fbpx

عندما عانق طالباني صدام حسين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كاكه تعال بسرعة شوف التلفزيون”. كانت نشرة الأخبار تعرض اللقاء بين صدام وطالباني وهما يتعانقان!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع بدء الهجوم المضاد الذي شنته قوات الحرس الجمهوري لقمع الانتفاضة الكردية في نهاية آذار/ مارس 1991، ما أدى مباشرة إلى لجوء أكثر من مليون شخص من السكان إلى الجبال، خصوصاً على الحدود التركية، هرباً من الهجوم العراقي وما رافق ذلك من شائعات مرعبة باستخدام أسلحة كيماوية، تتالت ستة أحداث رئيسة خلال نيسان/ أبريل لعبت في نهاية الأمر دوراً حاسماً في تقرير مستقبل المنطقة الكردية والعلاقة بين الكرد وبغداد. ففي 5/4/1991 صدر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 688 الذي ألزم المجتمع الدولي بحماية السكان المدنيين تحديداً الكرد. في 11/4 أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) إقامة المناطق الآمنة في شمال العراق. في 12/4 قررت قيادة القوات الأميركية تنفيذ عملية “بروفايد كومفورت” لإلقاء مساعدات غذائية وإنسانية من الجو إلى اللاجئين الكرد المحاصرين الذين كانوا يتعرضون للجوع والموت. في 17/4 بدأت القوات الأميركية إقامة ملاذات آمنة في مناطق كردية قريبة من الحدود التركية لإنزال اللاجئين من الجبال وإعادتهم إلى كردستان. في 20/4 وصل الزعيم الكردي جلال طالباني إلى بغداد والتقى صدام حسين لإطلاق عملية المفاوضات بين القيادة الكردية وبغداد. أخيراً في 28/4 بدأت عملية إنزال اللاجئين الكرد من الجبال إلى الملاذات الآمنة.

بريماكوف يسعى إلى دور

وقتها كان طالباني في معقله قلاجوالان في شرق السليمانية، يسعى إلى لمّ شتات قوات البيشمركة التابعة لحزبه والتي تركت مواقعها وتوجهت إلى مناطق عائلاتها في مسعى لإنقاذها وإبعادها من طريق القوات العراقية المهاجمة، فيما كانت قوات البيشمركة التابعة للأحزاب الاخرى تواجه المشكلات ذاتها. وكان طالباني حصل على هاتف يمكّنه من الاتصال عبر الأقمار الصناعية يعرف باسم “ثريّا”. عشية توجهه إلى بغداد، تحديداً مساء 18/4 (كان يجري اتصالاته عبر “ثريا” في الأمسيات فقط) قبل ذلك، ليخبرني بأن القيادة الكردية تلقت عرضاً من بغداد لإجراء مفاوضات مباشرة معها، مضيفاً أن القيادة تدرس العرض وفي الاطار نفسه تسعى إلى استشارة “أصدقاء” وشخصيات معنية في دول كبرى لمعرفة مواقف دولهم من هذا العرض، خصوصا الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. وسألني ان اتصل بيفغيني بريماكوف لمعرفة رأيه خصوصاً أن غورباتشوف عينه مبعوثاً خاصاً إلى العراق اثر غزو الكويت. وفي الإطار زار بغداد اكثر من مرة والتقى صدام حسين، لكنه فشل في إقناعه بسحب قواته من الكويت. ومعروف أن القيادة السوفياتية كانت كلفته بمهمة خاصة كوسيط بين بغداد وزعيم الثورة الكردية الراحل ملا مصطفى بارزاني، فنجح في مهمته التي أسفرت عن اتفاق الحكم الذاتي لكردستان في 11 آذار 1970. بعبارة أخرى اعتبر طالباني أن استشارة بريماكوف مطلوبة لمعرفة موقف الاتحاد السوفياتي من مفاوضات محتملة بين الكرد وبغداد. أجبت طالباني بأن الوقت كان متأخراً وسأتصل ببريماكوف في صباح اليوم التالي. في اليوم التالي، اتصلت باكراً بصديقي روبرت ماركاريان الذي كان مديراً لمكتب بريماكوف وقريباً منه ومحل ثقته ومشمولاً برعايته مذ بدأ مسيرته العملية ديبلوماسياً شاباً، وظل معه إلى أن أصبح الأخير وزيراً للخارجية، حيث شغل ماركاريان مناصب رفيعة في الوزارة، قبل تعيينه سفيراً في سوريا (1999– 2006) ثم في كرواتيا (2008– 2015). وكان ماركاريان مثل بريماكوف مستشرقاً ودارساً العربية وخبيراً في شؤون الشرق الأوسط وله كتاب صدر في الثمانينات عنوانه “مثلت الرياض – طهران – بغداد”. أبدى ماركاريان اهتمامه بالموضوع وقال إنه سينقل الطلب إلى بريماكوف في أسرع وقت حالما ينهي الأخير لقاءات رسمية عاجلة قي وقت متأخر نسبياً من ذلك اليوم وسيخبرني بالنتيجة في اليوم التالي. 

