fbpx

التنوع الأحيائي على شفا كارثة… هل من فرصة لإنقاذ الكائنات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن التنوع الأحيائي على وضعه الحالي من دون التدخل لمحاولة إنقاذه، يفقد نحو مليون نوع من أنواعه في غضون عقود قليلة، وهو ما يسميه العلماء الانقراض الجماعي السادس للحيوانات بسبب النشاط البشري على الأرض.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يحقق برنامج الأمم المتحدة لإيقاف الانحدار الذي يشهده التنوع الأحيائي في العالم أياً من أهدافه العشرين، ضمن خطة التنمية المستدامة التي تم اعتمادها عام 2015. وقد اعترفت الأمم المتحدة بتاريخ 15 أيلول/ سبتمبر 2020 بفشل الجهود العالمية المتمثلة بمجموعة من الأهداف المحددة في مكافحة الخسارة الحادة، التي يتعرض لها التنوع البيولوجي على الكرة الأرضية. ووُضعت أهداف “برنامج أوتشي العشرين للتنوع البيولوجي”، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، في مؤتمر عُقد في اليابان عام 2010.

كان الهدف من المؤتمر حماية النباتات والحيوانات المعرضة للخطر في العالم بحلول عام 2020. على رغم توقيعها الاتفاقية المذكورة، لم تبذل الحكومات والبلدان في العالم جهوداً لحماية التنوع الأحيائي البرّي والشعب المرجانية من التدخل والنشاط البشريين والاستخدام المفرط للأراضي، ما أدى إلى تفاقم اختفاء الحيوانات. تالياً، أصبح بإمكان السكان المحليين في مناطق كثيرة في العالم ملاحظة اختفاء أنواع من الحيوانات بشكل غير مسبوق بسبب النشاط البشري، تغيرات المناخ، التوسع العمراني، التجارة الجائرة بالأحياء البرّية. 

وقد أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن التنوع الأحيائي على وضعه الحالي من دون التدخل لمحاولة إنقاذه، يفقد نحو مليون نوع من أنواعه في غضون عقود قليلة، وهو ما يسميه العلماء الانقراض الجماعي السادس للحيوانات بسبب النشاط البشري على الأرض. وتمثلت غايات البرنامج الاستراتيجية بخمسة محاور أساسية وهي: التصدي للأسباب الكامنة وراء فقدان التنوع البيولوجي، خفض الضغوط المباشرة على التنوع البيولوجي وتشجيع الاستخدام المستدام، تحسين حالة التنوع البيولوجي من طريق صون النظم الإيكولوجية والأنواع والتنوع الجيني، تعزيز المنافع للجميع من التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، وأخيراً، تعزيز التنفيذ من خلال التخطيط التشاركي، وإدارة المعارف وبناء القدرات وتعميم البرنامج في جميع قطاعات الحكومة والمجتمع. ووافقت 170 دولة ومنطقة في العالم على هذه الأهداف وإنشاء استراتيجيات الحفظ الوطنية الخاصة بها والتي تعكس أهداف “أوتشي” أو ترتبط بها.

تزامناً مع إعلان الأمم المتحدة فشل “برنامج أوتشي للتنوع الأحيائي”، توصلت دراسة قادها باحثون لمصلحة المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في النمسا، إلى عدم إمكان تحويل الاتجاه الحالي في فقدان التنوع الأحيائي بحلول عام 2050 أو قبل ذلك، من دون عمل طموح ومتكامل يجمع بين جهود الحفاظ على النظام الطبيعي واستعادته، وضرورة حصول تحول في نظامنا الغذائي. ويتعرض التنوع الأحيائي والنظم البيئية إلى انخفاض حاد منذ سنوات وبمعدلات تنذر بأخطار كبيرة على مستقبل الأجيال المقبلة، ما يضع العالم أمام إجراءات جدية وسريعة لوضع حد لهذا الانحدار الذي يحذر منه العلماء منذ سنين. وتشكل هذه الدراسة، التي نُشرت في مجلة Nature، جزءاً من أحدث تقرير عن الكوكب الحي للصندوق العالمي للطبيعة WWF، تم تحديده للمرة الأولى بغية استكشاف أهداف التنوع البيولوجي الطموحة مثل انعكاس اتجاهات التنوع الأحيائي العالمية وإلقاء الضوء على المسارات المستقبلية المتكاملة لتحقيق الأهداف المنشودة للحفاظ على النظم البيئية واستعادتها. ويؤكد تقرير الكوكب الحي لعام 2020 أن تدمير الطبيعة المتزايد جراء النشاط البشري يؤدي إلى آثار كارثية ليس على سكان الحياة البرية وحسب، ولكن أيضاً على صحة الإنسان وجميع جوانب حياتنا. 

ويعتبر التنوع البيولوجي عاملاً جوهرياً لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 ولاتفاق باريس بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ، التي تم اعتمادهما عام 2015. وبما أن حماية التنوع الأحيائي ووضع حد لتفاقم موائل الحيوانات جراء النشاط البشري يعتمدان على النظام الطبيعي، فإن نحو ثلث التخفيضات الصافية من انبعاثات الغازات الدفيئة ضمن الالتزام ببنود اتفاقية باريس/ 2015، يأتي من الحلول القائمة على الطبيعة. ويدخل برنامج “أوتشي للتنوع الأحيائي” ضمن الأهداف الجوهرية لخطة التنمية المستدامة، ذلك أنه يشكل عاملاً رئيساً لتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتوفير المياه العذبة. وكما هو معلوم فإن أنظمة الغذاء بمجملها تعتمد على التنوع البيولوجي ومجموعة عريضة من خدمات النظم البيئية التي تدعم الإنتاجية الزراعية، عبر التلقيح ومكافحة الآفات وخصوبة التربة، ناهيك بدور النظم ذاتها في إمدادات المياه وجودتها والحماية من الأخطار والكوارث المتعلقة بالمياه. ولذلك، يعد الحفاظ على التنوع الأحيائي واستخدامه المستدام، أساسياً في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بأكملها. 

يعتبر التنوع البيولوجي عاملاً جوهرياً لخطة التنمية المستدامة لعام 2030.

ويشير الباحثون إلى ضرورة اتخاذ إجراءات في مجالين رئيسين بالنسبة إلى الاتجاهات العالمية للتنوع الأحيائي البرّي المتأثر بتغير استخدام الأراضي، وذلك لإيقاف التدهور وبدء التعافي بحلول عام 2050 أو قبل ذلك. أولاً: يجب تكثيف جهود الحفظ والاستعادة الجريئة معاً، ناهيك بتفعيل إدارة النظم البيئية وتسريعها. وتستوجب استعادة الأراضي المتدهورة بسبب النشاط البشري جهوداً كبيرة لاستخدام مستدام يوازن بين أهداف الإنتاج والحفاظ على جميع الأراضي المدارة. ومن دون هذه الجهود، قد يتم إبطاء الانخفاض في التنوع البيولوجي بدلاً من إيقافه، وسيظل أي انتعاش محتمل بطيئاً. ثانياً: التحول في النظام الغذائي. نظراً إلى أن جهود الحفظ والاستعادة الجريئة للتنوع الأحيائي لن تكون وحدها كافية على الأرجح، هناك حاجة كبيرة إلى تدابير إضافية لمعالجة الضغوط العالمية على النظام الغذائي، ما يستوجب وضع حد لهدر الطعام والتحول إلى نظام غذائي من شأنه حماية النظم البيئية واستدامة التجارة وإنتاج الغذاء.  

تالياً، إن تسرّع إيقاع الخسارة التي يتعرّض لها التنوع الأحيائي، لا يعد أزمة بيئية فحسب، بل كارثة بيئية تواجه فيها الحيوانات الموت بالصمت، علاوة على الأخطار التي تشكلها على الأمن الغذائي والصحة البشرية. ويستوجب ذلك تدابير سريعة وفعالة لإيقاف الانحدار وفق رؤية جديدة تعتمد على الأسباب التي حالت دون دراية تامة بجوهرية التنوع الأحيائي في حياة البشر والكائنات، وأهمية الخطوات التي يمكن اتخاذها للحفاظ عليه واستخدامه على نحو مستدام.