fbpx

حول هوس الديكتاتوريات بقضايا النسل والإنجاب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما بين مشجع ورافض، تتحول قضية إنسانية وحقوقية مهمة كتنظيم النسل إلى ساحة قتال سياسي وايديولوجي بين اتجاهين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للديكتاتوريات هوس عجيب بزيادة الإنجاب.

هل سمعتم عن خيار نيكولاي تشاوشيسكو؟

أجبر تشاوشيسكو، ديكتاتور رومانيا الأسبق، كل عائلة على إنجاب خمسة أطفال قبل أن تبلغ الأم الأربعين. فرض أيضاً ضريبة على كل عائلة لا تنجب أطفالاً، وخفض سن الزواج إلى الخامسة عشرة، وقال إن الطفل ملك المجتمع وليس ملكاً لعائلته. عجز الآباء والأمهات عن إعالة أطفالهم، وامتلأت دور الأيتام بهم، وعندما سقطت المنظومة الشيوعية لم يجد “أطفال تشاوشيسكو” ملجأ غير الشارع والجريمة والدعارة.

كان هذا أيضاً هو خيار ديكتاتور ألبانيا الأسبق أنور خوجه الذي شجع سياسة الإنجاب الكثيف، وبسببه تضاعف عدد سكان ألبانيا ثلاث مرات، وزادت حركة الهجرة الفردية والجماعية هرباً من الوضع المزري والفقر والأفواه الجائعة التي عجز الآباء عن إطعامها.

منع وسائل تنظيم النسل، والتشجيع على الإنجاب أو فرض سياسة الإنجاب القسري، هي سياسة النظم الشمولية ذات الوجه الفاشي. منذ 2016 والرئيس التركي أردوغان يهاجم سياسة تنظيم النسل ويقول إن كل أسرة تستخدمها ليست أسرة مسلمة. لقد تجاوز أردوغان نطاق تركيا ودعا الأتراك المهاجرين في ألمانيا والدول الأوروبية إلى التكاثر والإنجاب حتى يسيطروا على أوروبا من الداخل!

“تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة”

في اليمن، أصبحت قضية تنظيم النسل قضية رأي عام بعد انتشار مذكرة رسمية من وزير الصحة في حكومة الحوثي يوجه فيها الوحدات الصحية بالتوقف عن تقديم خدمات تنظيم النسل، إضافة إلى توجيهات سابقاً بعدم توزيع وسائل منع الحمل لأي امرأة إلا بحضور زوجها والتأكد من عقد الزواج!

وفي ظل التأثر الكبير والواضح لسلطة صنعاء بالسياسات الإيرانية، رأى كثر من اليمنيين أن هذا التوجيه جاء تقليداً لتوجيه إيراني سابق من المرشد الأعلى، علي خامنئي، طالب فيه السلطات بايقاف توزيع وسائل منع الحمل وتشجيع الإيرانيين على الإنجاب.

ولأن التقليد الأعمى يحول المأساة إلي ملهاة، تحول تعميم وزير الصحة الحوثي إلى حملة سخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن اليمن ما زالت إحدى أسرع الدول لناحية النمو السكاني على مستوى العالم بنسبة تصل الى 3 في المئة سنوياً. وفي ظل عجز الحكومات اليمنية المتعددة عن دفع الرواتب للسنة الرابعة على التوالي وحالات الفقر المتسارعة التي صار فيها حوالى 80 في المئة من اليمنيين في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، فإن التوجيهات بإيقاف خدمات تنظيم النسل، سياسة انتحارية لا تقل خطورة عن سياسات تشاوشيسكو سيئة الذكر.

لا شك في أن للفكرة الدينية السائدة حول “تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة” دورها في ذلك، لكن حاجة القوى المسيطرة في اليمن للمزيد من المقاتلين لتغذية الجبهات في ظل حرب طويلة لا يبدو أنها ستتوقف قريباً، هو ما يدفع سلطة صنعاء إلى الدخول في خيار شديد الخطورة نحو الانفجار السكاني في بلد أصبح على حافة المجاعة.

ليست قضية تنظيم النسل قضية سياسية بالمعنى المباشر للسياسة، لكنها تحولت إلى سلاح للصراع السياسي والايديولوجي مع الداخل والخارج. لقد ظل الخطاب الإسلامي يحذر من مؤامرة ضد “خصوبة” المسلمين وتكاثرهم لإفشال قوة الجهاد والفتح الموعود. ولم تختلف مواقف الأنظمة القومية والاشتراكية العربية كثيراً، إذ ظلت متشككة تجاه سياسات تنظيم النسل معتبرة إياها نتيجة للتوجهات الرأسمالية الرامية إلى تقليل النسل في دول العالم الثالث، وتأثراً بالـ”المالتوسية الجديدة” التي ترى استحالة قدرة الدولة على الاستجابة لاحتياجات السكان ما لم يكن هناك تحديد صارم للنسل.

أنجب اليمنيون أكثر من 4 ملايين طفل خلال فترة الحرب (2015-2020)، ومعظم الآباء الذين أنجبوا هؤلاء الأطفال سيئو الحظ عاطلون من العمل أو يعيشون على الكفاف.

في الوقت نفسه، وفي سياق مختلف، ربط الرئيس المصري السيسي بين التزام الدولة بدعم التعليم والتزام المواطنين بتحديد النسل. لكن ما أهمله السيسي، هو فشل سياسة تنظيم النسل بسبب تلكؤ الدولة، وصعود الخطاب الديني المتشكك تجاه تنظيم النسل، إضافة الى استمرار المعتقدات الشعبية التي ترى في كثرة الإنجاب قوة. 

لم ينج لبنان من الطرح المسيس للقضية على خلفية النقاش حول نسبة الإنجاب الكبيرة في أوساط اللاجئين السوريين مقارنة بنسبة الإنجاب المنخفضة في العائلة اللبنانية عموماً.كما طرحت القضية داخلياً في وجه التظاهرات لتي اندلعت في بعض المناطق الفقيرة في لبنان، والتي شاء البعض ربط  مشروعيتها بتوقف سكان تلك المناطق الفقيرة عن الإنجاب العشوائي.

ما بين مشجع ورافض، تتحول قضية إنسانية وحقوقية مهمة كتنظيم النسل إلى ساحة قتال سياسي وايديولوجي بين اتجاهين.

الاتجاه الأول شمولي يرى أن الوطن في معركة دائمة ضد أعداء داخليين وخارجيين، وأن المعركة تحتاج المزيد من الأرواح. اتجاه يرى أن الطفل ملك للدولة، تتلقفه طفلاً فيغسل دماغه بشعاراتها وصرخاتها الفاشية، ثم ترميه مراهقاً وشاباً إلى جبهات الموت.

الاتجاه الثاني نفعي يحاول استغلال قضية الإنجاب العشوائي لتبرير تنصل الدولة من التزاماتها تجاه المواطن.

لا يعني هذا أن المواطن لا يتحمل جزءاً من المسؤولية. لقد أنجب اليمنيون أكثر من 4 ملايين طفل خلال فترة الحرب (2015-2020)، ومعظم الآباء الذين أنجبوا هؤلاء الأطفال سيئو الحظ عاطلون من العمل أو يعيشون على الكفاف. كما أن سكان اليمن يتضاعفون كل 23 سنة في ظل معدل زيادة سنوية كبير. زيادة ضخمة وقنبلة موقوتة أخطر من تركها لاستهتار الآباء وبراغماتية السياسيين وجنون الشموليات الدينية وهوسها بالقتال والموت.

إقرأوا أيضاً: