fbpx

دمار سهل الزبداني.. النظام وحزب الله قطعا ملايين الأشجار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في منطقة الشيخ حبيب في مدينة بعلبك اللبنانية، ٨٣ كيلو متراً شمال شرق العاصمة بيروت، توقَّفَتْ أمام بقالة أبو عثمان، ٥٤ عاماً، سيارة بيك أب بيضاء محملة بقطع جذوع الشجر الخضراء. وبينما شرع السائق بتفريغ الحمولة، سأل أبو عثمان عن مصدر الخشب، سوري من الزبداني» أجاب السائق لاهثاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في منطقة الشيخ حبيب في مدينة بعلبك اللبنانية، ٨٣ كيلو متراً شمال شرق العاصمة بيروت، توقَّفَتْ أمام بقالة أبو عثمان، ٥٤ عاماً، سيارة بيك أب بيضاء محملة بقطع جذوع الشجر الخضراء. وبينما شرع السائق بتفريغ الحمولة، سأل أبو عثمان عن مصدر الخشب، سوري من الزبداني» أجاب السائق لاهثاً.
صحيح أن طناً واحداً من الخشب السوري الأخضر أرخص من نظيره اللبناني وقيمته ٢٠٠،٠٠٠ ليرة لبنانية (١٣٣ دولار أمريكي) مقابل ٣٠٠،٠٠٠ ليرة لبنانية (١٩٩ دولار أمريكي) على التوالي، إلا أن أبو عثمان، لم يُحبّذ، ولأسباب دينية، «أن يتعامل بخشب [مصدره] ليس حلالاً» كما يقول. لقد علم أن السائق لن يكون بمقدوره التعامل ببضاعة كهذه دون أن يكون مرتبطاً بحزب الله، الحزب السياسي والمليشيا الشيعية اللبنانية التي تقاتل في سورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد.
وفي يوم ممطر، على أوتستراد دمشق﹣بيروت، وتحت جسر بلدة الصبورة، ١٣ كيلو متراً غرب دمشق، وقف ثلاثة جنود يصلحون إطار سيارة غاز ٦٦ عسكرية، محمّلة بقطع جذوع الشجر الخضراء ومتجهة إلى دمشق.
مرور سيارات مدنية وعسكرية محمّلة بالمنهوبات يمكن بيعها أو تدويرها ليس جديداً في سورية. ومشهد سيارات محمّلة بالأخشاب الخضراء المعدّة للبيع، عاد للظهور مع عودة الشتاء وإن بوتيرة أقلّ من السنوات الماضية.
«أخذوا كل شيء وجدوه في طريقهم [في الزبداني]. وفي النهاية يُحرقون المكان أو يُفجرونه»، قال ميكانيكي السيارات عماد، ٤٥عاماً، وهو ابن الزبداني ومقيم في مدينة إدلب شمال سورية.
خسائر وقوانين
ومنذ عام ٢٠١١،نهب موالون للرئيس الأسد منازل وممتلكات في مناطق الأغلبية، التي قادت الاحتجاجات ضد نظامه. وشاعت مقاطع مصورة لجنود وموالين ينهبون أثاثاً وممتلكات ويحرقون منازل، فيما سُمّي شعبياً بـ«التعفيش» ويبيعون المنهوبات في مناطق سيطرة النظام في ما عُرِف بـ«أسواق السنة».
وكشف مدير التخطيط في وزارة الزراعة السورية، هيثم حيدر، في تشرين الثاني /نوفمبر الماضي أن «أكثر من ٢٧،٠٠٠،٠٠٠ شجرة “قُتلت أو أُصيبت في سورية خلال سنوات الحرب منها أكثر من ٥٤٤،٠٠٠ شجرة قطعت في الزبداني لوحدها [بمساحة ١٣،٠٠٠ دونم (١٣،٠٠٠،٠٠٠ متر مربع)»، وأن «١،٠٠٠ بئر دُمِّرت في منطقة الزبداني فيما كلفة تجهيز كل بئر لا تقل عن مليون ليرة سورية (٢،٠٣٢ دولار أمريكي).»
وقال وزير الزراعة السوري،أحمد القادري،  أن الحكومة «ستقدم الدعم للمزارعين الذين تعرضت أراضيهم وأشجارهم لأضرار كبيرة بفعل الإرهاب من خلال قلع الأشجار المثمرة»، وستمنح الفلاحين «الغراس مجاناً وخدمات الآليات الهندسية بسعر التكلفة.»
ويستعيد عماد كيف اعتاد أن يستيقظ على ضجيج بلدوزرات تجرف الأراضي ومناشير تقطع أشجار في سهل الزبداني منذ تموز/يوليو ٢٠١٥. ولأشهر، اعتقد أن محاصرين آخرين يقطعون الشجر للتدفئة. لكنه أدرك أن «حزب الله والجيش السوري يُزيلان الأشجار» تدريجياً. ووفقاً لعماد «غدا السهل صحراء» بعد أن منع النظام والحزب دخول المحروقات إلى مضايا والزبداني، اعتباراً من نيسان/ابريل ٢٠١٦. وأضاف أن الحزب أحرق السهل ما بين تموز/يوليو ٢٠١٥ وأيلول/سبتمبر ٢٠١٥. «حطب ما بقي لنطبخ. الناس قطعت أعمدة الكهرباء وكسرت خزانات المياه البلاستيكية لتوقد بها ناراً وتطبخ،» تحسّر عماد.
وتعاقب القوانين السورية «بالغرامة من ١٥٠،٠٠٠ إلى ٢٠٠،٠٠٠  ليرة سورية (٣٠٤،٧٨ إلى ٤٠٦،٦٠ دولار أمريكي ( الدولار اليوم بـ ٤٩٢ ليرة) للدونم (١،٠٠٠ متر مربع) كل من أقدم على قلع أو قطع أو نقل أشجار مثمرة من دون ترخيص». وتقوم الضابطة الحراجية بضبط المخالفات الخاصة بنقل أخشاب الأشجار المثمرة. كما تصادر وتباع لصالح الخزينة العامة للدولة الأخشاب والحاصلات المثمرة المقلوعة أو المقطوعة من دون ترخيص، مع الوسائط التي استُعملت في قلعها أو قطعها أو نقلها.
وتتبع مضايا وبعض قرى وادي بردى إدارياً لمنطقة الزبداني جنوب سورية، بريف دمشق الغربي. وتتبع منطقة الزبداني لمحافظة ريف دمشق، ومركزها مدينة الزبداني. وبلغ تعداد سكان المنطقة حوالى ٦٣،٧٨٠ نسمة عام ٢٠٠٤.
وتسمیة الزبداني آرامیة، وتعني «لُبُّ الخیر». وتشتهر المنطقة بزراعة الأشجار المثمرة كالتفاح والكرز والإجاص والدراق والتوت والخوخ والمشمش والرمان والجوز والكاكي (الخرما) والجانيريك. كما تشتهر بزراعة الباذنجان والفول والبازلاء وغيرها.
والزبداني مركز لوجستي للتبادل بين الحزب والنظام، بحكم قربها من الحدود، إذ لا يفصلها عن بعلبك أكثر من ٣٠ كيلو متراً. وقريباً منها تقع مخازن للحزب في سوريا، سرغايا والحميرات والشعرة، ومصانع صواريخ خصوصاً لتلك العشوائية المسمّاة «فيل».
واستطاع الجيش وحزب الله كسب معارك على الحدود السورية اللبنانية عامي ٢٠١٥ و ٢٠١٦ والزبداني آخر قلاع المعارضة هناك.
ووجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي،بنيامين نتنياهو، في تشرين الثاني/ نوفمبر) الماضي «رسالة تحذيرية إلى الأسد» ،بأن بلاده ستتدخل عسكرياً «إذا ما وافق الأسد رسمياً على إقامة وجود عسكري إيراني في سورية». وفي نيسان/أبريل ٢٠١٦، اعترف نتنياهو بأن بلاده شنت مراراً ضربات «بهدف منع امتلاك حزب الله أسلحة تغير موازين اللعبة». وسبق لنتنياهو أن أعلن أن إسرائيل «ستقوم بكل ما هو ممكن لتجنب نقل سلاح فتاك من سورية إلى لبنان».
حصار وأسعار
وحاصر الجيش والحزب الزبداني ومضايا وقرى في الوادي كلياً وجزئياً بين عامي ٢٠١١ و ٢٠١٧. وبعد أن جمّعا نازحي الزبداني في مضايا منذ بدايات الحصار، وفقاً لسكان محليين، صارت مضايا معسكر اعتقال. وثبت الجيش والحزب نقاط تفتيش وبنيا أسواراً ووضعا أسلاكاً شائكة وزرعا ألغاماً أسفرت عن مقتل مدنيين؛ وخاضا معارك ضد فصائل معارضة انتهت بسيطرتهما على تلك المناطق. وعمد الجيش والحزب، وفقاً للسكان، إلى حرق وتقطيع الأشجار وتجريف الأراضي لتحقيق أهداف عسكرية، كما أن سماسرة مرتبطين بهما راكموا ثروات من تجارة الخشب في سورية ولبنان.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، قال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية،يان إيغلاند، أن شهري كانون الأول والثاني/ديسمبر/يناير ٢٠١٦﹣٢٠١٧ «من الأسوأ إنسانياً على الإطلاق لجهة تنفيذ الإمدادات الإنسانية في سورية». وحذر إيغلاند من أن الشتاء المقبل سيكون «الأسوأ» خلال سنوات الحرب.
لكن الاعتماد على الخشب لم يكن بالأمر اليسير حيث وصل سعر ثمن طن الخشب في مضايا في تموز /يوليو ٢٠١٦ إلى حوالى ٧٠٠،٠٠٠ليرة سورية (١،٣٥٤ دولار أمريكي). ولكن في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٥، باعت وزارة الزراعة خشب الوقود والطهي، لأسر في مناطق سيطرتها بأسعار تراوحت للطن بين ٤،٠٠٠ و ٨،٠٠٠ ليرة سورية (٧.٧٣و ١٥.٤٧ دولار أمريكي)، فيما تجاوزت الأسعار في السوق ٤٠،٠٠٠ ليرة سورية (٧٧.٣٦ دولار أمريكي) للطن.
ويعتمد السوريون على مدافئ ومواقد تعمل على المازوت (الديزل) وغاز الطبخ والكهرباء والخشب لأغراض التدفئة والطبخ. ووصل سعر ليتر المازوت في مضايا في تموز /يوليو) ٢٠١٦ إلى ١٤،٠٠٠ ليرة سورية (٢٧،٠٧ دولار أميركي ﹣الدولار بـ ٥١٧ ليرة سورية في حينه)، بالمقارنة مع السعر الرسمي ١٨٠ ليرة سورية (٠.٣٤ دولار أمريكي) لليتر في نفس الفترة. ووفقاً لمدني من مضايا تحدث لـ «درج» بشرط عدم الكشف عن هويته، باع الحزب بعض أسطوانات غاز الطبخ ﹣الذي كان مفقوداً أثناء الحصاربـ ٤٠٠ دولار أمريكي للأسطوانة، بينما سعرها الرسمي ٢،٥٠٠ ليرة سورية (٤.٨٣ دولار أمريكي). وما زاد الأمر صعوبة أن الحكومة لم تستطع تلبية أكثر من ٢٧ بالمئة من الطلب على الكهرباء مطلع العام الجاري؛ مع انخفاض إنتاج البلاد الكهربائي من ٨،٠٠٠ ميغاوات يومياً عام ٢٠١١ إلى ٢،٠٠٠ ميغاوات يومياً.
وتعد هذه الأسعار مرتفعة بالمقارنة مع الدخل حيث تعجز الأسرة السورية عن تلبية احتياجاتها من تلك السلع. وفي حزيران/يونيو) الماضي، كشف تقرير أصدرته منظمة الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية أنه خلال الربع الأول من العام الجاري، ارتفعت الأسعار بنسبة ١٢٠٠ بالمئة تقريباً، مقارنةً بعام ٢٠١٠.
ولا تزال الفجوة الكبيرة بين الإنفاق والدخل تشكل ضغطاً يومياً على الأسر السورية. وأشار المكتب المركزي للإحصاء الحكومي إلى أنه يجب مضاعفة متوسط الأجور البالغ ٣٥،٠٠٠ عام ٢٠١٦ (٦٧،٧٩ دولار أمريكي) حوالى ستة أضعاف. وأضاف أن تكاليف المعيشة الشهرية للأسرة السورية بدمشق يبلغ ٢٩٠،٠٠٠ألف ليرة سورية (٥٦٠،٠٩ دولار أمريكي)، بينما لا يتجاوز أفضل أجر ٤٩،٠٠٠  ليرة سورية (٩٤،٧٧دولار أمريكي).
على «طريق القدس»
ولعب الحزب دوراً حاسماً في سورية بتدخّله إلى جانب النظام السوري إثر بدء الاحتجاجات المناهضة للأسد ربيع ٢٠١١. وأعلنحسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، في تموز /يوليو ٢٠١٥ أن «الطريق إلى القدس يمر بالقلمون والزبداني (…) كل شهيد يسقط منا في سورية (…) هو شهيد من أجل سورية المقاومة ومن أجل فلسطين..»
وللمفارقة فإن نصر الله دعا اللبنانيين إلى زرع الأشجار كجزء من «المقاومة ضد العدو الإسرائيلي». و قال في آب/ أغسطس الماضي، إن إسرائيل «تخاف من الشجر على حدودنا» لأنها تعتبر أن «الأشجار تحمي البلد». لذلك «المطلوب أن يكون عنده أشجار، لكن أن يكون عندنا صحراء. وتابع «سوف نبقى نزرع الأشجار الخضراء على الحدود (…)، حيث هناك جبل في لبنان وهناك حدود، ازرعوا أشجاراً، هذا جزء من المقاومة، هذا جزء من حماية لبنان.»
وحضرت الشجرة بقوة في صورة نظام الأسد. ويطيب لمحبي السيدة الأولى أسماء الأسد تلقيبها بـ«سيدة الياسمين»، حيث ظهرت في القصر الرئاسي محاطة ببنات وأمهات شهداء الجيش الحكومي في حفل أقامته بمناسبة عيد الأم، في آذار /مارس٢٠١٣. وظهر على أحد جدران القصر عبارة سريالية تقول: «بروحكَ تحمي الياسمين»؛ في إشارة إلى من قضوا في صفوف الجيش الحكومي والقوات الرديفة.
كما واظب الأسد على المشاركة في حملة تشجير بدأت عام ١٩٩٧ بدمشق وريفها في إطار جهود «الجيش ووزارة الزراعة لزيادة المساحات الخضراء ومواصلة رعايتها والحفاظ عليها». وتمت من حينه زراعة حوالي ١،٣٠٠ هكتار (١٣ كيلو متر مربع) سنوياً بمعدل ٥٠٠،٠٠٠ شجرة.
لكن الأمم المتحدة لم تُلقِ باللائمة على أي من طرف بالنسبة لتصحير الزبداني وتهجير المدنيين. وفي تشرين الأول /أكتوبر الماضي، في احتفال في الزبداني بيوم الأغذية العالمي، قال  الممثل المقيم بالإنابة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، آدم ياو، «أُجبِر الناس على الهجرة لأسباب عدة كالأزمات وعدم الاستقرار السياسي والفقر المدقع والجوع والتراجع البيئي وتأثير تغير المناخ، فلا خيار لهؤلاء الناس غير الهجرة للبحث عن فرص حياة أفضل وأماكن أكثر أماناً لأنفسهم ولعائلاتهم.»