fbpx

كيندا الخطيب vsعامر فاخوري: عدالة المحكمة العسكرية اللبنانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

العمالة لـ”إسرئيل” تُهمة تحمل درجة عالية من الخطورة في لبنان، وتهم العمالة باتت، في أحيان كثيرة، تُوزَّع بشكل اعتباطي لحسابات شخصيّة أو سياسيّة، فيما يبدو تعاطي القضاء اللبناني استنسابياً معها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فالعميد المتقاعد في الجيش اللبناني والقيادي في “التيار الوطني الحر” فايز كرم، الذي أدين بتهمة “التعامل مع العدوّ” بعدما أظهرت داتا الاتصالات أنه كان يخدم مشغّلاً سويسريّاً- إسرائيلياً ويراسله، أوقف في آب/ أغسطس 2010 وحُكِمَ عليه بالسّجن سنتين ليخرج قبل انتهاء محكوميّته، ويفتح الشامبانيا احتفالاً.

المخرج وكاتب الأفلام اللبناني الفرنسي زياد دويري، الذي أقام قرابة عام في تل أبيب لتصوير فيلمه “الصدمة” واستعان بممثلين وتقنيين إسرائيليين كما تحدّث إلى صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبريّة، حوكِمَ بجنحة “الدخول إلى بلاد العدو من دون إذن مسبق”، علماً أنّه قال في دفاعه إنّه “وّجه رسالة إلى السلطات اللبنانية أبلغها فيها أنه يريد التصوير على أرض الواقع دفاعاً عن القضية الفلسطينية”، من دون أن “يتلقى أيّ ردٍّ من وزارة الدفاع اللبنانية”. بقي ساعتان رهن الاعتقال والتحقيق قبل أن يُطلَق سراحُه.

وقبل فترة ليست ببعيدة، ضجّ الشارع اللبناني بخبر إطلاق سراح عامر الفاخوري، أحد أشهر عملاء إسرائيل في لبنان وأعنفهم، والمعروف بـ”جزّار الخيام”، بعد اعتقاله لدى عودته إلى لبنان في شهر أيلول/ سبتمبر 2019، وذلك بقرار من المحكمة العسكرية، وهو ما شكّل فضيحة كبيرة أحرجت الطاقم السياسي كلّه وخصوصاً “حزب الله”.

الممثّل والمسرحي اللبناني زياد عيتاني كان بدوره ضحية “تهمة” العمالة، التي لفّقتها له المقدّم سوزان الحاج وأُدخل السجن، ليتبين في ما بعد أنه بريء، ولولا تقاطع قضيته مع لحظة سياسية مفصلية هي الانتخابات النيابية لكان ربما وراء القضبان حتى اليوم.

كيندا الخطيب

هذا العرض لهذه الأمثلة لا يأتي طبعاً في سياق الدفاع عن “التجسس لصالح العدو” والتي يعاقب عليها صراحة القانون اللبناني. ولا يأتي في سياق إدانة أي أحد من المذكورين خارج إطار المحاكمات العادلة التي يجب أن تكون حقاً بدهياً لأي متهم. لكنها أمثلة يمكن أن تبيّن الاستنسابية في تعاطي القضاء اللبناني، والمحكمة العسكرية تحديداً مع هذه الملفّات. فالناشطة اللبنانية كيندا الخطيب مثلت أمام المحكمة العسكريّة بتهمة “الاتصال مع العدوّ”، ليصدر في حقّها حكم بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، إضافة إلى غرامة مالية.  

وكيندا ناشطة متحمّسة إلى حدّ “التهوّر”، كما يصفها من يعرفونها عن قرب. لها آراء سياسية متطرفة ضد “حزب الله” اللبناني، وخلال جلسة محاكمتها، قالت الخطيب إنّ “صحافيّاً يعمل في القناة 11 الإسرائيلية، يدعى روي قيسي، تواصل معها عبر موقع تويتر ولم تكن على معرفة بهويته، وعندما علمت أنه إسرائيلي أبلغت القوى الأمنية اللبنانية بالأمر”. وعن سبب عدم حجب قيسي عندما علمت بهويته، أكدت الخطيب أنها “اعتبرت أن هاتفها كان تحت المراقبة الأمنية وليس هناك ما يثير الريبة لأن كل حساباتها كانت مفتوحة”. كما نفت دخولها إلى “إسرائيل” على الإطلاق أو الاجتماع بأي إسرائيلي أو تزويد أحدهم بأيّ معلومات أمنية.

