fbpx

هل ينهي بايدن حرب اليمن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هذه الحرب يجب أن تنتهي”… تشكل تصريحات بايدن تغيراً كبيراً في اللهجة الديبلوماسية التي تبنتها إدارتا ترامب وأوباما. لكن هذا أهون ما في الأمر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلن الرئيس جو بايدن، في خطاب مهم حول السياسة الخارجية ألقاه من وزارة الخارجية الخميس 4 شباط/ فبراير، إنهاء الدعم الأميركي للحرب الدائرة في اليمن التي يشنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات، في خطوةٍ يتمنى النشطاء أن تكون نقطة تحول مهمة في الجهود المستمرة منذ سنوات لوقف أكبر كارثة إنسانية في العالم. طيلة السنوات الست الماضية، قدمت الولايات المتحدة دعماً أساسياً للتحالف، يتمثل في تدريب الطيارين وتقديم المشورة العسكرية والمساعدة في توجيه ضربات عسكرية محددة وتوفير الأجهزة والمعدات وتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود (حتى 2018) إضافة إلى صفقات بيع الأسلحة.

قال رو خانا، عضو مجلس النواب الأميركي، وأحد أقوى الأصوات المعارضة صراحة للحرب في الكونغرس، “يمثل اليوم بداية عهد جديد لسياستنا الخارجية”. وأشاد عضو مجلس الشيوخ، كريس ميرفي، بتصريحات بايدن قائلاً إن “الإجراءات التي اتخذها الرئيس بايدن اليوم تُعد خطوة أولية مهمة لوضع حدٍ لهذا الكابوس”.

تشكل تصريحات بايدن تغيراً كبيراً في اللهجة الديبلوماسية التي تبنتها إدارتا ترامب وأوباما. لكن هذا أهون ما في الأمر. فعلى رغم الضجة المفعمة بالأمل، يتضح لنا عند إمعان النظر أن ثمة ما يدعو إلى توخي الحذر، إن لم يكن التشكك، بشأن فرص إحلال السلام. فخلال خطابه، قدم بايدن -الرئيس الذي يتمتع بخبرة في السياسة الخارجية أكثر بكثير من معظم أسلافه خلال الفترة الأخيرة- بعض التوصيفات والتحذيرات البارعة التي، في ظل عدم وجود معلومات أكثر تفصيلاً، قد تقوض أو تخفف من حدة إعلانه بأن: “هذه الحرب يجب أن تنتهي”.

على سبيل المثال، قال بايدن إننا سننهي كل الدعم الأميركي للعمليات “الهجومية”. وفي حين أنه يمكن بالفعل وصف تدخل السعودية في اليمن بأنه حملة عدوانية لاستعادة نظام كان يضخ الكثير من ثروات اليمن إلى المملكة -يُقصد بهذا نظام الرئيس المنفي عبد ربه منصور هادي الذي أطاح به الحوثيون في 2014- كان القادة السعوديون مراوغون للغاية في الترويج لهذا الصراع، من خلال وصف مجهوداتهم بأنها دفاعية في الأساس. يثير هذا أسئلة حول ما سيوقف بايدن دعمه تحديداً، وهل سيترك باب الدعم مفتوحاً جزئياً أم أنه سيُغلق نهائياً؟

لكنه قال في العبارة التالية مباشرةً إننا “سنواصل دعم المملكة العربية السعودية ومساعدتها في الدفاع عن سيادتها وعن سلامتها الإقليمية وعن شعبها”، إذ تتعرض “لهجمات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيرة وتهديدات أخرى من القوات التي تدعمها إيران في بلدان كثيرة”. لا يختلف هذا النهج كثيراً عن ذاك الذي تبنته إدارة أوباما عندما أعلنت، في اليوم الأول من الحرب، أنها ستساعد التحالف من أجل “الدفاع عن الحدود السعودية وحماية الحكومة اليمنية الشرعية”، كما لو كان الحوثيون يحاولون اجتياح المملكة (وهو أمرٌ لم يقدموا عليه).

