fbpx

“كورونا” الأردن: الفقراء والمياومون يدفعون ثمن الحجر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“قبل الحظر كانت والدتي تساعدني وتحضر لي بعض الاحتياجات، أما الآن فلا تستطيع الوصول لبعد المسافة. لا نملك سوى الزيت وفتات الخبز”. مع أزمة كورونا تزايدت معاناة الأسر الفقيرة …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كسرة خبز، ومواد وتموينية أساسية تكفينا، لا نطمح بأكثر من ذلك”، ترفع فدوى صوتها بالشكوى. وفدوى (اسم مستعار) تقطن في منطقة وادي الحدادة وهي أرملة ولديها 4 فتيات، تتقاضى 130 ديناراً (ما يعادل 183 دولار أميركي) شهرياً من صندوق المعونة، وهو مبلغ لا يكفي لسد إيجار منزلها واحتياجاتها هي وبناتها الأربع. وما زاد من ضائقة السيدة وبناتها هو الحجر الصحي ومنع التجول في الأردن بسبب انتشار وباء كورونا ..

تقول فدوى لـ”درج”: “أتحسر عندما أرى المواطنين يذهبون لشراء ما لذ وطاب وأنا عاجزة عن تأمين كسرة خبز لبناتي”.

حال أم ريم (اسم مستعار) لا يختلف كثيراً عن فدوى فهي الأخرى تعاني من وضع عائلتها المتردي، تقول: “أتألم عندما تقول لي ريم (5 سنوات)، ماما نفسي بأشياء زاكية ماما نفسي ننزل عالبقالة زي هند بنت جيراننا ونشتري زيها”.

تتابع أم ريم لـ”درج”: “لا أستطيع الرد على ابنتي فأصمت وأحبس دموعي فنحن أساساً وضعنا المادي متردٍ، راتب زوجي 250 ديناراً، ندفع 170 ديناراً إيجار منزل وما تبقى لا يكفي لسد فواتير الكهرباء والماء”. 

ازداد حال أم ريم تدهوراً بعد الحظر، فقبل ذلك كانت تسعى للاسترزاق من أشغال صغيرة، وكانت تتلقى معونات صغيرة من الأهل والعائلة ولو كانت وجبات صغيرة، لكن منذ اعلان حظر التجول انقطع ذلك،”قبل الحظر كانت والدتي تساعدني وتحضر لي بعض الاحتياجات، أما الآن فلا تستطيع الوصول لبعد المسافة. لا نملك سوى الزيت وفتات الخبز”.

ومع أزمة كورونا التي تضرب العالم تزايدت معاناة الأسر الفقيرة والتي ضاعف من ضيقها الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات من تعطيل تام للعمل ومنع التجول. هذا الواقع تسبب بفقدان عدد من الأسر من ذوي الدخل المحدود مصادر عيشها الوحيد المستند الى العمل اليومي او منشآت تجارية صغيرة.

صفوف من ذوي الدخل المحدود بانتظار الحصول على معونة

أصحاب القوت اليومي الأكثر تضرراً

عصام شاب ثلاثيني وهو “مواسرجي” (يعمل في تمديد الأدوات الصحية)، انقطعت السبل أمامه وعجز عن تأمين احتياجات عائلته، يقول لـ”درج”: “أنا أعتمد على ما أجنيه يومياً من عملي لأؤمن احتياجات عائلتي، لكن مع حظر التجول توقفت عن العمل وبتّ عاجزاً عن تأمين قوت عائلتي المكونة من زوجتي وابني (9 سنوات)”. 

المعاناة ذاتها يذوق مرارتها أحمد، الشاب العشريني الذي يعمل في كراج لتصليح المركبات، ويتقاضى أجراً أسبوعياً، فمنذ قرار الإغلاق لم يجنِ قرشاً واحداً ليشتري به خبزاً وحليباً لشقيقته الصغيرة ودواء لوالدته المُصابة بالسكري. يقول لـ”درج”: “أشعر بالعجز عندما أنظر في عيون والدتي وشقيقتي الصغيرة فبعد وفاة والدي أصبحت أنا المعيل الوحيد لهما”.

بتذمر حدثنا مصطفى صاحب كراج لتصليح المركبات: “لقد تضررت مادياً في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، فأنا غير قادر على دفع إيجار محلي الذي يطالبني به صاحب المحل”.

يكمل مصطفى لـ”درج”: “عملنا يعتمد على الدخل اليومي، “ففي حال لم أفتح المحل الذي هو باب رزقي أنا وعائلتي، فلا دخل أحصله”، مضيفاً: “العاملون لدي لم أستطع دفع أجورهم لعدم توافر/ ولم أدفع أيضاً إيجار المنزل الذي أقطن فيه وعائلتي”. 

مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش، تعلّق على الوضع، موضحةً لـ”درج”: “لدينا فئات كبيرة من عمال المياومة في الأردن وهم العاملون في القطاع غير المنظم، وينقسمون إلى العاملين في المنشآت المنظمة بشكل غير منظم والعاملين لحسابهم الخاص كعمال الصيانة والباعة المتجولين وعمّال الميكانيك والسيدات اللواتي يحضّرن الطعام في منازلهن ويبعنه، إضافة إلى أصحاب العمل الذين يعتمدون على قوتهم اليومي مثل أصحاب الصالونات وورش الميكانيك”.

وتردف: “وصلتنا إلى مركز تمكين في أول يومين من الأزمة 95 شكوى معظمها من مياومين لم يستطيعوا مواجهة ظروف الحياة وتأمين قوتهم اليومي، وللأسف لم يكن هناك تحرك سريع من الدولة لحماية هذه الفئة ونحن الآن نتحدث عن الجوع الذي هو أخطر من المرض ووباء كورونا”.

خط الفقر غير دقيق؟

بحسب معطيات رسمية صدرت عام 2019 فإن نسبة الفقر المطلق في البلاد وصلت إلى 15.7 في المئة، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته، أكد مدير الإحصاءات العامة قاسم الزعبي النسبة ذاتها، موضحاً أن نسبة الفقر في الأردن هي من أقل النسب في العالم العربي. لكن هذا الأمر رفضته مؤسسات مدنية مختصة بالدراسات معتبرة أن الأرقام أكبر من ذلك.

وهو الأمر اعتبره  الخبير المختص في علم الاجتماع حسين الخزاعي بعيداً من الصحة تماماً، مبيناً أن “خط الفقر في الأردن لا يقل عن 56 إلى 60 في المئة، بخاصة في ظل اضمحلال الطبقة الوسطى”.

وقال لـ”درج”: “هناك علامات استفهام عدة حول عدم نشر الحكومة أي إحصاء جديد حول الفقر منذ عام 2010 وهذا الأمر غريب جداً، فما مشكلة الدولة بالإفصاح عن الطبقة الفقيرة وتفاصيلها؟”. 

“للأسف عندما أخذت الدولة قراراً بمنع التجوال لم يكن في بالها وضع سياسة محددة أو آلية واضحة لمساعدة الفقراء المحتاجين وعمال المياومة أو هؤلاء الذين يعتاشون يوماً بيوم”.

الحكومة تتستر على إحصاءات الفقر

في 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وجهت النائبة الدكتورة ديمة طهبوب سؤالاً إلى الحكومة عن كيفية تحديد الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة والغنية.

أوضحت طهبوب لـ”درج” أن “القصد من السؤال كان معرفة الأحوال المادية للفرد والأسرة الأردنية والمداخيل، وللأسف فإن الحكومة تعمد حتى الآن إلى إخفاء المقياس الأدق في تحديد الطبقات الاجتماعية  هو مقياس خط الفقر. وآخر إحصاء نشرته دائرة الإحصاءات كان قبل 10 سنوات تقريباً أي عام 2010، وكان خط الفقر 813 ديناراً (ما يعادل 1200 دولار أميركي) للفرد.

