fbpx

الثورة السورية بلا مضمون تحرري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استعادة البعد التحرري للثورة بما يخص حرية الجماعات يستلزم البحث في طبيعة النظام المستقبلي للبلاد، بعيداً من أي شروط مسبقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع انطلاق الاحتجاجات ضد النظام السوري، برزت الحرية بوصفها قيمة تعرّف بالسلب من السلطة الحاكمة، وليس بالإيجاب من المجتمع المنتفض، بمعنى أنها انحسرت إلى هدف إسقاط النظام واستبداله بآخر، وتأجل التفكير بكيفية ترجمة الحرية في السياسة وانعكاس ذلك في نظام حكم يرضى عنه المجتمع بمختلف تراكيبه. توازى ذلك، مع التمسك بما هو ثقافي لا سيما العنصر الديني، لدى جمهور الثورة، فكانت حرية الأفراد ضحية بعدما سبقتها حرية الجماعات.

والحال أن تكلس قيمة الحرية وحصرها بالضدية تجاه النظام، مرده النظر إلى المجتمع السوري باعتباره كتلة واحدة متجانسة ومتآلفة، ومع أن النظام حاول خطف طائفة من هنا وكسب طائفة من هناك، لكن بمجرد سقوطه، ستحل المشكلة. أي أن إغفال تعقيدات المجتمع وانقساماته، ارتبط باستسهال التفكير بالحرية واعتبار الأخيرة معطى يتحقق بمجرد تغيير الحكم، وليس سيرورة تستدعي البحث في طبيعة نظام الحكم المقبل، وقدرته على تمثيل الجماعات، ومنحها حقوقها. هكذا، تم فصل الحرية عن الناس، وتصويرها كقيمة منزهة، تسبغ عليها أبلغ الأوصاف كمطلب المنتفضين وهدفهم، لكن في الوقت نفسه، هي خالية من أي معنى يتمثل بتدبير أحوال هؤلاء المنتفضين وملاحظة اختلافاتهم وترجمتها في السياسة.

 الحرية مرتبطة بتغيير الخرائط أيضاً وليس التظاهر والهتافات ضد المستبد وحسب.

وكأن توسط الحرية بوصفها قيمة عليا جوهرانية، شعار البعث الشهير، “وحدة حرية اشتراكية”، انتقل إلى المعارضة التي احتفظت بتجريد المفهوم، وأضافت عليه بعداً تعبوياً، يتمثل بقتال النظام وإسقاطه. بعثنة المفهوم بمعنى تنزيهه عن الناس وربطه بعمومية تحيل إلى تحرير الوطن من الاستعمار وهيمنته بمعزل عن الديموقراطية وممارستها، أعادت المعارضة إنتاجها، مع فارق أن الاستعمار استبدل بالنظام.

وعليه، لم يتم إنزال قيمة الحرية إلى السياسة في سوريا، عقب الثورة، بمعنى ترجمة المفهوم بتقديم مقترح نظام ديموقراطي يسعى إلى تمثيل الجماعات ومراعاة هواجسها، وحقها في تقرير مصيرها، تم التمسك بوحدة البلاد، وعزل الانقسامات خصوصاً الطائفية منها، عن أي بحث حول نظام الحكم الجديد.

وإذا كانت المعارضة بهذا السلوك تسببت بالتضحية بحرية الجماعات، عبر ما ورثته من البعث من تفكير إيديولوجي صلب، فإن مجتمع الثورة ضحى بحرية الأفراد، عبر حصر الحرية بمعاداة النظام، وعدم إسقاطها على الثقافي والاجتماعي والديني. جمهور واسع من مؤيدي الثورة أيدوا الحرية لأجل إسقاط النظام فقط، مع رفض قاطع لأي حق للأفراد، لاختيار هوياتهم الجنسية والدينية وسواها. تم التمسك بالثقافي، بوصفه معطى ثابتاً وقيماً صائبة لا تحتاج إلى تطوير، بمعنى أن الحرية تقف عند تغيير النظام فقط، وليس القيم التي بطبيعة الحال ساهمت بتكريس هذا النظام واستمراره.

والحال فإن تنزيه الحرية عن الثقافي، استكمل تنزيهها عن السياسي، مرة عبر البعث وإرثه الإيديولوجي الممتد في ذهنية المعارضة، ومرة عبر التمسك بالثقافي الذي تصلب أكثر وبات يتمظهر بالعنصر الديني، ويتحكم في تفكير جمهور واسع مؤيد للثورة. 

استعادة البعد التحرري للثورة بما يخص حرية الجماعات يستلزم البحث في طبيعة النظام المستقبلي للبلاد، بعيداً من أي شروط مسبقة. والاقتناع بأن الحرية مرتبطة بتغيير الخرائط أيضاً وليس التظاهر والهتافات ضد المستبد وحسب. أما حرية الأفراد  فتحتاج إلى أمرين، الأول: نقل الثقافي بمكونه الديني، من مجال المعطى الطبيعي إلى مجال التفاوض مع القيم الحديثة، والثاني: ضمان حقوق النساء والأقليات الجنسية في القوانين، بحيث يصبح الثقافي ورشة إصلاح لتفريغه من القيم السلبية، من دون أن يؤثر ذلك، في ممارسة البشر حرية خياراتهم.