fbpx

المحتجزون اليمنيون من زنازين المتنازعين إلى السجن الأكبر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم الانفراجة التي أمنتها عملية تبادل المحتجزين بين أطراف النزاع في اليمن لمئات العائلات، إلا أن الخلط بين المحتجزين بين مدنيين ومقاتلين، تترتّب عليه انتهاكات أخرى بحق المفرج عنهم، فتفرّق الشمل بينهم وبين عائلاتهم، وجرى تقييد حقهم في التنقّل والسفر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أفرج طرفا النزاع في اليمن- الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)- يوميّ الخميس والجمعة 15-16 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عن 1056 محتجزًا من المدنيين والمقاتلين، ضمن خطوة مرحلية لتنفيذ “اتفاقية تبادل الأسرى” الملحقة بـ”اتفاق ستوكهولم”. 

على الرغم من أنّ أهاليَ بعض المفرج عنهم، تحدثوا عن أن ذويهم من المحتجزين لم يُخيّروا بين البقاء في مناطق سيطرة الطرف المحتجز لهم أو الانتقال لمناطق سيطرة الطرف الآخر، إلا أن مفرجًا عنهم آخرين قالوا  لـ”خيوط” إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر أجرت معهم مقابلات قبيل الإفراج عنهم، وتركت لهم ان يختاروا مكان السكن بعد الإفراج، وإنهم اختاروا الانتقال للسكن في المناطق التي توجهوا إليها بمحض إرادتهم، وأن اثنين منهم على الأقل، اختارا بالفعل البقاء في مناطق سيطرة الطرف المحتجز لهم. 

خطوة هامة لحلحلة ملف معقد

تحدثت تقارير للمنظمات الحقوقية، عن أن عمليات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، التي ارتكبتها أطراف النزاع، لم تقتصر على المنخرطين في النزاع والأعمال العدائية، بل طالت طيفًا واسعًا من المدنيين الذين أُلقي القبض عليهم من أماكن عملهم أو منازلهم أو من الطرقات.

واتهمت هذه التقارير الأطراف بارتكاب خروقات جسيمة لقواعد القانون اليمني النافذ ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقالت إنه لم تُوجَّه للعديد من المحتجزين تهمٌ رسمية، وتم احتجازهم لمدة طويلة في أماكن غير مؤهلة للاحتجاز، وأن كثيراً منهم تعرضوا للتعذيب وضروب من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. 

ماجد فضائل، الناطق الرسمي لـ”اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى”، التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا يؤكد لـ”خيوط” أن التعقيدات موجودة في ملف الأسرى والمحتجزين، لكن ما حدث في مونترو السويسرية خطوة إيجابية نحو بناء الثقة، التي لن تكتمل إلا بإخلاء المعتقلات والسجون والإفراج عن الجميع تحت قاعدة “الكل مقابل الكل”. ويضيف فضائل أن مفاوضات مونترو كادت أن تفشل في آخر يومين سبقت الاتفاق، نتيجة ظهور بعض المواقف المتحفظة تجاه بعض الأسماء المدرجة في كشوفات التبادل، منهم أحد الوزراء في الحكومة المعترف بها دوليًّا، المحتجز لدى سلطة أنصار الله (الحوثيين)، والمشمول بقرار أممي يطالب بالإفراج عنه.

مع ذلك، قال فضائل إنه تم المضي قدمًا في الاتفاق، والتوقيع على ما تم التوصل إليه، والبدء بتنفيذه على أن يكون هناك توقيع على اتفاق آخر يتضمن عقد جولة مشاورات في أقرب وقت، بحيث يتضمن بعض الأسماء ومنهم المشمولين بقرار مجلس الأمن، والتي تحفّظ عليها الطرف الآخر.

وبخصوص الإشكاليات التي حدثت قبل يومين من توقيع اتفاق التبادل وجرى على إثرها استثناء 10 محتجزين من كل طرف، يقول عصام شرف، المتحدث باسم لجنة الأسرى التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، إن أحد المسؤولين عن أحد أماكن الاحتجاز التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، رفض تسليم محتجزين محددين في كشوفات سلطة أنصار الله (الحوثيين)؛ الأمر الذي قال إنه “اضطرهم” إلى اتخاذ خطوة مماثلة بالتحفظ إزاء محتجزين من الطرف الآخر في عملية التبادل. وتوقع شرف أن تحل “هذه الإشكالية” قبل نهاية الشهر الجاري.

شرف كشف أن مدنيين كانوا من ضمن المحتجزين الذين تم الإفراج عنهم، منهم مجموعة من الصيادين جرى احتجازهم في عرض البحر، ومواطنين احتجزوا في المناطق الحدودية مع السعودية، وغيرها من المناطق اليمنية. وبحسب فضائل فإن 80% من المحتجزين الذين تسلّمتهم الحكومة المعترف بها دوليًّا، والمفرج عنهم من قبل أنصار الله (الحوثيين)، هم محتجزين مدنيين، و”تم القبض عليهم من منازلهم أو من الطرقات لغرض استخدامهم كرهائن ومبادلتهم بأسرى”.

اجتماعات واتفاقيات تمهيدية

 الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، أرجع أسباب العراقيل التي واجهتها اتفاقية تبادل الأسرى والمحتجزين خلال الفترة الفاصلة بين توقيع “اتفاق ستوكهولم” ولقاء مونترو، إلى تعنت سلطات صنعاء، التي -كما يقول- عملت على “تسييس هذا الملف”، واستغلاله سياسيًا، متهمًا سلطة أنصار الله (الحوثيين) بالاستمرار في “اختطاف المدنيين واستخدامهم رهائن، لغرض مبادلتهم بأسرى حرب مقاتلين”، بالإضافة إلى رفضهم الإفراج عن المعتقلين المشمولين بقرار مجلس الأمن، وعدم الإفراج أو مبادلة جميع الصحفيين المحتجزين لديهم.

وكان العدد المتفق عليه في الجولة الثالثة في الأردن- والحديث للمسؤول في الحكومة المعترف بها دوليًّا- نحو 1420 محتجزًا، لكن، كما يقول فضائل، فإن “تعنّت” سلطات صنعاء “حال دون الوصول إلى هذا العدد، ولذا تم الاتفاق فقط على 1081” محتجزًا.

عمليات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، التي ارتكبتها أطراف النزاع،

لم تقتصر على المنخرطين في النزاع والأعمال العدائية،

بل طالت طيفًا واسعًا من المدنيين.

 المبعوث الأممي، إلى اليمن، مارتن غريفث، أشاد في إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي، صبيحة تنفيذ الاتفاق، بهذه الخطوة، لكنه قال إنها “لا تشمل آلاف اليمنيين الآخرين الذين جرى اعتقالهم خلال هذا النِّزاع”. ومن المحتمل أن تعيد اللجنة الإشرافية لتبادل الأسرى والمحتجزين التئامها في نهاية مارس/ آذار 2021، لمناقشة المزيد من عمليات التبادل، بناء على الالتزام المشترك الذي وقعت عليه في لقاء سويسرا.

وتقول مديرة قسم الإعلام في مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، ازميني بالا، في تصريح لـ”خيوط”، إنه يجري العمل حاليًّا على تحديد مكان وزمان الاجتماع المقبل للجنة الإشرافية، إذ اتفق الأطراف على اللقاء مجددًا فور تنفيذ المرحلة الأولى من التفاوض، وأنه وفق توقعاتها، لن تكون هناك أية عراقيل تحول دون لقائهم مجددًا.

محاكمات وقصف محتجزين

نقابة الصحفيين اليمنيين رحبت من جهتها بعملية إطلاق سراح خمسة صحفيين، ضمن هذه الصفقة، وهم: “هشام طرموم، وهشام اليوسفي، وهيثم عبدالرحمن الشهاب، وعصام أمين بالغيث، وحسن عنّاب”، الذين قالت إنه “تم اختطافهم من أماكن عملهم”.

ودعت نقابة الصحفيين إلى إطلاق سراح بقية الصحفيين “المختطفين”، وهم: عبد الخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي، حارث حميد، سلطان قطران، وحيد الصوفي، بلال العريفي، محمد عبده الصلاحي، محمد الجنيد، وأستاذ الإعلام، وديع الشرجبي، ووليد المطري.

وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) حكمت في 11 أبريل/ نيسان 2020 بالإعدام على أربعة صحفيين محتجزين منذ العام 2015. وكان هؤلاء الصحفيين جزءًا من مجموعة أوسع ضمت 10 صحفيين وجهت لهم المحكمة تهمًا بصورة رسمية، في ديسمبر/ أيلول 2018، منها التجسس، ولاقت هذه المحاكمة إدانات واسعة في الأوساط الحقوقية.

وكانت محاكمة الصحفيين واحدة من محاكمات عدة طالت عشرات المحتجزين أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، التي انتهت إلى أحكام بالإعدام، كان أبرزها الحكم على 36 محتجزًا على خلفية النزاع الدائر في البلاد.

عبد المجيد صبرة، مُحامٍ متخصص في قضايا المحتجزين تعسفًا والمخفين قسرًا، قال لـ”خيوط”: إن “تلك المحاكمات تفتقر لأبسط مقومات المحاكمة العادلة والمنصفة”، وأنه “على الرغم من الجهود التي نبذلها وتبذلها المنظمات الحقوقية في الدعم القانوني للضحايا، إلا أن الأطراف تتخذ من تلك المحاكمات ذريعة لرفض وعرقلة الإفراج”. من جانبها، رحبت سماح سبيع، مديرة وحدة الدعم القانوني في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، بتنفيذ الأطراف للمرحلة الأولى من التبادل، وأشارت إلى أنه “خلال الفترة من يوليو/ تموز 2019 حتى يوليو/ تموز 2020، ساهمت محاميات ومحامو منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في مختلف المناطق اليمنية، في الإفراج عما يقارب 300 محتجز، قدمت لهم المنظمة الدعم القانوني أمام الجهات والأطراف المختلفة”.

ولم تكن هذه المحاكمات، هي الانتهاكات الوحيدة التي طالت المحتجزين، ففي تقريرهجائحة الإفلات من العقاب في أرض معذبة” الذي صدر في 9 سبتمبر/ أيلول 2020، أورد فريق الخبراء البارزين المعني باليمن، أن مقاتلات التحالف العربي بين السعودية والإمارات، شنت ليلة السبت 31 أغسطس/ آب 2019، سلسة من الغارات الجوية استهدفت مركز احتجاز غير رسمي كانت تديره جماعة أنصار الله (الحوثيون) في محافظة ذمار جنوبي صنعاء. وقال الفريق إن هذا المركز كان متعارفًا على كونه مركز احتجاز، وأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر سبق أن زارته مرات عدة قبل أن تستهدفه مقاتلات التحالف العربي، وأكد الفريق أن 134 من المحتجزين قضوا في هذه الهجمة، فيما جُرح 40 آخرون.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يشن فيها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، هجومًا على مراكز احتجاز. ففي 21 مايو/ أيار 2015، قصفت مقاتلات “التحالف” مبنى في جبل هرّان بمدينة ذمار، كان “أنصار الله” الحوثيون يحتجزون فيه مدنيين، بينهم صحفيين اثنين. وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، قصف مقاتلات التحالف العربي أيضًا سجن الزيدية بمحافظة الحديدة. وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول 2017، شنّ التحالف هجومًا على مركز احتجاز في مقر الشرطة العسكرية بصنعاء.

يذكر أنه ومنذ العام 2015، وحتى العام 2020، نجحت وساطات محلية في إتمام اتفاقات تبادل لمئات المحتجزين من المقاتلين، بين الأطراف في عمليات عدة ناجحة، فيما واجهت مبادرات أخرى عراقيل لوجستية.

وتزامنت هذه المساعي مع مخاوف للمنظمات الحقوقية والأمم المتحدة من تعرض المحتجزين اليمنيين لانتشار جائحة كوفيد 19، والمخاطر العالية لانتشارها، ما حدا بها لتوجيه نداءات متعددة للأطراف للإفراج عن المحتجزين. وفي استجابة محدودة بين مارس/ أذار ومايو/ أيار 2020، أفرجت أطراف النزاع عن العشرات من المحتجزين.

المفرج عنهم لا يزالون في أماكن أشبه بالمخيمات، خصوصًا في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا مثل مأرب.

أمة السلام الحاج رئيسة رابطة أمهات المختطفين، تقول بدورها لـ”خيوط”، إن اتفاقية تبادل المحتجزين كانت قبل عامين وأنجزت الآن، وثمّنت الحاج، الجهود التي بُذلت للإفراج عن المحتجزين، سواء من المدنيين أو المقاتلين.

وتضيف أن الصليب الأحمر خيّر المحتجزين المفرج عنهم بين البقاء في مناطق إقامتهم بعد الإفراج، أو الانتقال إلى مناطق سيطرة الطرف الآخر، لكن كثيرين فضلوا الانتقال لمناطق سيطرة الطرف الآخر، نظرًا لما حدث في مرات سابقة، إذ تم الإفراج عن معتقلين، ومن ثَمّ تم إعادة احتجازهم مرة أخرى.

وتوضح الحاج أن المفرج عنهم لا يزالون في أماكن أشبه بالمخيمات، خصوصًا في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا مثل مأرب؛ مشيرة إلى أن السلطات هناك لم تقُم بوضع ترتيب معين للمفرج عنهم، لتسكينهم أو لوضعهم في أماكن خاصة لإقامتهم. وترى رئيسة رابطة أمهات المختطفين، ضرورة أن يكون هناك معالجة لأوضاعهم.