ظل بريماكوف يتواصل مع القيادات الكردية وآخر مرة التقى بارزاني وطالباني وغيرهما كان في 2008 عندما زار إقليم كردستان على رأس وفد من رجال الاعمال الروس وكان وقتها رئيساً لغرفة التجارة والصناعة الروسية. 

أكثر من مجرد وساطة

في اليوم التالي، اتصل بي ماركاريان وأبلغني تحيات بريماكوف ورأيه الرسمي كالآتي: إنه ينصح القيادة الكردية بقبول العرض وأمامها فرصة واقعية للتوصل إلى اتفاق مرض يلبي إلى أقصى حدّ طموحاتهم خصوصاً أن العراقيين كانوا في موقف ضعيف. وأضاف أن بريماكوف مستعد لأن يقوم بدور أكثر من مجرد وساطة بين الطرفين، بل أن يمثل الاتحاد السوفياتي بصفته ضامناً لتنفيذ أي اتفاق يتوصل إليه الطرفان. لكن بريماكوف يشترط من أجل القيام بهذا الدور موافقة القيادة الكردية وبغداد معاً. قلت لماركاريان انني سانقل ذلك إلى طالباني في اسرع وقت. كان علي ان انتظر حتى المساء كي يفتح طالباني خط الـ”ثريا” قبل أن أستطيع الاتصال به. كان الوقت عصراً عندما سمعت ضجة في قاعة التحرير في “الحياة” وزملاء ينادوني: “كاكه تعال بسرعة شوف التلفزيون”. كانت نشرة الأخبار تعرض اللقاء بين صدام وطالباني وهما يتعانقان! لاحقاً عندما عاد طالباني إلى كردستان وكان أول اتصال لي معه فسألني عن جواب بريماكوف فذكرت له موقفه فعلق طابلاني انه موقف جيد ومفيد ويمكن القيادة الكردية ان تستفيد منه. لاحقا أخبرني طالباني بأنه فاتح الطرف العراقي بموقف بريماكوف لكن صدام رفض اي دور خارجي. بعد فترة في اول زيارة عمل صحافي قمت بها إلى موسكو التقيت بريماكوف في مكتب مساعده ماركاريان في الكرملين. كان ذلك بعد فترة قصيرة على محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس ميخائيل غورباتشوف في آب/ أغسطس 1991. وكان بريماكوف آنذاك عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي وعضواً في مجلس الرئاسة ومجلس الامن القومي السوفياتي وظلّ داخل الحلقة القريبة من غورباتشوف حتى زوال الاتحاد السوفياتي. في سياق الحديث سألني بريماكوف عما حدث بعدما نقلت موقفه إلى طالباني فأجبته بأن الزعيم الكردي أخبرني أن صدام هو الذي رفض عرضه. بدا الاستغراب على وجهه واكتفى بالقول: “هكذا؟”. أشير إلى ان بريماكوف ظل يتواصل مع القيادات الكردية وآخر مرة التقى بارزاني وطالباني وغيرهما كان في 2008 عندما زار إقليم كردستان على رأس وفد من رجال الاعمال الروس وكان وقتها رئيساً لغرفة التجارة والصناعة الروسية. 

إقرأوا أيضاً:

غضب أوزال

في الأثناء، سعيت إلى معرفة تفاصيل الأسباب التي دفعت القيادة الكردية إلى الإسراع في قبول التفاوض مع النظام العراقي الذي كان يواجه هزيمة قاسية أمام قوات التحالف التي أخرجت القوات العراقية من الكويت واحتلت أراضي في الجنوب، وفرضت على بغداد شروط وقف النار فيما كان هناك القرار 688 والقرار الاميركي باقامة ملاذات آمنة لاعادة اللاجئين الكرد. باختصار السبب الرئيسي ان القيادة الكردية كانت تواجه وضعا لا يقل صعوبة عن وضع النظام العراقي المهزوم. فمن جهة كانت قوات البيشمركة تتراجع امام الهجوم المضاد وسيطرة القوات العراقية على مدن وبلدات رئيسية، ومن جهة أخرى أدت كارثة اللاجئين الفارين إلى الجبال إلى خوف وارتباك السكان الباقين في مناطقهم، التي عادت إليها القوات العراقية الأمر الذي أربك بدوره قوات البيشمركة فتركت مواقعها، وتفرقت وانقطعت اتصالاتهم بوحداتهم وهم يهرعون إلى أهاليهم في مسعى إلى انقاذهم وابعادهم إلى مناطق خارج سيطرة القوات العراقية. إلى ذلك، أصبح عشرات الآلاف من الجنود العراقيين الذين كانوا استسلموا للكرد من دون قتال خلال الانتفاضة، عبئاً على القيادة الكردية والسكان لجهة إيوائهم وإطعامهم فيما كان السكان أنفسهم يعانون من شح المواد الغذائية وانعدام الخدمات الضرورية. 

في ظل هذه التطورات، اضطرت القيادة الكردية إلى قبول التفاوض في مسعى إلى كسب بعض الوقت لوقف النار وإعادة تنظيم صفوف البيشمركة. بعد يوم من وصول طالباني إلى بغداد ولقائه صدام حسين تلقيت اتصالاً هاتفياً من صديقي وزميلي التركي جنكيز تشاندر الذي كان وزوجته يمضيان إجازة قصيرة في شمال قبرص. قال لي بصوت مضطرب إنه تلقى قبل قليل اتصالاً من الرئيس أوزال وتحدث معه بغضب شديد عن سبب ذهاب طالباني إلى بغداد ولقائه صدام، مضيفاً أن ذلك فاجأ الجميع وجعل المؤسسة العسكرية تتساءل عن جدوى قرار أوزال دعوة الزعيم الكردي إلى أنقره واقامة علاقات مباشرة معه. أضاف جنكيز أن أوزال يريد توضيحاً للموقف وهذا هو سبب اتصاله لأنه، أي جنكيز، لم يكن يتابع الأخبار وهو يرتاح في قبرص. أوضحت لجنكيز الأسباب التي ذكرتها في السطور أعلاه، فقال إنه سينقلها لأوزال فوراً. لاحقاً، أخبرني جنكيز أن أوزال ارتاح إلى هذا الإيضاح، واستخدمه في نقاشه مع العسكر خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الذي يجتمع عادة مرة في اليوم الأخير من كل شهر وأبلغهم بأنه يتفهّم تماماً الأسباب التي دفعت الكرد إلى قبول التفاوض مع بغداد. 

أصبح عشرات الآلاف من الجنود العراقيين الذين كانوا استسلموا للكرد من دون قتال خلال الانتفاضة، عبئاً على القيادة الكردية والسكان لجهة إيوائهم وإطعامهم فيما كان السكان أنفسهم يعانون من شح المواد الغذائية وانعدام الخدمات الضرورية. 

بداية مهزوزة للمفاوضات

لاحقاً في لقاءاتي مع المفاوضين الكرد الرئيسيين تحدثوا بالتفصيل عن خلفيات المفاوضات في إطار العرض الذي نقله إليها مكرم طالباني وكيف توصلت قيادة الجبهة الكردستاني إلى قرار قبول التفاوض، والذهاب إلى بغداد. أشير إلى أن روايات المفاوضين عن الخلفيات تتطابق عموماً، لكن عرضها يختلف استناداً إلى وجهة نظر الراوي وموقف حزبه وتصوره الشخصي. يقول نيتشيرفان بارزاني إن “مسعود بارزاني دعا زعماء الجبهة الكردستانية إلى اجتماع في شقلاوة لاتخاذ موقف موحد من التفاوض. أنا وطالباني كنا في منطقة ماوت (التابعة لمحافظة السليمانية) عندما أبلغنا بعرض بغداد الذي نقله مكرم طالباني، لكن آنذاك لم تكن لي خبرة في التعامل مع حزب البعث فاعتبرت أن بغداد تشعر بالضغط عليها. توجه طالباني إلى شقلاوة لحضور اجتماع قيادة الجبهة وبعد ساعات من النقاش كان هناك إجماع على ثلاث نقاط. أولاً أن الأميركيين والغرب لن يساعدونا. ثانياً، إن التجربتين في البقاء سنوات في إيران فظيعتان ولا نرغب في أن نعود إلى إيران أو نتوجه إلى تركيا لذا بقاؤنا أفضل في العراق. وثالثاً، إن صدام حسين ضعيف حالياً والوقت مناسب للتفاوض معه”. أضاف أن مسعود بارزاني “لم يكن مقتنعاً بإمكان التوصل إلى اتفاق مع البعثيين وأوضح أنه لن يحصل على اتفاق لكنه مع ذلك يوافق على التفاوض كوسيلة لتحقيق حقوقنا لذا لن نرفض وسنحاول”. نيتشيرفان بارزاني شدد على هذه النقطة رداً على “شائعات وقتها بأن الحزب الديموقراطي الكردستاني كان ضد إجراء المفاوضات” (نيتشيؤفان بارزاني -أربيل في 22/5/1993). هكذا انتهى الاجتماع إلى تشكيل وفد يضم قيادات الأحزاب الرئيسة في الجبهة الكردستانية، بعدما وقّع المشاركون على وثيقة الموافقة على إجراء المفاوضات وتشكيلة الوفد الكردي. الوفد الأول كان برئاسة طالباني وضم نيتشيرفان بارزاني عن “الديموقراطي الكردستاني” وزعيم “حزب الشعب الكردستاني” سامي عبد الرحمن وزعيم الحزب الاشتراكي الكردستاني رسول مامند.

من جهته شدد مسعود بارزاني على أن “التحالف لم يكن مهتماً. فالسعودية والكويت أبدتا اهتماماً في البداية ثم امتنعتا. ومرة سمعت أن السفير الكويتي في دمشق أو في لندن يقول: “لماذا يجب أن نهتم بالمعارضة العراقية بينما القوة الأميركية ستقوم باللازم”. وأضاف بارزاني مشيراً إلى المفاوضات: “لا علم لي بالاتصالات التي أجريت في جنيف (مع بارزاني التكريتي). لكنني كنت في شقلاوة ليل 13-14/1991 عندما جاء شخص من كركوك ومعه رسالة (الأرجح الرسالة التي نقلها مكرم طالباني). اتصلت بنوشيروان مصطفى الذي كان في كركوك فكتبنا معاً ردنا على الرسالة. أعطينا الرد المكتوب إلى المراسل الذي تعرض في الطريق بين اربيل وكركوك إلى إطلاق نار فخرج من سيارته بسرعة مبتعداً منها وانبطح أرضاً تاركاً سترته والرسالة في أحد جيوب السيارة التي دمرت نتيجة القصف فعاد ادراجه. كانت رسالتنا قصيرة قلنا فيها إننا لسنا ضد التفاوض لكنكم أنتم ترفضونه دائماً. وأضفنا أننا نسعى إلى حل سلمي وديموقراطي مع التشديد على الديموقراطية. أعتقد أنهم (في بغداد) حتى الآن لم يصدقوا أن رسالتنا إليهم تلفت في القصف واعتبروا أننا مغرورون لذا لم نرد على رسالتهم” (مسعود بارزاني – صلاح الدين في 19/7/1993).

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.