وأشارت طهبوب إلى أن الحكومة اعتمدت في تحديدها نسبة خط الفقر المقياس بالسعرات الحرارية أو اعتماد استهلاك الفرد من السعرات الحرارية في تحديد مستوى الفقر من مقاييس البنك الدولي ويسمى مقياس الجوع ولا يقيس الفقر العام، بل يستخدم في البلدان المنكوبة بالكوارث أو الحروب واستخدامه في غيرها يعطي نتائج مضللة. أما الدول المستقرة فتستخدم مقياس الفقر متعدد الأبعاد الذي يقيس مستوى الحرمان في الصحة والتعليم والمستوى المعيشي والجوع.

وقالت باستهجان: “هذا كان قبل كورونا، وحتى كورونا ليس كارثة بل جائحة وستمر فلماذا تُخفي الحكومة الحقيقة؟”.

وشددت طهبوب على أن عدم وضوح الحكومة في إعطاء مبلغ مالي معين للمحتاجين، والحديث عن النسب، القصد منه تضليل المواطنين لتتمكن من فرض الضرائب كما تشاء.

وضربت طهبوب نموذجاً على التخبط في الأرقام، “أعلنت دائرة الإحصاءات وجود 8 آلاف عائلة يعانون من الفقر المدقع والحقيقة المعلومة ذاتها ناقضتها منظمة تكية أم علي شبه الحكومية، فالعائلات المسجلة عندها تتجاوز الـ20 ألف عائلة”.

الدولة ملزمة توفير الحاجات الأساسية 

وفق المادة الحادية عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، “تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر”.

يقول الصحافي المتخصص بحقوق الإنسان محمد شما: “للأسف عندما أخذت الدولة قراراً بمنع التجوال لم يكن في بالها وضع سياسة محددة أو آلية واضحة لمساعدة الفقراء المحتاجين وعمال المياومة أو هؤلاء الذين يعتاشون يوماً بيوم”.

وأكد شما لـ”درج” أن هناك قصوراً من الدولة إزاء عدم إشراك الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في الخطوات التي تقوم بها خصوصاً أن هناك اهتماماً من منظمات المجتمع المدني في المساعدة وتقديم العون، ولكن التقصير جاء من الدولة وعليها أن تعيد النظر وتشرك القطاعات المختلفة من نقابات وأحزاب ومنظمات وجمعيات خيرية للتخفيف من مأساة الفقراء والمهمشين.

الحقوقي رياض صبح يقول في هذا الإطار: “بما أن الدولة أعلنت حالة الطوارئ فعلى أجهزتها إيصال المساعدات والاحتياجات للمواطنين، لا سيما الفقراء”.

منع مؤسسات المجتمع المدني من توزيع المساعدات

“تواصلت معنا عائلات للاستنجاد بنا كي نوفر لهم الخبز والحليب والحاجات الأساسية، إلا أننا لم نستطع ذلك لعدم حصولنا على تصاريح مرور لإيصال المساعدات لتلك الأسر”، يقول أمين عرار مدير المشاريع في “جمعية الفتى اليتيم الخيرية”.

يتابع عرار لـ”درج”: “في بداية الأزمة تطوعنا وأرسلنا مقترحات إلى رئاسة الوزراء ومركز الأزمات ووزارة التنمية الاجتماعية، لنتمكن من إيصال المساعدات لكن للأسف لم يصلنا رد حتى الآن، ما يعيق إيصال المعونات إلى الفقراء”.

وطالب الحكومة بالسماح للجمعيات بمساعدة الفقراء الذين لا يملكون أموالاً ليشتروا حاجاتهم من البقالة أو حتى الخبز. 

على صعيد آخر، تمكن أحد المتطوعين (فضل عدم ذكر اسمه) من الوصول إلى أسرة فقيرة مشياً على الأقدام لعدم حصوله على تصريح باستخدام مركبة وقدم للعائلة 50 ديناراً. يروي قائلاً “أخذت المرأة الخمسينية المبلغ المالي وبكت من الفرحة وقالت (أنقذتوني بالمبلغ أنا ما كان معي فلوس حتى أشتري خبزاً لأولادي)”.