fbpx

لا يرى المصريون سواه :لماذا يبدو محمد صلاح فريداً بين اللاعبين العرب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يلتفت المصريون إلى أي لاعب في منتخب بلدهم، الذي سيشارك في مونديال روسيا بعد أيام، بخلاف محمد صلاح. نجم واحد لا ثاني له في الشارع المصري، على رغم وجود 16 لاعباً مصرياً محترفاً آخرين فما السبب؟؟.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يلتفت المصريون إلى أي لاعب في منتخب بلدهم، الذي سيشارك في مونديال روسيا بعد أيام، بخلاف محمد صلاح. نجم واحد لا ثاني له في الشارع المصري، على رغم وجود 16 لاعباً محترفاً آخرين في القائمة المبدئية التي اختارها المدير الفني للمنتخب هيكتور كوبر قبل أيام، وبينهم 9 يلعبون في أندية أوروبية، واثنان في ناديين أميركيين، وواحد في فريق تركي، والباقون في أندية عربية.

وحده صلاح الذين يولع المصريون به، على رغم فوز لاعبين مصريين آخرين بجائزتي أفضل لاعب في الدوري اليوناني (عمرو وردة)، وفي الدوري التركي (محمد حسن تريزيجيه)، مثلما فاز هو بجائزة مماثلة في الدوري الإنكليزي “البريمبير ليج). لا يذكرون اسماً غيره، على رغم أن لاعباً مصرياً آخر هو محمد النني يحظى بمكانة كبيرة أيضاً في ناديه “أرسنال”، وفي الدوري الإنكليزي.

كثير من العرب غير المصريين يتابعون صلاح أكثر من غيره، على رغم وجود محترفين جزائريين ومغاربة كبار في أندية أوروبية، مثل كريم بنزيمو، وياسين براهيمي، وفوزي غلام، وحكيم زياش.

يلقى صلاح اهتماماً لم ينل لاعب عربي مثله في أي وقت لأسباب لا تقتصر على نجوميته الفائقة في عالم كرة القدم. قصة كفاحه، التي ذاع صيتها، تجلب له مزيجاً من التعاطف والاحترام، وتجعله مثلاً أعلى لملايين الشباب الذين لا يجدون فرصة للتحقق. تكوينه الشخصي الذي يجمع البساطة والتواضع، والكبرياء وعزة النفس، في آن معاً، يضفي عليه جاذبية تتجاوز نجوميته الرياضية. كرمه، وإغداقه على أبناء قريته وآخرين يلجأون إلى والده لمساعدتهم أو إنقاذهم، يرسم له صورة يفتقدها المصريون، وكثر من العرب الآخرين، عند الأثرياء الذين لا يملك هو إلا القليل حين يُقارن دخله بثرواتهم.

كان تألق محمد صلاح، الذي بدأ عندما التحق بنادي روما في موسم 2016 – 2017، وبلغ ذروته منذ أن انتقل منه إلى فريق ليفربول، وما زال، العامل الرئيسي الذي يجعله مختلفاً عن غيره من اللاعبين العرب الذين يُعدون نجوماً في عالم كرة القدم. لا يُقارن صلاح بأي منهم، بل بأكبر الكبار اليوم، مثل البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعب ريال مدريد، والأرجنتيني ليونيل ميسي لاعب برشلونة، والبرازيلي نيمار لاعب باريس سان جيرمان، والإنكليزي هاري كين لاعب توتنهام، والإيطالي جيانلويجي بوفون لاعب يوفيتوس.

لا يُباهي المدير الفني لأي من الأندية الكبيرة التي يلعب فيها لاعبون محترفون عرب بأي منهم باستثناء يورجين كلوب الذي قال عن صلاح إن نادي ليفربول فخور به، مثلما يقول زين الدين زيدان المدير الفني لنادي ريال مدريد عن لاعبه رونالدو إنه الأفضل في العالم. وقال كلوب أيضاً عن صلاح: “إن ما يفعله في الملعب يدلنا على السبب الذي جعله يحتكر جوائز هذا الموسم 2017-2018 كلها. لقد أصبح ظاهرة في الكرة الإنكليزية”.

وحده صلاح، بين اللاعبين العرب، حصد ست جوائز في موسم واحد، وآخرها “الحذاء الذهبي” لبطولة الدوري الإنكليزي متفوقاً على كبار فيه، وبخاصة منافسه الأول كيفين دي بروين، فضلاً عن هاري كين، ورحيم سترلينغ، وديفيد دي خيا. وفضلاً عن جائزة أفضل لاعب في ليفربول وفق اختيار زملائه وتصويت الجمهور، حصل على “جائزة رابطة اللاعبين المحترفين في إنكلترا”، و”جائزة رابطة النقاد الإنكليز”، فضلاً عن “جائزة هيئة الإذاعة البريطانية” “بي.بي.سي” لأفضل لاعب في أفريقيا.

