fbpx

رانيا يوسف ورقصة “بنت الجيران”… مانيفيستو ضد المنع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لماذا رانيا يوسف تحديداً، وبإطلالة أو رقصة تستطيع أن تخلخل حالة الثبات والهدوء والاستتباب الأخلاقي، لتشعل حرباً بين النقائض القيمية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نشرت الفنانة المصرية رانيا يوسف مقطع فيديو على “تويتر”، ترقص فيه على أغنية “بنت الجيران” لحسن شاكوش، الأغنية التي أثارت جدلاً واسعاً داخل نقابة الموسيقيين، وكأن رانيا يوسف تكتب مانيفيستو آخر بجسدها، ضد البيانات والسلطات والأحكام القيمية الجاهزة. ففيما أصدر نقيب الموسيقيين هاني شاكر بياناً بمنع مُغني المهرجانات من الغناء في الحفلات والمنشآت السياحية، كان ظهور رانيا يوسف ورقصتها حتمية ضرورية، على رغم عفويتها، فقد بدت نداً وخصماً للحالة التي يمثّلها هاني شاكر ومن معه، بقوانينها البطريركية التي فرضت نفسها على الساحة الفنية المصرية.

لماذا رانيا يوسف تحديداً الفنانة الوحيدة دون غيرها التي يتكرر ظهورها في مناسبات عدة ويُحدث ظهورها بلبلة، وبإطلالة أو رقصة تستطيع أن تخلخل حالة الثبات والهدوء والاستتباب الأخلاقي، لتشعل حرباً بين النقائض القيمية؟

ولماذا كانت رقصتها على أغنية شاكوش مع تعليق “تلاقيني لسا بخيري” أبلغ رد على وصاية هاني شاكر الأخلاقية على أغنية بنت الجيران؟

رانيا يوسف

ببساطة لأن مسار رانيا يوسف الفني والشخصي خلق منها معادلة كاشفة في صراحتها، معادلة رفع الوصاية ورفضها في المطلق، الوصاية على الجسد والقيم والفردانية، وهو ما تعبر عنه دوماً في حواراتها، “أحب أكون غير متوقعة، وأحب أخض الناس، أحب أبقى في المشروع الناجح، بحب الحاجات اللي بتعمل قلق ودوشة مش بحب الحاجات النورمال، أنا شقية وبحب الشقاوة وأحب أدخل في الحاجات الشقية كده يعني”. وكأنها تنحاز للانفلات الفني المبدع، لا ترى الحياة وفق طريقين، “الكويس” والعيب، بل الحياة وفق ما تسمح به بأكبر قدر من التدفق والجنون والتعبير الحر، المتجرد من القدوة، وحالة رانيا يوسف تشبه حالة مطربي المهرجانات بلا عرابين وبلا قيم مفروضة فنية وأخلاقية وبلا خوف أو إنكار للمشكلات الاجتماعية التي تعاني منها الطبقات الفقيرة والمهمشة.

أما هاني شاكر فكانت بداياته قائمة على استحضار القدوة والقيمة طوال الوقت، لدرجة انسحاقه فيهما، ففي بداية ظهوره ذكر أن قدوته عبد الحليم حافظ وتمنى لو يجلس على كرسيه من بعده، في حين أن عبد الحليم وصفه بفنان بلا طموح. وعلى رغم ذلك انسحق هاني شاكر حتى مع فكرة وصمه وابتلع هذا الوصم بابتسامة لا تجادل ولا تعارض ومضى في رحلته من أجل البقاء، متلفحاً بعباءة الكلاسيكية الراسخة، لا يحيد عن الطريق، يعبد آلهة الطرب ويسير في رحابهم، كتابع لا يضره أن يكون تلميذاً أميناً لقيمهم التي لا تُهدم.

كأن رانيا يوسف تكتب مانيفيستو آخر بجسدها، ضد البيانات والسلطات والأحكام القيمية الجاهزة.

بيان هاني شاكر هو أبلغ تعبير عن مشروعه الشخصي الذي يتحاشى الجدل المجتمعي ويرفض أي إيحاءات “غير أخلاقية” يصف من هم خارج مدرسته في الغناء بـ”الاسفاف” و”مخالفة العرف القيمي والتعدي على رواسخ المجتمع المصري الثابتة”.

