fbpx

كيف أدارت الحكومة التونسية “صفقات” الكوفيد-19 ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على الرغم من أن السلطات التونسية قد اتخذت قرار الرفع التدريجي للحجر الصحي الإجباري استنادا على خطة توفير 30 مليون كمامة لحماية جميع المواطنين و 400 ألف من التحاليل السريعة لتقصي الإصابات بفيروس كوفيد-19، قبل موعد 4 مايو، إلا أن هذه الخطة لم يتم احترامها ما يعرض حياة المواطنين لخطر انتشار العدوى مع قدوم موجة ثانية من الفيروس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


تتبعت معدة التحقيق صفقة شراء الحكومة التونسية للتحاليل السريعة وعاينت مسار إنتاج وتوزيع الكمامات ومدى توفرها أثناء الرفع التدريجي للحجر الصحي منذ 4 مايو 2020. ووثقت تضارب معلومات وأدلة على اختلالات في تنفيذ صفقة التحاليل السريعة وعدم تطابق الكمامات المتوفرة في الأسواق مع المواصفات الحكومية.

الدكتورة نصاف بن علية، المديرة العامة لمرصد للأمراض الجديدة والمستجدة أكدت لنا أن تونس لم تتلق شحنة تحاليل سريعة من الصين وأنها حصلت فقط على هبة صينية عبر المركز الأفريقي لمراقبة الأمراض، تمثلت في مجموعة من التحاليل المخبرية rt/pcr وليست تحاليل سريعة.

صفقة 400 ألف تحليل أحاط بها غموض ولم يتم الكشف عن تفاصيلها، خاصة فيما يتعلق بهوية الشركات التي فازت بالعرض ولا عن تواريخ وصول الشحنات. وعلى الرغم من إعلان مدير عام الصيدلية المركزية عن أن تونس ستتسلم الشحنة من شركتين أوروبية، فرنسية – سويسرية، وأخرى كورية جنوبية، إلا أن الصيدلية المركزية لم تنشر لا على موقعها الرسمي ولا على موقع الصفقات العمومية أسماء الشركات والأثمان.

يأتي هذا في مخالفة لما جاء في منشور رئيس الحكومة عدد 10 لسنة 2020 في 31 مارس/آذار 2020 والذي وضع إجراءات “استثنائية” حول تنفيذ الصفقات العمومية خلال فترة الكورونا، حيث تم التأكيد على ضرورة نشر محاضر فتح الظروف فيما بعد، سواء على موقع مرصد الصفقات العمومية، أو الموقع الخاص بمنظومة الشراءات العمومية tuneps أو أية وسيلة إشهار أخرى. وفي خصوص وصول شحنة 400 ألف تحليل من عدمها، تفيدنا الدكتورة يسرى قرقني عن وزارة الصحة بتاريخ 5 جوان/ حزيران بـ”أن الشحنة تقريبا وصلت” دون أن تعطي تفاصيل اضافية.
وبيّنت أن الشحنة تتكون من 200 ألف تحليل antigéniques وهي تحدد الجينات والمستضدات لكريات الدم البيضاء البشرية. و 200 ألف تحليلanticorps وهي خاصة بالتحقق من وجود الأجسام المضادة للفيروسات. وعن أسماء الشركات التي تم اقتناء التحاليل منها، رفضت قرقني الرد.

المسار الزمني للصفقات الحكومية

28 مارس 2020

نشرت الصيدلية المركزية التونسية طلب استشارة دولي بخصوص شراء تحاليل سريعة لكوفيد-19، وحددت كميتها ب400 ألف تحليل، وآجال انتهاء الإستشارة بتاريخ 31 مارس، أي أنها فتحت العرض لمدة أربعة أيام فقط.

3 إبريل 2020

التضارب في التصريحات حول التحاليل السريعة برز أيضا فيما يخص مصدرها، حيث أعلن وزير الصحة في ذلك الوقت، عبد اللطيف المكي أن تونس ستتسلم شحنة من التحاليل السريعة من الصين، في إشارة إلى 400 ألف تحليل سريع المبرمج اقتناؤها.

