fbpx

عيد النوروز: العبث بتاريخ الاحتفال من معاوية إلى المعتضد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن مقارنة حوادث التاريخ المدون حول النوروز يفتح الترجيح أمام إحياء العيد مرتين، الأولى وفق التاريخ القديم، وهو ليلة 20 آذار، ثم هناك الانتقال الغامض من برج الحوت إلى الحمل من 21 آذار…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تاريخياً، بقي عيد النوروز علامة مدهشة صامدة أمام الدعوة الجديدة المتمثلة بالإسلام. لقد أصبحت شعوب النوروز خلال مجيء المسلمين إلى ديارهم مادة للعقاب بين فترة وأخرى. وقد تطرق إلى ذلك نظام الملك، وزير السلاجقة، في كتابه “سياستنامه”، حين اتحدت المزدكية والمجوسية والمهدوية ،تحت راية “سنباذ”، صديق أبو مسلم الخراساني، أيام ابو جعفر المنصور. وبعد انكسار العباسيين أمام هذه الانتفاضة سبع سنوات في بلاد إيران، قتل سنباذ في نزال مع قائد جيش المنصور ويدعى جهور العجلي. “وبعد أن قتل جهورٌ سنباذ، دخل الريّ، وقتل من وجد فيها من المجوس، وأغار على منازلهم ونهبها، وسبى نساءهم وأبناءهم واتخذهم عبيداً”. ونظام الملك تحدث من موقع الإشادة بذلك. هذه عيّنة من تداعيات التناقض بين العقائد الإيرانية والعقيدة الجديدة الإسلامية. فكيف صمد طقس مرتبط بديانات إيران القديمة، مثل النوروز؟

كان النوروز قد تجذّر في الارتباط مع العقائد السائدة في الزرادشتية والمزدكية والصابئية، وعرفته البلاد المنخفضة في سواد العراق. لا توجد علامات على استمرار الاحتفال في السنوات الأولى من التوسع الإسلامي. وجمع هشام جعيط في كتابه “الكوفة – نشاة المدينة العربية الاسلامية”، روايات متزامنة لمؤرخين، من الطبري إلى البلاذري وسيف بن عمر، وغيرهم، فكان مسار التوسع عنيفاً للغاية في الحزام العربي الفاصل بين إيران وعرب الجزيرة، حيث – وفق جعيط – تعامل “الفاتحون” مع العرب غير المسلمين بمنطق حروب الردّة. فما كانت سنوات حتى دانت البلاد المنبسطة كاملة للمسلمين، لكن إقليم الجبال، وهو قوس زاغروس الجبلي الممتد من شمال خورزستان وحتى جنوب آذربيجان، وخراسان، بقي يتّقد بالعقائد القديمة، التي كانت تظهر بين فترة وأخرى مع التمردات. وفي أيام المنصور، بحسب نظام الملك، كان نصف أهل العراق وكوهستان من الرافضة والمزدكية والمجوسية.

ضريبة النوروز

اندمج النوروز بالعقائد الإيرانية، لكنه في الأساس مسألة فلكية مرتبطة بحركة الكواكب والنجوم، ومعروف أنه يوم الاعتدال الربيعي، وهو احتفال لم يقتصر على بلاد إيران وشعوبها، بل كان في وقت سابق موجوداً في بابل وجوارها، لكنه تمركز في إيران.

وقد عرف العرب النوروز، وعربوه إلى النيروز. فارتبطت حوادث داخلية، مثل بيعة غدير خم في العام العاشر للهجرة بيوم النوروز. كذلك قيل عن مقتل عثمان بن عفان. على أن أقدم إجراء مخصص لهذا اليوم كان في عهد معاوية بن أبي سفيان. ففرض “ضريبة النيروز” وقد بالغ في إرهاق الناس واضطهادهم على أداء تلك الطقوس. وجاء في “خطط الشام” لمحمد كرد علي: “كان عمال معاوية يحملون إليه هدايا النيروز والمهرجان فيحمل إليه في النيروز وغيره وفي المهرجان عشرة آلاف ألف. وهدايا النيروز والمهرجان مما رده عمر بن عبد العزيز”. وقد ألغى الأخير هذه الضريبة لما وجد فيها عسفاً على الفلاحين، وتشبهاً بالأكاسرة.

