fbpx

“من قتل من؟”… صار السؤال: “من قتل لقمان سليم؟”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يكن لقمان على الغالب يعرف أنه هو نفسه التالي. ولا نعرف من سيتكفّل بإكمال إدخال البيانات إلى “الديوان”، بعد رحيل لقمان، أو أن الذاكرة اللبنانية وديوانها اللبناني ستتوقف عند خانة بجّاني…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من سنوات طويلة، دلّني لقمان سليم إلى هادي العلوي في معرض نقاش في دارته في الغبيري عن أساليب التعذيب في الإسلام، وكنت بدأت اختصاصاً في الجامعة يتعلق بالحوار الإسلامي- المسيحي. من مكتبه، كطفل صغير وبشغف منقطع النظير، قال لي تعال لأريك “موسوعة العذاب”، بما أنك تبحث في موضوع كهذا. سألته باستغراب: “موسوعة العذاب؟!”. قال “اتبعني”، ومشى بي بين رفوف المكتبة التي تبدو كنفق طويل إلى حفريات المعرفة. لحقت به، ووصل من دون حاجة إلى تمحيص أو تدقيق إلى مكان “الموسوعة”، وهي تقع في سبعة مجلّدات، خصصها واضعها عبود الشالجي لتوثيق عمليات التعذيب التي استخدمت في التاريخ القديم والحديث، تروي ما لاقاه البعض من العذاب والتنكيل. وقفنا أمام الموسوعة التي بدت أكبر بكثير من قدرتي على تحمّلها، ولا بدّ ان لقمان لاحظ في عينيّ هذا الرعب من المجلّدات بعدما استلّ أحدها وقرأ عليّ بعض ما جاء فيه، فرأف بي وأعاد المجلّد الأخضر وقال “اتبعني”، ثم بعد خطوات توقف أمام الرفوف وعلى رؤوس أصابعه رفع نفسه ليصل إلى كتاب صغير في الأعلى، حمل عنوان “من تاريخ التعذيب في الإسلام” لهادي العلوي، وقال إن هذا بمثابة تلخيص لـ”موسوعة العذاب”، ويخفف عنك الخوض في أجزاء واجزاء من الرعب. كما قال إن الكتاب هو جزء من سلسلة لهادي العلوي تتضمن أكثر من موضوع، منها واحد مثير عن “الاغتيال السياسي في الإسلام”، ثم استلّه من المكتبة وتصفّحه سريعاً كما لو أنه يغريني بضرورة أخذه. قلت له: أصوّر كتاب “تاريخ التعذيب…” وسأذهب إلى المكتبة لاحقاً لشراء سلسلة العلوي وكتابه عن الاغتيال السياسي.

اغتيال سياسي في العمق. واغتيال لا يحيد عن تاريخ “الاغتيال السياسي في الإسلام”، كما لا يحيد عن تاريخ الاغتيال السياسي في لبنان.

عدتُ إلى الكتاب بعدما تيقّنت أن خبر اغتيال لقمان حقيقة. تذكرته ورحت أبحث عنه كمن يبحث عن عزاء في جمع من الغرباء. وجدته في مكتبتي الفوضوية ورحت أفلفش أوراقه كما لو أنني أبحث عن سرّ أعطاني لقمان خريطته قبل سنوات طوال. بكثير من الشغف رحت أفلفش عن تعريف لما حدث مع لقمان في كتاب دلّني عليه لقمان. ووجدته هناك، في الكتاب، تعريف ما حدث حرفياً مع لقمان كما وضعه هادي العلوي الذي عرّفني إليه لقمان: “الاغتيال ينفرد بالدلالة على القتل العمد المشتمل على أحد ركنين:

1-    استغفال المقتول، كأن يأتيه القاتل من ورائه، أو يكمن له.

2-    استدرجه للايقاع به في مكان معزول”.

هذا تماماً ما حدث مع لقمان. وهو اغتيال سياسي في العمق. واغتيال لا يحيد عن تاريخ “الاغتيال السياسي في الإسلام”، كما لا يحيد عن تاريخ الاغتيال السياسي في لبنان. ولقمان كان مهموماً بهذا الموضوع. يفكر فيه كثيراً ويبحث في الذاكرة عن القبور، لينبشها ويشرّح جثث المقتولين غيلة ليفهم الأسباب والدوافع، لا ليعثر على القاتل فحسب، بل ليعثر على الحقيقة، بما هي مفهوم واسع أبعد من مجرّد تسمية قاتل محدد باسمه.

خصص لقمان سليم لهذه الغاية، مع فريق “أمم للتوثيق” باباً من أبواب “ديوان الذاكرة اللبنانية” تحت عنوان “من قتل من؟”، لتوثيق عمليات الاغتيال التي استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية على اختلاف انتماءاتها السياسية والطائفية منذ اغتيال معروف سعد في 6 آذار/ مارس 1975 وحتى اغتيال المصوّر اللبناني جو بجاني بكاتم الصوت في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2020. كان الاغتيال السياسي واحداً من هواجس لقمان سليم على المستوى البحثي. وكان يعتقد بضرورة توثيق كل قصاصة ورق ممكنة لتدعيم ملفات الاغتيال السياسي ومحاولة معرفة من يقف وراءها. ولكل اسم من الأسماء الواردة في لائحة الموت الطويلة التي نفذتها جهات مختلفة، داخلية وخارجية، خانة في الموقع يمكن الدخول إليها لقراءة الأخبار التي نشرت في الصحف عن مقتله. في الخانة المخصّصة لبجّاني عنوان لمقال في صحيفة “نداء الوطن”، يسأل: “تصفيات “الكواتم”… من التالي؟”. وضعه لقمان مع فريقه ضمن المواد التي تحاول فهم سياق اغتيال بجّاني بهذه الطريقة الواضحة والمصوّرة بكاميرات المراقبة، وبدم بارد. لم يكن لقمان على الغالب يعرف أنه هو نفسه التالي. ولا نعرف من سيتكفّل بإكمال إدخال البيانات إلى “الديوان”، بعد رحيل لقمان، أو أن الذاكرة اللبنانية وديوانها اللبناني ستتوقف عند خانة بجّاني، ليبدو أن القاتل نجح فعلاً في إيقاف التوثيق والتعداد والأرشفة.

على الغالب لن يتوقف عمل “أمم للتوثيق”، وستعمل رشا شقيقة لقمان مع أصدقائه والمقرّبين إليه ومن عملوا معه لسنوات في مشاريعه الكثيرة في البحث والتوثيق والنشر، على “تحديث” اللائحة واستكمال ما بدأه لقمان من تفتيش عن المقتولين ومعرفتهم جيداً للعثور في عيونهم وأصواتهم وأشيائهم عن القَتَلة.

إقرأوا أيضاً: