fbpx

“الأرز والبامية” و”الراب”: هل هكذا نحارب الذكورية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ببساطة ليست “البامية والأرز” هي التي تغير القوانين والمجتمع والسّلطة الدينية، وليست قادرة على تفكيك التنميط، ففكرة أن المرأة هي الطباخة وملكة مطبخها هي بحدّ ذاتها التحاق بهذه السلطة القامعة والمنمطة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تبدو الهوة واسعة بين صورة المرأة اللبنانية التي سيطرت على المشهد منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 (وما قبله أيضاً)، أعني صورة المتظاهرة التي تشارك في صوغ الشعارات والحشد وتهتف وتواجه الأمن وتشارك في التصدي للقمع وتنادي بحقوقها وحقوق جميع الفئات، وبين تلك التي خرجت علينا في الفيديو الأخير لجمعية “أبعاد” المعنية بحقوق النساء.  

الفيديو الذي يفترض أنه يهدف إلى محاربة التحرش الجنسي، أعاد قولبة المرأة والرجل في سياق هو تماماً ما انتفضت النساء ضده في ساحات التظاهر خلال الأشهر الماضية وقبل ذلك في مسيرة النضالات الطويلة.

الفيديو الذي أنجزه مؤدي الراب جو شمعون، قدم باستعراض بصري دراميّ موسيقي الصورة ذاتها عن الضحايا والناجيات من العنف الجنسي والتحرش والاغتصاب. فتقديم صورة المرأة الشابة الجميلة وكيف تحول “جمالها” الى نقمة، هو تماماً ما يتبناه المتحرشون من نظريات تفيد بأن المرأة مسؤولة عن التحرش بسبب مظهرها، وأن المتحرش “مريض نفسي”، ما يستوجب التعاطف، ويعطي مبرراً للهيكلية الأبوية التي كرست ممارسات التحرش والاعتداء الجنسي.

حمل هذا الفيديو الذي سرعان ما أزالته “منظمة أبعاد” عن وسائل التواصل الاجتماعيّ بصيغة غير واضحة، إشكاليات واسعة ومتجذرة في مقاربة حملات يفترض أنها مخصصة لحماية النساء والمطالبة بحقوقهن، تحديداً لجهة تكريس تصوير النساء بدور الضحية المستجدية، فيتم تسليط الضوء على الحبكة الدراميّة بصيغة رثة، مفعمة بالإسقاطات الأبويّة التي تبرر للمتحرش والمغتصب سلوكه “كمريض نفسي”، وبالتالي يتم حقن المزيد من الأعذار المقنّعة بالذكوريّة والأبوية الفاضحة. 

هذا الفيديو بكل مضامينه يثير السخط من المستوى الهابط الذي قدمه. وهنا لا بد أن نستذكر الحملة السابقة للجمعية نفسها، “أبعاد” قبل أشهر. ففي إطار حملتها “الأمان لمن تصنع الأمان” أثارت المنظمة حملة استياء واسعة، معيدةً تنميطها الممنهج للنساء، عبر تعزيز دور الضحيّة، والذي كرّس الاضطهاد الممنهج وأدّى طرديّاً إلى التمييز السلبي ضدهن، بالقانون والسياسة والدين والثقافة والمجتمع. وسجلت كثيرات في لبنان والعالم العربيّ احتجاجات على هذه الصبْغَة الّتي لازمتهن، والتي تظهرهن ضحايا ومستجديات ومنسحقات، ما يلغي كل التقدم الذي ناضلت من أجله النساء.

 يمكن اعتبار أن مقاربة فيديو أو حملة واحدة ضمن سلسلة حملات قد جانبها الصواب لتستفيد الجهة المعنية من التجربة لتفاديها مستقبلاً، لكن حين تتكرر المقاربة نفسها فهذا يدل على عطب جوهري في مقاربة قضية مهمة وحيوية مثل حقوق النساء. 

