fbpx

فوز المستقلين في الجامعة الأميركيّة اللبنانيّة : إنه أكثر من “خرق” يا رفاق.

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يعد الكلام يدور حول “خرقٍ” أحدثه المستقلّون في صفوف أحزاب السلطة، بل حول قسمةٍ تخطّت النصف بقليل لصالح هؤلاء. وإذا استمرّ الزخم الطلابي المستقل قد تنقلب المعادلة …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هذه السنة أهم سنة للعمل بالنسبة لنا. علينا أن نبقى مستعدّين ومتابعين، فالمسؤولية كبيرة والضغط أكبر…” تقول لين الحركة بعد فوزها في الانتخابات الطلابية في الجامعة ا لأميركية اللبنانّية LAU. 

لين كانت ضمن لوائح المستقلين التي حققت نجاحاً لافتاً ما شكل نقلة نوعيّة في العمل الطلّابي في الجامعات الخاصّة في لبنان، خصوصاً في الوضع المأزوم الذي يعيشه البلد. 

وبالنظر الى أرقام النتائج التي توزعت كالتالي: 1348 صوتاً (52%) للمستقلّين، 846 صوت (33%) للقوّات اللبنانيّة، 196 صوت (8%) لحركة أمل، والـ 7% الباقية أوراق بيضاء، يظهر عمليّاً فوز المرشّحين المستقلين بكل المقاعد الّتي ترشّحوا عليها في الكليّتَين (في بيروت وجبيل). أي أنّهم حصدوا ما مجموعه 14 مقعداً، وحصدت القوات اللبنانية 11 مقعداً، و5 مقاعد لحركة أمل. بينما انسحبت أحزاب أخرى أو قاطَعَت، بعدما تلمّست أنّ الأجواء غير مؤاتيّة لصالحها.

الأهم من عدد المقاعد إذن هو النِسَب. فهذه أوّل مرة تكون غالبيّة المجلس الطلّابي لصالح طلّابٍ من خارج أحزاب السلطة. 

في السابق، كانت تدور الانتخابات بالقسمة الكلاسيكيّة بين قوى 8 ضدّ 14 آذار، مع خرقٍ طفيف للمستقلّين. في جبيل مثلاً، كانت الكليّة معروفة تاريخيّاً أنّها ضمن نفوذ القوّات اللبنانية، وهذا ما كُسِر في هذه الانتخابات. 

بالنتيجة، الحصّة التي تآكلت من مقاعد السلطة كانت من حصة القوّات اللبنانيّة في جبيل، ومن عند الجميع في بيروت. 

“مصطلح المستقلّ لا يعني فرداً منعزلاً سياسيّاً. بل هو بدايةً ردّة فعل ضد أحزاب السلطة، أي مستقلّين عن ممارساتهم الفاسدة. والمصطلح، على عكس ما يُروَّج له، لا يعني بتاتاً أنّنا لا نريد الانخراط بالشأن العام والعمل السياسي. إنّما شخصيّاً، لا أوافق على أن الأحزاب الموجودة في السلطة اليوم تمثّلني. فكان عليّ أن أكون مستقلّة عنهم، لأتكلّم من بعدها عن برنامجي الخاص”.

أكثر من مجرد “خرق”

اليوم، لم يعد الكلام يدور حول “خرقٍ” أحدثه المستقلّون في صفوف أحزاب السلطة، بل حول قسمةٍ تخطّت النصف بقليل لصالح هؤلاء. وإذا استمرّ الزخم الطلابي المستقل قد تنقلب المعادلة لتصبح خرقاً محدوداً لأحزاب السلطة.

تصف لين الحركة النتيجة بأنها: “أتت حتّى أفضل ممّا توقّعنا. وضعنا جهداً كثيراً للوصول إلى هذه الغاية، وها نحن بلغناها. ما زلنا مصدومين طبعاً، إذ أنّ أثر هذه النتائج أوسع من الحرم الجامعي، وهي مؤشّر على أنّ المستقلّين يستطيعون أن يحقّقوا نتائج فعلاً مبهرة إن عملوا سويّاً، وعلى أنّ التنظيم ضروريّ”. 

حول “المستقلّين”

أثار مصطلح “المستقلّون” بعض النقد في الأوساط السياسيّة. 

