنسين والمساواة في مجالات أخرى. ويحذوني الأمل أن يتكفل الناس بتعليم أنفسهم وأن يدركوا أنه عندما يُستثمر في النساء، وعندما يتوفر لهن التعليم والفرص المتكافئة أيضاً، فمن شأن ذلك أن يعزز رفاهية البلد ورخاءه، ويضاعف الفوائد، وأعتقد أن هناك حاجة لمزيد من الوعي والتعليم.

من المدهش أن نرى أن عبارة “المساواة بين الجنسين” لا تزال تعتبر أمراً شائكاً هنا وفي كثير من الأماكن الأخرى.

آمل بأن يتغير الأمر.

كم يبلغ عمر إخوتك؟

أحدهم يبلغ 15 سنة من العمر والآخر 19، كلاهما ذكور. وهما أصغر مني سناً.

كيف تسير الأمور بينكم؟

أخان عاديان، لدينا الكثير من المعارك والنقاشات كل يوم.

تتناقشون حول ماذا؟

حول كل شيء. أعتقد أن الأصغر سناً يلعب كثيراً على جهاز PlayStation 4 ويقضي الكثير من الوقت على حاسوبه. وأحثه على التركيز على دراسته، بصفتي شقيقته الكبرى.

 

إسحاق شوتينر

هذه المقابلة مترجمة عن موقع  newyorker.com ولقراءة المقابلة الأصلية زوروا الرابط التالي.