27 إبريل 2020

هذه الكميات لم تصل قبل بداية الرفع التدريجي للحجر، وفق ما صرح به عضو في لجنة مجابهة الكورونا لوكالة تونس افريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية

قبل 4 مايو 2020

وقد أشار إلى أن ما تم استخدامه قبل 4 مايو، تمثل في كمية صغيرة من التحاليل استلمتها تونس في شكل هبة وذلك للشروع في تجربتها في إطار التقصي بشأن فيروس كورونا.

4 مايو 2020

في حين صرّح خليل عموص، مدير عام الصيدلية المركزية في 4 ماي/آيار، تاريخ اليوم الأول من الرفع التدريجي للحجر الصحي أن الشركتين اللتين اشترت منهما الصيدلية 400 ألف تحليل هما واحدة أوروبية “سويسرية-فرنسية والثانية كورية جنوبية. ولم يأت على ذكر أي شركة صينية.

في ظل غياب معلومة دقيقة، تقدمت معدة التحقيق بمطالب نفاذ إلى المعلومة لكل من الصيدلية المركزية وللهيئة الوطنية للطلب العمومي. لكنها لم تتلق ردودا رغم انقضاء الآجال القانونية، مما جعلها تقوم برفع دعاوى ضد المؤسستين المذكورتين، في انتظار البت فيها.

قامت معدة التحقيق بتقصي مجموعة من التحاليل المستخدمة في 5 مستشفيات حكومية هي المستشفى العسكري وشارل نيكول و عبد الرحمان مامي في تونس العاصمة و الحبيب بورقيبة في صفاقس وفرحات حشاد في سوسة، للتعرف على نوعية التحاليل السريعة التي يتم استخدامها في المستشفيات.

وتبين وفق الصور التي مدتنا بها مصادر طبية نتحفظ عن الكشف عن هويتها، لحساسية موقفها، أن وزارة الصحة استخدمت تحاليل مخبرية من نوعية PCR ولم تستخدم التحاليل السريعة في المستشفيات كما صرح المكي في 3 أبريل الماضي، حيث قال أنه سيتم استخدامها في المستشفيات في مرحلة أولى.
في الأسبوع الثالث من رفع الحجر الصحي، رصدت معدة التحقيق مجموعة من التحاليل السريعة التي تم استخدامها بمناسبة عودة تلاميذ الباكالوريا (الثانوية العامة) إلى مقاعد الدراسة في 26 و27 من ماي/آيار المنقضي، وقع استخدامها في مدارس كل من محافظات قفصة (الجنوب الغربي لتونس) و المنستير (الساحل التونسي)، والملفت للانتباه أنها منتجات صينية من شركة Sinocare.

عند مواجهتنا لنصاف بن علية بخصوص التحاليل الصينية التي رصدناها، كان ردها “أن ذلك صحيح وأن التحاليل التي رصدتها معدة التحقيق قد تكون صينية لكنها أكدت أن تونس لم تتسلمها بصورة مباشرة من دولة الصين، بل قد تكون أتت في شكل هبات من دول مختلفة”.
وأضافت أن التحاليل السريعة الصينية التي رصدتها معدة التحقيق هي من المخزون السابق، أي قبل الشروع في استخدام الكميات التي اشترتها من 400 ألف تحليل”.

تواصلت معدة التحقيق مع شركة sinocare الصينية وسألتها عن الكميات التي زودت بها تونس من التحاليل السريعة وتواريخ وصولها ولكنها لم تحصل منها على رد. كما تواصلت مع شركة NOBELEBIO الكورية الجنوبية في خصوص التحاليل المخبرية، وافادها أحد ممثلي الشركة أنه لم يتم التعامل مع الدولة التونسية بشكل مباشر ولم تكن هناك صفقة. وانه ربما أحد الوسطاء هو من باع للحكومة التونسية تحاليل PCR.

رصدت معدة التحقيق في نفس الفترة المذكورة نوعية تحاليل سريعة ثانية من شركة فرنسية تدعى Biosynex في محافظة قبلي (الجنوب الغربي لتونس)، استخدمت في تقضي الإصابة بالفيروس بالنسبة للطلبة الوافدين على المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي.
كما أن التلفزة التونسية (التلفزيون الرسمي) بثت تقريرا مصورا، بتاريخ 2 جوان/حزيران يظهر استخدام تحاليل سريعة من شركة Biosynex لفائدة طلبة وأساتذة بمحافظة منوبة/بالعاصمة التونسية.

من الجدير بالذكر هنا هو أن رياض زيان، مدير عام شركة “GS santé” الممثل الرسمي لمخبر BIOSYNEX في تونس صرح يوم 25 مارس، في إذاعة اكسبراس اف ام الخاصة بأن الدولة التونسية أُعجبت بهذا المنتوج بعد أن قامت الشركة بإطلاعها عليه وأنها اختارته “مبدئيا” للتعامل به. وفق ما أدلى به في المقابلة الإذاعية.

جاء هذا التصريح ثلاثة أيام فقط قبل أن تنشر الصيدلية المركزية التونسية للعموم طلب استشارة العروض لشراء 400 ألف تحليل سريع بتاريخ 28 مارس.

اتصلت معدة التحقيق برياض زيان للحصول على معلومات إضافية حول هذا الموضوع. وقد قال هذا الأخير: “قمنا في بادئ الأمر بعرض منتوجنا على وزارة الصحة، و أبدينا استعدادنا للتعامل معهم، ثم تلقينا دعوة في 20 مارس، من اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا، وكانت حاضرة فيها الدكتورة نصاف بن علية، وطلب منا أعضاؤها أن نعطيهم فكرة عن منتوجنا الخاص بالتحاليل السريعة وطرحوا علينا بعض الأسئلة التقنية. كان في اللجنة أكثر من 20 شخصا، وقد أعجبوا بمنتوجنا وأخبرونا أن بإمكانه أن يكون حلا للأزمة”.
بعدها، شاركت Biosynex ، حسب زيان، في طلب العروض الذي نشرته الصيدلية المركزية و”كان عدد المشاركين 108 وكنا نحن آخرهم، حيث كان رقمنا 108″. وقد قدمت عرضا ب 200 الف تحليل سريع يبلغ سعر الواحد 15 دينارا (5 دولارات وربع تقريبا). وربح العرض.

تصريح زيان لمعدة التحقيق يبين تضاربا واضحا بين ما صرح به مدير الصيدلية المركزية تحت قبة البرلمان بأن عدد المتقدمين للعرض هم 107 وليس 108. ليطرح هنا السؤال لماذا أخفت الصيدلية المركزية رقم “108”. تقدمنا بمطلب كتابي لمقابلة مدير الصيدلية المركزية لكننا لم نتلق ردا.

وبمواجهة معدة التحقيق لزيان بخصوص اتفاق مسبق مع الدولة لشراء منتجهم حتى قبل نشر طلب العروض. نفى ذلك وصرّح، أن الدولة التونسية كانت ترغب بعد صفقة 200 ألف تحليل، في شراء 500 ألف تحليل سريع من هذا المنتوج، حيث قال : “تواصلت وزارة الصحة مع السيد توماس لامي Thomas Lamy، المدير العام لشركة Biosynex وقالت له نحتاج 500 ألف تحليل إضافي ونرجو الإبقاء على نفس سعر الصفقة الأولى أي 15 دينارا للتحليل الواحد. كما قالت أيضا أنها من المحتمل أن تنشر قريبا طلب عروض ب 500 الف تحليل سريع لذلك “جهزوا أنفسكم”.

في نفس السياق، صرّح Thomas Lamy في الثالث من أبريل، في جريدة L’Opinion المغربية أن وزارة الصحة التونسية طلبت من شركته تصنيع 500 ألف تحليل سريع. ولكن حسب الزيان فإن هذه الصفقة ألغيت لأن الآجال التي أعطيت لهم للتسليم كانت قصيرة، مقارنة بالطلب الكبير على منتوجاتهم من عديد البلدان في العالم.

بحثت معدة التحقيق أيضا عن أصول شركة Biosynex وتبين أنها فرنسية مسجلة بستراسبورغ ولها فرع ايضا في سويسرا وألمانيا وفق الوثائق التي تحصلت عليها.

وتعليقا على تصريحات رياض زيان، يبين الخبير في الصفقات الحكومية، شرف الدين اليعقوبي أنه بما أنه هناك 108 مشارك في طلب العروض العمومي للتحاليل السريعة، وجب التساؤل حول جدوى اختيار شركة Biosynex دون غيرها.


