fbpx

تونس: “كورونا” يلوي ذراع الصحافيين “الفريلانسرز”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

امتدت آثار “كورونا” إلى تفاصيل العمل الصحافي، وأصابت تحديداً الصحافيين المستقلين أو “الفريلانسرز” الذين لا يملكون أي حماية قانونية تحفظ حقوقهم وتؤمن لهم ديمومة العمل، وهم أصلاً “الحلقة الأضعف” في هذه المهنة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إذ يتم الاستغناء عن خدماتهم بسهولة من دون أي تبعات قانونية، فيما يعاني كثيرون منهم الأمرّين لتحصيل حقوقهم المادية، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المؤسسات الإعلامية، والتي زادت حدّة في ظل انتشار فايروس “كورونا” وصعوبات التنقّل والتمويل.

لا مواضيع إلا “كورونا”!

عيسى زيادية صحافي تونسي مستقل يعمل مع مواقع ومؤسسات إعلامية عربية وتونسية. يروي لـ”درج” ضيق الحال مع انتشار الجائحة بعدما توقف تمويل تحقيقه المزمع تنفيذه مع منظمة صحافية دولية. كل شيء توقف وكأنه لم يكن! كان علي التنقل بين أحياء شعبية والتصوير هنا وهناك إلا أن الإغلاق العام بين الولايات شلّ حركتي تماماً، ولم يرَ تحقيقي النور وتوقف بالتالي تمويله”.

علاوة على المنظمات الدولية، عيسى كان متعاقداً حراً مع التلفزيون الرسمي التونسي، وكان بصدد العمل في برنامج جديد إلا أنه توقف إنتاجه وتم التراجع عن بث حلقاته المصورة بسبب انشغال التغطية بأخبار جائحة “كورونا” من جهة والضائقة المالية التي تواجهها المؤسسة من جهة أخرى. عيسى كان ينتظر أجر عمل 3 أشهر مع التلفزيون، إلا أنه لم يحصل على شيء.

يؤكد عيسى أن فرص العمل التي كانت متاحة قبل انتشار جائحة “كورونا” تراجعت، وبات كل شيء يدور حول الوباء، من اختيار المواضيع إلى التنفيذ. وبالتالي تم تهميش مواضيع أخرى قد تكون مهمة، لكنها لم تعد مغرية بالنسبة إلى المؤسسات والممولين.

عيسى عجز في تلك الفترة عن الإيفاء بالتزامات مالية خاصة، وحتى اليوم ما زال متعثراً، بسبب الشلل الذي فرضته جائحة “كورونا”. كان عليه دفع الإيجار وفواتير الكهرباء، وتراكمت عليه الديون، حتى أنه فكر بترك الصحافة موقتاً، والعمل في مجال آخر قد يدر عليه مدخولاً أفضل.

أشارت دراسة نشرها الاتحاد الدولي للصحافيين، إلى أن  ظروف عمل الصحافيين والمراسلين حول العالم تدهورت خلال جائحة “كورونا”. وبحسب الدراسة، فإن الاتحاد تواصل مع 1308 صحافيين في 77 دولة، وقال إن 3 من كل 4 صحافيين واجهوا قيوداً أو عرقلة أو تخويفاً أثناء تغطيتهم أزمة “كورونا”

عدد الصحافيين “الفريلانسرز” الذين تدهورَت مداخيهم أو اختفت بشكل كلّي بلغ 190 صحافياً وصحافية، وفق فوزية الغيلوفي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين.

الغيلوفي توضح لـ”درج” أن عدداً كبيراً من هؤلاء، 50 تقريباً لجأوا إلى النقابة، طالبين مساعدات مالية بعدما سدت الأبواب أمامهم. وقد سعت النقابة إلى إيجاد حلول سريعة لهم، منها تنفيذ مشروع شراكة مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي تضطلع بتمويل مجموعة من الأعمال الصحافية، يقوم بها هؤلاء أثناء الجائحة.

مريم الناصري صحافية استقصائية تعمل مع مواقع عربية، متخصصة في القضايا الاجتماعية الميدانية المتعلقة بالهجرة والمرأة والشباب، إلا أنَّ جائحة “كورونا” شلت حركتها. 

“خلال الحجر الصحي الشامل توقف إنتاجي في القضايا الاجتماعية بشكل كبير بسبب توقف التنقل بين المدن واشتراط ترخيص للتنقل، وبصفتي صحافية مستقلة لم أستطع الحصول على ترخيص، لولا تدخل نقابة الصحافيين. كما أن غلق معظم الفضاءات والمحلات وتوقف كل نشاط اجتماعي، عطل عملي وتوقف إنتاجي تقريباً”.

تقول الناصري لـ”درج”: “حتى اقتراح المواضيع على رؤسائنا في العمل تعثر وتأثر بوباء كورونا الذي أصبح يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام”. أما المستحقات المالية فتؤكد الناصري أن تحصيلها أصبح أصعب بسبب الأزمة المالية التي تواجهها المؤسسات التي تعمل معها.

