fbpx

لماذا تحتاج آذربيجان إلى انتصارٍ محدود في كاراباخ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لماذا لم يتمّ العثور على حلٍّ للصراع بعد مضيّ ثلاثة عقود من اندلاعه؟ لماذا فشلت الدولتان الجارتان في إيجاد حلّ من خلال الحوار؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في يوم الأحد 27 أيلول/ سبتمبر، وفي السابعة صباحاً في التوقيت المحلّيّ، شنّت القوّات الآذريّة هجوماً كبيراً على منطقة كاراباخ الجبليّة. ومع انتصاف النهار، أعلن المتّحدث الرسميّ باسم وزارة الدفاع الآذريّة “تحرير” 6 قرى -وصارت لاحقاً 7 قرى- في ما وصفه بـ”هجوم مضادّ”، ولكنّه في الواقع كان يعترف بأنّ آذربيجان قد بدأت حرباً جديدة.

تختلف هذه الحرب عن الصدامات التي استمرّت 4 أيّام في شهر تمّوز/ يوليو 2020 على طول الحدود الآذريّة- الأرمينيّة. فالقتال الحالي يذكّرنا بالهجوم الآذريّ في نيسان/ أبريل 2016، الذي وقع على طول خطوط المواجهة في إقليم كاراباخ. إنما مقارنةً بهجوم 2016، فإنّ اليوم الأوّل من الأحداث الجارية كان أعنف ممّا حصل في 2016؛ إذ استُخدِمت المدفعيّة الثقيلة والدبّابات والطائرات المسيَّرة. وأعلنت مصادر عسكريّة أرمينيّة سقوطَ 58 قتيلاً وعشرات الجرحى، في حين لم تصدر إحصاءات رسميّة عن القتلى في الجانب الآذريّ الذي شنّ الهجوم.

تأتي حرب كاراباخ نتيجة صراع على الأراضي ورثته الجمهوريّتان القوقازيّتان عن العهد السوفياتيّ. فقد عقد البلاشفة، في بدايات العقد الثاني من القرن الماضي، تسوياتٍ من خلال منح الجماعات القوميّة حكماً ذاتيّاً إقليميّاً؛ إذ رأوا أنّ الفروق والخلافات القوميّة ستتلاشى مع تقدّم المجتمعات نحو الاشتراكيّة اللاطبقيّة. لكنّهم، في الواقع، كانوا يخلقون نُظماً تعني فيها الهويّة القوميّة إمكان الوصول إلى أجهزة الدولة والموارد. لم تكن نتيجةَ هذا مجرّد تعزيز المشاعر والهويّة القوميّة، وإنّما نتجَ عنها أيضاً تمييز ملموس يقوم على أساس الجنسيّة.

لدى الأرمن الذي يعيشون في كاراباخ، الذين كانوا يمثّلون الأغلبيّة الساحقة في “جمهوريّة كاراباخ الجبليّة ذات الحكم الذاتيّ” التي كانت تُدار من العاصمة الآذريّة باكو، أسبابٌ مشروعة للشعور بتعرّضهم للتمييز. ففي 20 شباط/ فبراير 1988 صوّت برلمانهم المحلّيّ على مقترح بالانفصال عن جمهوريّة آذربيجان السوفياتيّة والانضمام إلى جمهوريّة أرمينيا المجاورة (السوفياتيّة أيضاً). بعد مضيّ أسبوع واحد، اندلعت مذابح ضدّ الأرمن في مدينة سومغيت الآذريّة؛ وتبعتها المزيد من المذابح وعمليّات تبادُل للسكّان بين الجمهوريّتَين السوفيتيّتَين اللتَين كانتا حتّى ذلك الحين تتمتّعان بعلاقات “أخويّة”.

ومع انهيار الاتّحاد السوفياتيّ في 1991، تطوّر الصراع في كاراباخ إلى حربٍ شاملة. عندما تمّ توقيع اتّفاقيّة لوقف إطلاق النار في أيار/ مايو 1994، كان الجانب الأرمينيّ يسيطر تماماً على الإقليم نفسه، إضافةً أيضاً إلى بعض الأراضي الآذريّة المحيطة به. لهذا نجد أنّ هذا الصراع هو وليد انهيار النظام السوفياتيّ.

تأتي حرب كاراباخ نتيجة صراع على الأراضي ورثته الجمهوريّتان القوقازيّتان عن العهد السوفياتيّ.

والآن، لماذا لم يتمّ العثور على حلٍّ للصراع بعد مضيّ ثلاثة عقود من  اندلاعه؟ لماذا فشلت الدولتان الجارتان في إيجاد حلّ من خلال الحوار؟ يختلف الجانبان في الإجابة على هذا السؤال. فبعد وقف إطلاق النار عام 1994، شعر الأرمن أنّهم نجحوا في رفع مَظلَمة تاريخيّة تعرّضوا لها، في حين شعر الآذريّون بتعرّضهم للأذى والإحباط. رأى الجانب الأرمينيّ أنّه على استعداد لتبادُل الأراضي الآذريّة، في مقابل أنْ تعترف باكو بحقّ كاراباخ في تقرير المصير. مع مرور الوقت، واستمرار التهديدات الآذريّة، تغيّر المنظور الأرمينيّ؛ فبدلاً من اعتبار تلك الأراضي أوراقاً للتفاوُض، بدأ الأرمينيون يرونها ضماناتٍ أمنيّة ضدّ أيّ هجوم آذريّ في المستقبل. وهي تحديداً الأراضي التي يجري عليها القتال الحاليّ.

ومن ناحية أخرى، عانى الجانب الآذربيجاني إصابات بالغة جراء الخسائر التي تكبدها بسبب الحرب في الماضي. فقد ألحقت هزيمته الخزي بالكبرياء الوطني، ومنذ ذلك الحين، تسعى آذربيجان إلى الانتقام. في الواقع، كان بناء خط أنابيب باكو-جيهان وأموال النفط التي بدأت تتدفق منذ عام 2006، من بين أهم العوامل التي جعلت قادة أذربيجان يتصورون أن لديهم السبل اللازمة لفرض إرادتهم: فهم يطالبون الجانب الأرميني بالانسحاب الكامل في مقابل لا شيء أكثر من الوعود “بالحكم الذاتي”. بيد أن مثل هذه الوعود لا قيمة لها في بلد تقبع فيه غالبية المعارضة المحلية إما في السجن أو في المنفى. إضافة إلى ذلك، أنفقت أذربيجان مبالغ طائلة على التسلح، بشراء الدبابات الروسية، والصواريخ الباليستية من بيلاروسيا، والطائرات المسيَّرة من إسرائيل وتركيا. وبسبب ما اكتسبته باكو من ثقة نابعةً من عائدات النفط ومشترياتها من الأسلحة، تبنت فكرة إيجاد حل وسط من خلال اتخاذ مواقف متطرفة.

في أعقاب الثورة السلمية التي اندلعت في أرمينيا عام 2018، كانت هناك توقعات جديدة بشأن حل النزاع. ولكن بصرف النظر عن التصريحات المتناقضة الصادرة عن السلطات الأرمينية، فلم تُوضع رؤية “ثورية” لحل النزاع. كما أسفر غياب عملية مفاوضات قوية عن نشوء إحباطات جديدة، ومع الوقت اندلعت صدامات جديدة.

بعد وقف إطلاق النار عام 1994، شعر الأرمن أنّهم نجحوا في رفع مَظلَمة تاريخيّة تعرّضوا لها، في حين شعر الآذريّون بتعرّضهم للأذى والإحباط.

الأزمة التي نشبت في أذربيجان

لا تتمتع الطبقة الحاكمة المسيطرة على النفط في أذربيجان بخبرة كبيرة في شؤون الحرب؛ فهم ليسوا محاربين، بل هم أبناء طبقة الصفوة القدامى في الحقبة السوفييتية، الذين قسموا أموال النفط فيما بينهم – وحافظوا على اقتصاد تدعمه الدولة ساهم في إبقاء الشعب تحت السيطرة. ولكن مثل جميع الأشياء الجيدة، لا بد لها أن تنتهي، إذ يوشك عصر عائدات النفط على الانتهاء: فقد انخفض إنتاج النفط الأذربيجاني، وشهدت الآونة الأخيرة انخفاض أسعار النفط، فضلاً عن الأزمة الاجتماعية العميقة التي أصابت آذربيجان نتيجة للظروف القاسية التي تسبب بها الوباء.

ومع تضاؤل تدفق الأموال التي يمكنهم تقاسمها، تزايدت حدة القتال داخل مختلف عشائر الطبقة الحاكمة في أذربيجان. في أوائل أيلول/ سبتمبر، أُقيل رامیز مهدييف؛ “الكاردينال الرمادي” المحنك لنظام الرئيس علييف، من منصبه الرسمي. وفي منتصف آب/ أغسطس، قرر رئيس آذربيجان، إقالة وزير الخارجية، إلمار ممادياروف، الذي شغل هذا المنصب لفترة طويلة. وأُلقي القبض على الكثير من الديبلوماسيين بتهم تتعلق بـ”الفساد”. ومن شأن نشوب حرب صغيرة مع الأرمن المكروهين، أن تنجح في صرف انتباه الرأي العام الآذربيجاني بفعالية.

مخاطر جديدة

ثمة قوتان إقليميتان تتمتعان بنفوذ كبير هما روسيا وتركيا، غير أن مواقفهما تختلف اختلافاً نوعياً. تُعد روسيا القوة التاريخية المهيمنة في المنطقة، فقد كانت كل من أرمينيا وآذربيجان جزءاً من الإمبراطورية القيصرية، ثم الاتحاد السوفييتي فيما بعد. وبينما يجمع بين روسيا وأرمينيا تحالف عسكري، ولدى روسيا قاعدتين عسكريتين هناك، فهي أيضاً تقيم علاقات طيبة مع أذربيجان ليس فقط على الصعيدين الديبلوماسي والاقتصادي، ولكن أيضاً هناك تعاون عسكري مهم بين البلدين. وعلى رغم أن روسيا دعت الطرفين إلى وقف تصعيد الصراع، فمن المتوقع أيضاً أن تتمكن من توسيع نفوذها بشكل أكبر على كل من أرمينيا وآذربيجان نتيجة لهذا الصراع.

من ناحية أخرى، أعربت تركيا عن دعمها أحادي الجانب لآذربيجان. فضلاً عن أن التدخل التركي المباشر لم يسبق له مثيل. فقد شاركت أنقرة عسكرياً مباشرةً من خلال إمدادها بالطائرات الهجومية المسيَّرة “بيرقدار 2″، والخبراء الضروريين لتشغيلها. وهناك أيضاً تقارير عن مئات المرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا إلى آذربيجان للمشاركة في القتال. يُشكل الموقف التركي الجزئي عاملاً استقطابياً في صراع معقد بالفعل. ولكن يظل السؤال قائماً، كيف سترد روسيا وإيران على التدخل التركي المتزايد في شؤون جنوب القوقاز؟