“لأن هذا الرقم المهم يدل على أن التحاليل السريعة متوفرة في السوق وقتها وغير شحيحة” بحسبما قال لمعدة التحقيق. لذلك فالأمر الوحيد الذي يعلل اختيار الصيدلية المركزية لـbiosynex دون سواها، هو مقارنة المعايير التقنية لمنتوج الشركة مع شركات اخرى، فان كانت المعايير التي وضعت في الشروط الأولية لا تتوفر إلا في منتوج Biosynex، وقتها يمكن الجزم أن الصفقة معمولة على المقاس شركة بعينها. كما استغرب اليعقوبي إبرام الصيدلية المركزية التونسية صفقة في أوائل أبريل الماضي مع شركة لم تتحصل حتى على موافقة البلد الذي تصنع فيه، وهو حال Biosynex. حيث صرح ممثلها زيان بأن منتوج Biosynex الخاص بالتحاليل السريعة يباع داخل التراب الفرنسي في شهر مارس، في حين أن وزارة الصحة الفرنسية لم تصادق على ترويجه في فرنسا إلا في 22 مايو 2020

صفقة التحاليل السريعة المذكورة حامت حولها “شبهة فساد” لا سيما في خصوص الآجال التي نشر فيها طلب الإستشارة لاقتناء 400 ألف تحليل سريع، وطريقة تعاطي الصيدلية المركزية مع الموضوع بعد الامتناع عن نشر نتائج الصفقة والتعريف بهوية الشركات التي فازت بها.
تلقت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 20 ابريل إشعارا عن شبهة تلاعب في صفقة شراء التحاليل السريعة.

تفيدنا ألفة الشهبي، مديرة عامة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أنه حسبما جاء في الإشعار فإنّ الآجال التي فتحت فيها طلب عروض استشارة دولية في4 أيام فقط، تضمنت يوما عطلة وهما السبت والأحد. وبالتالي لم يتسن لكل الشركات تحضير الوثائق الإدارية والمالية المطلوبة لعروضهم والاطلاع بشكل معمق على فحوى الاستشارة. وتشير الشهبي كذلك إلى أن طلب العروض المذكور جاء وكأنه موجّه لشركة بعينها، كانت تملك معلومة ممتازة عن الصفقة. كما أن عدم نشر نتيجة طلب العروض وإشهار أسماء الشركات الفائزة به يزيد من الشكوك حولها.

يفيدنا الخبير في الصفقات الحكومية، شرف الدين اليعقوبي، أنه عادة ما يخصّ طلب عروض الاستشارات الحكومية، كميات ومبالغ صغيرة لا تتجاوز 70 ألف دينار تونسي (24 ألف دولار أمريكي)، وفق الفصل39 من الأمر عدد 2551 لسنة 2004 المتعلق بالصفقات الحكومية التونسية. في حين أن الاستشارة المذكورة تضمنت طلب عروض حول 400 ألف تحليل سريع، هو عدد ضخم يثير عدة تساؤلات حول طريقة التعاطي مع هذه الصفقة.

غموض حول “صفقة” ثانية للتحاليل السريعة

الغموض بشأن التحاليل السريعة ومدى صحة خبر وصولها من عدمه لم يتوقف عند صفقة 400 ألف تحليل بل تكرر في صفقة ثانية لم تنشر تفاصيلها الكاملة للعموم، حيث صرح وزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي في 19أبريل عن “طلبية بمليوني تحليل سريع سوف تكون على ذمة التونسيين في ظرف يومين”، إلا أنها لم تصل.

في غرة ماي/ آيار، أي ثلاثة أيام قبل الدخول في الرفع التدريجي للحجر الصحي، نشرت الصيدلية المركزية طلب عروض جديد لشراء كمية إضافية من التحاليل السريعة لم تحددها في الطلب، ولكنها حددت تاريخ انتهاء آجاله ب 15 مايو المنقضي.