الصحافي  طارق الفيزاني، مراسل مستقل يعمل لحساب وكالة الأنباء الألمانية، لم تكن مشكلاته في زمن “كورونا” مادية بقدر ما شكلت طرافة المواضيع التي عليه إنتاجها تحدياً يومياً.

“من جهة كان يتعين علي توثيق الظرف الاستثنائي الصحي وتداعياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ومن جهة ثانية الالتزام بإجراءات الوقاية لتفادي المخاطر لحماية نفسي وعائلتي.

كانت مهمة مزدوجة شائكة بلا شك، لا سيما مع الزامية أن يؤمن المراسل الصحافي حداً أدنى من المواد (تغطيات، مستجدات، تقارير…) لتأمين وضعه المادي في ظرف دقيق، خصوصاً خلال الأسابيع الأولى من تفشي الوباء. وهذه المهمة تجعل المراسل تحت ضغط دائم”.

كمراسل لم يكن القيزاني معنياً بتدابير الإغلاق، إذ كان مجنداً بشكل دائم. إلا أنه على رغم أجواء الضغط والتوتر، يرى نفسه من بين المحظوظين الذين عايشوا وضعاً صحياً وإنسانياً نادراً.

 “كوني شاركت في توثيق لحظات عصيبة، فهذا يمنحني هامشاً مهماً من الاستمتاع والفخر، على رغم المخاطر المحتملة. أعترف بأن الوباء شكل تجربة مختلفة مهنياً وإنسانياً. وبعد انقشاع الوباء سيكون هناك متسع من الوقت لاستيعاب هذه اللحظات الفارقة”، يقول القيزاني.

صعوبة الوصول إلى المعلومات كانت عائقاً أيضاً أمام الصحافيين الذين لا يبحثون عن نقل الخبر أو الرواية الرسمية بقدر ما يتلخص عملهم في التقارير المعمقة والاستقصاء. كحال مالك الزغدودي الذي يعمل باحثاً وصحافياً وهو متخصص في القضايا الاجتماعية.

“اضطررت لالتزام البيت لم يكن أمامي خيار آخر، توقفت حرفياً كل المشاريع البحثية بسبب الإغلاق، فحتى على الانترنت لم نكن نجد ما يكفينا من معلومات. عانينا الأمرين، تعتيم واقعي وافتراضي”.

في هذا السياق، أشارت دراسة نشرها الاتحاد الدولي للصحافيين، إلى أن  ظروف عمل الصحافيين والمراسلين حول العالم تدهورت خلال جائحة “كورونا”. وبحسب الدراسة، فإن الاتحاد تواصل مع 1308 صحافيين في 77 دولة، وقال إن 3 من كل 4 صحافيين واجهوا قيوداً أو عرقلة أو تخويفاً أثناء تغطيتهم أزمة “كورونا”. وقال ما يقرب من 1 من كل 4 صحافيين لمنفذي الدراسة، إنهم كانوا يكافحون بشكل مضنٍ للوصول إلى المعلومات من حكوماتهم أو من مصادر رسمية، واشتكى البعض من القيود المفروضة على حرية الحركة أو طرح الأسئلة خلال الندوات الصحافية.

محمد ياسين الجلاصي عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين يرى أن الصحافيين “الفريلانسرز”، هم أكثر فئة تضررت من أزمة “كورونا” والحجر الصحي الشامل، لأنهم يعملون “بالقطعة”، ودخلهم ليس مستقراً لذلك وجدوا أنفسهم في بطالة إجبارية.

 حتى العمل من بعد لم يكن حلاً بالنسبة إليهم، لأن عملهم يكون غالباً ميدانياً، وهو ما فاقم وضعهم الاجتماعي. 

يشير الجلاصي إلى أن هذه الأزمة دفعت النقابة إلى التفكير في ضبط صيغة عمل واضحة للصحافي المستقل أو الصحافي المستكتب أو المتعاون، كما في دول تعتبر متقدمة في مجال حقوق الصحافيين، وهي صيغة تضمن استمرارية العمل وفرص أكبر لتعزيز الدخل المادي وتأمين الحقوق الأساسية مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.

على رغم أن جائحة “كورونا” أثرت سلباً في حياة الصحافيين عموماً و”الفريلانسرز” خصوصاً، إلا أنها أعادت إلى الواجهة أوضاعهم الهشة اقتصادياً واجتماعياً، وفتحت النقاش من جديد حول الآليات الكفيلة بتجاوز الهشاشة في ظروف مماثلة، لا سيما الآن وقد استوطنت الموجة الثانية من الجائحة بقوة، وبدأت الحكومات تفكر من جديد في فرض الإغلاق مع تزايد الإصابات.