وهو، أيضاً، أول لاعب عربي يُجري الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” استطلاعاً في موقعه الرسمي حول احتمال حصوله على لقب هداف مونديال روسيا عبر السؤال: هي سيكون صلاح هداَّف المونديال في روسيا؟.

وهو وحده، كذلك، أول لاعب عربي يُغني له مطرب الراب الفرنسي المعروف لافويني، ويُحقق فيديو كليب الأغنية ملايين المشاهدات منذ بثه في 11 مايو/ أيار 2018.

وفضلاً عن هذا التألق الرياضي المشهود، يعود تفرد صلاح بين اللاعبين العرب إلى قصة كفاح مُلهمة. فقد تغلب على ظروف بالغة الصعوبة، وهو الذي نشأ في أسرة متواضعة في بلدة صغيرة في الدلتا المصرية، ولم يتمكن من إكمال تعليمه، وكان عليه أن يسير وسط صخور يُحطم أقل منها بكثير أحلام شباب مصريين كل يوم، إلى أن نجح وأصبح اللاعب الأول في إنكلترا.

خلق تألقه، وولع الملايين به، شغفاً لمعرفة قصة كفاحه. ويسرت شفافيته فرص التعريف بها على أوسع نطاق. وأتاح ارتباطه الشديد ببلدته الريفية لعدد كبير من الصحافيين زيارتها للتنقيب عن تفاصيل قصته، فعرف الملايين كل شيء عنه. ما نُشر وبُث عنه لم يحدث مثله حتى الآن مع لاعب عربي آخر. وكثيرة المقاهي والأماكن العامة والخاصة التي تُعلق صوره على جدرانها، وكذلك الدكاكين الصغيرة والمراكز التجارية الكبيرة التي تُباع فيها “تي شيرتات” عليها إحدى ثلاث من هذه الصور التي يُفضلها محبوه، والتُقطت كلها له وهو يعبر عن بهجته بأهداف أحرزها.

ولكن الأهم من صوره الفوتوغرافية المنتشرة على نطاق واسع، صورته المرسومة في أذهان محبيه، صورة الشاب المكافح الناجح المتواضع الذي لم تُغيره شهرة ونجومية بلا حدود، ولم يُنسه الصعود الطبقي الكبير والسريع بلدته الفقيرة التي تبرع بملايين الدولارات لتحسين مستوى الحياة فيها، ومساعدة شبابها، في الوقت الذي يمد يد العون إلى غيرهم أيضاً بمقدار ما يستطيع.

ولم يكفه النجاح الكبير الذي حققه للتحرر من الصرامة الشديدة التي أخذ نفسه بها في مشواره. فهذا المدير الفني لنادي ليفربول يشيد، في نهاية الموسم الأخير، بنمط حياته، وانضباطه الشديد، ويقول عنه إنه مثال يُحتذى به في ميلوود (مركز تدريبات ليفربول)، إذ يعطي دروساً للجميع في كيفية الالتزام بنظام دقيق وشديد الانضباط.

كما لم يغرّه بريق السلطة السياسية التي فتحت ذراعها لاحتضانه، ومن ثم  لاحتوائه، فظل حريصاً على استقلاله والمحافظة على مسافة معقولة منها، ولذا حظي بحب مؤيديها ومعارضيها وإعجابهم، على حد سواء، الأمر الذي يندر مثله في حال الاستقطاب السياسي الشديد في مصر اليوم. وعندما واجه أزمة مع الاتحاد المصري لكرة القدم، الذي اتفق مع إحدى الشركات على استغلال صورته بطريقة مخالفة للعقد الذي وقعه مع شركة منافسة لها، كان الجميع تقريباً في صفه، بمن فيهم مؤيدون للسلطة يتسابقون إلى مساندتها طول الوقت.

إنه الإنسان المُلهم، الذي صار أيقونة، لا اللاعب المتألق فقط. هذه الصورة تجعل صلاح مختلفاً عن أي لاعب عربي، وتدفع كثيرين في مصر إلى اختزال منتخب بلدهم فيه. فلا يكاد المولعون به يرون لاعباً آخر غيره، وكأن المنتخب المصري يتكون من لاعب واحد وعشر خشبات!