في مشاريعها السينمائية والدرامية، تشارك رانيا يوسف بجسارة في أدوار جريئة تجسد حال الطبقة الفقيرة التي ذابت فيها القيم المتعارف عليها وتمزقت بسبب التهميش الاقتصادي، ففي “ركلام”، “مملكة إبليس”، “دماغ شيطان” وغيرها، تؤدي يوسف سرديات تشبه السرديات التي يغنيها مطربو المهرجانات لتبدو جزءاً من فرق المهرجانات، تمسك المرآة معهم يداً بيد، لتعكس موضوعات يتم تجاهلها طوال الوقت، كزنا المحارم وصراع الأخصام والعصبيات داخل الحارات والتهديد بالقتل وغيرها من الموضوعات الرائجة في أغاني المهرجانات.

أما هاني شاكر فينتمي إلى زمرة مغمضي الأعين عن “قذارة” حالنا. في حوار معه في بداياته شن حرباً ضروساً على أحمد عدوية ووصفه بنعوت تشبه نعوته لمطربي المهرجانات اليوم، وهاجم “الكاسيت”، الذي ساعد على انتشار شعبية عدوية مثلما يحاصر اليوم مطربي المهرجانات. يقول “لو بناخد بالكاسيت كمبيعات عامة الناس بيبان ذوقها من خلال الأغاني اللي بتشتريها في الكاسيت عكس التلفزيون بيفرض على الناس يسمعوا اغاني معينة، الكاسيت انهاردة أصبح منافس “خطير” للإذاعة والتلفزيون ودا شيء لازم يتاخد له موقف معين أو وضع معين، ويتحط له نهاية”.

يبدو هاني شاكر في هذا الحوار وكأنه مشروع رقيب نجيب من يومه، ومن غير المستغرب أن يصبح اليوم نقيب الموسيقيين الباطش، ليحقق ما لم يستطع أن يحققه مع عدوية. وفي لقاء آخر على تلفزيون سوريا عام 1982، قال شاكر: “لو كنت في مدرسة موسيقى ومعنا عدوية لأخرجته فوراً من صفوف الدراسة، عدوية في قناع على وشه بعد فترة الناس هتفوق وتعرف إن مش هو دا الفن ومش هي دي الأصالة والصح ألا يسمح لعدوية بدخول الإذاعة والتلفزيون للغناء”.

مسار رانيا يوسف الفني والشخصي خلق منها معادلة كاشفة في صراحتها، معادلة رفع الوصاية ورفضها في المطلق، الوصاية على الجسد والقيم والفردانية…

في المقابل، تسخر رانيا يوسف من فكرة الأفلام +18، وتقول في أحد حواراتها “أنا مستغربة موضوع +18 دا أنا في بيتي مش بمنع عن بناتي التكنولوجيا مش بقولهم غلط وأخوفهم مني، أعظم شيء نجحت فيه أنني أصبحت صديقة بناتي، بييجو يحكولي على المصيبة قبل ما يعملوها مش بعد ما يعملوها، أنا مش بخوفهم من حاجة ولا بلاحقهم بالعيب والحرام والحلال”.

لكن هاني شاكر لم يحظَ بوالدة تشبه رانيا يوسف، ربما لو كان حظي بها كانت ستتغير نظرته تجاه الحياة والفن عموماً. حظي هاني شاكر بأم مناقضة تماماً، ففي تقرير في مجلة “الشبكة”، ذكر أن والدة هاني شاكر كانت تصحبه إلى “بروفات” التمثيل، وكانت تمنعه من تقبيل الممثلات حتى زادت وتيرة معايرته بسلطة والدته ورقابتها الواضحة عليه، حتى سأله صحافي مجلة “الشبكة”، لماذا لا تقبّل الفنانات؟ هل تخشى لوم والدتك؟ فقام هاني شاكر برد فعل غاضب، وقبّل ناهد الشريف عنوة، ليثبت أنه لا يخضع لسلطة والدته، وربما كان هذا الموقف من المواقف الاستثنائية التي ثار فيها شاكر لفرديته وناهض السلطة، على رغم أنه انتهك شفاه ممثلة والتهمها رغماً عنها.