fbpx

توكل كرمان و”فايسبوك” والأنظمة…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا غضضنا النظر عن حجم الشتائم في الردود على تعيين كرمان، سيصيبنا ذهول أكبر جراء فقر المساجلات، خصوصاً أنها لم تأتِ من خائفين على الحرية بل من انتهازيين …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فوجئتُ سلباً بقرار “فايسبوك” تعيين الناشطة اليمنية توكل كرمان عضوة في مجلس الإشراف على محتوى المنصة العربي. 

لهذه “السلبية” التي شعرتُ بها حيال هذا القرار أسبابها، وهي تتعلق بسياسات “فايسبوك” وأدواره “الرقابية” التي بتنا نختبرها كل يوم، ما جعلني أتساءل أكثر عن دلالات اختيار شخصية جدلية مثل كرمان، صاحبة الانحيازات المعلنة لأنظمة وتيارات وشخصيات، وهذه الأنظمة التي تنحاز لها كرمان سجلها في مجال الحريات العامة والفردية متدنٍ ويحوي الكثير من الارتكابات. 

صحيح أن لكرمان دوراً بارزاً يصعب تجاوزه في الثورة اليمنية وهي نشطت في قضايا حقوقية أساسية، لكنها أضعفت هذا المسار بشكل أساسي حين قررت الانحياز الكامل لسياسات أنظمة بعينها، كالنظامين القطري والتركي وجماعة الإخوان المسلمين.

وككل قضية تصيب عمق الانقسام والاستقطاب في المواقف، طغت الحملة البذيئة التي تعرضت لها كرمان على نقاش نحتاجه بعمق حيال المنصة الأكبر في العالم. فقد قوض الهجوم الممنهج والموتور عبر شتامين ممن يفترض أنهم من أهل الإعلام وشخصيات تابعة لمحور السعودية ومصر والإمارات أي نقاش ذات جدوى لمصلحة التركيز على شخص كرمان بهدف تحطيمها على نحو بالغ الإسفاف. 

باتت فرصة فتح نقاش مسألة على هذا القدر من الحيوية أسيرة انقسام بين تيار يعلي من شأن الشتيمة والتخوين (مصر والامارات والسعودية) وتيار يحتفي ويبالغ بالترحيب (قطر تركيا والإخوان). 

هذه المعادلة في التعامل مع موقع كرمان الجديد في منصة “فايسبوك” كاد يقصي معضلات فعلية نعيشها كأفراد ومجموعات تحاول أن تجد عبر “فايسبوك” مساحة لعرض وترويج محتوى عربي مغاير لما تفرضه السلطات ومعها وسائل إعلام كبرى تتبع بمجملها سياسات الأنظمة والتيارات الدينية والاجتماعية المسيطرة.

 فإذا غضضنا النظر عن حجم الشتائم والاستفزاز في الردود على تعيين كرمان، سيصيبنا ذهول أكبر جراء فقر المساجلات، خصوصاً أنها لم تأتِ من خائفين على الديموقراطية والحرية بل من انتهازيين يريدون منصات “حرة” تتسع وتضيق بحسب مصالحهم لا غير.

رقابة فيسبوك

تعتبر الأنظمة وأذرعها وجيوشها الإلكترونية أدوات القمع الأولى عبر منصات التواصل الاجتماعي. ولم يكن “فايسبوك” العربي بمنأى عن تقاطعات مصالح مع تلك الأنظمة. نعم، صفحات “فايسبوك” مفتوحة لكن التحايل، من خلال خوارزميات المنصة، وعبر زعم ضبط عناوين محتوى، يحرض على العنف والكراهية، تسللت الكثير من الممارسات والتضييق باسم “معايير”. من منع صور قادة وشخصيات وفق معايير العقوبات الدولية، لا معايير النشر والتعبير مثل صور زعيم “حزب الله” حسن نصرالله وزعيم تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، إلى التضييق على ترويج محتوى مهما كان جدياً ومهنياً، إن كان في عنوانه أو صوته، كلمات تتعلق بـ”الله” أو قضايا إشكالية اجتماعياً وسياسياً، إلى أن ضاق “فايسبوك” بنا نحن العرب، فيما استمر في اتساع صدره للقارئ والمستخدم غير العربي، وفي هذا تمييز يبلغ العنصرية الثقافية والمعرفية. 