أيضاً الجمعية نفسها أصدرت فيديو شهيراً عرف بفيديو “البقلاوة” للفنانة ريمي عقل، يتناول مسألة العنف اللفظي والجسدي الذي تواجهه النساء خصوصاً في الشارع، وشبّه الفيديو المرأة بحلوى البقلاوة. 

قبل أنْ نصبحَ “بقلاوة” حسبنا طويلاً أَنَّنِا نساء، جمعنا مكامن طاقتنا الثوريّة من جهود الناشطات والنشطاء والجمعيّات النسوِيَّة، واستمددنا قوّتنا من قصص النساء الحرّاتِ اللّواتي تمكّن بعزمهنَّ وإيمانهنَّ بقضيتهنَّ وبحقّهنَّ المطلق بالمساواة مع قرينهنَّ في المواطنة الرّجل، بأن يصبحن ناجحاتٍ في نضالهنَّ، وظننا أنّنا ند متكافئ للرجل، ند صاخب مفعم بالثورة، ند مُحِقّ، وليس مظلوماً مسْتَجْدِياً، لكن يبدو أن تلك الحملات انحرفت بعض الشيء لتصوّر المرأة في منحى آخر.

فقد رسخت في هذا الفيديو صورة المرأة “الشمعة التي تذوب من العطاء”. هو المفهوم السام نفسه الذي تربينا عليه بأننا كنساء نعطي بلا مقابل ونذوب ونحترق من أجل الآخرين. تكريس هذه الصورة وكأنها معنى الأنوثة، يتناقض مع مسارنا كنسويات نحاول جاهدات كسر هذه القوالب، وتأكيد أن الأنوثة والذكورة لهما معانٍ كثيرة ونسبية.

المستفز بهذه الفيديوات وسواها أنها دائماً ما تعمل على تسويق النسويّة لتظهر بصورة مُلّمعة للمجتمع الذكوريّ ليقتنع بها، غير أننا مللنا من هذا الخطاب، إذ لا يمكن قط أن نوائم الخطاب ونساوم على مبادئ نسويّة بدهية، ليتقبلها المجتمع الذكوريّ من دون إيجاد حلّ وصيغة لمخاطبة الناس بلا هذه المساومة.

“ملكة المطبخ”

في سياقٍ موازٍ، نشرت ريمي عقل وهي الفنانة التي تكرر اعتمادها في حملات “أبعاد”، على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لمناسبة يوم المرأة، مجموعة صور. 

اعتبرت عقل أن تعليم الرجل فنون الطبخ وبخاصة “البامية والأرز” هو انتصار للنسويّة في مواجهة قمع الرجل، فباعتبار أن المرأة “ملكة المطبخ” هي القادرة الوحيدة على فكفكة الاجتراحات الأبويّة والذكورية في المجتمع عبر دخول الرجل إلى مملكة المطبخ. 

المستفز بهذه الفيديوات وسواها أنها دائماً ما تعمل على تسويق النسويّة لتظهر بصورة مُلّمعة للمجتمع الذكوريّ ليقتنع بها، غير أننا مللنا من هذا الخطاب.

ببساطة ليست “البامية والأرز” هي التي تغير القوانين والمجتمع والسّلطة الدينية، وليست قادرة على تفكيك التنميط، ففكرة أن المرأة هي الطباخة وملكة مطبخها هي بحدّ ذاتها التحاق بهذه السلطة القامعة والمنمطة. فالذكورية والأبوية هما نتاج هذا النظام بأركانه كافة، وإذا كنا فعلاً نريد القضاء عليهما، علينا القيام بتغييرات جذرية في هذا النظام السياسيّ والاجتماعي والديني والاقتصادي، ولا يمكننا في سبيل ذلك الترويج لخطاب يمثلنا من موقع دوني. 

من حقنا أن نقلق حين نجد المدافعين عن قضايا المراة والمجتمع يستعينون بقواعد اللعبة الجماهيرية ذاتها، أي استخدام المؤثرين عبر المنصات الرائجة بوسائط فنية بصرية فضفاضة ركيكة المضمون، ما يعيد إنتاج العقلية ذاتها التي تدعي تلك الحملات مناهضتها.

إقرأوا أيضاً: