fbpx

السويداء: عصابات يدير النظام السوريّ ظهره لها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أزاح النظام يده الأمنية عن محافظة السويداء وأدخل أذرعاً له ساهمت في صنع حالة من عدم الاستقرار، كرد على عدم إرسال أبناء السويداء إلى الخدمة العسكرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المرة الأولى التي أدركت فيها كم اللغط الذي يحيط حياة سكان مدينة السويداء ومعتقداتهم، كانت منذ سنين، حين سألت شابة من الشمال السوري، صديقتي من السويداء عن عاداتهم: “هل تأكلون لحم الكلاب؟”، حينها أيقنت أن هذه المدينة الصغيرة معزولة تماماً، كما كثير من المناطق والمدن السورية، ما جعل حكاياتها غريبة غامضة، تشوبها أسئلة كثيرة عن طبيعة المدينة دينياً، اجتماعياً وسياسياً.

بعيداً من الحكايات الشعبية، والمعتقدات الخاطئة والصورة النمطية، وبعد عشر سنوات من الحرب، ما زالت أسئلة كثيرة تدور حول هذه المدينة، ومرد ذلك إلى قلّة المصادر والتعريف بالآخر المختلف، إضافة إلى انغلاق الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها جزء كبير من سكان السويداء، واقتصار شعائرها على المنتسبين إليها.

مدينة بلا أسرار

مرت على هذه البقعة الجغرافية حضارات كثيرة، استوطن المسيحيون منطقة حوران بما فيها مدينة السويداء إلى أن جاء المسلمون وطردوهم، ثم حكمها بعض المسيحيين واليهود، وبقيت على هذه الحال إلى أن هجم عليها الأمير علم الدين بن معن في القرن السادس عشر، وعيّن حمدان الحمدان على الدروز، ولم تكن السويداء حينها تتألف سوى من خمس قرى. وحين عاد الأمير علم الدين إلى لبنان أوكل للحمدان هذه البقعة الذي سعى إلى التوسع بالمدينة عبر استجلاب الدروز من لبنان، ولتقوية ذلك أباح أموال الجوار، وتأمين معيشة الوافدين وعملهم، ومن ثم إيجاد الزعامة الروحية للتأثير في الناس. أما الاستقرار الحقيقي الذي يميل إلى أن يشبه الحياة اليوم، فبدأ في مطلع القرن التاسع عشر، مع هجرات آتية من لبنان وفلسطين وحلب.

تشتمل السويداء على غالبية من الدروز وأعداد قليلة من المسيحيين والمسلمين، يبلغ تعداد مدينة السويداء حوالى 555,000 نسمة.

في كلّ قرية في السويداء هناك مجلس ديني، يذهب إليه المنتسبون رسمياً ويدعون رجال الدين أو “الأجاويد”، ويقال إن من أسباب سريّة التعاليم هو الاضطهاد الذي عانت منه الطائفة سابقاً، لاحقاً بات بإمكان العامة حضور جزء من الصلاة، لكن بعض الأسرار تحق لرجال الدين والشيوخ حصراً معرفته. أما صلوات المؤمنين فهي قريبة من الإسلام، ويعتبر الدروز أنفسهم فرعاً من الإسلام وهو ما أكده جامع الأزهر.

لكن في الحقيقة هذه الأسرار ليست ممارسات غريبة أو تعاليم متطرفة، بل صلوات، لكن التشديدات حول الانتساب وحصر المعرفة بالمنتسبين أديا إلى هذا الغموض، فالفرد هو الذي يقرر الدخول والالتزام دينياً، وإن أراد أحد الانتساب للطائفة رسمياً يتقدم بطلب إلى العقلاء الذين يجب أن يكونوا راضين عن تصرفاته الأخلاقية وله سمعة حسنة وإن قُبِل فيتعهد بحفظ سرّ الطائفة وعدم إشهاره.

السويداء كدويلة مستقلة

سياسياً، يبدو أن الزمن يعيد نفسه، فكما رفض أهالي السويداء إرسال أبنائهم إلى الجيش أثناء الاستعمار العثماني، ها هم اليوم يفعلون الأمر ذاته، وهو ما اعتبره النظام تحدّياً له. وإن دلّ ذلك على شيء فهو على مدى التحام هذه المدينة وميل أبنائها ليكونوا دويلة مستقلة بحد ذاتها، رافضين الخدمة خارج حدود محافظتهم. تثبت جميع المعطيات ذلك وإن كان مفهوم الدولة أرخى بقوانينه على هذه المدينة، ما زاد الشعور الوطني والتكاتف بين مكوناتها، علماً أن السويداء لا تخلو من هزات بين الحين والآخر، وربما يكون آخر اقتتال هو ما حدث بين بدو السويداء والدروز عام 2000 حين اضطرت الدولة إلى إرسال الجيش لوقف الاقتتال.

تلعب جهات سياسية عدة دوراً في مدينة السويداء منها روسيا و”حزب الله”، أما “مشيخة العقل” والتي تتألف من 3 مشايخ هم: حكمت الهجري ويوسف جربوع وحمود الحناوي، فتمثل سلطة دينية مطلقة يتبعها أبناء المحافظة، وتستطيع إقرار الكثير من القوانين التي يرضخ لها الجميع خوفاً من الإبعاد من الطائفة. لكن جزءاً من السكان مؤمنون تماماً برؤية المشايخ وقدرتهم على قيادة الطائفة نحو الطريق الصحيح.

 وكرد على عدم إرسال أبناء السويداء إلى الخدمة العسكرية أزاح النظام يده الأمنية عن المحافظة وأدخل أذرعاً له، ساهمت في صنع حالة من عدم الاستقرار كـ”كتائب البعث” و”الدفاع الوطني”، ما أثار حالة من الفلتان الأمني، وتشكيل عصابات تتبع سواء لعائلات أو لقرى. يقوم جزء من هذه العصابات بعمليات خطف ونهب تصل إلى القتل حتى ارتفعت حدة الاقتتال، واليوم تعاني المحافظة من معارك بين بعض بلداتها كما يحصل بين مدينة شهبا وبلدة شقا، إثر قضية ثأر تطورت إلى قطع طرق واستخدام أسلحة ثقيلة، مع انسحاب كامل لقوى حفظ النظام أو الشرطة. ولم تتدخل الدولة لحل النزاع بين البلدتين أو أي نزاع آخر، ويُترك ذلك عادةً لمشايخ العقل، وهو أمر لا ينجح دائماً، فتزيد الفوضى. 

فهل يودُّ النظام السوري تعليم المدينة الصغيرة درساً قاسياً؟

اليوم الأسود ومناورات الجهات السياسية

تشتمل السويداء على غالبية من الدروز وأعداد قليلة من المسيحيين والمسلمين، يبلغ تعداد مدينة السويداء حوالى 555,000 نسمة. ولأهل السويداء حكايات وارتباط وثيق بالأرض يتجسد في الحياة اليومية والاقتصادية بأساليب مختلفة، فعلاقتهم بالحجارة السوداء لا ترتبط باستخدامها في البناء قديماً، وحسب، فاليوم تشكل صناعة البازلت وتشكيله واحدة من الصناعات التي تعكس علاقة السكان بالأرض، والتي لا تختلف عن علاقتهم بها في أيام الربيع حين يخرج الأهالي والنساء لجمع أنواع معينة من الأعشاب والنباتات التي تستخدم في الطعام، تعتمد عائلات كثيرة بخاصة في القرى، على الأرض كمورد للطعام خلال فصل الربيع.

بعدما نزح كثر من سكان محافظات دمشق وريفها والقنيطرة ودرعا خلال السنوات الماضية بعد ثورة 2011 والحروب التي تتالت، لاقوا في معظم الأحيان معاملة طيبة من الأهالي هناك، ويقدر عدد الوافدين إلى السويداء بـ100,000 وافد. إلّا أن البعض عانى بشدة، فمثلاً حين تحول معسكر الطلائع في قرية رساس إلى مأوى للاجئين تشرف عليه الدولة، عاش الأهالي هناك وضعاً تعيساً بانتظار الطعام والرعاية الصحية ولصعوبة إيجاد فرص العمل كان الواقع يزداد سوءاً.

يقدر عدد الوافدين إلى السويداء بعد عام 2011 بـ100,000 وافد

منذ بداية الثورة السورية وانقسام السويداء بين من يقف على الحياد وبين مؤيدين للثورة، تعقّدت الأمور، ولعبت أطراف عدة أدواراً سياسية مختلفة للسيطرة عليها، فخضعت كما دوماً للحكم الذاتي الديني. كما ظهرت ميليشيات مسلحة منها عائد للنظام السوري كـ”الدفاع الوطني” و”كتائب البعث” ومنها ما يعود إلى رجال دين كـ”حركة رجال الكرامة”، التي أعلنت مسؤوليتها عن حماية المحافظة من أي اعتداء خارجي ووقوفها على الحياد من الأحداث السورية، وقد اغتيل قائدها وحيد البلعوس عام 2015.

تعرضت السويداء لهزّة كبيرة في 25 تموز/ يوليو 2018 حين هجم تنظيم الدولة “داعش” على قرى شرقية، حيث قَتل عائلات كاملة واختطف أطفالاً ونساء، وقام بعمليات تصفية تزامناً مع تفجيرات في المدينة راح ضحيتها حوالى 250 ضحية.

نساء السويداء…

حياة نساء السويداء تشبه حياة نساء المحافظات الأخرى، بما فيها من ظلم اجتماعي وتحكم أسري بمصائرهن، إذ ما زلن يعانين من غياب قانون يقف إلى جانبهن، فالمرأة الدرزية لا ترث من والديها لأنها تتبع لزوجها، ولا يحق للرجل سوى الزواج بامرأة واحدة وإن طلقها طلاقاً لا رجعة فيه لا يستطيع العودة إليها بأي طريقة.

يشكل مفهوم “العرض” الذي ينشأ عليه أبناء السويداء وبناتها الركيزة الأولى لطريقة التعامل مع المرأة في كلّ مراحل حياتها، والعرض هو شرف الإنسان وهو مرتبط بشكل مباشر بالمرأة وجسدها سواء كانت أختاً أو أماً أو ابنة، ولا جريمة أكبر من انتهاك عرض رجل أو شاب من السويداء، فتدور إثر اتهام رجل بشرفه عراكات فردية تتطور إلى مواجهات مسلحة وقتل، لاسترداد “الشرف” المزعوم هذا.

كذلك يمنع أبناء الدروز من اختيار أزواج من طوائف أخرى. وفي حين يتم التساهل أحياناً مع رجال يتزوجون فتيات من خارج الطائفة، تعامل الفتاة الدرزية بقسوة وينكر أهلها وجودها إذا تزوجت من رجل غير درزي، وتتم ملاحقتها ويقتلها في أحيان كثيرة أخوها أو أبناء عمومتها وتختتم عادة جريمة القتل هذه بزغاريد نساء العائلة احتفالاً بالنصر على جسد الفتاة المغدورة.

القصص التي تطفو  على السطح، على وسائل التواصل الاجتماعي أو في ما يتناقله الناس، تعكس معاناة كثيرات بسبب العنف المنزلي الذي يمارسه الأزواج والأهل، وتتكرر بشكل مأساوي جرائم قتل النساء تحت مسمى “الشرف”، هكذا تبدو السويداء مدينة متناقضة فبينما تجد فتيات يرتدين “شورتات” ويحملن آلات موسيقية، لا تجرؤ أخريات على المطالبة بأبسط الحقوق.

هذه المدينة الصغيرة تعاني اليوم وقد تكون واحدة من أكثر المحافظات التي تسودها الفوضى، وفي ظل الفلتان الأمني الذي تعيشه سيكون المستقبل أكثر تعقيداً، فإما أن تغدو مدينة عصابات أو ستؤول الأمور إلى سيناريو النظام، الذي خطط له، على قاعدة طلب تدخله مقابل إرسال الشباب إلى الخدمة العسكرية لتعود المدينة تحت جناح النظام.