fbpx

“لولا الحزب لكان داعش اغتصب أختك”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يكاد يخلو نقاش محتدم حول تدخّل “حزب الله” العسكريّ في سوريا من الجملة الرنّانة التي يستعملها مؤيدوه لحسم الجدل، “لو ما الحزب فات على سوريا كان داعش اغتصب أختك وأمك ومرتك”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يكاد يخلو نقاش محتدم حول تدخّل “حزب الله” العسكريّ في سوريا من الجملة الرنّانة التي يستعملها مؤيدوه لحسم الجدل، “لو ما الحزب فات على سوريا كان داعش اغتصب أختك وأمك ومرتك”، أو “لولا الحزب لكان داعش عم يغتصبك هلّق يا ش******”، حين يكون الحديث موجّهاً لأي امرأة تنتقد هذا التدخّل، أو على الأقل تبدي أي تعاطف مع الشعب الذي سالت دماؤه وقاسى أفظع المجازر في ثورته. قبل “داعش” كانت “جبهة النصرة” هي من سيغتصب أخواتنا، وقبل “الجبهة” كان سيفعلها الجيش الحرّ إلخ…. يشعرنا هؤلاء في منطقهم ولغتهم بأنّهم يخوضون حرب اغتصاب واغتصاب مضاد ليس إلّا.

من أين أتت هذه المقاربة وما هي دلالاتها؟ ولماذا يكرّرها الممانعون اللبنانيون دوماً في أيّ نقاش مفتوح أو مكتوب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؟ 

سوّق “حزب الله” بداية الأمر تدخّله لدعم النظام السوري على أنه حرب استباقيّة على الإرهاب والتكفيريين قبل أن يأتوا هم إلى عقر دارنا. وتدرّج الموقف تدريجيّاً، من الإنكار بداية الأمر ثمّ الانتشار المحدود على الحدود إلى إعلان السيد نصر الله عن استعداده للذهاب شخصياً للقتال في المعركة، ورفع مقاتلي الحزب راياتهم فوق أنقاض القرى والمدن السوريّة. وقد استعمل الحزب في دعايته الحربيّة عشرات الحجج والذرائع أخذ معظمها طابعاً استباقيّاً بصيغة لو لم نفعل كذا لحصل كذا. ومن منّا لم يسمع أو يقرأ مقولة أنّه لولا دخول الحزب إلى سوريا لغزا تنظيم “داعش” لبنان واغتصب نساءه؟

نشير بداية إلى أن مقولة كهذه تضرب على وترين حسّاسين لدى جمهورها المستهدف. فهي من جهة تحمل تلامس غريزة الفحولة وتهدّد بالعرض والشرف الذي تختصره هذه الثقافة بطهر النساء وسجلهنّ الجنسيّ. وتلامس من جهة أخرى غريزة مذهبيّة، لأن المغتصب ينتمي إلى التنظيم الإسلاميّ المتطرّف الذي يجاهر عناصره بتكفيرهم وعدائهم للشيعة. يا للهول! يصبح المقاتل حينها بطلاً على جبهتين. 

قبل “داعش” كانت “جبهة النصرة” هي من سيغتصب أخواتنا، وقبل “الجبهة” كان سيفعلها الجيش الحرّ إلخ…

حضرت المرأة بقوّة في شعارات المعركة لدى كلّ الأطراف، ولم تخرجها لغة الميدان من كونها مجرّد غنيمة حرب ووسيلة إذلال للخصم، أو في أحسن الأحوال حلقة المجتمع الأضعف التي لا يجوز زجّها في المعركة. فهي كما قيل حرب للدفاع عن العرض والأرض المغتصبة، حرب الفتاة التي تعود إلى بيتها الساعة الثالثة فجراً، حرب الفوز بالحور العين ومضاجعتهنّ في الجنّة، حرب الحرائر، حرب التهديد بالسبي والاغتصاب إلخ… حرب الشعار الذي تهدّمت على وقعه مدن كاملة ولن تُمحى بسهولة من ذاكرة الناس جملة: لن تسبى زينب مرّتين

شعار كهذا هو ضربة معلّم من ماكينة الحزب الإعلاميّة لما فيه من استفزاز للعصب المذهبيّ والذكوريّ على حدّ سواء، وكأنّه كان مقدّمة لتمنين النساء بحمايتهنّ من الاغتصاب. وقد شهدنا جميعاً نتائج هذه التوليفة المرعبة على الأرض. كلّ معارض لها سيكون حكماً مع من قتل الحسين وسبى العقيلة زينب ابنة عليّ عليهم السلام، وكل من يحمله مقاتل كربلائيّ يستكمل معركة الحسين ضدّ الكفر منذ أكثر من 1400 سنة. زرع الحزب هذه البذور في أرض بيئته الحاضنة، بخاصة في قرى البقاع الشمالي الخصبة، خطوط المعركة الأماميّة التي يشكّل الشيعة الأغلبية الساحقة من أهلها، وتسيطر العشائر الكبرى على الأمر الواقع حاملة قيم الثأر والسلاح والرجولة التي لا تمسّ. خطاب مذهبيّ – ذكوريّ يدغدغ الفحولة التي يتربّى عليها المرء ويجعل منه بطلاً أمام نفسه والناس.

أصبح الحديث إذاً عن الديكتاتوريّة والقمع وتصفية الناس في الشوارع وأقبية التعذيب حديثاً تافهاً لا قيمة له. قصف المدن المأهولة ببراميل الموت العشوائية، خنق أهل الغوطة بالسلاح الكيماوي، حصار الناس وموتهم جوعاً في اليرموك ومضايا… كلّ ذلك صار ضرورات حرب لا بدّ منها، فالحرب وسخة كما نعلم وما يحدث هو أكبر منّي ومنك بكثير. لا قيمة لأي شيء آخر الآن، سوى منع الإرهابيين القادمين لسبي نسائنا كما سبوا سيّدة نساء العالمين وبيع أخواتنا في سوق الرقيق، كما باعوا النساء الأيزيديّات في العراق. وبذلك يتم تناسي سلوك الجيش السوري ومخابراته أيّام الوصاية السوريّة في لبنان وتطاول عناصره في الحواجز والنقاط العسكريّة على أهلنا من دون تمييز بين امرأة ورجل.

سوّق “حزب الله” بداية الأمر تدخّله لدعم النظام السوري على أنه حرب استباقيّة على الإرهاب والتكفيريين قبل أن يأتوا هم إلى عقر دارنا.

ألا يحقّ لنا أن نسأل أيّ امرأة لبنانية حماها “حزب الله” من الاغتصاب كي يمنّنا جمهوره بذلك من دون توقّف؟ هل هي المرأة التي دعاها السيّد سامي خضرا إلى التستّر واستبدال صورها الشخصية بصورة شجرة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ أم أنها المرأة التي اعتذر هو نفسه من العرب والمسلمين عن الصورة السيّئة الموبوءة التي نقلتها بمشاركتها في التجّمعات والتظاهرات التي يشهدها لبنان منذ شهور، بعدما كان العرب يتصلون به راغبين في الزواج من “نساء لبنان المقاومات” بحسب قوله؟ هل هي المرأة التي عليها وضع الحجاب وستر مفاتنها في سنّ التاسعة؟ هل هي المرأة المطلقّة التي قال نعيم قاسم إنّها لا تمتلك الأهليّة ولا الصلاحيّة لتعليم البنات في المدارس أو حتّى إعطاء أيّ نصيحة عن الحياة وكيفيّة مواجهة صعوباتها؟ هل هي نفسها المرأة التي رفض السيّد نصر الله إعطاءها مقعداً في كتلته النيابيّة لأنّه “ليس لدى الحزب نساء يقمن بدور النائب وتلبية الواجبات الاجتماعية” وأنّ الأمر سيبقى كذلك “إلى حين عودة النائب إلى دوره الطبيعي كعضو لجان وتشريع وجزء من مؤسسة سياسيّة حقيقيّة”؟ هل حمى “حزب الله” من الاغتصاب المرأة اللبنانيّة التي تحرمها المحاكم الدينية بقوانينها الجائرة من أبسط حقوقها الإنسانيّة في قضايا العنف الأسري والحضانة؟ هل هي المرأة نفسها التي ضربها مناصرو الحزب في ساحات الثورة على وقع هتاف “شيعة شيعة شيعة” و”الشعب يريد 7 أيار جديداً”؟ هل هي المرأة التي تواجه يوميّاً على صفحات التواصل الاجتماعي أقسى حملات الإهانات والتهديدات والتدخّل في الحياة الخاصة، وتواجه لسورياليّة القدر التهديد المستمرّ بالاغتصاب العلنيّ! (لم تعد هذه الرسائل سرّاً بعدما تشجّعت كثيرات على نشرها كما حدث مع الرفيقة مروى علّيق منذ فترة).

لطالما كانت المرأة إذاً مكسر عصا المتحاربين. ولطالما كان فعل اغتصاب النساء الشنيع مرافقاً لكلّ حروبهم القذرة ووسيلة الانتقام التي يلجأون إليها في غزواتهم لترهيب العدوّ وكسره. لكنّ الأمر هنا قد حدث بصيغة مختلفة تماماً. هو منطق يخيفنا دوماً من “الاغتصاب المفترض لنسائنا” والذي اضطرّ جرّاءه الحزب إلى المشاركة في إبادة استباقيّة لشعب بكامله وإذلال من نجا منه في الوطن والغربة على حدّ سواء، وقمع ثورة شعب على نظامه الذي ينهش لحمه منذ عقود. سلوك استباقي يذكّرنا في دلالاته وتفاصيله بتعاليم الحاخام الصهيوني الشهير “إسحق شابيرا” والذي دعا في كتاباته العنصريّة إلى إبادة العرب من دون استثناء، بمن فيهم الأطفال الرضّع قبل أن يكبروا ويصبحوا إرهابيين، قبل أن يكبروا ويغزوا إسرائيل ويغتصبوا نساءها.