fbpx

هل يفي بايدن بوعده أم يعيد خطأ جيمي كارتر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا اتسم عهد دونالد ترامب بالجهل والعنجهية في ما خص العلوم والبيئة، فإن عهد أحد أشهر الرؤساء الديموقراطيين اتسم بالانتظار ووصف بـ”السياسية الانتظارية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل الانتخابات الرئاسية بأيام، قالت لي ابنتي (13 سنة): “إذا فاز دونالد ترامب، سيكون يوماً حزيناً للجميع”. وافقتها الرأي وبدأنا نذكر الصفات التي لا نحبذها في شخصية ترامب السياسية، تحديداً تلك المتعلّقة بنظرته الساذجة إلى البيئة والتغير المناخي. نسيت ابنتي واجباتها المدرسية ليلة الانتخابات وسهرت على نتائج التصويت واستيقظت في اليوم التالي باكراً، على أمل رؤية نتائج حديثة عبر شاشة هاتفها الذكي. واستمر الحال حتى لحظة إعلان النتائج النهائية، هي التي نقلت إليّ الخبر: “لقد هزم جو بايدن دونالد ترامب”.

ابنتي روز، كندية ومولودة في مدينة مونتريال، وحتى إذا افترضنا أنها أميركية، فلا يحق لها التصويت، إنما يشير اهتمامها بمتابعة سير الانتخابات الأميركية منذ مراحلها التمهيدية حتى لحظة إعلان فوز الديموقراطيين، إلى اهتمام أوسع يوليه جيل جديد بالسياسة الأميركية وتأثيرها المباشر في العالم. جيل ولد كَونياً بفضل التطورات التكنولوجية المذهلة، ولم تعد المسافات المكانية عائقاً أمام آماله وتطلعاته نحو المستقبل. إنه جيل، سواء نشأ في نيفادا، مونتريال، باريس أو في سان-باولو، ينظر إلى الكون كما تنظر إليه الطيور المهاجرة. وقد رأيتم العام الماضي احتجاجات هذا الجيل الكَوني في مدن العالم دفاعاً عن الأرض وحمايتها لضمان مستقبل يليق بالبشرية، مستقبل لا تعيش فيه الأجيال الآتية في ظل الحرارة العالية، الجفاف، الفيضانات، الأوبئة، مستقبل لا يشهد انقراض الأحياء بسبب فقدان النظم الأيكولوجية. 

احتجاجات في أميركا على السياسات البيئية المتّبعة

لا يدور الحديث هنا عن دونالد ترامب، وتلك السياسات السيئة التي تركها وراءه، ذلك أن الماضي لا يفيد سوى في عدم تكراره، والحلول التي كان يمكن اعتمادها في الأمس، لم تعد حلول اليوم بكل تأكيد؛ إنما التواصل البيّني بين الأجيال كما بين ابنتي وأنا، كفيل بألا نكرر أخطاء سابقينا. هذا إن كنا نؤمن بالمستقبل وآمنّا بعدم ترك أرض جرداء للأجيال الآتية. ولكن، أثناء فترة حكمه لأربع سنوات حساسة في تاريخ العالم، ترك الرئيس النرجسي ماضياً قاتماً وثقيلاً في المجالات والحقول كافة، وقد نحتاج 40 سنة لإزالته وإصلاح ما تم تدميره بشأن البيئة والاحترار الكوني. فذلك كله لن يختفي بسهولة في حياة الأميركيين والعالم. تالياً، كلما فتح حديث عن تسريع فقدان الأرض، يكون اسم دونالد ترامب مرفقاً بحجم الخسارات التي تتكبدها البشرية إثر تغير المناخ.

لقد أطلق علماء أميركيون تحذيراً وقدموا نظرة قاتمة للمناخ عام 2017، وذلك في تقرير مطول أشاروا فيه بوضوح كامل إلى ارتفاع محتمل في مستويات سطح البحر يصل إلى 2.4 متر بحلول عام 2100، إضافة إلى الأضرار الناجمة عن الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة. وشارك في إعداد التقرير الذي لم تعره إدارة الرئيس المولع بذاته اهتماماً، مئات العلماء في الحكومة والأوساط الأكاديمية، محذرين من أن الولايات المتحدة ستخسر عشرات المليارات من الدولارات جراء التغير المناخي. إنما وبسبب عداء الرئيس المطلق للعلوم البيئية والحلول القائمة على تخفيض الكاربون في مواجهة تغير المناخ، تم وضع التقرير في خانة النسيان. لقد حل الاستهزاء المستمر بقضايا البيئة وتغير المناخ، محل الاستجابة والاستماع إلى العلماء في عهد ترامب. تالياً، إننا أمام ماض تصعب إزالته من دون الاستجابة للأزمات، استناداً إلى العلوم، بدل الخضوع للشركات العملاقة والاستثمار في الغابات الميكانيكية.

نحن ندفع اليوم ثمن تجاهل الديموقراطيين تحذيرات العلماء بشأن

المناخ قبل 40 عاماً.

وإذا اتسم عهد دونالد ترامب بالجهل والعنجهية في ما خص العلوم والبيئة، فإن عهد أحد أشهر الرؤساء الديموقراطيين اتسم بالانتظار ووصف بـ”السياسية الانتظارية”. فقبل أربعة عقود وعام، في 1979 تحديداً، خلص تقريران أصدرهما علماء في حكومة الولايات المتحدة برئاسة جيمي كارتر إلى أن الاعتماد على الوقود الأحفوري قد يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض من 2 إلى 3.5 درجة مئوية، ما يتسبب بذوبان جليد القطب الشمالي، وانخفاض الحصول على مياه الشرب فضلاً عن الآثار الرئيسية في الإنتاج الزراعي. في التقريرين، الأول بعنوان “تأثير طويل الأمد لثاني أوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي على المناخ” في ربيع 1979، والثاني بعنوان “ثاني أكسيد الكاربون والمناخ” صيف 1979، حذّر العلماء من تأثير استمرار حرق الوقود الأحفوري وتركز الكاربون في الغلاف الجوي في المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض. ويشير التقرير الثاني إلى مخاوف جدية بشأن انعكاس ارتفاع الحرارة على المحيطات كونها المنظم الحراري، المسؤولة عن تبريد الهواء صيفاً، وتدفئته شتاءً. ولكن ما حصل هو هيمنة سيطرة “السياسية الانتظارية” على إدارة جيمي كارتر في ما خص ذلك الإنذار الذي أطلقه العلماء قبل أربعة عقود حول المخاطر التي تحيط بالمناخ وتم وضع التقارير العلمية في أدراج النسيان. وحين تم الكشف عنها، كانت وصلت الشعبوية الترامبية إلى ذروتها، ضاربة عرض الحائط بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس/ 2015 بشأن المناخ، ناهيك بالانسحاب من مؤسسات دولية أخرى تعمل على إصلاح المناخ ووضع حد للاحترار، بينما تعد الولايات المتحدة المصدر الرئيس لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.

كان يمكن تفادي التغيرات المناخية القاسية والتي، قد تسبب خسارة الأرض، لو استجابت الحكومة الأميركية لنداء العلماء، ولجمت أطماع شركات النفط العملاقة للحصول على مال أكثر وأكثر. إنما خسر العالم تلك الفرصة الثمينة لتفادي خسارة الأرض عام 1979، وذلك بسبب نفوذ شركات النفط العملاقة في السياسة الأميركية وتأثيرها فيها، فضلاً عن أخبار علمية كانت تضلل الرأي العام وتفيد بأن العلوم والتكنولوجيا كفيلتان بإيجاد الحلول للمشكلات البيئية. وكانت الوعود العلمية التي فرضتها أموال الشركات العملاقة على الأوساط العلمية ومكاتب محرري الصحف والمجلات والقنوات، ترى أن التكنولوجيا الحديثة لا تجيد الحلول فحسب، بل ستجعل كثيرين يتمتعون بحياة لم تحلم بها الأجيال السابقة، وكان يتم استثمار حدث إرسال أول إنسان إلى سطح القمر في سياق الوعود ذاته. 

نحن ندفع اليوم ثمن تجاهل الديموقراطيين تحذيرات العلماء بشأن المناخ قبل 40 عاماً، وستدفع الأجيال الآتية ثمناً أصعب، جراء سياسات ترامب الحمقاء بعد 40 سنة، وقد لا تحتل المدن الساحلية الأميركية موقع مفاتيح الانتخابات الأميركية حينئذ بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. اقتضاباً، يؤدي أي تجاهل أو انتظار آخر إلى إفساد ما تبقى من الحياة الممكنة على هذه الأرض. ولهذا السبب لا تطيق ابنتي وجيلها في كل مكان في العالم، رؤية ثقيل الظل دونالد ترامب.