انتهت الآجال ولم يتم الإعلان على نتيجة الصفقة على موقع الصفقات العمومية، لكن رئاسة الحكومة التونسية نشرت في نفس التاريخ بعضا من المعلومات عن مقتنيات الصيدلية المركزية من معدات الوقاية في فترة مجابهة، كوفيد-19 وكان فيها مبلغ طلب عروض متعلق بشراء مليون و600 ألف تحليل سريع، والمقدر ب 32 مليون دينار تونسي (ما يعادل 11 مليون دولار أمريكي).

توجهنا بتاريخ 5 يونيو للدكتورة يسرى قرقني عن وزارة الصحة لسؤالها عن تفاصيل هذه الصفقة الجديدة، وأفادت بأن “الصيدلية المركزية نشرت طلب العروض، لكنها ليست مستعجلة على دراسة العروض، ولم تفتحها بعد”.

يذكر أن معدة التحقيق قد تقدمت بطلبات في النفاذ إلى المعلومة إلى الهيئة العليا للطلب العمومي والصيدلية المركزية في خصوص تفاصيل طلبات العروض المذكورة سلفا، الأولى والثانية، إلا أنها لم تتلق ردودا، مما اضطرها إلى رفع دعاوى لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة ضد المؤسستين المذكورتين، لم يتم البت فيهما بعد.

فضيحة “صفقة الكمامات” أربكت مسار تصنيعها وتوزيعها

وعدت تونس أيضا بتوفير الكمامات بالشكل الكافي قبل الفتح التدريجي للحجر ولكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع وهو ما يرصده هذا التحقيق. كان هناك كذلك تضارب في التصريحات ومضامينها حول الكميات المتوفرة منها وأسعارها ومدى احترامها للمعايير التي وضعتها الدولة.

تضارب التصريحات الحكومية

6 إبريل 2020

4صرّح خليل عموص، مدير عام الصيدلية المركزية التونسية، بأنه ﺳﻴﺘﻢ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺣﻮﺍﻟﻲ 30 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻛﻤﺎﻣﺔ ستكون متوفرة ﻗﺒﻞ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ .

11 إبريل 2020

وكانت وزارتا الصحة والصناعة قد نشرتا  بدورهما ، بلاغا مشتركا حول شروط تصنيع “كمامات واقية معدة للاستعمال الغير الطبي من قبل المصنعين والحرفيين”. 
وعلى الرغم من تزايد الطلب على الكمامات مع بداية الرفع التدريجي للحجر الصحي،إلا أنها لم تكن متوفرة بالشكل الكافي.

1 مايو 2020

أي ثلاثة أيام قبيل رفع الحجر، صرّح نائب رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، نوفل عميرة، أن 30 مليون كمامة غير موجودة في الأسواق” واستبعد توفرها

4 مايو 2020

في حين، أكد وزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي ، تاريخ اليوم الأول من رفع الحجر الصحي التدريجي، ضخ 4 ملايين كمامة ذات الاستعمال الوحيد بسعر 500 مليم (اقل من ربع دولار) قادمة من الصين، ومدعومة من الدولة، إلا أن هذه الكمية لم تصل إلى جل الصيدليات في العاصمة.

أنواع الكمامات

في 20 ماي/آيار، أي بعد 16 يوما من انقضاء المدة الأولى من الرفع التدريجي للحجر الصحي (4-24 ماي/أيار)، زارت معدة التحقيق 5 صيدليات في العاصمة تونس وضواحيها وذلك حتى تعاين مدى توفر الكمامات بشكل عام بنوعيها الصينية “المدعمة” والقابلة للغسل “غير المدعمة”. وكانت الإجابة من 5 صيدليات أن “الكميات المدعمة نفدت منذ الأسبوع الأول من الرفع التدريجي للحجر الصحي ولا نملكٌ مخزوناً من الكمامات القماشية متعددة الاستعمالات”.

عاودت معدة التحقيق الزيارة لنفس الصيدليات في اليوم الموالي، لترى إذا ما تم تزويدها بالكمامات بنوعيها الاثنين، لكنهم أبلغوها أنهم لازالوا في انتظار “مرور أعوان الصيدلية المركزية” أو أحد المزودين الخاصين للتزود بها، وأنهم ربما، سيقومون بتوفيرها “بطريقتهم الخاصة” دون أن يشرحوا كيفية ذلك.

من جهته، أكد لها رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، مصطفي العروسي أنه منذ 22 ماي/آيار، نفدت الكمامات ذات الاستعمال الوحيد المسعرة بـ 500 مليم (أقل من ربع دولار واحد)، عند المزودين بالجملة وفي جل الصيدليات.

إلى حدود 21 ماي /آيار، بدا المشهد الخاص بعملية إنتاج الكمامات ومسالك توزيعها على الصيدليات الخاصة ضبابيا، حيث كان من المفروض أن تقوم الصيدلية المركزية التونسية بتزويدها بها ولكن ذلك لم يحصل.
في منطقة نهج المهرجان، في قلب العاصمة التونسية، تبعد صيدلية الدكتور علاء (اسم مستعار) أمتارا قليلة عن المقر الرئيسي للصيدلية المركزية التونسية في حين يبدو أن التواصل معها غير متاح. يقول الصيدلاني: “منذ منتصف أفريل/نيسان لم تتواصل الصيدلية المركزية معنا ولم تخبرنا بما تنوي فعله، انتظرنا كل هذه المدة على أساس أنها هي من تزودنا بالكمامات مثلما صرَّح به مديرها ، لكن هذا لم يحدث و اضطررنا إلى التعامل مع المصنعين مباشرة وليس حتى المزودين بالجملة، وشراء الكمامات منهم، نظرا للطلب الكثيف عليها”.

فضيحة “صفقة الكمامات” التي أثارت الرأي العام في تونس كان لها انعكاساتها على سياسات الدولة فيما يخص إدارة ملف الكمامات فيما بعد. فقد كانت خطة الحكومة في البداية أن تشتري الصيدلية المركزية الكمامات متعددة الاستعمالات من المصنعين الذين سيتحصلون على موافقة التصنيع، وتقوم هي بتوزيعها بصفة حصرية على الصيدليات الخاصة فيما بعد. لكن هذا لم يحدث. وفُتح الباب للخواص لصنع الكمامات وبيعها مباشرة للصيدليات والمحال التجارية، ممّا أحدث ارتباكا في مسالك التوزيع.

يذكر أن وزير الصناعة، صالح بن يوسف اتصل هاتفيا يوم 7 أفريل بالنائب، جلال الزياتي، عن كتلة الإصلاح الوطني، وهو صاحب مصنع مستلزمات الطبية، وطلب منه تصنيع 2 مليون كمامة حتى تشتريها منه الحكومة وتزود بها الصيدلية المركزية التي بدورها ستزود الصيدليات الخاصة، إلا أنه تمّ التفطن إلى مخالفة هذه العملية للقانون ووجود شبهة “تضارب مصالح.” حيث تلقت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد 11 تبليغا في هذا الخصوص.

تفيدنا الفة الشهبي، المديرة العامة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن الملف المحال للقضاء لم يبت فيه إلى حد الآن.
في هذا الصدد، يُبيّن رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، مصطفى العروسي، أن الحكومة تراجعت عن اتفاقياتها السابقة مع نقابة الصيادلة والمصنعين.
ويعزو ذلك إلى أن “قضية الكمامات” جعلت الجميع خائفا من الإنخراط في منظومة قد تخلق لهم مشاكل شفافية وتهم بشبهات فساد ومحاباة، ليتسبب ذلك في تأخر مسار التصنيع والتوزيع”.

كمامات غير مطابقة للمواصفات ولا رقابة عليها

عدا مشكلة الاضطراب في تزويد الصيدليات بالكمامات، كان هناك إشكال آخر وهو عدم تطابق الكمامات التي تباع فيها مع المواصفات التي وضعتها وزارة الصناعة.

قامت معدّة التحقيق بشراء 3 عينات من الكمامات من صيدلية علاء، بدت من الخارج مطابقة جزئيا للمواصفات التي أعلنت عليها وزارة الصناعة في بلاغ لها. وقد جاء فيه أن كل كمامة يجب أن تكون مغلفة بكيس بلاستيكي، يحمل ملصقا فيه اسم الشركة المصنعة والرمز الوحيد الخاص بتقرير المطابقة والتعريف بالمنتج “كمامة واقية معدة للاستعمال غير الطبي” وتركيبة مكونات الكمامة ومدة الاستعمال اليومي القصوى: 4 ساعات، وطريقة العناية بالمنتج بعد كل استعمال والعدد الأقصى لعمليات الغسيل المخوّلة.

