fbpx

تظاهرات مصر : ناقوس خطر “الغلابة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أسباب انطلاق تلك الاحتجاجات، تعود إلى حملات الإزالة التي قامت بها السلطة التنفيذية، استناداً إلى قانون التصالح الجديد في مخالفات البناء، واستفاد محمد علي وجماعة الإخوان المسلمين من هذه الاحتجاجات وروّجوا فكرة أنها أتت استجابة لدعوات أطلقوها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“العيشة بقت صعبة ومش معانا حق اللقمة، ودول عاوزين يهدوا بيوتنا اللي شقينا عشان نبنيها”… يروي محمود أحد سكان قرية العطف التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة،”. 

لا يعرف محمود (اسم مستعار) كيف احتشد العشرات للمطالبة بإسقاط النظام، ولكنه يؤكد أن الشرارة الأولى التي أغضبت المواطنين هي حملة الإزالات المستمرة والتي تطيح بمنازل مواطنين بذريعة إزالة مخالفات.

يقول محمود: “معظم من خرج للتظاهر، هم بسطاء لا يعرفون شيئاً عن الأزمات السياسية، وأغلبيتهم غير متعلمين، لا يعرفون حتى استخدام فايسبوك. إنهم غاضبون بسبب الحياة الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها وزادت الطين بلة إزالة منازلهم التي شيدوها بعرق جبينهم، فاعتقل معظمهم”. 

لم تكن العطف هي القرية الوحيدة التي واجهت هذا المصير، فعدد من قرى محافظة الجيزة شهد تظاهرات أيضاً، بخاصة قرية البليدة وجزيرة السلام وكذلك مركز أطفيح، إضافة إلى محافظات أخرى مثل السويس ودمياط والإسكندرية والمنيا، كما وثقتها المفوضية المصرية للحقوق الشخصية وهي إحدى منظمات المجتمع المدني في مصر. لكن المشكلة أنه وكما أي موجة تظاهرات في السنوات الأخيرة فغالباً ما يجري التشكيك في أهدافها والتعمية الاعلامية عليها او التصويب على مطلقيها، بل يصل الأمر الى تخوين من شارك وتعميم خطاب اعلامي منسجم مع السلطة ويهون ويخون أي صوت اعتراض

التقديرات متفاوتة

وفقاً للمفوضية فإن عدد المعتقلين حتى مساء السبت 26 أيلول/ سبتمبر وصل إلى 284 شخصاً من مختلف المحافظات، ولكن معظمهم من محافظات القاهرة والجيزة، وبينهم 53 قاصراً و87 شخصاً ما زالوا قيد الاختفاء. 

وثقت المفوضية مباشرة 198 حالة، مقسمين إلى 160 معتقلاً عبر تلقي بلاغات القبض من ذويهم، و38 تم حضور التحقيقات معهم وتقديم الدعم القانوني لهم. بينما وثقت 86 حالة من خلال الاعتماد على تقارير المنظمات الحقوقية التي وثقت حالات الاعتقال.

ووجهت نيابة أمن الدولة العليا، اتهامات لهؤلاء بالانضمام إلى جماعة إرهابية، نشر أخبار كاذبة، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تمويل جماعة إرهابية، المشاركة في تظاهرات دون المنصوص عليها قانوناً.

محامٍ في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فضل عدم ذكر اسمه، يقول إن أعداد المعتقلين تختلف تقديراتها بين منظمات المجتمع المدني، ولكنها تقدر بالمئات ومعظم هؤلاء تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة، كما أن معظمهم متزوجون ومعيلون لأسرهم. 

أيلول 2019 وأيلول 2020

يؤكد المحامي الحقوقي لـ”درج”، أن هناك فرقاً كبيراً وواضحاً بين احتجاجات العام الماضي والعام الحالي المحدودة، فاحتجاجات العام الماضي خرجت استجابة لدعوات الممثل ومقاول الجيش المصري محمد علي، وأيضاً بسبب تصريحات الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي التي اعتبرت حينها استفزازية خلال أحد مؤتمرات الشباب. حينها واحتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد، خرج آلاف المواطنين للتعبير عن غضبهم من السياسات الاقتصادية التي انعكست سلباً على معدلات الفقر وعلى قدرات محدودي الدخل في مصر.

عدد المعتقلين حتى مساء السبت 26 أيلول/ سبتمبر وصل إلى 284 شخصاً من مختلف المحافظات.

أما العام الحالي فأسباب انطلاق تلك الاحتجاجات، تعود إلى حملات الإزالة التي قامت بها السلطة التنفيذية، استناداً إلى قانون التصالح الجديد في مخالفات البناء، هذا الامر استفاد محمد علي وجماعة الإخوان المسلمين منه فتم الترويج لفكرة أن الاحتجاجات أتت استجابة لدعوات أطلقوها.

يؤكد المحامي الحقوقي أن معظم من ألقي القبض عليهم وحضر هو نفسه معهم التحقيقات هم أشخاص بعيدون كل البعد من العمل السياسي وقصصهم جميعها متشابهة واحتجاجاتهم أساساً على إزالة منازلهم.

لماذا الغضب من قانون التصالح مع البناء؟ 

صدرت النسخة الأولى من القانون في نيسان/ أبريل 2019، ولكن أبرز التعديلات التي طرأت على قانون رقم 17 لسنة 2019 في نيسان الماضي، هو أنه يجوز التصالح وتقنين الأوضاع في المباني المخالفة للدولة، إنما يحظر في بعض الحالات التصالح على الأراضي المملوكة للدولة.

وحدد القانون الجديد غرامات التصالح، لتتراوح بين 125 و5000 جنيه للمتر المسطح الواحد، وذلك بحسب المستوى العمراني والحضاري وتوافر الخدمات في المناطق المختلفة، وهو ما تحدده لجان محلية معنية بكل محافظة.

الغرض من قانون التصالح هو محاربة العشوائيات ومنع المخالفات واستعادة حقوق الدولة. ولكن القانون لاقى جدلاً كبيراً ورفضاً من شرائح واسعة ممن أصبحوا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ملزمين بدفع غرامات كبيرة جداً، وبحسب المخالفة إما يتم هدم منازلهم، أو تزال المباني من دون تصالح.

سيدتان وأطفال بين المعتقلين

تختلف الإحصاءات والتقديرات الخاصة باعتقال الأطفال، فمركز “بلادي” المهتم بحقوق الطفل (مؤسسة مجتمع مدني)، رصد في حملات الاعتقال الحالية، القبض على 39 طفلاً، تم التحقيق معهم وحبسوا جميعاً على ذمة التحقيق في القضية 880 لسنة 2020- حصر أمن دولة عليا.

وفقاً للمركز، يتوزع هؤلاء الأطفال على محافظات مصرية، في مقدمها محافظة الجيزة (24 طفلاً)، نظراً للأحداث التي تقع في مدينة اطفيح، ثم القاهرة (6 أطفال)، ثم الفيوم بثلاثة أطفال، والإسكندرية والمنيا وأسوان بطفلين في كل واحدة.

وثقت المفوضية مباشرة 198 حالة، مقسمين إلى 160 معتقلاً عبر تلقي بلاغات القبض من ذويهم، و38 تم حضور التحقيقات معهم وتقديم الدعم القانوني لهم.

ولكن في 27 أيلول، أصدرت النيابة العامة المصرية بياناً تؤكد فيه إخلاء سبيل 68 طفلاً شاركوا في أحداث الشغب الأخيرة -كما أطلقت عليها النيابة العامة- ثم وقّع ولاة أمورهم على تعهّدات في المحافظة، وتعكف النيابة على استكمال التحقيقات مع بقية المتهمين.

وثقت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (منظمة أوروبية مستقلة)، اعتقال سيدتين، الأولى تدعى هويدا حسين (57 سنة)، ألقي القبض عليها من منزلها، في 15 أيلول 2020، بسبب منشورات معارضة لقرارات الحكومة وخصوصاً قانون المباني الجديد، على صفحتها على “فايسبوك”.

 والثانية هي نجلاء محمد (47 سنة)، ألقي القبض عليها في 15 أيلول 2020، وتقرر سجنها 15 يوماً على ذمة التحقيق في القضية 880 لسنة 2020 أمن دولة.

ضحية واحدة وليس 3  

تناقلت مواقع الكترونية أخباراً عن مقتل ثلاثة مواطنين من قرية البليدة التابعة لمحافظة الجيزة، ولكن 3 مصادر أكدوا لـ”درج”، سقوط شخص واحد برصاص الشرطة وهو سامي وجدي بشير. 

ووفقاً لمصدر داخل القرية، بشير لم يكن مُشاركاً في التظاهرات التي اجتاحت القرية، إنما كان الشاب العشريني واقفاً أمام منزله، وقتل برصاص الشرطة الذي كان موجهاً إلى المتظاهرين.

في 26 أيلول، عرضت قناة اكسترا نيوز (مقربة من النظام) كواليس تظاهرات فبركتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في استوديوات تابعة لمدينة الإنتاج الإعلامي وأذاعتها قنوات الاخوان على أنها تظاهرات حقيقية في نزلة السمان.

 ولكن هل هذا يعني أن التظاهرات كلها كاذبة؟ يرد المحامي الحقوقي من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بأن التظاهرات حقيقية والدليل على ذلك، الاعتقالات المستمرة وتحقيقات النيابة التي يحضرها محامو المراكز الحقوقية يومياً، وبيان النيابة العامة الذي صدر بإخلاء سبيل الأطفال.

ويضيف: “الادعاءات التي انطلقت بأنها تظاهرات مفبركة، ما هي إلا محاولة ممن يطلقونها لمنع انطلاق المزيد من الاحتجاجات في المحافظات والمناطق الأخرى”. 

الشعب غاضب

 يعارض نشطاء فكرة التظاهر، لأن الداعي إليه، هو محمد علي الذي يرى كثيرون أنه فاقد للمصداقية وما زاد من اللغط حوله هو ترويج اعلام موالي لتنظيم الاخوان المسلمين له، وكذلك يرفض عدد كبير من المعارضين محمد علي، لأنه ليس سياسياً، ولا يملك مشروعاً للتغيير، بدأ حملته كنوع من “أخذ الحق” واسترداد أمواله بعد مشكلات واجهته أثناء عمله في مشروعات الخاصة بالجيش. 

ولكن وفقاً لأكرم اسماعيل، مسؤول الملف السياسي في “حزب العيش والحرية”، فإن الفقر وقضية البناء وارتفاع الأسعار وكل هذه السياسات، هي مادة دسمة للاستجابة لدعوات التظاهر، كما أنها مهدت الطريق للاستجابة لدعوات التظاهر من أشخاص مثل محمد علي.

ويشير إلى أن الأهالي يعبّرون عن غضبهم المكتوم من تردي الأوضاع الاقتصادية، ويفسر ذلك وجود أطفال بين صفوف المعتقلين وأشخاص غير متعلمين لا يعرفون عناوينهم حتى، كما وثقت تحقيقات النيابة العامة معهم- وبالطبع لهم الحق الكامل في التنفيس عن غضبهم.

 يضيف اسماعيل لـ”درج” أن التظاهرات هذه المرة هي “ناقوس خطر”، لأن معظم المتظاهرين من “الغلابة” والضغوط الاجتماعية الاقتصادية عليهم لم تعد محتملة.

ويرى أن الحلول تكمن في التخفيف من الأوضاع الاقتصادية، والتفاوض مع الناس وعودة الحياة السياسية والبرلمان، والانتخابات المحلية، وفتح المجال أمام المعارضة، وعودة الصحافة الحرة. 

كما لا بد من إطلاق سراح كل من قبض عليه، بسبب التعبير عن رأيه ولم يرتكب أي أعمال عنف أو حمل سلاح ضد الدولة، وإعادة النظر في قانون الإجراءات الجنائية (المواد المتعلقة باستخدام الحبس الاحتياطي)، وأيضاً إعادة النظر في بعض الأمور مثل القوانين التي تزيد أعباء  المواطن، والنظر في القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، وفتح حوار مجتمعي للنهوض بالمشكلات الاقتصادية في الدولة.