ما زلنا دون سن الرشد في عرف “فايسبوك”، وها هي المنصة تعين لنا “ولي أمر” آتياً من منظومة قيم نسعى إلى تجاوزها.

أحد العناوين التي تحفظ “فايسبوك” عن ترويجها مثلاً كان تحقيقاً عن معاناة النساء والمثليين في ظل كوفيد 19، وكان رد “فايسبوك” أن المحتوى controversial أي جدلي. وفي هذه الحالة، هل ستقف كرمان إلى جانب حق المستخدم العربي في المعرفة وهل ستكون إلى جانب مثلي زُهق حقه، أم أنها ستكون في موقعها الطبيعي الذي يرفض القيم التي تصدر عنها مطالبات بحقوق المثليين والمختلفين والمتحولين؟ وبهذا المعنى يبدو اختيارها امتداداً للمزاج الرقابي الذي يبديه “فايسبوك” حيال المتصفح العربي.

هناك لائحة من الإشكالات اليومية التي تواجه صانعي المحتوى لجهة منعهم من الترويج أو حجب صفحاتهم أو منشوراتهم.     

وفقاً لتدوينة نشرتها كرمان على صفحتها في “فايسبوك”، فإن مهمات المجلس تتمثل بأنه “سيتخذ مجلس الإشراف قرارات نهائية ومُلزِمة حول ما إذا كان يجب السماح بمحتوى معيّن أو إزالته من فايسبوك وInstagram وسيراجع المجلس ما إذا كان المحتوى يتوافق مع معايير وقيم مجتمع فايسبوك وInstagram، هذا إضافة إلى تأييد دعم حرية التعبير في إطار المعايير الدولية لحقوق الإنسان…”.

أهم معيار لا بد من التفكير به في السياقات والبلدان المختلفة، هو دينامية القوة. من هي المجموعة الأكبر والأقوى، والتي يجب أن ننتبه من تحول خطابها إلى أداة قد تؤدي إلى اقصاء حيال المختلف الى حد العنف الجسدي، ومن هي المجموعة الأضعف والمهمشة والتي يجب أن نحافظ على حقها بالتعبير والوجود؟

وما هو الخطاب الموجه؟ وهل في هذا الخطاب تحريض على التمييز والكراهية والقتل؟

هناك فئات كثيرة تعاني التمييز القانوني والاجتماعي، وتحتاج إلى إجراءات حمائية. ولا يبدو أن تعيين كرمان سيحد منه.

في المقابل، وفيما تحاول إدارة “فايسبوك” فرض إجراءات الحذف والمنع للمحتويات التي تبث الكراهية والتمييز العنصري والديني والإثني، وغير ذلك، فإنها تأخذ في طريقها، جزءاً أساسياً من حرية الأفراد في التعبير ونشر الأفكار المختلفة. 

ما زلنا دون سن الرشد في عرف “فايسبوك”، وها هي المنصة عبر عيونها العربية تعين لنا “ولي أمر” آتياً من منظومة قيم نسعى إلى تجاوزها. “فايسبوك” يريد ردنا إلى زمن كنا توهمنا أن المنصة ستطيحه. لكن “فايسبوك” أقوى من نفسه، والأرجح أن يتولى هو نفسه مقاومة النزعة الرقابية التي يمارسها. وفي هذا الوقت لن نتوقع أن تكون كرمان إلى جانبنا في سعينا إلى انتزاع حقنا في النشر على المنصة.