وتتكرر حادثة ابن الأفطس في كتب مؤرخي العصر العباسي. وهناك مذبحتان قام بهما أبو العباس السفاح وأخوه أبو جعفر في يوم النيروز. الأولى هي مذبحة أمراء بني أمية، والثانية حادثة أبي عبد الله بن الأفطس، إذ إن الرشيد حبسه عند جعفر بن يحيى البرمكي، فجاء إليه جعفر وقتله، من غير أمره، وبعث رأسه في طبق مع هدايا النيروز. والرشيد لما أمر مسرور الكبير بقتل جعفر بن يحيى قال له إن سألك جعفر عن ذنبه الذي تقتله به فقل له: “إنما أقتلك بابن عمي ابن الأفطس”.

قد عرف العرب النوروز، وعربوه إلى النيروز. فارتبطت حوادث داخلية، مثل بيعة غدير خم في العام العاشر للهجرة بيوم النوروز.

وفي هذه الرواية إشارة إلى أن أمر عمر بن عبدالعزيز بمنع هدايا النيروز للخلفاء قد أبطل لاحقاً. وفي حوادث عام 278 للهجرة، يذكر الطبري في تاريخ الأمم والملوك أمر القرامطة، والاسم تعريب وتحريف لكرميثة بالنبطية، وهو اسم حركي لرجل أصله من خوزستان. ومما قيل عن تعاليمهم: “لله أعظم ومن شرائعه أن الصوم يومان في السنة، وهما المهرجان والنوروز”. والعيد الأول هو تعريب لـ”مهركان” ويحل في الخريف على أبواب الشتاء، بينما النوروز في مطلع الربيع.

لكن مشكلة تقويمية حدثت في نهاية الدولة الساسانية، فقد كان “یزدگرد” المعروف بالتعريب “يزدجرد” قد عبث بالتقويم الإيراني، وأوقف كبس السنين، لكن ذلك لم ينفذ في كل المناطق. ويعتري الغموض وقلة التفصيل هذا الحدث، بسبب انشغال البلاد بحرب الوجود التي لم يدرك الملك الفتى “یزدگرد” خطورتها. وحين اقتحم المسلمون أرض السواد طبقوا فيها قوانين جزيرة العرب، واستثنوا فارس والجبال من بعض الأمور في البداية.

الاضطراب التقويمي في صدر الإسلام

امتد هذا الاضطراب التقويمي في صدر الإسلام، إذ توقف كبس السنين، فتحرك موعد النوروز، وكان الخراج (الضريبة) قد ربط بهذا اليوم، أي قبل حصاد الموسم الزراعي. ويورد المجلسي في بحار الأنوار تفاصيل تعيين النيروز. فحين اجتمع الدهاقنة زمن هشام بن عبد الملك إلى خالد القسري فشرحوا له هذا وسألوه تأخير النوروز شهراً، أبى وكتب إلى هشام بذلك فقال إني أخاف أن يكون هذا من قول الله « إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ». وفي المراجع التي تطرقت إلى النوروز، فإن المجلسي الأكثر إحاطة، على رغم حداثته مقارنة بمن سبقه من مؤرخين، أشار إلى أخطاء في احتساب النيروز في ذلك الوقت، وأن ربطه ببيعة غدير خم ثم مقتل عثمان، مع انتقال زمني في الشهور، مصدر للتضارب، فضلاً عن اجتهادات غير دقيقة للمؤرخين لضعف علم النجوم لديهم. على أن العبث بموعد النوروز قد بلغ ذروته في العصر العباسي. وجاء ذكر تغيير موعد النوروز في “الكامل” لابن الأثير، في حوادث سنة 467 للهجرة “وفيها جمع نظام الملك المنجمين، وجعلوا النّيروز أوّل نقطة من الحمل (بما يعادل 21 آذار/ مارس)، وقد كان النّيروز قبل ذلك عند حلول الشمس نصف الحوت (مبتدأ 5 آذار ونهاية 20 منه). وصار ما فعله النظام مبدأ التقاويم”. وسمي هذا النوروز النوروز السلطاني“. وخطوة نظام الملك كانت تصحيحاً لموعد سابق تم تعديله، الأرجح أن التقويم تحرك بسبب الشهور القمرية لدى مركز الحكم في بغداد. وكان نظام الملك من سلالة فارسية وعارفاً بتراث النوروز. وقد تبنى السلاجقة هذا الطقس الاحتفالي وربما كانوا على عهدٍ سابق به حين كانت المجوسية منتتشرة على أطراف ما وراء النهر.

