fbpx

التونسيون العائدون من بؤر التوتر… من هم؟ ولماذا يلتحقون بساحات الجهاد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثلاثة آلاف مقاتل تونسي التحقوا ببؤر التوتر في الفترة ما بين 2011 و2014 معظمهم من الشباب الذين دفعتهم جملة من العوامل السياسية والاجتماعية لترك وطنهم للانخراط في تنظيمات ارهابية.   فما الأسباب؟.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تواجه تونس كغيرها من البلدان العربية خطر عودة المقاتلين من مناطق النزاع وما يحملونه من فكر متطرف قادر على تهديد استقرار البلاد على المدى القريب والبعيد، ما يضعها أمام تحدٍّ أمني كبير. في دراسة حديثة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، بعنوان “العائدون من بؤر التوتر في السجون التونسية” (أيار/مايو 2018)، حاول فريق البحث فهم ظاهرة التحاق التونسيين بساحات القتال وكيف تحولت تونس التي تتميز بتفتحها وبتحرر المرأة وارتفاع نسبة التعليم فيها، إلى أول مصّدر للإرهاببين في العالم العربي.   

ثلاثة آلاف مقاتل تونسي التحقوا ببؤر التوتر في الفترة ما بين 2011 و2014 معظمهم من الشباب الذين يتراوح عمرهم ما بين 25 و29 سنة، أي بنسبة 44.8 في المئة. دفعتهم جملة من العوامل السياسية والاجتماعية لترك وطنهم للانخراط في تنظيمات يبتعد فكرها كل البعد من النموذج المجتمعي في بلادهم. ويقبع حالياً في السجون التونسية 1500 سجين متورط في قضايا ارهابية.  

نشأة التيار السلفي في تونس وتطوره

تعود الدراسة إلى نشأة التيار السلفي في تونس في العشرية الأخيرة من القرن الماضي وما تعرض له من قمع واضطهاد من قبل نظام بن علي، بخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/  أيلول 2001 وأحداث تفجير الكنيس اليهودي “الغريبة” في جربة (الجنوب التونسي) سنة 2002 وبعدها أحداث سليمان في 2006 (حيث تم اكتشاف مجموعة إرهابية تنشط في ضواحي العاصمة). كل هذه الأحداث دفعت النظام إلى التضييق على التيار السلفي وشن حملة اعتقالات واسعة زجت بأكثر من 200 شاب في السجون التونسية بأحكام قضائية قاسية. دون أن يدري، وفّر النظام للتيار فرصة ذهبية للتلاقي بين مختلف أجياله وللتنظّم والإستفادة من خبرات من قاتلوا سابقاً في أفغانستان مثل أبو عياض الذي أصبح في ما بعد زعيم تنظيم “أنصار الشريعة” في تونس.

مع حلول الثورة في يناير/ كانون الثاني 2011 وسقوط نظام بن علي، انفتح الباب أمام التيار السلفي لينشط بكامل حريته، بخاصة مع صدور عفو تشريعي عام عن جميع المساجين السياسيين، في آذار/ مارس من السنة نفسها. بدأ مناصرو التيار ينظمون الخيمات الدعوية في كافة أنحاء البلاد والخطب في المساجد لاستقطاب الشباب ويعزلون الأئمة غير الموالين لفكرهم ويعينون مكانهم دعاة سلفيين. ترافق ذلك مع عودة أنصار التيار الذين كانوا في الخارج وانتموا إلى صفوف القاعدة في أوروبا وافغانستان وباكستان والعراق.

في أبريل/ نيسان 2011، أعلن سيف الله بن حسين، المكنى “بأي عياض” عن تأسيس تنظيم “أنصار الشريعة”. وهو نفسه الذي أسس في السابق، “الجماعة التونسية المقاتلة” التابعة للقاعدة. لأول مرة أصبح للتيار السلفي تنظيم معترف به ينشط بكل حرية، حتى أنه نظّم مؤتمره الأول بالقيروان في 2012 بحضور ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص.

لكن في 2013، ومع تعدد العمليات الإرهابية والتصادمات بين قوات الأمن والإرهابيين، قررت حكومة الترويكا اعتبار “أنصار الشريعة” تنظيماً إرهابياً، ليبدأ العمل في السرية من جديد ويتزايد نسق ارسال المقاتلين التونسيين إلى جبهات القتال خارج تونس.

الظروف الإقتصادية والإجتماعية الصعبة

الدراسة لا تعزو خروج الشباب التونسي إلى سوريا والعراق فقط إلى الظرفية السياسية وإنما أيضاً إلى الوضع الإقتصادي والإجتماعي. فالعشرية الأخيرة من حكم بن علي تميزت باضطرابات اجتماعية تعود أسبابها إلى انخفاض نسبة النمو الاقتصادي وازدياد نسبة البطالة التي بلغت 15 في المئة، بخاصة في صفوف المتخرجين من الجامعات وانسداد أفق التشغيل وتعطل المصعد الإجتماعي. هذا ما أدى إلى تفاقم الإحساس بالخيبة والإحباط وضعف الشعور بالإنتماء إلى الوطن والرغبة في الرحيل منه. الفكرة الغالبة عند الشباب قبل الثورة كانت الهجرة نحو البلدان الأوروبية ولكن من تم استقطابهم نحو التيار السلفي وجدوا أمامهم فرصة أخرى لتحقيق حلمهم المزدوج بإيجاد أفق اقتصادي وإحياء الشعور الديني عندهم بعد سنوات التصحر خلال فترة الدكتاتورية.

ملامح شخصية المقاتل التونسي

حاولت الدراسة أيضاً رسم ملامح شخصية المقاتل التونسي من خلال العينة التي تم استجوابها والمتكونة من 82 سجيناً، حيث توصلت إلى أن معظم المقاتلين لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين سنة وهم من “أنصاف المتعلمين” (87.9 فس المئة) أي الذين لم يزاولوا تعليماً جامعياً وانقطعوا عن الدراسة في المرحلة الثانوية (43.1 في المئة) وفي المرحلة الابتدائية (24.1 في المئة). كما أن غالبيتهم ليسوا متزوجين (74.1 في المئة) مما يسهل انتقالهم إلى الخارج. أثبتت الدراسة كذلك أن 87.9 في المئة يمتهنون أعمالاً يومية بسيطة الأجر و6.9 في المئة عاطلون من العمل، إلى جانب أن 3.4 في المئة طلبة تعليم جامعي و1.7 في المئة تلاميذ. كذلك لم يخفي المستجوبون استهلاكهم للمخدرات قبل التحاقهم بالتنظيمات الإرهابية حيث بلغت نسبة المستهلكين 63.8 في المئة.

ويشترك المستجوبون من السجناء في خطوط عامة من حيث تفكيرهم، أهمها كرههم للدولة وشعورهم بعدم الانتماء إليها لأنها تمثل السلطة التي تقمعهم من دون أن تحقق لهم الرخاء والعدالة الاجتماعية المرجوين. هناك ايضا إحساسهم بالانتماء للعائلة وللحي أكثر من انتمائهم للوطن، والنظرة الدونية للمرأة التي يتم تحميلها المسؤولية في ارتفاع نسبة البطالة لدى الرجال، لذلك وجب، بحسب رأيهم، أن تعود لدورها الطبيعي كزوجة وأم داخل البيت. وهو تفكير رجعي يقطع مع المشروع المجتمعي التونسي الذي يدعم حرية المرأة ومشاركتها في الحياة العامة في مساواة تامة مع الرجل.

خلصت الدراسة في الأخير إلى أن التصدي لظاهرة التطرف والإرهاب يقتضي عدم الاقتصار على المقاربة الأمنية والاستخباراتية التي، وإن تحنست كثيراً في تونس، فإنها لا تكفي لإقلاع حذور هذه الظاهرة. ويبقى الخوف الأكبر من “مأسسة الفكر المتطرف وتجذره في المجتمع التونسي، ما يمثل تهديداً للهوية التونسية وللنمط المجتمعي التونسي وللنظام السياسي ولوحدة تونس كما يمثل خطراً على الأجيال المقبلة”. لذلك تقترح الدراسة العمل على إعادة تأهيل السجناء العائدين من بؤر التوتر وتوعية أسرهم، إذ تمثل العائلة الحاضنة المباشرة له، إلى جانب العمل على تطوير المنظومتين التعليمية والدينية من أجل التوقي من الفكر المتطرف.