من هم؟ هل هم فعلاً مستقلّون؟ أم “حصان طروادة” لأحزاب السلطة؟

يسود الجو الطالبي جو حماسي لهؤلاء بوصفهم فعلاً مستقلّين، أي، من خارج أحزاب السلطة. لكن المشكلة بهذا المصطلح أنّه أوّلاً يُحدَّد بالضدّ، كما أنّه فضفاض جدّاً. وثانيّاً، يجنح بعض مستخدميه إلى المنطق اللا-سياسي، “ما بدنا نحكي سياسة، نحن ضد الأحزاب”، الخ… وهذا الميل السلبي مضرّ بالعمل السياسيّ التغييري بقدر ما هي أحزاب السلطة مضرّة له. 

إلّا أنّ ترشّح طلّاب الجامعة الأمريكيّة المستقلّين أتى فعلاً على أساس برنامج قائم بذاته، ولا يدور حصراً حول معارضة القوى السياسيّة الموجودة. في هذا السياق، توضّح لين الحركة بأنّ “مصطلح المستقلّ لا يعني فرداً منعزلاً سياسيّاً. بل هو بدايةً ردّة فعل ضد أحزاب السلطة، أي مستقلّين عن ممارساتهم الفاسدة. والمصطلح، على عكس ما يُروَّج له، لا يعني بتاتاً أنّنا لا نريد الانخراط بالشأن العام والعمل السياسي. إنّما شخصيّاً، لا أوافق على أن الأحزاب الموجودة في السلطة اليوم (وبالتالي التي تتحكّم بمفاصل المؤسّسات والمجالس الطلّابية)، تمثّلني. فكان عليّ أن أكون مستقلّة عنهم، لأتكلّم من بعدها عن برنامجي الخاص. يعني، لسنا ضد منطق الأحزاب بشكلٍ مطلق، فالانتساب لحزبٍ هو حق ومسألة طبيعيّة في الحياة السياسيّة، لكن نريد أحزاباً “متل الخلق” لننتمي لها”.

المرشّحون المستقلّون لم يكتفوا فقط بالحد المطلوب للبرنامج، إذ عادةً، ما تطلب الإدارة من المرشّحين الحديث عن نقاط معيّنة ومحدّدة، أمّا هؤلاء الطلّاب فتوسّعوا ببرامجهم. تقول لين “نحن اليوم في مرحلة انتقاليّة، ننتقل من بيئة لا تسمح أو بالأحرى تضع ضوابط ورقابة على النقاشات السياسيّة، بسبب حساسيّات النظام الطائفي، إلى بيئة أكثر ديمقراطيّةً تسمح لكل شخص أن يعبّر عن رأيه بحريّة. وجود مرشّح مستقل يكسر هذه الحواجز، كونه يتّبنى عادةً مقارباتٍ عابرة للمناطق والطوائف، وكونه يعتمد كفاءته معياراً للترشّح ولتمثيل كافّة الطلّاب بغض النظر عن انتماءاتهم”.

يأتي هذا الفوز بعد عامٍ من الانتفاضة، ليؤكّد على أنّ الشباب يريدون قولاً وفعلاً مناخاً سياسياً جديداً، ولدحض الإحباط الموجود عند مجموعات واسعة، فعلى الرغم من الصعوبات اليوميّة، والهم المعيشي، يفتح هؤلاء الطلّاب نافذة صغيرة للتغيير.

الإدارة والنهج البوليسي

على غرار إدارات جامعيّة أخرى، حاولت إدارة الجامعة اللبنانيّة الأميركية في بداية المطاف التضييق على الجو السياسيّ عموماً، وعلى الطلّاب المستقلّين خصوصاً. وقد بلغ بهم الأمر إلزام المرشّحين استبدال كلمة “تغيير” بمصطلحاتٍ تحمل طابعاً تسطيحيّاً، مثل “تحسين” أو “تطوير”. واستمرّ النهج الرقابي البوليسي، فتسربت هذه السلوكيات الى خارج الحرم الجامعي عبر عدّة مقالات وتغريدات لإعلاميّين ووجوهٍ معروفة. “لم تتغيّر طريقة تعاطي الإدارة معنا إلّا بعد أن نجحنا بتحويل هذه المسألة إلى مسألة رأي عام. حينئذٍ، تلمّسنا أن المعاملة أصبحت ليّنة أكثر. في النهاية، عَمَلنا يأتي ضمن خانة التعبير عن الرأي، ولا يحقّ للجامعة منعنا، سيّما أن قوانينها تكفل لنا هذا الحق”، تُضيف لين.

