fbpx

لبنان: هل يستحق وزير الداخلية تحية بعد كل ما ارتكبه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قال وزير الداخلية اللبناني أن 95 في المئة من القضاة اللبنانيين فاسدون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل يستطيع “درج” أن ينشر مقالاً يتضمن دفاعاً عن وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي بعد كل ما ارتكبه هذا الرجل؟ الأمر ليس بدهياً وينطوي على مغامرة. ففهمي أعلن ذات يوم بالفم الملآن أنه قتل رجلين، وسقط جندرياً حين طالب النساء بأن يدخلن إلى المطابخ يوم الأحد في واحدة من أكثر التصريحات ابتذالاً. هذه عينات من سقطات محمد فهمي، لكنه نطق في طلته الأخيرة “جوهرة” يستحق عليها تحية، بعدما أشبعناه نقداً وشتماً، في بعض الأحيان، وذلك قبل أن يتراجع عنها. قال وزير الداخلية اللبناني أن 95 في المئة من القضاة اللبنانيين فاسدون. وهو ما استدرج ذهولاً وردوداً من القضاة، كان آخرها استدعاء مدعي عام التمييز غسان عويدات، الوزير فهمي للاستماع إليه.

كلام الوزير مذهل طبعاً، وهو مذهل بدقته هذه المرة، لكن المذهل أكثر أن يشعر القضاة بالإهانة بعد كل الذي صمتوا عنه من انتهاكات فظيعة للقوانين. لقد أقدمت المصارف اللبنانية على مخالفة القانون نحو مليون ونصف المليون مرة عندما منعت على هذا العدد من المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين حقهم في التصرف بودائعهم. نحو مليون ونصف المليون مخالفة للقانون لم تحرك في القضاء اللبناني، الذي جُرح شعوره جراء كلام فهمي، ساكناً!

هذا على مستوى الكمية، أما الانتهاكات النوعية للقانون والتي حصلت في ظل صمت القضاء، إذا لم نقل في ظل تواطئه، فهذه لنا معها نحن اللبنانيين، والصحافيين تحديداً، صولات وجولات. ما أن يُمس سياسي من الطبقة الحاكمة والفاسدة حتى يتحرك القضاء ويبدي رشاقة هائلة، أما حين يرتكب سياسي كبيرة، وما أكثر هذه الكبائر، فيواصل القضاة نومهم الذي لا يوقظهم منه إلا هاتف أحد الرؤساء ليذكرهم باستدعاء خصومه.

زميلنا في “درج” شربل خوري كتب “بوست” على صفحته هزئ به من القديس مار شربل، فاستدعاه القضاء بعد أقل من ثلاثة أيام بتهمة ازدراء الأديان. شربل نفسه صُرف تعسفياً من عمله السابق قبل نحو ثلاث سنوات ورفع دعوى قضائية يطالب فيها بحقه بتعويض، وإلى اليوم لم تُحدد جلسة للنظر في دعوى شربل. زميلة أخرى هي ديما صادق لفتت إلى دعوى قضائية رفعها ضدها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد حلقة تلفزيونية تناولته فيها، فكان أن حددت الجلسة فور انتهاء الحلقة.

ما أن يُمس سياسي من الطبقة الحاكمة والفاسدة حتى يتحرك القضاء ويبدي رشاقة هائلة، أما حين يرتكب سياسي كبيرة، وما أكثر هذه الكبائر، فيواصل القضاة نومهم .

في تجاربنا الكثيرة مع القضاة اللبنانيين، نادراً ما وقعنا على قاضٍ يُقدم الحق على نفوذ النافذين. كارلا الشواح قاضية الأمور المستعجلة في بيروت أبدت أكثر من مرة صلابة ومتانة في تصديها لقضايا رفعها سياسيون على صحافيين ونشطاء، وهي لم تقبل بصفة العاجل في دعوى أحد السياسيين على “درج” فرفضت الدعوى، وأبطلت قرار رئاسة الجمهورية بمنع محطة “أم تي في” من الدخول إلى القصر الجمهوري. الشواح جزء من الخمسة في المئة الذين أشار إليهم فهمي، ونحن هنا إذ نرفع القبعة لها، سنحاول تجنيبها فعل ذلك في سياق رفعنا القبعة لفهمي، ذاك أنه من المرجح أن يكون كشفه عن فساد القضاة زلة لسان قد يتراجع عنها في ظهوره التلفزيوني المقبل.

أما ذروة الذهول في رد فعل القضاة على كلام فهمي فبدت بتجاهلهم حقيقة هائلة تتمثل في أن انفجاراً صنف كثاني أكبر انفجار في التاريخ أصاب العاصمة بيروت، نجم عن تخزين مواد متفجرة في المرفأ بمعرفة عدد كبير من السياسيين الذين اعترفوا بمعرفتهم بوجود هذه المواد، وإلى الآن لم يتم توقيف أي سياسي من هؤلاء، فيما اقتصرت التوقيفات على عدد قليل من المديرين، يرجح أن يطلق سراحهم قريباً.

الشواح جزء من الخمسة في المئة الذين أشار إليهم فهمي

لبنان بلد مفلس بفعل فاعل، وبلد مهترئ بفعل فاعل، وبلد مرتهن بفعل فاعل أيضاً، وهذا الفاعل معلن ولا يخجل بفعلته. الصحافة أدت دورها في الكشف عما يمكن كشفه واستخدم صحافيون ما أتيح لهم من أدوات (حكم الفاسد في “نيو تي في” وملفات الفساد في نشرة أخبار “ال بي سي” والكثير من الجهد الاستقصائي الذي رافق الانهيار والانفجار). الشارع أيضاً لم يكن كسولاً، وانتفاضة 17 تشرين وضعت الطبقة السياسية برمتها في العراء. وها هم الطلاب يكشفون عما تبقى في الصدور ويهزمون أحزاب السلطة في الانتخابات الجامعية. المحامون أيضاً انتخبوا نقيباً من خارج خيارات سلطة الفساد.

لا قيمة لكل هذا طالما أن القضاء مرتهن، وهو مرتهن فعلاً.