وفي حين قال بايدن إنه سينهي أيضاً مبيعات الأسلحة “ذات الصلة”، ما زال ينبغي له توضيح المعايير التي تحدد تلك “الصلة”. قبل ذلك بأسبوع، أعلن بايدن أن إدارته ستعيد النظر في مبيعات أسلحة إلى الإمارات من طائرات مقاتلة طراز “أف -35 ” وطائرات بدون طيار تبلغ قيمتها 23 مليار دولار، وأنها ستجمد موقتاً صفقة قنابل ذكية إلى السعودية تقدر بنصف مليار دولار.

يخشى ويليام هارتونغ، مدير برنامج الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية، أن تحاول الإمارات إنقاذ صفقاتها من خلال الادعاء بأنها لم تعد متورطة في حرب اليمن. على رغم أنه عادة ما يروج إعلامياً لسحب أبو ظبي قواتها من اليمن في 2019 بوصفه نهاية لتدخلها هناك، لا تزال القوات الإماراتية تشارك بكثافة وتحتل جزيرة سقطرى اليمنية البعيدة. أخبر هارتونغ مجلة “ذا نيو ريببلك” أنهم “سوف يحاولون تبرير ذلك والنأي به عن التعريف الذي صاغه الرئيس، وأتمنى ألا تنخدع الإدارة بذلك”.

بخلاف مبيعات الأسلحة، يأمل هارتونغ بأن يشمل التحول في سياسة بايدن الخارجية إعادة النظر في أيّ دعم بحري، وذلك لأن الحصار البحري الذي يفرضه التحالف هو المتسبب الأساسي في كم هائل من المعاناة التي يشهدها اليمنيون حالياً. وقال، “إذا تضمن الدعم المتوقف القنابل السعودية فقط، فلا أظن أن ذلك سيكون فعالاً تماماً في وضع حد للقتل. يمكنهم تفسير الأمر بطرائق شتى، وأتمنى أن ينظروا بتوسعٍ إلى المقصود بالعمليات العدوانية والأسلحة ذات الصلة التي تؤدي إلى استمرار ذلك الوضع”.

بالنسبة إلى بعض المراقبين، لا تبشر لغة بايدن الحذرة تلك بإحلال السلام قريباً. فبدلاً من إحداث هذا النوع من التغيير اللازم لوقف الكارثة الإنسانية، جاءت هذه التصريحات التي تعتبر بمثابة استرضاء أجوف لجمهور الناخبين الذين طالبوا منذ سنوات بإنهاء الحرب. من الممكن أن يرسل بايدن إشارة أكثر قوة في هذا الصدد: فقد تكللت الجهود المبذولة لوقف الصراع بإصدار قرار من الكونغرس يطالب ترامب بوقف الدعم المقدم للتحالف، لكن ترامب استخدم حق النقض ضد هذا قرار. لهذا، يمكن أن يغتنم بايدن الفرصة السياسية من خلال محاولة القيام بما رفضه ترامب والوفاء بتعهده خلال حملته الانتخابية.

إقرأوا أيضاً:

يرى المراقبون أن تصريحات بايدن الأخيرة لا يُفهم منها هذا النوع من الوعود بإنهاء الحرب. فقد قال روبرت فيتالس، وهو أستاذ في جامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب “مملكة أميركا: صناعة الأساطير على تخوم النفط السعودي”، “أعتقد أنهم يتعاملون مع هذا الأمر بحذرٍ شديد. تضمن هذا الخطاب الكثير من الكلمات المطاطية، التي تحتمل الأخذ والرد كيفما يشاء”.

قال عيسى بلومي لمجلة “ذا نيو ريببلك”، وهو أستاذ في جامعة ستوكهولم ومؤلف كتاب “تدمير اليمن: العالم من منظور الفوضى في جزيرة العرب”، “ثمة وسائل شتى للتملص من هذا الوعد السطحي أو تلك الإشارة البسيطة على حدوث تغيير في السياسات. ويمكن أيضاً فهم تلك التصريحات بطرائق شتى، وهذا هو السبب وراء صوغ الخطاب بتلك الطريقة، وقد قاموا بذلك بمهارة بالغة”.

يرى بلومي أن الكلمات القاسية التي وجهها بايدن إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تشير إلى صعود قطر باعتبارها الحليف الرئيس لواشنطن في الخليج وعودتها إلى المشاركة في حرب اليمن. وكثيراً ما ننسى أن قطر، التي استفادت أكثر من غيرها من حكومة هادي، كانت ضمن التحالف الذي كان مكوناً في بدايته من 10 دول قررت التدخل في اليمن عام 2015 بدعم من إدارة أوباما. بيد أنه عام 2017 أعلنت قيادة التحالف العربي إنهاء مشاركة قطر، وفرض بعض أعضاء التحالف حصاراً عليها بمباركة إدارة ترامب. وقد انتهى هذا الحصار قبل بضعة أسابيع فقط من تولي بايدن السلطة.

والآن، مع عودة مسؤولين سابقين في إدارة أوباما إلى السلطة، يعتقد بلومي أنه “سيعاد توظيف دور قطر لتحقيق هدف جديد في تلك المنطقة الجنوبية على حساب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”. وخلافاً لتلك البلدان، “ستظل شحنات الأسلحة تتدفق إلى قطر”.

بيد أن بلومي لم يكن متحمساً لقرار بايدن بتعيين تيموثي ليندركينغ مبعوثاً خاصاً لحرب اليمن. إذ يرى بلومي أنه ولكون ليندركينغ أشرف على بدء الحرب عندما كان يشغل منصب نائب رئيس البعثة في السفارة الأميركية في الرياض، “فهو وجه مألوف ومتمرس ذو خبرة واسعة؛ وجميع الأطراف الفاعلة على أرض الواقع يعرفون من هو، وهذا يبعث على قلق بعضهم”. مضيفاً أن “السبب وراء استمرار الحرب وما سببته من وضع فوضوي لبعض شركاء التحالف، يتلخص في الإجبار بالقوة والإلحاح وممارسة الضغوطات، وهي أمور كانت تحدث في السفارات على يد ليندركينغ نيابة عن إدارة أوباما. ونظراً إلى أن تلك الممارسات لم تفضِ إلى تغيير، لم يعد الناس على أرض الواقع سعداء بهذه التصرفات المصطنعة”.

قال بايدن أيضاً في خطابه إن جهود تيم الدبلوماسية ستعزز من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تعمل على ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني”. تُعرف سامانثا باور، التي تنتظر جلسة تأكيد تعيينها في منصب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بقيامها بأدوار إنسانية وتبنيها لسياسات التدخل، والتي ستكون من أكثر الشخصيات البارزة التي تولت هذا المنصب إذا تأكد تعيينها. وأكد بايدن أنه سيرتقي بدور مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ليتناسب وسمعة باور وذلك من خلال تخصيص مقعد لهذا المنصب في مجلس الأمن القومي في إدارته.

يُشير بلومي إلى أن هذه التحركات التي يتخذها بايدن يُمكن أن تكون الأساس لمزيد من التصعيد المحتمل وزعزعة الاستقرار. إذ يتوقع بلومي أنه إذا ما رفض الحوثيون تدخل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، قد تستخدم إدارة بايدن ذلك كمبرر لإعادة النظر في نهجها لإنهاء الحرب وتقرر التدخل لأسباب إنسانية، “للقيام بما لم يكن التحالف قادراً على فعله خلال السنوات الست الماضية ووضع نهاية سريعة لهذه الحرب”.

لا تبشر لغة بايدن الحذرة تلك بإحلال السلام قريباً. فبدلاً من إحداث هذا النوع من التغيير اللازم لوقف الكارثة الإنسانية، جاءت هذه التصريحات التي تعتبر بمثابة استرضاء أجوف لجمهور الناخبين الذين طالبوا منذ سنوات بإنهاء الحرب.

ربما تشير الرسائل التي وجهها بايدن إلى الحوثيين إلى وجود نهج موازٍ قيد التنفيذ بالفعل، ربما يكون أكثر عدوانية من الجهود الديبلوماسية التي بادر بها. فبعد يومين فقط من إعلان إدارته عن نيتها إلغاء القرار المُتأخر الذي اتخذه ترامب بتصنيف الحوثيين باعتبارها منظمة إرهابية أجنبية، أصدرت وزارة الخارجية بياناً جاء فيه إن الولايات المتحدة “منزعجة بشدة من استمرار هجمات الحوثيين”. ودعا البيان الحوثيين إلى “الوقف الفوري للهجمات التي تستهدف المناطق المدنية داخل المملكة العربية السعودية، ووقف أي هجمات عسكرية جديدة داخل اليمن، التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من المعاناة للشعب اليمني”، وإلى “الامتناع عن الأعمال المزعزعة للاستقرار وإظهار التزامهم بالمشاركة البناءة في الجهود الديبلوماسية التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث من أجل تحقيق السلام”.

يُحدّد هذا التلاعب الديبلوماسي المسار والشروط التي تسعى إدارة بايدن إلى إجراء مفاوضات السلام على أساسها -بمعنى أن تكون على النحو الأكثر ملاءمة للطرف الذي دعمته واشنطن في الحرب على مدى الأعوام الستة الماضية. إذ إن البيان في جوهره يدعو الحوثيين إلى التخلي عن مقاومتهم التدخل الأجنبي.

يعتمد ما سيحدث بعد ذلك إلى حد كبير على كيفية تفسير السعوديين إشارات بايدن ومقدار التباطؤ الذي سيسمح به البيت الأبيض بينما تعيد الرياض تفسير معاني مصطلحات “الهجوم” و”الدفاع”. إذ إنه بالنسبة إلى المؤرخين الذين تناولوا أحداث المنطقة لفترة طويلة، فإن مزاعم الرياض بأنها تتصرف دفاعاً عن نفسها ليست بجديدة؛ وينطبق ذلك على “جميع تدخلاتهم في اليمن” على مر السنين، بحسب ما قاله فيكتور مكفارلاند لمجلة “ذا نيو ريببلك”، وهو أستاذ في جامعة ميسوري ومؤلف كتاب “القوى النفطية: تاريخ التحالف السعودي الأميركي”.

يقول مكفارلاند، “خلال حقبة الستينات، ادعى السعوديون أنهم محاصرون من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر وحلفائه، ومولوا حركة مسلحة ملكية في اليمن خلال حرب أهلية مدمرة للغاية استمرت لفترة طويلة، وصوروا ذلك باستمرار على أنه خطوة دفاعية ضد ناصر. وفي أواخر حقبة الستينات وخلال السبعينات، صوروا جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية باعتبارها جزءاً من خطوة يقودها الاتحاد السوفياتي لتطويق المملكة العربية السعودية بالأنظمة اليسارية، وأيدت القوات المناهضة لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وحاولوا تشجيع التمرد ضد حكومة اليمن الجنوبي، ودعموا حكومة اليمن الشمالي، كل ذلك باسم الدفاع عن المملكة العربية السعودية”.

يرى مكفارلاند أنه مع أخذ هذا التاريخ في الاعتبار، “ثمة الكثير على المحك ويعتمد على مدى جدية إدارة بايدن في تحديد العمليات الهجومية في اليمن على نحو موسع”.

في حين وصف مكفارلاند تصريحات بايدن بأنها “تغيير مُرحب به في الأسلوب”، لكنه أضاف أن “التجربة خير برهان”. فعلى مدى العلاقة التي جمعت بين الولايات المتحدة والسعودية، “بذلت الحكومتان جهوداً كبيرة لإخفاء العناصر الأكثر إثارة للجدل أو الأكثر عرضة للنقد في علاقتهما عن الرأي العام”. وإلى أن تبدي إدارة بايدن قدراً أكبر من الوضوح أو تتصرف بمزيد من الحسم، سيظل الرأي العام حائراً، وستستمر معاناة الشعب اليمني. هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: