fbpx

جنوب العراق: الجفاف وداء الفقاع يهددان النساء والأطفال

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يفتك الجفاف والمياه الملوثة بنساء قرية البورويشد وقرى أخرى في جنوب العراق قبل الجميع وتتم مواجهة الأمراض بالصمت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تقطع أم علي (35 سنة) ونساء قرية البورويشد في جنوب العراق نحو ثلاثة كيلومترات وعرة، ذهاباً ومثلها إياباً، لجلب مياه خالية من الأملاح والكبريت. تحمل كل واحدة منهن قدراً كبيرةً على رأسها وتمشي صوب أقرب نهر فجر كل يوم، ويكون عليهن قطع المسافة ذاتها ظهراً مرة ثانية، وقبل مغيب الشمس يعدن من جديد للحصول على مياه للاستخدام المنزلي واستحمام الأطفال. وتتناوب النساء على جلب المياه من النهر أو الاستحمام فيه من دون استخدام الصابون الذي لا يرغو بسبب الماء العكر، علماً أن المياه لا تكفي لنشاط سكان القرية اليومي. علاوة على ذلك، تجلس نساء القرى المحيطة بقرية البورويشد على ضفاف النهر الذي يطلق عليه سكان المنطقة اسم “البسروكية” ويغسلن الأواني، بينما تستر الواحدة الأخرى بالعباءات، حتى يستطعن الاستحمام بين القصب، من أجل توفير المياه لنقلها إلى البيوت بالقدور فوق الرؤوس.

أم علي

يسكن قرية البورويشد، التابعة لقضاء البدير في محافظة الديوانية (200 كلم جنوب العاصمة بغداد)، حوالى 700 نسمة، غالبيتهم من النساء والأطفال. المنازل وصوامع تخزين الحبوب والطعام مشيدة من اللبن (الطين والتبن) بـأيدي النساء والفتيات والأطفال في هذه القرية الجنوبية، فيما يكتفي الرجال بتأمين مياه الشرب المعدنية من مدينة البدير التي تبعد منها 60 كلم. 

يفتك الجفاف والمياه الملوثة بنساء قرية البورويشد وقرى أخرى في جنوب العراق قبل الجميع وتتم مواجهة الأمراض بالصمت. 

تخشى أم علي ومعها نساء القرية الحمل والإنجاب، وذلك خوفاً من التشوهات الخلقية بين المواليد الجدد، والفقاعات الجلدية التي تنتشر على أجساد أطفالهن. ويحرم حجم الألم الذي يصاحب تلك الفقاعات الأمهات وأطفالهن من النوم. ويعتقد سكان القرية بأن السبب هو المياه الكبريتية المالحة التي لا يمتلكون غيرها بسبب الجفاف وندرة المياه. تميز السمرة الطاعنة والنحافة الشديدة نساء القرية، وتبدو آثار الفقر المدقع عليهن، والسبب في ذلك هو تراجع تساقط الأمطار بشكل كبير، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة التي أدت إلى تجفيف الأنهار والمياه الجوفية وفقدان المواطنين مصادر الزراعة وتربية المواشي. يقول تركي كاظم عبود (60 سنة)، “الجفاف ونقص الماء دمرانا”، وكان الرجل يملك أكثر من 120 رأس ماشية تنوعت بين أبقار وأغنام ودجاج، مات معظمها عطشاً أو بسبب مياه الآبار المالحة ولم يبق من ثروته الحيوانية اليوم سوى 6 نعجات نحيلة وديك ودجاجتين. 

يروي مختار القرية فرحان صلال البديري، مشكلات مواطنيه في شحة المياه جراء الجفاف، وانعدام الزراعة وتربية المواشي، واضطرارهم تالياً إلى حفر الآبار الارتوازية التي لا تنتج سوى المياه الكبريتية المالحة. وأكدت تحاليل المختبرات عدم صلاحية مياه الآبار للشرب أو الزراعة أو الاستخدامات الأخرى. وتقع محطة لتصفية المياه في وسط القرية، إلا أنها عاطلة من العمل، على رغم أنها لا تحتاج إلى عمل كثير بغية توفير مياه صالحة للشرب، لعلها تنقذ سكان القرية من آثار المياه الملوثة. 

هناك خطر آخر يحيط بفتيات القرى شحيحة المياه ونسائها، التي تخلو من الحمامات الصحية، فيخبرن على الخروج ليلاً إلى العراء (خارج المنزل) لقضاء حاجاتهن، ينظرن الى الأرض ويراقبن كل حركة عبر إضاءة الهواتف، خشية من لدغات الثعابين أو العقارب والحشرات الأخرى. وتخاف أم علي وبناتها الأربع من الخنازير البرية والثعالب والذئاب التي تحيط بالقرية وأحياناً تتجول بين أزقتها لتثير الرعب في المكان. 

لا يستبعد طبيب الأمراض الجلدية، أسعد الفتلاوي، أن تكون المياه الملوثة والبيئة سبباً لظهور المرض بين الأطفال. وتشير الناشطة كريمة الطائي في السياق ذاته، إلى أن الأمراض الجلدية والتنفسية والغددية منتشرة في قرى قضاء البدير جراء المياه الملوثة. ونفذت الطائي برامج اجتماعية تستهدف النساء الريفيات حول الجفاف والتغير المناخي.

إن السهر الليلي على الأطفال المصابين بداء الفقاع الجلدي، وتأمين حاجة الأسرة من المياه، وأداء الواجبات اليومية في التنظيف والبناء أو الترميم، ظروف لم نترك لأم علي فرصة العمل لتأمين ثمن أدوية تهدئ روع الأطفال وتخفف أوجاعهم. اختصاراً، يفتك الجفاف والمياه الملوثة بنساء قرية البورويشد وقرى أخرى في جنوب العراق قبل الجميع وتتم مواجهة الأمراض بالصمت. 

يذكر أن داء الفقاع الجلدي، من بين الأمراض الجلدية المناعية نادرة الحدوث، يظهر على شكل فقاعات وبثور على الجلد، وهو عبارة عن مرض مناعي ذاتي يصيب الأشخاص فوق الـ40 سنة خصوصاً، وينتشر في أجزاء مختلفة من الجسم كالرأس والوجه والأغشية المخاطية في الأنف والعين. وتفيد إحصاءات حديثة بأن نسبة الإصابة به تتراوح بين 0.4 إلى 3.4 بين كل 100000 من إجمالي سكان العالم، ويسبّب جملةً من التأثيرات النفسية والجسدية على حياة المصاب، ويؤدّي إلى الوفاة بنسبة 7 إلى 16 في المئة من إجمالي الحالات المصابة بالفقاع، لتشمل مساحات كبيرة من الجلد، تصاحبها قروح كبيرة وفقدان كميّة كبيرة من سوائل الجسم، مع احتمال حدوث مضاعفات بكتيرية وفطرية شديدة.

*كتبت هذه القصة ضمن مشروع لمنظمة “أنترنيوز” لتدريب الصحافيين حول كتابة وإنتاج القصص الصحافية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في العراق.