fbpx

لبنان ومسلسل القمع:
جيسيكا تخوض معركتها وحيدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ازدادت في الآونة الأخيرة الاستدعاءات والتوقيفات ذات “الطابع التأديبي”، وفيها يبقى الصحافي أو الناشط تحت خطر الاستجواب والتحقيق، أو قيد المحاكمة المؤجلة بهدف تحفيز الرقابة الذاتية وتوسيع دائرة القمع وتكميم الأفواه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أتعهّد بأنني لن أتعهّد على ما يحدّ حريتي”…

هذه هي العبارة التي طلبت الناشطة اللبنانية جيسيكا حوراني أن تُكتب في محضر التحقيق في مكتب مكافحة المعلوماتية بتهمة “المس بهيبة رئاسة الجمهورية”، على خلفية منشورات فايسبوكية على صفحاتها الشخصية.

جيسيكا حوراني

جيسيكا (27 سنة)، وهي عاملة في المجال الإعلامي مع منظمات أجنبية، استُدعيت سابقاً للتحقيق في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بتهمة “تعاطي المخدرات”، إلا أنها خرجت فوراً إذ تبيّن أن الإدعاء ضدها كاذب. وفي المرّة الثانية، استدعيت جيسيكا في 5 كانون الثاني/ يناير 2021، بسبب منشورات كتبتها على “فايسبوك”، انتقدت فيها فساد سياسيين، منهم رئيس الجمهورية ميشال عون.

وجيسيكا هي واحدة من مواطنين كثر يرون في صفحاتهم الشخصية فسحةً وحيدة للتعبير عن امتعاضهم من فشل السلطة اللبنانية وفسادها، لا سيما عقب انفجار مرفأ بيروت وما كشفه من تلكؤ الجهات الرسمية والقضائية. وعلى رغم أن قضية حرية التعبير خاضها نشطاء وصحافيون كثر أخيراً، تحديداً منذ انتفاضة 17 تشرين، إلا أن اللافت في قضية جيسيكا أمران، الأول هو غياب التغطية الإعلامية كلياً عن الأشخاص غير المدعومين شعبياً في معركة الحريات، إذ لم تتطرق أي مؤسسة إعلامية إلى قضيتها. ثانياً، قصة جيسيكا تطرح مدى أهمية “المساس بهيبة رئاسة الجمهورية” أو أي صورة من صور السلطة الحاكمة على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ إن لا جهة محددة قدّمت شكوى ضد حوراني، بل القضاء هو الذي أدرج ملّفها كأولوية على ملفات أخرى مصيرية، كملف انفجار المرفأ مثلاً.

“أتعهّد بأنني لن أتعهّد على ما يحدّ حريتي”…

تروي جيسيكا لـ”درج” أنها ذهبت وحيدة إلى المخفر، بعدما امتنع محاميها نائل القائد بيه عن مرافقتها بسبب الإضراب الذي شنته نقابة المحامين على خلفية اعتداء أحد عناصر قوى الأمن على المحامي جيمي حدشيتي بالضرب.

وفي التفاصيل، عرض المحقق منشورات جيسيكا عليها، علماً أنها منشورات عادية ولا تتضمن شتماً أو ذكر الأشخاص بأسمائهم، وطلب منها إزالة المنشورات. وبعد إزالتها أربع منشورات، أعلمها المحقق أنها لن تتمكن من التوقيع على سند الإقامة، وهو ما يعني انتهاء جلسة التحقيق معها، “لأن القاضية المسؤولة عن الملف، وهي غادة عون، غير موجودة في لبنان”. بل ألزمها بالتوقيع على تعهّد يضمن عدم تعرّضها للمساس بهيبة رئاسة الجمهورية مجدداً، وهو ما امتنعت عن فعله، وبقيت أسيرةً في مكتب التحقيق 7 ساعات، أي دوام عمل المكتب الكامل، لتخرج أخيراً، إلا أنها ما زالت قيد التحقيق حتى الآن لأنها لم توقّع سند الإقامة.

توقيفات بالجملة بهدف تحفيز “الرقابة الذاتية”…

تحيلنا قصة جيسيكا إلى قصص نشطاء وصحافيين استدعوا في السنة الراهنة إلى التحقيق بسبب منشورات شخصية يعبّرون فيها عن آرائهم، خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر. إذ تصاعد تكريس الأجهزة الأمنية لقمع حرية التعبير في لبنان بوتيرة لافتة منذ الانتفاضة، هذا عدا عن استغلال السلطة لإجراءات احتواء فايروس “كورونا” لحزم قبضة الرقابة والقمع.

واللافت هو ملاحقة السلطتين القضائية والأمنية، نشطاء وصحافيين بسبب منشورات فايسبوكية، آخرهم كان سعيد العبدالله الذي تم توقيفه أكثر من 40 يوماً بسبب شتمه رئيس الجمهورية على صفحته الشخصية. ويأتي ذلك في حين تتراخى السلطات اللبنانية، أو تكاد تغيب كلياً، عن محاسبة فاسدين ومتّهمين في قضايا أساسية، أبرزها قضية انفجار مرفأ بيروت.

فقد رصدت منصة “ملحق” لحرية التعبير في لبنان، التابعة لمنظمة “سميكس”، أنه تم توقيف أكثر من 40 شخصاً بسبب منشورات فايسبوكية عام 2020. 

وفي هذا السياق، يقول محمد نجم، المدير التنفيذي لـ”سميكس” إنه “على رغم الازدياد الواضح في وتيرة التوقيفات التعسفية لنشطاء، إلا أن اللافت هو تزامن ذلك مع رفع سقف حرية التعبير لدى الشعب اللبناني”، والذي يُرجّح أنه نابع من انعدام ثقة اللبنانيين بحكامهم، لا سيما منذ تفجير مرفأ بيروت.

كما أن الأجهزة الأمنية استدعت 29 شخصاً على الأقل للتحقيق معهم بسبب تهم متعلقة بحرية التعبير، بما في ذلك القدح والذم، بين 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 و6 آذار/ مارس 2020، وفق تقرير نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، التي اعتبرت أن “لبنان الذي كان ملاذاً للمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي، لم يعد موجوداً”.

تم توقيف أكثر من 40 شخصاً بسبب منشورات فايسبوكية

عام 2020. 

وتؤكّد آية المجذوب، الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، لـ”درج” أن “أكثر ما يثير القلق هو أن النيابة العامة والأجهزة الأمنية والقضاء تصرفت في معظم قضايا توقيفات الرأي بشكل غير قانوني، لمصلحة جماعات سياسية ودينية”.

هذا عدا نمط الاستدعاء والتوقيف ذات “الطابع التأديبي”، الذي يبقي صحافيين ونشطاء تحت خطر الاستجواب والتحقيق، أو قيد المحاكمة المؤجلة أو التعهّد بعدم التعرّض للشخصيات العامة، بهدف تحفيز الرقابة الذاتية وتوسيع دائرة القمع وتكميم الأفواه، وهو ما يظهر جلياً في قضية جيسيكا.

إقرأوا أيضاً: