fbpx

هاني شاكر يتقمّص السيسي ويجهّز الزنازين لـ”معارضيه”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

معركة هاني شاكر مع “المهرجانات” ليست شخصية فقط، إنها انعكاس لمعركة اجتماعية وسياسية ولصراع اجيال يفترض أن يتعامل معه القدامى بذكاء واحتواء واستخدام لـ”نعمة النسيان”. لكن يبدو ان نسيان فناني “المهرجانات” “صعب أكيد” على شاكر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يذكّرني هاني شاكر بزمن كنت أعيش في بيت جدي مع خالاتي، حينما قصدت العاصمة بيروت للدراسة في الجامعة. كانت خالتي الصغرى تضع أغاني هاني شاكر وهي تنظّف البيت وتمسح الأرض. تغني معه الأغنيات التي بغالبها تحمل مخزوناً من الأسى الذي يتسبب به الحب. وغالباً كانت خالتي تمسح الأرض بقلب مكسور، ولو أنها في احيان كثيرة كانت ترقص على اغنيات نادرة تحمل فرحاً إستثنائياً بصوت شاكر: “من بين الف ضحكة وضحكة بعشق ضحكتك”، مثلاً، أو “علّي الضحكاية عليّ”،  أو “كده برضه يا قمر” وكلها يمكنها أن تحرّض المستمع إليها على الرقص. 

هاني شاكر كان له الحظ ان ينتبه إليه الموسيقار محمد الموجي فلحّن له مع نهاية العام 1972 أغنية “حلوة يا دنيا”، ولمّا غناها ظنّها الناس أغنية جديدة للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ. ثم كانت له فرصة أن يصفه عبد الحليم في تقديمه لإحدى الحفلات بأنه “الموهبة الجديدة”. لكن هذه الموهبة لم تحز ثقة الكبار، خصوصاً محمد عبد الوهاب، الذي رفض أن يعطي أغنية “من غير ليه” التي وضع كلامها مرسي عزيز جميل ولحنها عبد الوهاب لأي من مطربي السبعينات والثمانينات، وخصوصاً هاني شاكر الذي سعى إليها، ولو ان موسيقار الأجيال سمح له لاحقاً بأن يغنيها، بعد ان  قام عبد الوهاب بتسجيلها بصوته في نهاية العام 1989 بعد غياب طويل وحققت نجاحاً ساحقاً، ونافست أغاني حميد الشاعري وعمرو دياب ومحمد منير وشاكر نفسه وغيرهم التي كانت بدأت باكتساح سوق الأغاني وشرائط الكاسيت في مصر في تلك الفترة. 

قام عبد الوهاب، قبل وفاته بسنتين، وكان على حافة التسعين، بتحدي “السوق” الذي كان هاني شاكر جزءاً منه، وتغلّب على الجميع بلحن عبقري وبأداء يتفق العارفون بالموسيقى العربية أنه ممتاز، ولم تكن لديه عقدة الغاء أحد من الجيل الجديد، بل لعب اللعبة على “أصولها”: قبل أن يبدأ توزيع “من غير ليه” اكتسح شريط “لولاكي” لعلي حميدة السوق وانتشر بسرعة كبيرة وأصبح حميدة نجم الموسم فقرر محمد عبد الوهاب أن ينسحب هو وشريطه لفترة حيث أمر بإيقاف توزيع الشريط مؤقتا لأنه يعلم أن “لولاكي” من النوع سريع الانتشار/ سريع الاختفاء، وصدقت توقعات موسيقار الأجيال واختفى “تراند” “لولاكي”، فأعاد طرح أغنية “من غير ليه” ونجحت الأغنية بشكل كبير وانتشرت بشكل واسع.

هاني شاكر كان له الحظ ان ينتبه إليه الموسيقار محمد الموجي

فلحّن له مع نهاية العام 1972 أغنية “حلوة يا دنيا

ولمّا غناها ظنّها الناس أغنية جديدة للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

لم يعتبر محمد عبد الوهاب علي حميدة تهديداً لأصالة الفن المصري، ولا منافساً مباشراً له. ولم يستخدم عبد الوهاب نفوذه لدى السلطات المصرية لمنع فناني الجيل الجديد من الغناء، وإن كان غير معجب بهذا النمط الجديد من الأغاني التي تُصنّف بـ”السوقية” لأنها تبتغي الربح السريع. وعبد الوهاب لم يكن يوماً بعيداً من السوق والإنتاج الفني، فلقد امتلك شركة انتاج افلام واسطوانات، وكان يعرف اهمية التجديد لمواكبة التطور واللحاق بالسوق، لكن كانت له فلسفته الخاصة لتقديم عمل متكامل يعيش طويلاً، فلا يموت بعد موجة “التراند” التي لا تدوم إلا فترة قصيرة ثم تنطفئ. ومن هنا ذكاء عبد الوهاب في مقاربته لحركة الفن، ومن هنا اكتسب لقبه العابر للزمن: “موسيقار الأجيال”. 

ماذا فعل هاني شاكر في موقف شبيه؟ 

استخدم كل نفوذه كنقيب للموسيقيين المصريين لمحاربة الموجة الجديدة من الغناء التي تكتسح الأسواق المصرية والعربية.أعلن الحرب الطاحنة والطائشة على مغنّي “المهرجانات” وقال شاكر في شباط/ فبراير الماضي إنه لن يسمح لهم بأن يعملوا في مصر، وأنهم سيحرمون من تراخيص العمل في البلاد، معتبراً ان ما يقدمونه “غير محترم” و”لا يليق باسم مصر”. كما استخدمت النقابة نفوذها، لتحذير المنشآت السياحية والبواخر النيلية والملاهي الليلية والكافيهات من التعامل مع مطربي المهرجان. وهددت النقابة بتطبيق الإجراءات القانونية بحق المخالفين بما في ذلك إصدار قرار بعدم التعامل معهم. وجاء تهديد النقابة بعد حفل موسيقي أقيم بمناسبة عيد الحب في استاد القاهرة، حيث أدى المطربان حسن شاكوش وعمر كمال أغنية “بنت الجيران” التي انتشرت بسرعة في حينها، ثم سرعان ما تراجع انتشارها، كما هو الحال مع اي اغنية لا تقوم على متن فنيّ قوي. 

لكن النقابة ومعها هاني شاكر، تصرّ بقلة ذكاء منقطعة النظير، على تقديم مادة مجانية سريعة الإشتعال والانتشار لأغاني المهرجانات، مع المضي في سياسة المنع والتهميش، فقد قضت محكمة مصرية في 31 تشرين الأول/ اكتوبر بحبس فنان المهرجانات حمو بيكا عامين مع الأشغال وتغريمه مبلغاً من المال، بتهمة سبّ المطرب هاني شاكر، نقيب الموسيقيين في مصر، وعدد من موظفي نقابة. الحكم جاء بعد شكوى من شاكر والنقابة بحق بيكا، بعد تصويره فيديو نشره على “فايسبوك” يتهجّم فيه على نقابة المهن الموسيقية إثر رفضها منحه تصريح عمل. كما هدد بتحريض جمهوره على النزول وتكسير نقابة الموسيقيين، مشيراً إلى كونه لا يعترف بهاني شاكر وفنه إن كان هو لا يعترف بأغاني “المهرجانات”. وقال بيكا: “معاي 20 فرد بيشتغل.. بياكل عيش… محدش هيقدر يمنعني من الغنا غير الموت، ولو على الحبس أنا مش خايف، والمرة الجاية هننزل وهنقول مش عايزين هاني شاكر…والمرة الجاية هيكون في شتيمة وقلة أدب ومش هحلكوا وهاجي اعملوكم ثورة”.

الكلمة الأخيرة من كلام بيكا الغاضب هي السرّ القادر على تفسير سلوك هاني شاكر، المطبّل لنظام عبد الفتاح السيسي، والممارس ديكتاتورية فنية على غرار الديكتاتورية العسكرية والسياسية التي يحكم بها النظام المصري شعبه. “هاجي اعملوكم ثورة”. هنا بيت القصيد في كل حركة “المهرجانات”. هي ثورة فعلاً، على المستوى الفنّي، ضد السائد المدجّن، وهي قادرة على التعبير عن الشارع والشباب والمراهقين بلغتهم. وقادرة ايضاً على كسر الكثير من التابوهات التي يريد لها شاكر ان تقيّد كالسلاسل المعدنية جسد الأغنية المصرية، لتكون منضبطة أخلاقياً واجتماعياً وصحيحة سياسياً. معركة هاني شاكر مع “المهرجانات” ليست شخصية فقط، إنها انعكاس لمعركة اجتماعية وسياسية ولصراع اجيال يفترض ان يتعامل معه القدامى بذكاء واحتواء واستخدام لـ”نعمة النسيان”. لكن يبدو ان نسيان فناني “المهرجانات” “صعب أكيد” على هاني شاكر، مع أنه، كما في اغنيته الشهيرة، يعرف “الحلّ الوحيد”: ان يبدأ حياته من جديد. ان يشتغل على فنه، وان يصدر اغنيات قادرة على المنافسة، كما فعل عبد الوهاب في آخر حياته، لأن ما يفعله شاكر “غلطة” وسيندم عليها حتماً، ولن ينفع معها لاحقاً أن يغني: “يا ريتني”.