من غير المرجح ما ذكره الطبري، عن أن النورز قبل تعديل نظام الملك كان في نصف برج الحوت. فهناك تاريخ آخر كان قبل ذلك، ذكره المختص في علم الفلك مؤلف كتاب «الأزمنة والأمكنة» أحمد بن محمد الأصفهاني، المتوفي سنة 422 للهجرة، أي قبل تعديل نظام الملك بـ45 سنة. وجعله في أيار/ مايو، ويقول في تعريف خصائص هذا الشهر: “سلطان الدم واحد وثلاثون يوماً، آيته ثلاثة، وهو بالفارسية فروردين ماه، آيته واحدة، وهو من شهور الصيف وهو النّيروز رأس سنة القمر، وهو عيد المجوس الأكبر، ثمانية أيام”. على أن خليفة بني العباس، المعتضد بالله، المتوفي سنة 289 هــ، قام بتعديل موعد النوروز المذكور، ويذكرها الفلكي الأصفهاني “وجعل النيروز اليوم الحادي عشر من حزيران/ يونيو وفيه يقول الشاعر مادحاً له شعراً:

يوم نيروزك يوم – واحد لا يتأخّر

من حزيران يوافي – أبداً في أحد عشر”

وكان المعتضد نفذ رغبة والده المتوكل، لأمر مرتبط بالتقويم السائد. فقد كانت تقنية كبس السنين لدى الشعوب غير العربية شائعة، والنوروز على ما يظهر من نص تاريخي بات متحركاً مع مجيء العرب، وكانت الجباية في العراق والجبل وفارس تتم في يوم النوروز، وأضر هذا بالناس وبدأت جماعات من الفلاحين بالتسليف أو الجلاء عن الأرض والهجرة، لأن موعد النوروز في زمن المتوكل قد صار في نيسان والزرع أخضر، فطلب أن يحسب الأيام بما يؤخر العيد ويتوافق مع الحصاد.

ينقل المجلسي عمن سبقه في إحاطة جامعة في الجزء 59 من بحار الأنوار تحت عنوان باب يوم النيروز وتعيينه: “ثم عرف المتوكل أن الفرس كانوا يكبسونها (السنين) فلما جاء الإسلام عطل فأضر ذلك بالناس واجتمع الدهاقنة زمن هشام بن عبد الملك إلى خالد القسري فشرحوا له هذا وسألوه أن يؤخروا النوروز شهراً فأبى وكتب إلى هشام بذلك فقال إني أخاف أن يكون هذا من قول الله «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ». فلما كان أيام الرشيد اجتمعوا إلى خالد بن يحيى بن برمك وسألوه أن يؤخروا النوروز نحو الشهرين فعزم على ذلك فتكلم أعداؤه فيه وقالوا إنه يتعصب للمجوسية فأضرب عن ذلك، وبقي الأمر على حاله فأحضر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولي وأمره بأن يوافق المؤبد على ما ذكره من النيروز ويحسب الأيام ويجعل له قانوناً غير متغير وينشئ عنه كتاباً إلى بلدان المملكة في تأخير النوروز فوقع العزم على تأخيره إلى سبعة عشر يوماً من حزيران، ففعل ذلك ونفذت الكتب إلى الآفاق في المحرم سنة ثلاث وأربعين ومائتين فقال البحتري في ذلك قصيدة يمدح فيها المتوكل وقتل المتوكل ولم يتم له ما دبر حتى قام المعتضد بالخلافة”.

