fbpx

“أنا بدّيش وجّهلو رسالة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شتائمنا الفجّة كانت بوصلة فضحت كلّ من جاء “مندساً” أو “أحمق”، لا يزال زعيمه ضميراً مستتراً في وعيه أو لا وعيه. فمن استفزته الشتائم هو حكماً خارج ثورة “كلن يعني كلن”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثناء البث تلفزيوني الحيّ لحفل “جوائز توني” المسرحية، قال روبرت دينيرو للجمهور ومن دون أي مقدّمات: “سأقول شيئاً واحداً…

fuck trump لن أقول، ليسقط ترامب… بل Fuck trump”.

من حيث لا ندري ولا يدري هو، كان دينيرو عرّاب انتفاضتنا في لبنان، 

جمعتنا الشتيمة متظاهرين وأفراداً، تحت شعار واحد، بدءاً من” الهيلا هو” إلى غيرها من الشتائم التي نالت من معظم أفراد الطبقة السياسيّة وخصصت لكل منهم شتيمة خاصة تليق بالدور الذي لعبه. 

لجبران باسيل الهيلا هو، لرندة بري الـ51 في المئة، لـ”حزب الله” كلن يعني كلن.

شعارات الثورة “البذيئة” هذه تلقفتها مختلف الطبقات الاجتماعية، بدءاً من المتظاهرين في الشارع، إلى مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في أواسط بعض الإعلاميين الذين عبّروا عن ارتياحهم وفرحهم لصوابيتها، فلم يتردّدوا في فلسفتها وتمجيدها.

والحال أن كيل الشتائم للطبقة الحاكمة مجتمعة، أكسب الانتفاضة صدقية لا غبار عليها لتستقطب كلّ من ضاق ذرعاً بحاكمه. فجاءت كقسم للثوّار، نرددها بصوت عال وغاضب لندفن عهوداً من التبعية والاستزلام وتأليه لصوص استعبدوا شعباً بأكمله. والشتيمة بهذا المعنى كانت أقرب إلى طقس تطهّر من فعلٍ ربما نكون قد ارتكبناه عبر انتخابنا هؤلاء الذين لا يليق بهم سوى الشتيمة.

شتائمنا الفجّة كانت بوصلة فضحت كلّ من جاء “مندساً” أو “أحمق”، لا يزال زعيمه ضميراً مستتراً في وعيه أو لا وعيه. فمن استفزته الشتائم هو حكماً خارج ثورة “كلن يعني كلن”. وبالتالي شعر بالاختناق في التظاهرة ولا بد أنه غادرها، فبقينا نحن الشتّامين لوحدنا في الساحة.

أكثر من 5 سنوات على إطلاق أغنية “عهد العرص” لرامي عصام ولا تزال الأغنية تعبّر عن حال المصريين الذين ابتلوا بلاء أشدّ من بلائنا…

كيف حصل هذا التحوّل؟ قبل 17 تشرين الأول/ أكتوبر لم تكن الشتيمة بديهية، كانت ردّ فعلٍ خارج قدرتنا على ضبطها، تخرج من أفواهنا من غير إرادتنا ونحاول التراجع عنها. أما بعد 17 تشرين فقد أصابت وتحولت إلى لغة لمخاطبة طبقة حاكمة. 

واليوم إذ نشهد تفجّع المسؤولين وأحزابهم وتعبيرهم عن ألمهم جرّاء “البذاءة”، ندرك كم نحن على صواب. وإذا كان ثمة بعد خاص للشتيمة، إذ إننا نواجهها للمستهدف بشخصه، فان مردّ ذلك تحويله هو الشأن العام شأناً خاصاً. فهو حين يسرق لا يسرق لـ”شعبه” بل يسرق لشخصه، وحين يعيّن زوجته مستشارة أو شريكة في الغنائم، يفعل ذلك بدافع شخصي فكيف لنا نحن الذين لا نملك إلا الشتيمة ألا نوجهها إلى شخصه الكريم؟

على رغم اعتراض البعض على طابع الشتائم الذكوري، إلا أن الشتيمة بطبيعتها لا تعني بعدها المباشر، وهي تختلف بحسب البيئة والمجتمع الذي تأتي منه، هدفها أوّلاً وأخيراً التعرّض للمقدس…

ففي الصين مثلاً، أن تتهم شخصاً بالكذب، شتيمة لا تغتفر، قد تقتل بسببها، “الكذب” أمر محرّم في الصين. أما في لبنان فهو “ملح الرجال” وشتائمنا ليست سوى عبارة عن إيحاءات جنسية تستعمل أحياناً للتحبب. علينا أن نبتكر شتائم جديدة بعد الثورة…

لقد شتمنا اللغة أوّلاً…

أكثر من 5 سنوات على إطلاق أغنية “عهد العرص” لرامي عصام ولا تزال الأغنية تعبّر عن حال المصريين الذين ابتلوا بلاء أشدّ من بلائنا…

من قصيدة “كسميات” لنجيب سرور

لقد اختار الشعراء “البذاءة” حين سقطت اللغة أمام الأنظمة، وحين لم تسعفهم في دفعها للاستجابة. كتب الشاعر المصري نجيب سرور قصيدة “الكسميات”، وكذلك فعل مظفّر النوّاب وأحمد فؤاد نجم الذي ردّ حين سُئل لماذا كان يشتم السادات كثيراً؟ فقال “بذمتك يا بنت يا لطيفة ده منظر شعب منتصر؟”. 

تعابيرنا “النابية”، كانت الطلقة الأولى ضدّهم، فجاءت لسعة اللسان أشدّ إيلاماً من السكين المسلطة على رقابنا…

لغتهم، خطاباتهم وتأتآتهم، وحفلات استنكارهم وكراهيتهم وعنصريتهم وعجرفتهم وتهديدهم، أصبحت بلا معنى حين قوبلت بـ”كسمك”. إنها معركة وعيهم مقابل لا وعينا.

الشتائم في الثورة لم تكن سقطة أخلاقيّة ولا تمثّل انحداراً وفقراً في التعبير، بل هي وعي تام بأن لا حوار بيننا وبينهم…