القوّات المضادّة لـ 17 تشرين

المفيد في المحطّات الانتخابية، أكانت نيابيّة أم نقابيّة أم طلّابية… أنّها تضع كل طرف سياسيّ في موقعه الطبيعي، دون مراوغة ولفّ ودَوَران. القوّات اللبنانية مثلاً، كانت من أكثر الأحزاب اللبنانيّة التي حاولت التماهي مع انتفاضة 17 تشرين، وأسهبت في رفع شعارات حول تأييدها الانتفاضة، إلى أن أتت الانتخابات.

من الطبيعي أن يكون من حق أي طرف الترشّح ضد أي طرف، لكن نتكلّم تحديداً عن “الهجمة المضادّة” التي شنّها مؤيّدو حزب القوات ومرشّحوه. غرّد أحدهم مثلاً “ع بكرا يوم انتخابات الجامعة الأمريكيّة، عبكرا تحدّي جديد بس كقوّات لبنانيّة ولا مرّة خفنا من تحدّي وكما ديماً رح نطلع منتصرين، فيَلّي ركّع السوري وخلّا جونية لجونية مش رح يستصعب كم واحد من 17 تشرين”. 

نحتار هنا على ماذا نعلّق. الكم المقيت من العُصبويّة، أو العنصريّة، أو التقوقع في حقبة تاريخيّة سوداء نستغرب التبجّج بها، أو، ما يهمنا في سياق حديثنا، الموقف من 17 تشرين، تحديداً من “عباقرة 17 تشرين”، كما قال متهكّماً، وهم المرشّحون المستقلّون. هذا التعليق لوحده كفيل يظهر ازدواجية كبرى  تسوء أجواء القوات.

التعجّب لا يتعلّق بالقوّات حصراً. فعلى المقلب الآخر، أو ربّما المقلب ذاته – مقلب السلطة نجد أن شريحة واسعة من طلّاب حزب الله، لم يتقبّلوا النتيجة لدرجة أنّهم تمترسوا خلف نغمة “قاطعنا الانتخابات، ونحن أكبر حزب في لبنان، ولو رشّحنا طلّابنا لكنّا نلنا أعلى نسبة”. 

يبقى السؤال، إن كانوا على هذا القدر من الثقة، لماذا لم يفعلوا؟ وهذا أساساً تناقض غريب مع منطق المقاطعة. 

والفضل لـ 17 تشرين

ويبقى الفضل الأكبر للمناخ السياسي المستجدّ، لا سيّما في الأوساط الشبابيّة، هو الواقع الذي فرضته 17 تشرين. هذه المحطّة فتحت بلا شك أفقاً جديداً في العمل السياسيّ. من الظلم الحكم عليها بالفشل لأنّها لم تحقّق التغيير المطلق، فهي أصلاً أعجز من أن تفعل ذلك. لكنّ نجاح 17 تشرين يكمن تحديداً في محطّات كمحطّة الأمس، في انعكاس الرأي العام الشعبي الذي رأيناه في الشوارع على مداخل المؤسّسات والنقابات والجامعات. ويبقى التعويل على شبان وشابّات يصبحون أكثر تمرّساً عند كل محطّة من العمل الطلّابي الديمقراطي، وعليهم التعويل لاحقاً في العمل السياسيّ خارج الجامعة.

يأتي هذا الفوز بعد عامٍ من الانتفاضة، ليؤكّد على أنّ الشباب يريدون قولاً وفعلاً مناخاً سياسياً جديداً، ولدحض الإحباط الموجود عند مجموعات واسعة، فعلى الرغم من الصعوبات اليوميّة، والهم المعيشي، يفتح هؤلاء الطلّاب نافذة صغيرة للتغيير. أمّا السلطة الحاكمة، فما زالت تُكابر، وتنقلب باستمرار على مكتسبات 17 تشرين، بتعنّتها الدائم وموقفها السياسيّ المعادي للفئات الشعبيّة، وتمسّكها بالنظام القائم.

تقول لين بحماسة ” نريد لأنفسنا أن نظهر قدرة المجلس الطلّابي الفعلية؛ عادةً، عندما كان المجلس مقسوماً بين 8 و14، كان صاحب الأكثريّة يعمل قليلاً، والطرف الثاني ينسحب تدريجيّاً من المشاركة ويُعادي عمل المجلس. أمّا نحن، وبعد أن نلنا الأكثرية، فنطمح إلى تفعيل المجلس بكل مكوّناته كمجلسٍ واحد. ونرى أنّ التوعية حول الحقوق والشأن العام جزء أساسياً من عملنا، كما خلق بيئة أنسب للانتخابات المقبلة”.