إقرأوا أيضاً:

يذكر ابن الأثير في “الكامل” حوادث سنة 282 للهجرة: “فيها أمر المعتضِدُ بالكتَابَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ كُلِّهَا والبلادِ جَمِيعِهَا بِتَرْكِ افتتاح الخراجِ فِي النيرُوزِ العجمِي، وتأخِيرِ ذَلِكَ إِلَى الْحادي عشرَ من حزيران، وسماهُ النيرُوزَ الْمعْتضديَّ، وَأُنْشئَتِ الكتُب بذلِك من الموصل، وَالْمعْتَضِدُ بِهَا وَأَرادَ الترفيهَ عنِ الناسِ، وَالرفق بهِم”. ويضيف الطبري حدثاً رافق هذا التغيير: “وفيها منع الناس من عمل ما كانوا يعملون في نيروز العجم من صب الماء ورفع النيران وغير ذلك”. ولم يذكر في عهود سابقة تغيير الطقوس، والمرجح أن زيادة نفوذ الفقهاء في الدولة شكّل ضغطاً على النوروز، والأرجح أن محاولات التدخل في صيغة الاحتفال قد حدثت قبل المعتضد لكن لم يتطرق إليها المؤرخون.

على أنه في فترة إرسال المعتضد الرسل لتنفيذ هذا الأمر، حدثت مقاومة ضد هذا الإجراء، وقاد العصيان أمير في دير الزعفران قرب الموصل، حسب الوصف، يدعى حمدان بن حمدون. فقد عصى أمر المعتضد وسير الأخير إليه جيشاً، “وعبر الى الجانب الغربي من دجلة من أرض ديار ربيعة، وقدر اللحاق بالأعراب لما حيل بينه وبين أكراده الذين في الجانب الشرقى”. يورد الطبري إشارات أخرى عن محاولة المعتضد تغيير طقوس الاحتفال بالنيروز، ففي حوادث سنة 284 للهجرة في 11 حزيران “نودي في الارباع والاسواق ببغداد بالنهى عن وقود النيران ليله النيروز، وعن صب الماء في يومه، ونودى بمثل ذلك في يوم الخميس، فلما كان عشية يوم الجمعة نودي على باب سعيد بن يكسين صاحب الشرطة بالجانب الشرقى من مدينه السلام، بأن أمير المؤمنين قد أطلق للناس في وقود النيران وصب الماء، ففعلت العامة من ذلك ما جاوز الحد، حتى صبوا الماء على أصحاب الشرطه في مجلس الجسر”. ولم ذكر الطبري ولا غيره في حوادث هذا العام عن سبب تراجع المعتضد تغيير طقس صب الماء وإشعال النيران. 

وممن اشتهر بالاحتفال بالنيروز عبدالله بن طاهر، في زمن المأمون، وقد ذكره الجاحظ في “أخلاق الملوك” حين تحدث عن عادة الأكاسرة بإخراج ما في خزانتهم في المهرجان والنيروز، من الكسى فتفرق كلها على بطانة الملك وخاصته، ثم على سائر الناس على مراتبهم. وكانوا يقولون: إن الملك يستغني عن كسوة الصيف في الشتاء، وعن كسوة الشتاء في الصيف، وليس من أخلاق الملوك أن تخبأ كسوتها في خزائنها، فتساوي العامة في فعلها. ثم يضيف: “ولا نعلم أن أحداً بعدهم اقتفى آثارهم إلا عبدالله بن طاهر، فإني سمعت من محمد بن الحسن بن مصعب يذكر أنه كان يفعل ذلك في النيروز والمهرجان، حتى لا يترك في خزائنه ثوباً واحداً إلا كساه. وهذا من أحسن ما حكي لنا من فضائله”. وعائلة طاهر تنحدر في نسبها المتبنى من الشخصية الملحمية الإيرانية رستم بن زال، وكانت لهم مكانة وهيبة، بفضل هذا النسب.

العيد مرتين

إن مقارنة حوادث التاريخ المدون حول النوروز يفتح الترجيح أمام إحياء العيد مرتين، الأولى وفق التاريخ القديم، وهو ليلة 20 آذار، ثم هناك الانتقال الغامض من برج الحوت إلى الحمل من 21 آذار، وهو تعديل لا تفسير له في المدونات التاريخية، ثم يظهر تاريخ 10 أيار، ثم 10 حزيران. وهناك نوروز باسم “النوروز الجلالي” (نسبة إلى خوارزمشاه) في التاسع عشر من برج الحمل، بما يعادل العاشر من نيسان. وهذا البحث يحقق فيه المجلسي في “بحار الأنوار”، ويفرد لذلك صفحات، وهو في بعض النواحي زاد الغموض في ما كان غامضاً، على أنّ الالتباس حصل في موافقة يوم بيعة غدير خم للنوروز، وقد تناقلها المؤرخون في ما يبدو على الشهور القمرية. إلا أن الثابت يبدو قد عاد لاحقاً، ولا نعرف التاريخ المحدد لعودة شعوب “إيران شهر” إلى تاريخ 21 آذار، وقد يكون صمود هذا العيد، بفضل الطبقات الشعبية، وما كان يسمى في ذلك الزمان “العوام”، ذلك أن الطبقات المتنفذة في فارس وكردستان وبلخ وهراة وأذربيجان قد اندمجت مع السلطة وبالتالي مع تواريخها ومناسباتها، إلا من أضمر منهم خطة، على غرار آفشين وبابك وسنباذ. ويظهر من وقائع ذكر اسم النيروز أن لجوء العامة والخاصة تخصيص هذا اليوم لتقديم هدايا كبيرة لعلية القوم، وأكثرها للخليفة في بغداد، قد حفظ هذا العيد بعض الشيء، وثبّته رغم ظهور فتاوى تكفيرية لم تكن موجودة حتى ذلك الزمن، إنما أطلقت في وقت لاحق بعد ضعف العباسية. وكان النوروز ظاهراً بقدر ما كان الفقه دون سلطة الخليفة، وعلى العكس من ذلك، حين بات الفقه مرجعاً في تقرير الكافر والمؤمن والمرتد، على الشبهات التي جرت في نهايات العباسية، كان الضغط على طقوس النوروز يتصاعد. فالنوروز نقيض الفقه التطرفي. سابقاً وحتى اليوم. من فقهاء العصور الوسطى وحتى طالبان” و”داعش” و”القاعدة”، وهي ثلاثة تيارات جهادية تكفّر المحتفلين بالنوروز، ويفعل مثلهم كثر من القوميين الإسلاميين حين يصفون محتفلي النورز بأتباع المجوسية.   

وقد حصل في أيام بني أمية والعباس ما كان سائداً من سنن “إيران شهر”، بأخذ الخراج مع حلول النيروز بحسب الاعتقاد الشائع، وهو قول ليس مرجحاً، ذلك أن التواريخ المتداولة للنوروز هي قبل الحصاد، والأرجح أن الخراج كان مرتبطاً بالعيد الآخر، نهاية الصيف، وهو عيد المهركان في أيلول/ سبتمبر. وما زاد الطين بلة أن آخر ملوك إيران، يزدكرد أوقف كبس السنين، وبدأ تقويماً جديداً غير مضبوط زراعياً، وهو ما فاقمه العرب لاحقاً.

مطلع القرن العشرين، فتح نقاش كردي على صفحات مجلة “جين” وقد صدرت بين عامي 1918- 1919، في اسطنبول، وكتب فيها عن النوروز اثنان من أبرز رموز الحراك الثقافي الكردي في ذلك الوقت، هما ممدوح سليم وخليل خيالي، وذهب كلاهما – من دون ذكر المراجع، واعتمدا غالباً على التراث الشفهي – إلى أن قتل كاوا الحداد، أزدهاك، الأسطورة التأسيسية للنوروز، كان في 31 آب/ أغسطس من السنة، وأن هذا اليوم يسمى “عيد الكرد”. وهذا التاريخ قريب من احتفالات عرفت باسم “المهرجان” في التواريخ القديمة، على رغم أن تحديده المرجح كان في بين أيلول وتشرين الأول/ أكتوبر. أما تاريخ 21 آذار وفق خيالي وسليم، فهو يوم مشترك باسمين مختلفين، عند الكرد هو “رأس السنة” Ser Sal وعند الفرس هو “النوروز – النيروز”. يبقى هذا الاجتهاد ضعيفاً بخصوص التمييز بين رأس السنة والنوروز، على رغم الإقرار بأنهما يوم واحد. فقبل قرون من خيالي وسليم، كان أحمد خاني، شاعر الكرد الأبرز، قد احتفى بالنوروز في ملحمة “مم وزين”.

إقرأوا أيضاً: