fbpx

“كورونا” إسرائيل: الحريديون المتديّنون وحكمهم الذاتيّ يهزمون الدولة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الحقيقة لا توجد قيادة حريدية في إسرائيل، هناك مجموعة من كبار السن وهم ليسوا على تواصل، ولا يدركون حجم الخطر ويخافون من فقدان سلطتهم على الجمهور المؤمن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أخفقت إسرائيل في معركة “كورونا” بشكل واضح، في ظل الحكم الذاتي الذي يتمتّع به المتديّنون المتطرفون الحريديون. فهؤلاء لمواجهة فترات الإغلاق التي فرضتها الحكومة و9 أشهر من أوامر التباعد الاجتماعي، ركّزوا في الصلاة والاجتماعات لدراسة التوراة إضافة إلى تنظيم نشاطات حاشدة، غير مبالين بالقرارات الرسمية.

وبذلك تعثّرت الدولة، ومن يشك في ذلك بإمكانه أن يشاهد الجنازة التي أقيمت في أسدود وقد شارك فيها الآلاف لوداع الحاخام مردخاي لايفر، وذلك بموافقة الشرطة. وبالمناسبة ماتت لايفر بسبب “كورونا”.

قائمة الجناة الفاشلين طويلة ومعروفة، ونأمل بمحاكمتهم على الأقل من خلال الانتخابات، وأمام لجنة تحقيق رسمية، وفي محاكمة التاريخ، لكن بعض الجناة لم يعودوا معنا، ولا ينبغي التقليل من إراقة دماء الحاخامات الذين يشكلون “القيادة الحريدية” لبنيامين نتانياهو راعي الأحزاب الحريدية ووزرائه. ومن هؤلاء وزير الإسكان المستقيل يعقوب ليتسمان احتجاجاً على فرض الإغلاق في فترة عيدي الغفران والعرش، وهو الزعيم الروحي المتطرف لليهود الغربيين المتدينين الحريديين، وآرييه درعي الزعيم السياسي لـ”حزب شاس للمتدينين الحريديين الشرقيين” ووزير الداخلية، وأمير أوحانا وزير الأمن الداخلي رئيس مجموعة مثليي الجنس في حزب “الليكود” المتطرف، وهو محسوب على الجناح اليميني المتشدد في الحزب، وناشط في مجموعة “أرض إسرائيل الكاملة”. 

المهم أن ندرك حقيقة واضحة أنه من غير المعقول أن تنجح حكومة أخرى، بقيادة رجل غارق (أي نتانياهو المتهم بالفساد) حتى رقبته في الجريمة، ويعتمد على نعمة الحريديين (شركاء نتانياهو وحزب الليكود في الائتلاف الحكومي) للبقاء في الحكم، ويمتلك شرطة قوية وحازمة.

فيما تتحضّر البلاد للدخول في التوقيت الشتوي وخطر انتشار العدوى أكثر، لا شيء يمكنه إيقاف هذا التهديد، فالحريديون ما زال كثر منهم يواصلون حياتهم وأعمالهم الخيرية ويستمرون في “خطط الكبسولة”.

الشرطة لا تملك القوة البشرية والوسائل للسيطرة على جمهور متمرد من مليون شخص، معظم من فيه على استعداد للتضحية بأنفسهم والتمسك بالتقاليد، والجناة هم جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة. فمنذ أجيال، أي 72 عاماً والمجتمع الإسرائيلي، يسمح للحريديين بالحكم الذاتي، وهم يعيشون في عزلة تامة عن الحياة في الدولة.

وفي الحقيقة لا توجد قيادة حريدية في إسرائيل، هناك مجموعة من كبار السن وهم ليسوا على تواصل، ولا يدركون حجم الخطر ويخافون من فقدان سلطتهم على الجمهور المؤمن، وفي هذا الواقع من الطبيعي أن يلتقوا حول أسطورة “تقديس الله” واستمرار العبادة. أما أصوات الحاخامات الحكماء الذين يطالبون بإغلاق دور العبادة (الكنس) والمعاهد الدينية، فيتم ابتلاعها في صخب التطرف.

انتصر الحكم الذاتي للحريديين، غير أنه انتصار حزين. في بداية “كورونا” مر أكثر من أسبوعين مأساويين قبل أن يوافق الحريديون على الالتزام بإغلاق جزئي وفق قرار الحكومة.

وفيما تتحضّر البلاد للدخول في التوقيت الشتوي وخطر انتشار العدوى أكثر، لا شيء يمكنه إيقاف هذا التهديد، فالحريديون ما زال كثر منهم يواصلون حياتهم وأعمالهم الخيرية ويستمرون في “خطط الكبسولة”، ما أدى إلى إخفاق دائم في “وقت إيلول”، (التوقيت الشتوي، ووقت أيلول أيام دينية في الخريف والشتاء تزداد العبادات الدينية الجماعية فيهما)، وعيد الغفران يأتي في الخريف وتم الاحتفال به، وازدات أعداد المصابين بـ”كورونا”. وحتى يصبح لقاح “كورونا” متوفراً، سيضطر جزء كبير من الجمهور إلى التعايش مع حوالى 12 في المئة من السكان وفق قوانينهم الخاصة.

ليس من السابق لأوانه طرح أسئلة حول ما علينا فعله بعد انتهاء “كورونا”، هل سنعود إلى الوضع السابق، حيث حكم ذاتي مواز، لم تشارك فيه دولة إسرائيل في حياتها، عدا عن وضع ميزانية لمؤسساته التعليمية وتقديم خدمات الصحة والرفاه الاجتماعي؟ هل سيستمر ذلك أم سنفهم أن الثمن باهظ جداً، وليس الأمر مرتبطاً فقط بأن وباء ما سيظهر 100 عام ولا يميز بين الحريديين والعلمانيين؟

في اتفاق الوضع الراهن الذي وقعه دافيد بن غوريون (1947) مع القيادة الحريدية قبل إقامة الدولة، والذي كرسته جميع الحكومات الإسرائيلية، الدولة تخطئ في عدم التنازل لقطاع كامل في المجتمع مقابل مساهمة في الخدمة العسكرية من فئة لا تمثل سوى مكون صغير وشعبوي. إنها خطيئة ضد مئات آلاف الشباب والشابات الحريديين الذين لا يتلقون التعليم الأساسي ولا يحصلون على فرص التعليم والعمل، (يدرسون في المعاهد الدينية التابعة لتياراتهم الفكرية سواء اشكناز او اسفاريدم. ولهم مناهجهم الخاصة)، ولكل النساء اللواتي تداس حقوقهن عندما يتزوجن في التاسعة عشرة من دون أي فرصة لاختيار حياة أخرى؟ خلال 72 عاماً، تم بناء مصيدة الفوائد والإعفاء من التجنيد الإجباري في الجيش، ومن يسعى للخروج منه يحتاج جهداً يفوق طاقة البشر.

الحل طويل الأمد وليس عبر فرض نمط حياة علماني أو تجنيد جماعي، وهو في أي حال غير مرغوب فيه أو مطلوب من الجيش الإسرائيلي، ولكن في ظل عقد اجتماعي جديد ستمنع عبثية تمويل الدولة الأطر التعليمية التي لا تهيئ خريجيها للعيش في مجتمع حديث، وتجبرهم على البقاء في المجتمع الذي يعيشون فيه خوفاً من التجنيد. وبدلاً من كراهية المتدينين الحريديين، التي ستزداد في هذا الوقت، يمكن البدء بخطاب التضامن والحقوق، إذ ليس من حق الحاخامات والناشطين الحريديين الاستمرار في ممارسة سلطتهم. ومن حق كل شاب وشابة في الدولة الحصول على تعليم لائق. وهكذا هؤلاء الذين حرموا هذا الحق بالتعاون الإجرامي مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، سيحصلون على مساعدة شاملة حتى يتمكنوا من إكمال تعليمهم واكتساب مهنة جديدة، بهذه الطريقة فقط سيكون للمتدينين الحريديين حرية الاختيار.

في ظل الحكم الذاتي للحريديين تعرضت الدولة لهزيمة، ولن تكون قادرة على منع المزيد من الهزائم في المستقبل، إلا إذا توقفت عن تخصيص ميزانية للحكم الذاتي، وفي الوقت نفسه عليها أن تفتح أبوابها لكل متدين حريدي يريد أن يكون جزءاً من المجتمع الإسرائيلي.

هذا المقال مترجم عن موقع هآرتس.

https://www.haaretz.co.il/opinions/.premium-1.9210332