لاحظنا أن الكمامات التي اشتريناها لم تكن تحمل سوى ملصق فيه عنوان الشركة المصنعة ورقم هاتفها.
أخذنا هذه العينات إلى صاحب شركة مصنعة للكمامات، فهمي سكري، صاحب شركة “كاميليا”، الذي أفادنا بأن تلك العينات غير مطابقة للمواصفات من حيث طريقة تصنيعها، وأنه بصدد تقديم شكوى في خصوصها للمركز الفني للنسيج، المسؤول عن إعطاء شهادات المطابقة للمعايير في ما يخص صنع الكمامات. وذلك لأن تلك العينات تباع في صيدلية موجودة على بضع أمتار من مقر الصيدلية المركزية التونسية، دون أن تحرك هذه الأخيرة ساكنا. يستنكر فهمي ذلك قائلا: ” هذه الكمامات غير مطابقة للمواصفات وأنا أشك في حصولها على شهادة المطابقة من المركز الفني للنسيج. يكفي مقارنتها مع الكمامات التي نصنعها. من غير المعقول أن تزاحمني شركة مصنعة لا تحترم المواصفات وتبيع منتجاتها في الصيدليات الموجودة في نفس المنطقة التي توجد بها شركتي (منطقة المنزه وسط العاصمة). لذلك فقد قدمنا شكوى في الغرض للمركز.”

ولكن المدير العام للمركز الفني للنسيج، سليم جموسي، أكد لنا أن “مهمة المركز تقف عند منح شهادات تطابق عينات الكمامات مع المواصفات من عدمها”، مبيّنا أنه وعلى الرغم من تلقيه عديد الشكاوى في هذا الخصوص، إلا أنه لا يملك سلطة رقابية على المصنعين ولا على البائعين من صيدليات ومحلات تجارية.

ويشير الجموسي إلى أن “على المُصنِّع أن يقدم عينات من الكمامات التي يرغب في تصنيعها حتى يتم تحليلها في مخابر المركز وتتم معاينة مدى تطابقها مع كراس الشروط. ويكون الردّ إما بتسليم تقرير مطابقة للمواصفات أو عدم مطابقة، وفي الحالة الثانية، من المفروض أنه يمنع من التصنيع”، على حد قوله.

أردنا التأكد من مدى انتشار ظاهرة عدم احترام المواصفات في مسألة تصنيع الكمامات فقررنا في 26 مايو زيارة 5 صيدليات أخرى في وسط العاصمة، وذلك في كل من ألان سافاري والبلفيدير وشارع الحرية، ونهج فلسطين.
وقد وثقنا بيع كمامات غير مغلفة بأكياس بلاستيكية يتم لمسها دون وقاية اليدين من قبل العاملين بالصيدليات، وأخرى مغلفة لكن دون ملصقات ولا يوجد عليها اسم المُصنِّع ولا رقم شهادة المطابقة ولا عنوان المصنع أو هاتفه. علاوة على ذلك، لاحظت معدة التحقيق أن هناك كمامات متعددة الإستعمالات تباع ب 2300 مليم أي بسعر أعلى من الثمن المحدد من وزارة التجارة ب 1850 مليم الواحدة، في البلاغ الصادر عنها في 28 أبريل. وتوثق الفاتورة التي حصلت عليها ذلك.

حاولنا إجراء مقابلة مع مدير الأبحاث الاقتصادية في وزارة التجارة، حسام الدين التويتي، لسؤاله حول عمليات الرقابة فيما يخص احترام المواصفات في صناعة الكمامات و الأسعار التي حددتها الدولة، لكنه أجابنا بشكل خاطف أن هذه ليست من مهام وزارته وأن كل ما يتعلق بهذا الموضوع هو من مشمولات وزارة الصحة. حاولنا أيضا إجراء مقابلة مع أحد المسؤولين على ملف الكمامات من وزارة الصحة لكننا لم نتلق ردا على طلبنا.