كما ألقت باللّائمة على رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم الذي لم يطلب منها قطع التواصل مع الصحافي الإسرائيلي عندما أبلغته بتواصلهما عبر “تويتر”. شقيقة كندا، ياسمين تقول إن أختها “دفعت ثمن مواقفها السياسية المناهضة لحزب الله”، وتضيف: “كانت تنتقد حزب الله بشكل جارح وكانت ناشطة ومؤثّرة على مواقع التواصل، وهم رأوا أنّها كانت مُتابَعة بقوّة على موقع تويتر وأنّ صوتها مسموع، وهذا بحد ذاته يهدد الحزب داخليّاً وخارجيّاً، وهذا ما جعلنا على يقين بأن الحزب هو الطرف الأقوى الذي لفّق لها الملف”. وتكشف ياسمين أنّ كيندا سبق أن تعرّضت لتهديدات وإساءات لكنّها كانت تعتبرها مجرّد “حكي ذباب إلكتروني”، وكانت تقول: “شو بدّن يعملوا معي يا بيقتلوني برصاصة يا بيتهموني بملف عمالة”.

إقرأوا أيضاً:

وكيلة الدفاع عن الخطيب، جوسلين الراعي، رفضت الإدلاء بأيّ تصريح واكتفت بالقول لـ”درج” إنّ فريق الدفاع “في صدد التّحضير لتمييز بهدف تقديمه إلى المحكمة”. ولم تتسلّم الراعي بعد الحكم الصادر بحق الخطيب “لمعرفة تعليل المحكمة”.

تقول المحامية ديالا شحادة لـ”درج”: “ليس واضحاً إذا ما كانت الخطيب حُكِمَت بجناية التعامل والتواصل أم بجنحة التواصل وبالعقوبة القصوى”.

العائلة تلقّت “وعوداً من رئاسة المحكمة العسكرية بأنّ الملف فارغ

ولا معطيات ثابتة لإدانة كيندا.

الفارق في القانون بين التواصل والتعامل هو أنّ الأوّل “لا يتضمّن نيّة تقديم خدمات للعدو تصبّ ضد مصلحة البلد”، أمّا الثاني فيتضمّن “تقديم خدمات للعدوّ تفيده ضدّ الدولة اللبنانية”، وفقاً لشحادة التي تشير إلى حصول اجتهادات في المحكمة حول طبيعة هذه الخدمات.

في الحالتين، تعتبر شحادة أنّ العقوبة بحق الخطيب “فيها قسوة” وأنّ “الحكم متشدّد بما يخالف نهج المحكمة العسكرية في ملفّات التواصل”. وترى أنّ “المعايير التي تُطَبَّق في هذا الموضوع غير موحّدة، وأنّ هناك ازدواجيّة بالنسبة إلى سياسيّين – منهم فايز كرم- حُكِمُوا بملف مشابه لمدّة أقل”. وتقول: “الاستنسابية تفتح باب السؤال عمّا إذا كان الحكم متأثراً بالظروف السياسيّة الإقليميّة والمحلّيّة المتعلّقة بموجة التطبيع العربية والضّغوط التي تُمارَس على حزب الله دوليّاً”. شحادة اختارت أن تتوسع في المقارنة بين قضية فايز كرم وقضية كندة الخطيب. فكرم، الذي أدين بجرم التعامل، وكان في ما مضى يشغل مركزاً حساساً في وحدة مكافحة التجسس في الجيش اللبناني، حُكم عليه بالسجن لسنتين فقط، في وقت تحكم كيندا الخطيب التي لا تشكّل أي خطر بموقعها على الأمن القومي بثلاث سنوات سجن مع الأشغال الشاقة، فهذه، بحسب شحادة “معايير مزدوجة في تطبيق القانون”. تضيف: “زياد دويري قضيّته كانت مختلفة إذ اعتبروا تهمته دخول بلاد العدو ولم ينظروا فيها على أنّها تعامل أو تواصل” على رغم من أنّ ما فعله “يصبّ في إطار التطبيع والدعوة إلى السّلام لكنّ قضيّته تم النّظر إليها بطريقة مختلفة لأنّه شخصيّة مشهورة، ولأنّه أيضاً يحمل الجنسية الفرنسية”.

بهذا المعنى تلعب الخلفية السياسية والاجتماعية والمهنة والجنسية الثانية والموقع، دوراً أساسياً في كيفية تعاطي الأجهزة الأمنية والمحكمة العسكرية مع قضايا التعامل والتواصل مع إسرائيل: “هناك أشخاص كانوا يُبَرَّأون لأنّهم كانوا يتواصلون مع أشخاص يعرفونهم أو أقرباء لهم، في حين حُكِمَ على الخطيب لأنّها كانت تتواصل بغرض الدفع نحو السلام وهي لم تنكر هذا الأمر وذكرت في المرافعة أنّ هذه رغبة عبّر عنها سياسيّون كُثُر ومنهم جبران باسيل الذي قالت إنّه تواصل مرّة مع التلفزيون الإسرائيلي”. 

ترى ياسمين، أنّ تمييز الحكم هو “الفرصة الأخيرة” أمام شقيقتها مؤكّدة الأمل “بوجود قضاة شرفاء”. وتكشف لـ”درج” أنّ العائلة تلقّت “وعوداً من رئاسة المحكمة العسكرية بأنّ الملف فارغ ولا معطيات ثابتة لإدانة كيندا وأنّ المحكمة طلبت أوراقاً من السفارة الكويتية تؤكّد أن الكويتي ياسر الكيندري شخص عادي وليس شخصيّة أمنيّة، وأوراقاً أخرى من الأمن العام الأردني تثبت عدم دخول شقيقتها إلى الأراضي المحتلة لتتفاجأ العائلة بعدها بصدور قرار المحكمة قبل الحصول على الأوراق المطلوبة”، وهو ما اعتبرته “خرقاً قانونيّاً”.

ليس وراء كيندا دولة عظمى كما هي الحال مع عامر فاخوري.

في هذا الإطار، يرفض الحقوقي نزار صاغية، وهو أحد مؤسّسي “المفكّرة القانونيّة”، تكرار لازمة “لا ثقة في القضاء اللّبناني” إذ يعتبر أنّ “التعميم في هذا المكان خطر وقد يؤدّي إلى هيمنة المرجعية السياسية”. لكنّه يرفض أيضاً المحاكم الاستثنائية التي يقول إنها لا توفّر للمتهمين شروط محاكمة عادلة” وأنّها “محكمة مفتوحة على التدخّل السياسي فالعسكر يحكمونها”. وبالتالي يعتبر أنّ “محاكمة أي مدني أمام هذه المحكمة مخالف للعهد الدولي للحقوق المدنية الذي يضمن لكل مواطن المثول أمام محكمة تكفل حق الدفاع الكافي ولا تكون بإدارة عسكريين ويتوفر فيها الاستئناف والتمييز أصولاً”. 

سيكون أمام كيندا الخطيب أن تنتظر قرار محكمة التمييز العسكرية للبت في قضيتها. ليس وراء كيندا حزب كما هي الحال مع العوني فايز كرم. وليست وراءها دولة عظمى كما هي الحال مع عامر فاخوري. ولا تحمل جنسية ثانية ورصيداً فنياً كما هي الحال مع زياد دويري. ستكون كيندا الخطيب وحدها، في مواجهة استنسابية القضاء العسكري الاستثنائي، من دون أي غطاء سياسي أو طائفي أو اجتماعي. فهل تنال عدالة توازي بين “جرمها” وعقوبتها؟

إقرأوا أيضاً: